40/06/21
إبطال دعوى نسخ في الآية العشرين الى الثالثة والعشرين
موضوع: إبطال دعوى نسخ في الآية العشرين الى الثالثة والعشرين
الآية العشرون[1] التي ادعي نسخها قوله تبارك وتعالى:
﴿قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم﴾[2] الآية 145 من سورة الأنعام.
قال جماعة إن هذه الآية منسوخة بتحريم النبي "صلى الله عليه وآله" لبعض الأشياء وهي غير مذكورة في هذه الآية المباركة كلحم الكلب مثلا فإنه حرام وما أكثر الأشياء التي يحرم أكل لحمها ولم ترد في هذه الآية المباركة وهذه الآية حصرت التحريم في عدة مصاديق كالميتة، لحم الخنزير وغير ذلك الحق والإنصاف أن هذه الآية ليست منسوخة.
تحقيق المسألة
إن الحصر إما حقيقي وإما إضافي يعني بالإضافة إلى الغير بالنسبة إلى الغير والآية الكريمة فيها حصر. الله "عز وجل" يعلّم نبيه الكريم ويقول له قل للكافرين إنني لا أجد فيما أوحي إلي شيء محرم إلا الميتة الدم المسفوح لحم الخنزير ففي هذه الحالة إما أن نقول:
إن هناك حصر حقيقي
وإما أن نقول هناك حصر إضافي.
أما الحصر الإضافي فهو حصر نسبي وهو بالنظر إلى ما قاله وذهب إليه المشركون فقد ورد في الآيات التي سبقت الآية 145 بعض المصاديق التي حرمها المشركون ثمانية أزواج إلى أن يقول ﴿قل ألذكرين حرم أم الأنثيين أم اشتملت عليه أرحام الأنثيينِ﴾[3] .
فهناك مصاديق وموارد قد حرمها المشركون على أنفسهم في الجاهلية النبي "صلى الله عليه وآله" يقول لهم رب العالمين قد أوحى إلي بالمحرمات ولا أجد هذه المحرمات التي ذكرتموها موجودة عندي إلا هذه الموارد لحم الميتة الدم المسفوح لحم الخنزير.
فيكون حصر النبي "صلى الله عليه وآله" للأنعام المحرمة أو للموارد المحرمة من الدواب بالإضافة وبالنسبة وبالنظر إلى ما حرم في كلمات المشركين وليس النبي "صلى الله عليه وآله" بصدد الحصر الحقيقي يعني حقيقة وواقعا لا يوجد حرام إلا هذا.
فبناء على الحصر الإضافي والنسبي يكون حصر النبي "صلى الله عليه وآله" للتحريم في خصوص الميتة والخنزير وما ذكر في الآية الكريمة إنما هو بالنسبة وبالإضافة إلى المحرمات التي حرمها المشركون.
وبالتالي يكون مفاد الآية هو عبارة عن عدم وجدان شيء محرم غير ما ذكر في هذه الآية وهذا دليل على عدم وجود التحريم حين نزول الآية فلا معنى لدعوى النسخ فيها بأن هناك محرمات أخر لأن النسخ لا يقع في الجملة الخبرية والنبي "صلى الله عليه وآله" يخبرهم بأنني لم أجد فيما أوحي إلي شيء محرم من الأشياء التي ذكرتموهما كمصاديق للمحرمات.
إذن لابد من الالتزام بأن الحصر في الآية إضافي يعني بالإضافة إلى ما حرمه المشركون فإن المشركين حرموا على أنفسهم أشياء وهذه الأشياء ليست محرمة في الشريعة الإلهية وهذا يظهر ويتضح من ملاحظة سياق الآيات المتقدمة على هذه الآية.
هذا تمام الكلام في تصوير الحصر الإضافي.
وأما الحصر الحقيقي
تصويره هكذا:
إن المحرمات حين نزول الآية على النبي "صلى الله عليه وآله" كانت محصورة فيما ذكره القرآن الكريم الميتة والخنزير ولم يكن شيء آخر غيرها قد حرم. فهذه الآية آية مكية وآنذاك في مكة لم يحرم على النبي والمسلمين إلا هذه المصاديق المذكورة لكنه بعد نزولها بمدة قد حرمت أشياء أخر وهذا شيء طبيعي إذ أن الشريعة الغراء أحكامها كانت تدريجية فقد نزلت على النبي "صلى الله عليه وآله" على دفعات والقرآن قد نزل منجما خلال 23 سنة فلا مانع من الحصر الحقيقي وقت نزول الآية.
