« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

إبطال دعوى نسخ الآية التاسعة عشر

موضوع: إبطال دعوى نسخ الآية التاسعة عشر

 

الآية التاسعة عشر[1] التي ادعي نسخها قوله تبارك وتعالى:

﴿وهو الذي انشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابه وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾[2] .

فقد ذهب أكثر علماء أهل السنة إلى أن الآية الكريمة منسوخة[3] خلافا لعلماء الشيعة الإمامية الذين ذهبوا إلى أن هذه الآية محكمة وليست منسوخة.

واختلف علماء السنة في بيان وجه نسخها وكيفية نسخها.

يذكر السيد الخوئي "رضوان الله عليه" ثلاثة وجوه لنسخ الآية الكريمة:

وموطن الشاهد في هذه الآية ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ وهذه الآية ناظرة إلى جميع ما ذكر الجنات المعروشات وغير المعروشات والنخل والزرع المختلف الأكل والزيتون والرمان فهي ناظرة إلى مطلق الثمار والأشجار التي نصت عليها الآية الكريمة هناك وجوه ثلاثة في كيفية نسخ هذه الآية الكريمة:

الوجه الأول إن هذه الآية واردة في الزكاة وبالتالي بمدلول الآية تجب الزكاة في مطلق الأشجار والزروع والثمار من هنا يأتي النسخ إذ أن الزكاة لا تجب إلا في الغلاة الأربع وهي الحنطة والشعير والتمر والزبيب على ما هو الأشهر بين الفريقين. بل لا نجد قائلا من الصحابة والتابعين بوجوب الزكاة في كل ما انبتت الأرض.

نعم ذهب أبو حنيفة النعمان وزفر إلى وجوب الزكاة فيما عدى الحطب والحشيش والقصب إي أن أبا حنيفة يرى وجوب الزكاة في مطلق الأشجار والثمار إلا أن وجوب الزكاة لا يشمل ما يصدق عليه أنه حطب أو حشيش أو قصب.

فوجه النسخ في الآية المباركة على الرأي الأول هو أن الآية ترى وجوب الزكاة في مطلق الأشجار ومطلق الثمار ثم نسخت هذه الآية بما دل على وجوب الزكاة في خصوص الغلاة الأربع الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

هذا تمام الكلام في بيان الوجه الأول النسخ.

الوجه الثاني للنسخ: إن حكم الآية وهو وجوب إتيان حق الزرع يوم حصاده قد نسخ بالسنة أي الروايات الدالة على الزكاة وهي ما دل على ثبوت العشر ونصف العشر على تفصيل يأتي في كتاب الزكاة.

وذهب إلى هذا الرأي السدي وانس بن مالك ونسب ذلك إلى ابن عباس ومحمد بن الحنفية[4] .

إذن وجه النسخ بناء على الرأي الثاني هو أن الآية مطلقة ولم تعين شيئا قالت ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ يعني يجب أن تدفع حق الزرع يوم حصاد الزرع وقد نسخ ذلك بما عين المقدار وهو العشر ونصف العشر ومن الواضح أنه في الزكاة لا يجب الإتيان يوم الحصاد وإنما يجب الدفع بعد المكيل وتحقق الموزون يعني ليس يوم حصاد الزرع وإنما بعد تنقية ذلك الزرع.

هذا تمام الكلام في بيان وجه النسخ بناء على الوجه الثاني.

الوجه الثالث يرى أن الآية ليست واردة في الزكاة أصلا خلافا للوجهين الأولين يرى أن الآية ناظرة إلى الزكاة وأما الوجه الثالث فهو يرى أن الآية وردت في غير مورد الزكاة ودلت على وجوب إعطاء حق الزرع يوم حصاده وقد نسخ وجوب إعطاء شيء من المال بوجوب الزكاة أي أن تشريع الزكاة ألغى تشريع إعطاء حق الزرع يوم حصاده وذهب إلى هذا القول عكرمة والضحاك ونسب إلى سعيد بن جبير أيضا.[5]

هذا تمام الكلام في بيان الآراء والوجوه الثلاثة التي ادعي في كيفية نسخ الآية المباركة.

والحق هو بطلان القول بالنسخ في مدلول الآية الكريمة.

