40/07/17
حدوث القرآن وقدمه
موضوع: حدوث القرآن وقدمه
حدوث القرآن وقدمه[1]
توجد حقيقتان لا شك بينهما عند المسلمين:
الأولى لا يشك أحد من المسلمين في أن كلام الله تبارك وتعالى المتمثل في القرآن الكريم الذي أنزله على نبيه الأعظم يشكل برهانا على نبوة النبي محمد "صلى الله عليه وآله" ويشكل أيضا دليلا لأمة النبي الخاتم "صلى الله عليه وآله" .
الثانية لا يشك أحد من المسلمين في أن التكلم إحدى صفات الله تبارك وتعالى الثبوتية والتي يعبّر عنها بالصفات الجمالية وقد وصف الله تبارك وتعالى نفسه بهذه الصفة في كتابه الكريم فقال "عز من قائل" ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾[2] .
إذن صفت التكلم ثابتة لله "عز وجل" فهي من الصفات الكمالية ومن الصفات الجمالية للذات الإلهية.
ويوجد فارق بين المسلمين والمسيحيين
إذ أن المسيحيين لا يدعون أن الإنجيل الموجود هو نفس الكلام الله الذي نزل على عيسى "على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام" بل يرون أن الإنجيل الموجود هو عبارة عن ما كتبه الحواريون وهم أصحاب عيسى "عليه السلام" مما أملاه عليهم عيسى المسيح "عليه السلام".
بخلاف المسلمين فإنهم لا يرون أن القرآن الموجود هو مما كتبه أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله" ولا يعتقدون أن القرآن الموجود هو مما كتبه النبي محمد "صلى الله عليه وآله" بل يرى المسلمين قاطبة أن القرآن كلام الله فهو النص الذي أنزله الله تبارك وتعالى على قلب النبي محمد "صلى الله عليه وآله" من دون أن يتصرف فيه النبي بشيء فضلا عن أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله".
فإذن كان القرآن كلام الله، هذه هي الحقيقة الأولى وإذا ثبت في القرآن صفة التكلم لله "عز وجل" هذه هي الحقيقة الثانية.
إذن تكون صفة التكلم من الصفات الثبوتية.
هذا تمام الكلام في بيان الحقيقتين اللتين أوردهما السيد الخوئي "رحمه الله" كمقدمة تمهيدية لبحث حدوث القرآن وقدمه.
أثر الفلسفة اليونانية في حياة المسلمين
عاش المسلمون بأسرهم ولم يكن لهم أي اختلاف في القرآن الكريم إلى أن دخلت عليهم الفلسفة اليونانية فشعبتهم إلى فرق وشعوب وقد دخلت الفلسفة اليونانية إلى حياة المسلمين أكثر ما دخلت في أيام المأمون العباسي الذي كان يعطي من يترجم الكتاب اليوناني وزن الكتاب ذهبا فانتشرت الترجمات للكتب السريانية ونقلت من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية.
وفي زمن المأمون العباسي تطرق الجهم بن صفوان إلى مسألة حدوث القرآن وبما أن القرآن كلام الله والتكلم صفة حادثة قال إن التكلم صفة حادثة فيكون القرآن حادثا وليس بقديم واقتنع المأمون العباسي بهذا الرأي المعتزلي للجهم بن صفوان وفرض هذه المقولة أن القرآن حادث وقد أوعز إلى القضاة في سائر الأمصار أن يقولوا بهذه المقولة ومن يخالف هذه المقولة مصيره السجن.
وقد اعترض أحمد بن حنبل وقال أن القرآن قديم وليس بحادث فكان مصيره أن دخل السجن وقد خرج من السجن أيام المتوكل العباسي ومن المعلوم المعروف أن المأمون العباسي كان معتزليا وينشر الاعتزال وأن المتوكل العباسي كان حشويا ينشر مذهب أهل الحديث.
والحشوية وهم الذين يحشون الأحاديث حشوا من دون التمعن والتحقيق فيها.
وفي زمن المتوكل العباسي دونت المجاميع الحديثية لأهل الحديث والحشوية كمصنف أبن أبي شيبة وأبن أبي يعلا وهؤلاء أساتذة أو في طبقة أساتذة البخاري المعاصر للإمام العسكري "صلوات الله وسلامه عليه" إلا أن البخاري لم يروي رواية واحدة عن معاصره الإمام الحسن العسكري وروى عن عمر بن سعد قاتل الحسين "صلوات الله وسلامه عليه".