في وقت نزول الآية النبي يقول لا يوجد عندي محرمات إلا هذه وهذا لا ينافي أن تنزل آيات أخر وتحرم أشياء أخر فيدور الأمر بين الحصر الحقيقي والحصر الإضافي.
ومن الواضح أنه إذا رجعنا إلى الفهم العرفي فإن الحصر الحقيقي أقرب إلى الفهم العرفي من الحصر الإضافي وسواء حملنا الآية على الحصر الحقيقي أو الحصر الإضافي لا معنى لوجود النسخ في الآية الكريمة فإن ورود تحريم أشياء أخر كلحم الكلب وغيره لا يتنافى مع قوله تبارك وتعالى ﴿قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير﴾. لا مانع من ذلك لأنه بناء على الحصر الإضافي يكون حصر المحرمات في هذه الأمور بالنسبة إلى ما ذكر من محرمات عند المشركين. وأما بناء على الحصر الحقيقي فإن حصر هذه المحرمات إنما هو بلحاظ نزول هذه الآية في مكة وفي ذلك الوقت وهذا لا يمنع من نزول محرمات أخر بنحو التدريج وهذا أمر دارج في الشريعة الغراء.
النتيجة النهائية الآية العشرون لم يثبت أنها منسوخة.
الآية الواحد والعشرون[4] قوله تبارك وتعالى:
﴿يا أيها الذين امنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا لفئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جنهم وبئس المصير﴾[5] .
هذه الآية يستفاد منها حرمة الفرار من الزحف فإذا ذهب المسلمون للقتال لا يجوز الفرار من المعركة إلا لأحد أمرين:
المورد الأول: إما متحرفا للقتال يعني من باب المكيدة في الحرب أنه يتراجع كأنه في صورة المنهزم ثم يلتف على الأعداء ويقاتلهم
والمورد الثاني: أو متحيزا إلى فئة يلجأ إلى فئة أخرى من أجل معاودة القتال وأما من يفر من الزحف ومن المعركة في غير هاتين الصورتين فقد باء بغضب من الله "عز وجل".
إذن الآية الكريمة تدل على حرمة الفرار من الزحف.
لكن ذهب بعضهم إلى أن هذا الحكم منسوخ بقوله تعالى:
﴿الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فأن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين﴾[6]
هذه الآية تدل على أن المسلمين إذا قل عددهم عن نصف عدد الكفار جاز لهم ترك القتال والفرار من الزحف ومن القائلين بهذا القول عطاء بن أبي رباح[7] لأن الآية مائة مائتين ألف ألفين يعني إذا قل العدد عن المائة في مقابل المائتين هذا اقل من النصف إذا قل العدد عن الألف في مقابل الألفين هذا اقل من النصف فيجب القتال ويجب الثبات في المعركة فيما إذا كان المسلمون نصف عدد الكفار أو أكثر وأما إذا قل عدد المسلمين عن ضعف عدد الكفار بأن نقصوا عن النصف ففي هذه الحالة لا يجب عليهم الثبات ويجوز لهم ترك القتال.
هذا فهم بعضهم لكنه ليس بتام.
والجواب حتى لو سلمنا بفهم هذا المعنى وسلمنا بدلالة هذه الآية على أنه إذا قل عدد المسلمين عن النصف جاز لهم ترك القتال فغاية ما يفيده تقيد إطلاق الآية الأولى الآية الأولى تقول يحرم الفرار من الزحف الآية الثانية مفادها التقييد والتخصيص إلا إذا كان عدد المسلمين أقل من النصف فيجوز ترك القتال فلو سلمنا بهذا المعنى تكون النتيجة حمل المطلق على المقيد.
النتيجة هكذا: يحرم ترك القتال إلا إذا كان عدد المسلمين أقل من نصف عدد المشركين فإنه حينئذ يجوز ترك القتال.
فإذن تقييد إطلاق آية حرمة الفرار من الزحف والمعركة بآية التخفيف المذكورة ﴿الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا﴾ هذا يؤكد بقاء حكم الآية الأولى وهو حرمة الفرار من الزحف ومعنى هذا هو التقييد.