والدليل على بطلان النسخ ثلاثة وجوه.

وقبل أن نشرع في هذه الوجوه الثلاثة التي تدل على بطلان دعوى النسخ نذكر رأي الشيعة الإمامية ثم بعد ذلك يأتي الاستدلال عليه.

الشيعة الإمامية حملوا الآية على غير الزكاة وحملوها على الاستحباب لا على الوجوب ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ يعني يستحب للمزارع في اليوم الذي يحصد الزرع أن يدفع شيئا إلى الفقراء والمحتاجين وهذا ينسجم مع قوله تبارك وتعالى ﴿واطعموا القانع والمعتر﴾[6] الوارد في هدي يوم النحر يوم العيد قال تعالى ﴿فإذا وجبت جنوبها ـ يعني إذا وقعت الذبيحة على الأرض وذبحتموها ـ فكلوا منها ـ يعني للحاج نصيب منها ثلث الذبيحة ـ واطعموا القانع والمعتر﴾. القانع هو من يقنع بما تعطيه والمعتر هو من يعتريك في الطريق لكي تطعمه فهذا المزارع فهو يحصد إذا مر عليه فقير يستحب أن يعطيه يعطي القانع هذا الفقير الذي يقنع بما يعطى ويطعم المعتر وهو الذي يعتري ويمر على هذا الحاصد ولا يسأل شيئا ولكن هو يمر لكي تعطيه فسمي المعتر لأنه يعتري هذا الشخص لكي يطعمه من دون أن يسأله.

وأما مسألة وجوب الزكاة فأمرها شيء آخر. ومن الواضح أن الزكاة قد شرع وجوبها في المدينة وهذه الآية من سورة الأنعام وسورة الأنعام مكية وشتان بين المكي والمدني.

إذن لا يوجد نسخ في الآية الكريمة ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ آية مكية تدل على استحباب أن يدفع الحاصد بعض الشيء من حصاده للفقراء.

وأما الزكاة فقد شرعت في المدينة بدليل آخر ولا تنافي في البين إذ أن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه إثبات أن الحاصد يعطي شيئا من حصاده يوم الحصاد لا ينافي وجوب الزكاة عليه. وسيأتي تفصيل الكلام في رأي الإمامية.

لكن أقيمت أدلة على بطلان هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرت للنسخ.

الدليل الأول الروايات المستفيضة عن أهل البيت "عليهم السلام" الدالة على أن الحق المذكور في الآية يوم الحصاد هو غير الزكاة وأن هذا الحق باق ولم ينسخ.

منها ما رواه الشيخ الكليني بإسناده عن معاوية بن الحجاج قال سمعت أبا عبد الله "عليه السلام" يقول في الزرع حقان حق تؤخذ به وحق تعطيه قلت وما الذي أخذ به وما الذي أعطيه قال أما الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر ـ المراد به الزكاة الله يأخذك به واجبة عليك الله يحاسبك ويعاقبك إذا لم تدفع الزكاة ـ وأما الذي تعطيه ـ يعني لا تؤاخذ عليه هو مستحب أن تعطيه ولا تؤاخذ عليه ـ فقول الله "عز وجل" وآتوا حقه يوم حصاده.[7]

إذن هذه الرواية واضح أنها تحمل الآية على غير الزكاة.

هذه الرواية من جهة الشيعة الإمامية ومن جهة العامة وقد روى أبن مردويه بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي "صلى الله عليه وآله" في قول الله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده قال ما سقط من السنبل)[8] طبعا وليس المراد بالزكاة ما سقط من السنبل إذن هذا أمر آخر غير الزكاة.

الدليل الثاني هذه الآية وآتوا حقه يوم حصاده هي عبارة عن الآية رقم 141 من السورة السادسة وهي سورة الأنعام وسورة الأنعام قد نزلت دفعة واحدة كما نزلت السورة السابقة التي تطرقنا إليها وهي السورة الخامسة سورة المائدة أيضا نزلت دفعة واحدة لكن سورة المائدة نزلت دفعة واحدة في المدينة وسورة الأنعام نزلت دفعة واحدة في مكة المكرمة.