وهذه المسألة التي هي خلاف بين العدلية وهم من يرون أن العدل أصل من أصول الدين وهما المعتزلة والشيعة الإمامية في مقابل الأشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري صاحب كتاب مقالات للإسلاميين وهو من نسل أبو موسى الأشعري الذي استعان به الخوارج في التحكيم في واقعة صفين ضد أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" وقد أريقت الدماء في هذه المسألة.
والخلاصة
أنشعب المسلمون إلى شعبتين:
اشعري يرى أن القرآن قديم لأن القرآن من الصفات الذاتية لله عندهم وذات الإله قديمة فتكون الصفات الذاتية قديمة
وإذا غير اشعري كالعدلية وهم المعتزلة والشيعة الإمامية الذين يرون أن القرآن حادث وليس بقديم لأن القرآن والتكلم وإن كان من الصفات الثبوتية الثابتة للذات الإلهية إلا أن هذه الصفة ليست من الصفات الذاتية كما يراها الاشاعرة بل هي من الصفات الفعلية وهي صفة حادثة وليست صفة قديمة.
فقال الأشاعرة إن القرآن قديم لأن الكلام على قسمين:
كلام لفظي
وكلام نفسي
وكلام الله النفسي قائم بنفسه وبذاته فيكون الكلام قديم بقدم الذات الإلهية ويكون الكلام إحدى الصفات الذاتية.
وذهبت المعتزلة والعدلية الشيعة الإمامية: إلى حدوث القرآن وإلى أن الكلام ينحصر في خصوص الكلام اللفظي ولا وجود لشيء أسمه الكلام النفسي وإنما الكلام النفسي وهم من الأوهام كما سيتضح فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فالكلام النفسي الذي أدعي أنه من الصفات الذاتية وهم فلا يكون من الصفات الذاتية القديمة حتى يقال إن الكلام قديم بل التكلم من الصفات الفعلية.
ومن الواضح أن الصفات الفعلية حادثة يخلق ولا يخلق يرزق ولا يرزق يتكلم ولا يتكلم.
ومن هنا يقع الكلام في العنوان التالي صفات الله الذاتية والفعلية فما هو الفارق بين الصفات الذاتية والفعلية وهذا البحث في حدوث القرآن وقدمه بحث دقيق عميق يحتاج إلى باع في عدة علوم الأول اللغة العربية الثاني الفلسفة الثالث الكلام الرابع علم الأصول الخامس تفسير القرآن الكريم وهذا البحث لا يرتبط لا بالعقائد ولا بالفقه ومن قال أن من ينكر ذلك أو يثبت ذلك يخرج من ملة الإسلام لكن السيد الخوئي "رحمه الله" تطرق إلى هذا البحث لأنه أصبح من المباحث التي أريقت فيها الدماء وانتهكت فيها الحرمات ولكي يثبت أن هذه المسألة الخلافية خصوصا أن أكثر المسلمين من الاشاعرة وقد ذهبوا إلى قدم القرآن وإلى قدم التكلم وأنه مما يجب الاعتقاد به وسيتضح أنه أمر خيالي ليس له أساس لا من العقل ولا من الشرع.
ما الفارق بين الصفات الذاتية والفعلية؟
صفات الله الذاتية هي الصفات الثابتة للذات الإلهية والتي يستحيل أن يتصف بنقيضها أبدا كصفة العلم وصفة الحياة وصفة القدرة فيصح أن تقول إن الله حي ولا يصح أن تقول إن الله ليس بحي ويصح أن تقول إن الله قادر ولا يصح أن تقول إن الله ليس بقادر ويصح أن تقول إن الله عالم ولا يصح أن تقول إن الله ليس بعالم أو جاهل.
إذن الصفات الذاتية هي الصفات الثابتة للذات الإلهية والتي لا يصح سلبها عن الذات الإلهية بأي حال من الأحوال فتقول إن الله تبارك وتعالى لم يزل ولا يزال حيا عالما قادرا ويستحيل أن تسلب عنه صفة العلم والحياة والقدرة بأي حال من الأحوال بخلاف الصفات الفعلية.
فالصفات الفعلية هي الصفات التي يمكن أن تتصف بها الذات الإلهية في حال ويمكن أن تتصف بنقيضها في حال آخر مثل الخلق والرزق والكلام فتقول إن الله خلق كذا ولم يخلق كذا ورزق فلانا ولدا ولم يرزقه مالا ومن هنا يتضح أن التكلم من الصفات الفعلية الحادثة فيصح أن تقول وكلم الله موسى تكليما ولم يكلم فرعون أبدا ويصح أن تقول إن الله "عز وجل" كلم موسى في جبل طور سيناء ولم يكلمه في بحر النيل.