تكون النتيجة إن الفرار من الزحف محرم في الشريعة الإسلامية إذا لم يكن عدد المسلمين اقل من نصف عدد الكفار وأما إذا كان عدد المسلمين اقل عددا من نصف عدد الكفار فلا يحرم على المسلمين الفرار وهذا ليس من النسخ في شيء وإنما هو تقييد.
القول الآخر: روي عن عمر بن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي نضرة ونافع مولى بن عمر والحسن البصري وعكرمة وقتادة وزيد بن أبي حبيب والضحاك هذا قول آخر أن الحكم مخصوص بأهل بدر[8]
أي حكم؟ حرمة الفرار من الزحف
يعني لا يجوز الفرار من المعركة مطلقا خاص بخصوص معركة بدر الكبرى أول معركة ولا يحرم الفرار من الزحف على غيرهم على غير أهل بدر مثل أهل أحد الذي فر كثيرون منهم وبه قال أبو حنيفة يعني ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار﴾[9] خاصة بخصوص أهل بدر.
وفيه
ذكروا في علوم القرآن أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالمورد لا يخصص الوارد وهذه الآية وإن وردت في شأن معركة بدر إلا أنها لم تقيد ولم تخصص حرمة الفرار من المعركة بخصوص معركة بدر وإنما الكلام فيها مطلق ﴿إذا لقيتم الذين كفروا فلا تولوهم الأدبار﴾ نهي عن أن تولوهم الأدبار يعني يحرم عليكم أن تولوا الدبر تولوا الدبر يعني تهربون من المعركة فإِن مورد الآية وإن كان يوم بدر إلا أن نزول الآية في شأن معركة بدر لا يوجب اختصاص الحكم بمعركة بدر بعد أن كان اللفظ عاما وكان الخطاب شاملا لجميع المسلمين ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾.
خصوصا إذا لاحظنا حيثية وهي أن الآية نزلت بعد انقضاء معركة بدر لو كان قبل معركة بدر أيضا نتمسك بالعموم لكن احتمال الخصوصية يمكن توجيهه بقرائن وأما بعد انقضاء المعركة فلا معنى لتخصيص الآية بخصوص معركة بدر يصير ما لها ثمرة هذه الآية التي نزلت بعد معركة بدر.
وذهب أبن عباس[10] وجميع الشيعة الإمامية وكثير من علماء أهل السنة أن الآية محكمة وحكمها مستمر إلى يوم القيامة وهذا هو الحكم الصحيح.
الروايات من كلا الفريقين دلت على أن الآية ليست منسوخة:
رواية الشيعة الإمامية يرويها الشيخ الكليني بإسناده عن محمد عن أبي عبد الله قال (سمعته يقول الكبائر سبع قتل المؤمن متعمدا وقذف المحصنة امرأة عفيفة تتهما بالزنا أو بالسحق هذا قذف والفرار من الزحف الفرار من المعركة اعد من الكبائر السبعة والتعرب بعد الهجرة ـ يعني أنت في مجتمع مسلم مهاجر إلى الله تتعرب سابقا كان المدينة هي المهاجرون هاجروا إلى المدينة أنت تترك المدينة مجتمع إسلامي فيه النبي وتذهب إلى البادية وتصير أعرابي الآن من ابرز مصاديق التعرب بعد الهجرة إن أنت في دولة إسلامية وكل الشؤون الإسلامية تترك هذه الدولة وتذهب إلى دولة كافرة أوربا أو غيرها دولة وثنية دولة مسيحية بحيث أنت أو أولادك ينسلخون من مجتمعهم الديني هذا من مصاديق التعرب بعد الهجرة إلا إذا استطعت أن توفر الأجواء الدينية والإسلامية ما يصدق أنه تعرب بعد الهجرة ـ وأكل ما اليتيم ظلما وأكل الربا بعد البينة يعني بعد أن يتضح أن هذه العملية ربوية وكل ما اوجب الله عليه النار[11] يعني عمل كذا أقعده الله في نار جهنم هذا كل ما اوجب عليه النار فهو من الكبائر).
الرواية من أهل السنة روى أبو هريرة قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال "صلى الله عليه وآله" الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا واكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف يعني الفرار يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الفافلات[12] )، هذا تمام الكلام في الآية الواحد وعشرين واتضح أنها ليست منسوخة.