وقد صرحت بذلك روايات كثيرة منها من طرق الشيعة ما رواه الشيخ الكليني بإسناده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة قال (قال أبو عبد الله "عليه السلام" إن سورة الأنعام نزلت جملة يعني دفعة واحدة شيعها سبعون ألف ملك حتى نزلت على محمد "صلى الله عليه وآله" فعظموها وبجلوها فإن أسم الله "عز وجل" فيها في سبعين موضعا ولو يعلم الناس ما في قراءتها ما تركوها)[9] .

من طرق السنة ومنها ما روي عن ابن عباس قال نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة واحدة حولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح[10] يعني يرفعون أصواتهم بتسبيح الله "عز وجل" ومما لا ريب فيه أن تشريع وجوب الزكاة نزل بالمدينة فكيف يمكن أن يقال إن هذه التي نزلت في مكة وآتوا حقهم يوم حصاده قد نزلت بالمدينة وحكا الزجاج أن هذه الآية قيل فيها إنها نزلت في المدينة لكن قوله مخالف للروايات المستفيضة التي تقدمت وهذا قول بغير علم.

الدليل الثالث إن الإيتاء الذي أمرت به الآية الكريمة ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ قد قيد بيوم الحصاد فلابد أن يكون هذا الحق غير الزكاة لأن الزكاة لا تؤدى يوم الحصاد الزكاة تؤدى بعد التنقية والكيل يعني ينقون الحنطة والشعير من الشوائب ثم بعد ذلك تكر وتوزن ويثبت الزكاة فيها.

هناك فارقان بين الزكاة وبين الحق الذي يعطى يوم الحصاد

الفارق الأول الزكاة متى تثبت يعني متى يتعلق التكليف في الذمة وفي العهدة؟ إذا نبتت يعني إذا نبتت الحنطة والشعير في الشجر وأيضا التمر والزبيب يعني العنب لأن الزبيب أصله عنب والتمر يعني الرطب فإذا خرج الرطب في الشجرة وكذلك إذا انبتت شجرة العنب العنب يتعلق التكليف في ذمة المكلف لكن متى يجب عليه أن يخرجه؟ يجب عليه أن يخرجه بعد التنقية والكيل.

هذا مثاله ما يذكر في الخمس يقولون الخمس يتعلق في الذمة بتملك الشيء الزائد عن مؤنتك يثبت الخمس في ذمتك رب العالمين من باب الإرفاق بالمكلفين اوجب عليك إخراج هذا الحق بعد سنة يعني أنا الآن إذا اشتريت هذا الكتاب وهذا الكتاب زائد عن حاجتي يتعلق به الخمس من الآن من أول شرائه ولكن لا يجب علي أن أخرج الخمس.

الآن متى يجب علي أن أخرج الخمس؟ إذا حال الحول ودارت السنة وأنا ما استخدمت الكتاب يجب علي أن أخرج الخمس والدليل على تعلق الخمس منذ تحقق الملكية أنه يجوز إخراج الخمس من بداية الشراء يجوز أن تخرج الخمس لكن لا يجب عليك إخراج الخمس إلا بعد سنة. كذلك في الزكاة، الزكاة وجوبها يثبت في ذمة المكلف إذا انبت الزرع لكن متى يجب عليه أن يخرج الزكاة؟ لا يجب الإخراج بمجرد الإنبات وإنما يجب إخراج زكاة الزرع بعد التنقية والكيل.

هذان الأمران يختلفان مع إيتاء الحق يوم حصاده يعني إذا المزارع زرع وحصد الزرع الآية تقول ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ يوم الحصاد ليس هو يوم إنبات الرطب وليس هو يوم تنقية الرطب ووزنه أو كيله مما يعني أن الآية المباركة ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ متعلقة بأمر يختلف عما تعلق به الزكاة ومما يشهد على أن هذا الحق ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ غير الزكاة ما ورد في عدة من الروايات المأثورة عن أهل البيت "عليهم السلام" النهي عن حصاد الليل معللا في بعضها أنه يحرم منه القانع والمعتر.

وقد روى جعفر بن محمد بن إبراهيم بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" نهى عن الجداد بالليل والحصاد بالليل قال جعفر أراه من أجل المساكين[11] .