النتيجة النهائية صفة التكلم والكلام من الصفات الفعلية والصفات الفعلية حادثة وليست قديمة بخلاف الصفات الذاتية التي هي قديمة بقدم الذات فيكون مربط الفرس ومنشأ الخلاف في اعتبار الكلام من الصفات الذاتية فيكون قديما أو من الصفات الفعلية فيكون حادثا.
ذهب الإمامية والعدلية إلى أن الكلام ينحصر في الألفاظ والكلام اللفظي من الصفات الفعلية فهو حادث وليس بقديم.
إلا أن الأشاعرة قسموا الكلام إلى قسمين فقالوا الكلام اللفظي وهو حادث والكلام النفسي وهو موجود في النفس والذات الإلهية وبما أن الذات الإلهية قديمة فالكلام النفسي أيضا قديم فذهبوا إلى أن القرآن وكلام الله قديم بقدم الذات الإلهية لأن الكلام النفسي من الصفات الذاتية القديمة فهو قديم.
إذن سيتركز البحث حول هذه القضية هل الكلام النفسي موجود أو لا؟
فإذا أثبتنا أن الكلام النفسي ليس بموجود بطلت دعوى الاشاعرة وانحصر الكلام في خصوص الكلام اللفظي الذي هو حادث فيكون كلام الله المتمثل في القرآن الكريم حادثا وليس بقديم من هنا يقع الكلام في الكلام النفسي اتفق الأشاعرة في شيء واختلفوا في شيء آخر اتفق الاشاعرة على وجود الكلام النفس.
فقال الأشاعرة بأجمعهم إن الكلام على نوعين:
الأول الكلام اللفظي.
الثاني الكلام النفسي.
إلا أنهم اختلفوا في بيان حقيقة وماهية الكلام النفسي.
فما هو الكلام النفسي عند الاشاعرة؟
يوجد قولان:
القول الأول الكلام النفسي هو نفس مدلول الكلام اللفظي ومعناه والفارق بينهما أن الكلام النفسي لا يتلفظ به بخلاف الكلام اللفظي الذي يتلفظ ويتفوه به.
القول الثاني ذهب آخرون إلى أن الكلام النفسي مغاير للكلام اللفظي وأن دلالة اللفظ على الكلام النفسي ليست دلالة وضعية يكشف عنها الوضع اللغوي وإنما هي من قبيل ومن مثيل دلالة الأفعال الاختيارية على إرادة الفاعل وعلمه وحياته.
فإذا وجدت فعلا اختياريا فإن هذا الفعل الاختياري يكشف:
أولا عن حياة من اختاره
ثانيا ويكشف ثانيا عن علم من اختاره
ثالثا ويكشف ثالثا عن إرادة وقصد من اختاره
وهذه الدلالات ثلاث ليس من عالم الألفاظ وإنما هي ملازمات عقلية الفعل الاختياري يستلزم أن يكون الفاعل عاقلا مريدا عالما حيا وانتقلنا إلى هذه الدلالة ببركة الملازمة العقلية لا ببركة الوضع اللغوي.
والمعروف بين الاشاعرة اختصاص القدم بالكلام النفسي إلا أن الفاضل القوشجي له تعليقة على كتاب شرح التجريد للخواجة نصير الدين الطوسي وهو من علماء الشيعة والقوشجي من علماء السنة وتعليقته من أشهر التعليقات على كتاب شرح التجريد نسب إلى بعض الاشاعرة القول بقدم جلد القرآن وغلاف القرآن أيضا وهذا من الغرائب والعجائب.
وقد اتضح أن الأشاعرة يقولون بقدم القرآن وأن غير الاشاعرة من العدلية كالمعتزلة والشيعة الإمامية يرون أنه حادث وأن كلام الله اللفظي كلمات رب العالمين التكوينية مخلوقة لله وآية من آياته.
ثم يقول السيد الخوئي "رحمه الله" ولا يترتب على الكلام في هذه المسألة حدوث القرآن وقدمه وتحقيق القول فيها غرض مهم لأنها خارجة عن أصول الدين وفروعه وليست لها أية صلة بالمسائل الدينية والمعارف الإلهية غير أنني أحببت التكلم فيها ليتضح لإخواننا الاشاعرة وهم أكثر المسلمين عددا أن ما ذهبوا إليه واعتقدوا به وحسبوه مما يجب الاعتقاد به أمر خيالي لا أساس له من العقل والشك.
إلى هنا بينا بشكل إجمالي أن القول بقدم القرآن يتوقف على القول بثبوت الكلام النفسي لله "عز وجل" وأن ثبوت الكلام النفسي للذات الإلهية وهم لا أساس له من العقل والشرع.
يبقى تفصيل الكلام في أبطال دعوى وجود الكلام النفسي وتوضيح ذلك يأتي عليه الكلام.