الآية الثانية والعشرون[13] قوله تبارك وتعالى:
﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾[14]
فهذه الآية تدل على المسالمة.
ذهب ابن عباس ومجاهد وزيد بن اسلم وعطاء وعكرمة والحسن وقتادة إلى أنها منسوخة بآية السيف[15] قوله تبارك وتعالى ﴿قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة﴾[16] فآية السيف تأمر بالقتال وهذه الآية تأمر بالجنح إلى السلم فتكون هذه الآية منسوخة بآية السلم.
والصحيح أنها آية محكمة غير منسوخة
والدليل على ذلك أمران:
الأمر الأول إن آية السيف خاصة بالمشركين دون غيرهم ﴿قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوكم كافة﴾ وهي لم تأمر بقتال مطلق غير المسلم وإنما بخصوص المشركين ومن هنا نجد النبي "صلى الله عليه وآله" قد صالح نصارى نجران في السنة العاشرة من الهجرة مع أن سورة براءة التي تأمر بقتال المشركين نزلت في السنة التاسعة وفي السنة العاشرة النبي صالح "صلى الله عليه وآله" نصارى نجران فتكون آية السيف مختصة بخصوص المشركين وبالتالي تكون مخصصة يعني إذا جنح غير المسلم إلى السلم فاجنح للسلم إلا في المشركين فإنه يجب قتالهم كافة كما يقاتلوننا كافة فتكون آية السيف مخصصة لآية السلم ولا تنسخها بالكامل.
الأمر الثاني من قال أنه يجب قتال المشركين مطلقا حتى لو المسلمين ضعاف وما عندهم عدد وعدة يجب عليهم يقاتلون المشركين هذا يؤدي إلى فناء المسلمين قتال المشركين مشروط بشروط فوجوب قتال المشركين وعدم مسالمتهم مقيد بما إذا كان للمسلمين قوة واستعداد للمقاتلة وأما إذا لم تكن للمسلمين قوة بحيث يظهروا على المشركين وعلى عدوهم فلا مانع من المسالمة كما فعل النبي "صلى الله عليه وآله" مع قريش واغلب قريش مشركين وثنيين وقد صالحهم النبي في صلح الحديبية وقد دل على التقييد قوله تبارك وتعالى ﴿فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وانتم الأعلون والله معكم ولم يتركم أعمالكم﴾[17] .
الآية الثالثة والعشرون قوله تبارك وتعالى:
﴿يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون﴾[18]
فقد دلت هذه الآية على أن الواجب على المسلمين أن يقاتلوا الكفار ولو كانوا عشرة أضعافهم لأن عشرة أضعاف العشرين مائتين وعشرة أضعاف المائة ألف.
وقد نسخت هذه الآية بالآية التي تليها مباشرة آية ستة وستين ﴿الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين﴾[19] يكفي ضعف العدد ﴿وأن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين﴾
إذن الآية الأولى دلت على مقاتلة عشرة أضعاف والآية الثانية دلت على مقاتلة ضعف واحد فمن ادعى النسخ ذكر أن حكم الآية الأولى قد نسخ بحكم الآية الثانية وأن الواجب في أول الأمر وفي البداية على المسلمين أن يقاتلوا الكفار ولو كانوا عشرة أضعافهم ثم خفف الله عن المسلمين فجعل وجوب القتال مشروطا بأن لا يزيد الكفار على ضعف عدد المسلمين.
والحق أنه لا نسخ في حكم الآية لأن القول بالنسخ يتوقف على وجود فاصل زمني وعملي بين الآية الأولى 65 وبين الآية الثانية 66 لأنه لابد من نزول الآية الأولى 65 وانتشارها والعمل بها ثم بعد ذلك يأتي النسخ وأما إذا تنسخ بمجرد نزولها من دون العمل بها يكون إنزال هذه الآية لغوا.
إذن، أولا: القول بالنسخ يتوقف على إثبات الفصل بين الآيتين في النزول وإثبات أن الآية الثانية نزلت بعد مجيء زمان العمل بالآية الأولى لئلا يلزم النسخ حضور وقت الحاجة وإذا لم يثبت ذلك هذا يعني أن الآية الأولى المنسوخة نزلت لغوا ولا يستطيع القائل إثبات وجود فاصل بين نزول آيتين بحيث تم العمل بالآية الأولى إلا إذا تمسك بخبر الواحد الدال على أن الآية الأولى منسوخة وخبر الواحد إنما يفيد الظن وهو لا يغني عن الحق شيئا. وقد تم الإجماع على أن الآية الكريمة لا تنسخ بخبر الواحد الظني[20] هذا أولا.