الجداد بالفتح والكسر صرام النخل وهو قطع ثمرها وقيل الاحتطاب طبعا بعض الروايات عللت ذلك بأنه إذا صرم بالليل ربما يمسك حية، فإذا صرم بالنهار يعطي الفقراء والمساكين والمحتاجين ولكن قد يؤتى بتوجيه يثبت النسخ وينفي الأدلة التي أقيمت على أن هذه الآية ليست ناظرة إلى الزكاة.

سؤال الآية المباركة تقول ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ الظرف هنا قوله يوم حصاده هنا ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ هذا الظرف يوم حصاده هل هو متعلق بالإيتاء أو هو متعلق بالحق بالمال يعني بعبارة أخرى وآتوا فيها مادة وهي الإتيان وفيها صيغة آتوا على وزن أفعلوا هنا يوم حصاده هذا الظرف هل تعلق بالمادة بالإيتاء أو تعلق بالهيئة أفعلوا؟

الجواب إن قلنا إن الظرف يوم حصاده قد تعلق بالمادة بالإيتاء يتم كلام الشيعة الإمامية ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ يعني الإتيان إنما يكون يوم الحصاد يعني إيتاء ما حصده إنما يكون يوم حصاده فيكون معنى الآية مغاير للزكاة.

ولكن قد يقال إن الظرف يوم حصاده ليس راجعا إلى المادة الإيتاء وإنما يرجع إلى الهيئة والصيغة آتوا أفعلوا فيكون قوله يوم حصاده ظرفا لتعلق الحق بالمال يعني ظرفا للوجوب فقد يقول قائل إن قوله يوم حصاده لا يرجع إلى المادة الإيتاء وإنما يرجع إلى الصيغة فيكون ظرف الظرف يوم حصاده ظرفا لتعلق الحق بالمال لا الإيتاء.

لكن هذا الوجه باطل عاطل لأمرين:

الأمر الأول الفهم العرفي يرجع الظرف إلى المادة لا الصيغة والهيئة فإذا قال القائل أكرم زيدا يوم الجمعة فهنا حيثيتان حيثية المادة الإطعام وحيثية الهيئة أكرم أفعل الذي يستفاد منها الوجوب فهنا العرف هل يفهم أن الإطعام يكون يوم الجمعة فيتعلق الظرف يوم الجمعة بالمادة الإطعام أم أن العرف يفهم أن الظرف يوم الجمعة يتعلق بالهيئة بالوجوب هل المراد بهذه العبارة أكرم زيدا يوم الجمعة هل المراد أن الوجوب تحقق وثبت يوم الجمعة أو المراد الإطعام يتحقق يوم الجمعة من الواضح أن المراد أن الإطعام يكون يوم الجمعة فالظرف يتعلق بالمادة ولا يتعلق بالهيئة والصيغة كذلك الكلام في الآية المباركة ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ يوم الحصاد يتعلق بالإيتاء المادة ولا يتعلق بوجوب الإيتاء وثبوت الحق في هذا المال، إذن الظرف إنما يتعلق بما تدل عليه مادة الفعل الإيتاء ولا يتعلق الظرف يوم حصاده بما تدل عليه هيئة الفعل افعلوا.

الأمر الثاني إن الزكاة لا تجب يوم الحصاد بل يتعلق حق الزكاة بالمال إذا انعقد الحب وانعقدت الثمرة وصدق عليها اسم الشعير الحنطة وعلى ذلك فذكر يوم الحصاد في الآية قرينة قطعية على أن هذا الحق هو غير الزكاة لأن الوجوب في الزكاة يثبت عند الإنبات وصدق عنوان الثمرة عليها أنها حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب إذن الآية من قولها الإتيان يوم الحصاد يظهر منها أنها ناظرة إلى أمر آخر غير الزكاة ومما يؤيد أن الحق المذكور في الآية هو غير الزكاة قرينة وردت في الآية وهي النهي عن الإسراف إنه لا يحب المسرفين ولا معنى للنهي عن الإسراف مع أمره بإخراج الزكاة والزكاة مقدرة أنها العشر أو نصف العشر فإذا اتضح أن الحق المذكور في الآية الكريمة هو غير الزكاة الواجبة لم تكن الزكاة ناسخة لهذا الحق المذكور لأنه مغاير للزكاة.