وثانيا سياق الآيتين يفيد أنهما نزلتا مرة واحدة.
النتيجة أصلا بالذوق العرفي الأمر واضح:
رب العالمين يريد يشجع المسلمين على القتال لا حاجة إلى دعوى النسخ يقول أنتم الآن إذا عشرين تصبرون تغلبون مائتين وإذا مائة تغلبون ألف يعني الواحد منكم بعشرة ثم رب العالمين يقول حتى لو ضعف صبركم وقوتكم وهمتكم وإرادتكم أيضا أنتم الواحد منكم يعادل اثنين فالمائة تعادل المائتين والألف يعادل الألفين فأين هذا من النسخ وبالتالي يكون حكم مقاتلة العشرين لا المائتين هذا حكم استحبابي وحكم مقاتلة العشرين لا الأربعين هذا وجوبي يعني مقاتلة الضعف فيه إلزام يعني إذا المسلمين ألف والمشركين ألفين يجب القتال ولكن إذا المسلمين ألف والمشركين عشرة آلاف لا يجب القتال لكن يستحب القتال فيكون حكم مقاتلة العشرين للمائتين استحبابي وإذا حمل على الاستحباب لا تتم دعوى النسخ.
وخصوصا إذا لاحظنا أن المسلمين يعني هذا دعوى النسخ تتم بناء على أن المجاهدين في بدء أمر الإسلام كانوا اربط جأشا واشد شكيمة من المجاهدين بعد ظهور الإسلام وكانوا أكثر قوة وأكثر أنصارا والحال أنه بالعكس بداية ظهور الإسلام كانوا المسلمين قلة وقد استفرد بهم المشركون فقتلوا ياسر وسمية أب وأم عمار بن ياسر ونكلوا بهم ومن شدة ضعف المسلمين النبي أمرهم بالهجرة إلى الحبشة قويت شوكت المسلمين في أواخر الدعوة الإسلامية لما ثبتت الدولة الإسلامية في المدينة والنبي استطاع أن يقاتل خارج المدينة فكيف أنه في بداية أمرهم كانوا أقوياء بحيث الواحد يعدل عشرة ثم في نهاية الدعوة صاروا ضعاف وصار الواحد يعادل اثنين.
وإذا أرادنا أن نستظهر الآية يكون مدلول الآية هذا تحريض للمؤمنين على القتال وتشجيع والله رب العالمين يعدهم بالنصر على أعداهم حتى لو كانت الأعداء عشرة أضعاف إلا أن رب العالمين لعلمه بضعف قلوب غالب المؤمنين وعدم تحملهم لهذه المقاومة الشديدة لم يوجب عليهم مقاتلة عشرة أضعاف وإنما رخص لهم ترك المقاومة إذا زاد العدو على ضعفهم تخفيفا عنهم ورأفة بهم مع وعده إياهم بالنصر إذا ثبتت أقدامهم في إعلاء كلمة الله.
وقد جعل وجوب المقاومة مشروطا بأن لا يغلب العدو أكثر من الضعف فإن الكفار لجهلهم بالدين وهم يقاتلون بمصالحهم ما عندهم عقيدة فيكونون من الناحية المعنوية ومن ناحية الإقدام في المعركة اقل بخلاف المسلمين الذين يقاتلون عن عقيدة إما النصر وإما الشهادة قال الله تعالى ﴿ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما﴾[21] .
النتيجة النهائية من الواضح بحسب الظهور العرفي لكل من يقرأ الآية الكريمة أن الله تبارك وتعالى في مقام تحريض المؤمنين على القتال وفي مقام وعدهم بالنصر، في البداية قال الواحد منكم يغلب عشرة أضعاف فقد المسلم يستصعب هذا الأمر ثم رب العالمين يقول حتى لو ضعف واحد الواحد منكم قادر على هزيمة ذلك الضعف.
إذن الآية ثلاثة وعشرين دعوى النسخ فيها ليست تامة.
الآية أربعة وعشرون يأتي عليها الكلام.