الخلاصة

دعوى النسخ في الآية المباركة تتوقف على إثبات وجوب حق آخر في الزروع حتى ينسخ بوجوب الزكاة ولا يستطيع القائل بالنسخ إثبات ذلك.

في الختام يشير السيد الخوئي إلى نكتة مهمة جيدة لاحظوا:

الآية الكريمة ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ آتوا أفعلوا فعل أمر فعل الأمر ظاهره الوجوب والأمر ظاهره الدوام والاستمرار لا الانقطاع، إذن أي أمر من الأوامر في اللغة العربية فيه ظهوران الظهور الأول ظاهر الأمر الوجوب الظهور الثاني ظاهر الأمر الدوام والاستمرار الآن في العرف يا فلان لماذا لا تأتي بكذا؟ قال أنت من شهر قلت لي ما عليه وإذا شهر ما يسقط الأمر، الأمر دائم ومستمر.

إذن أي أمر من الأوامر له ظهوران:

الظهور الأول في الوجوب الظهور

الظهور الثاني في الدوام والاستمرار

هنا لابد من رفع احد الظهورين:

إما أن نرفع اليد عن الظهور في الوجوب ونبقي على الظهور في الدوام والاستمرار وهذا ما قالت به الشيعة الإمامية فقالوا في قوله "عز من قائل" ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ هناك أمر بإتيان ودفع الحق يوم حصاده هذا الأمر لا نحمله على الوجوب نحمله على الاستحباب لدلالة الرواية الشريفة عليه لكن هذا الأمر الاستحبابي يبقى مستمرا ولم ينسخ منذ زمن النبي إلى يومنا هذا فإذا رفعنا اليد عن الظهور الأول في الوجوب وأبقينا اليد على الظهور الثاني في دوام الاستحباب واستمراره لا يثبت النسخ.

وأحيانا نعكس الأمر نقول نبقي على ظاهر الوجوب ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾ يعني يجب إتيان الحق ودفع الحق يوم الحصاد ونرفع اليد عن الدوام والاستمرار نقول هذا إتيان الحق كان واجبا زمن النبي فلما شرعت الزكاة زمن النبي ارتفع هذا الوجوب وارتفع دوام واستمرار هذا الوجوب بتشريع الزكاة هذا التوجيه الثاني ينسجم مع القول بالنسخ وما ذهب إليه العامة.

إذن الأمر فيه ظهوران لا يمكن الاحتفاظ بهما الظهور الأول في الوجوب الظهور الثاني ظهور الأمر في الدوام والاستمرار.

لماذا لا يمكن الاحتفاظ بهما معا؟ لأننا علمنا من خارج الآية بوجود حق آخر وهو الزكاة فلابد من التصرف في أحد الظهورين إما برفع اليد عن الظهور في الوجوب وإبقاء الأمر على الدوام والاستمرار فيلتزم حينئذ بثبوت أمر استحبابي باق إلى الأبد وإما برفع اليد عن الظهور الثاني وهو ظهور الأمر في الدوام والاستمرار وإبقاء ظهور الأمر على الوجوب فيلتزم بالنسخ.

ولا مرجح للثاني على الأول بل الترجيح للأول يعني أن نرفع اليد عن الظهور في الوجوب ونبقي اليد على الظهور في الدوام والاستمرار لأمرين:

الأمر الأول الروايات المستفيضة عن الأئمة المعصومين ببقاء هذا الحق واستحبابه فالروايات حملت وآتوا حقه حملتها على الاستحباب وعلى أن هذا الاستحباب مستمر ودائم.

الأمر الثاني لو كان هذا الحق الذي يدعى أنه واجب ثابتا في الآية الكريمة وهو غير الزكاة أو هو نفس الزكاة لكان قد شاع بين الصحابة والتابعين ولم ينحصر القول به بعكرمة والضحاك أو بواحد أو اثنين منهما.

خلاصة جميع ما تقدم

القول الصحيح والحري بالقبول هو القول بثبوت حق آخر ندبي واستحبابي في الثمار والزروع وهو غير الحق الواجب الذي هو عبارة عن الزكاة وهذا هو مذهب الإمامية وعليه فلا نسخ لمدلول الآية الكريمة.

هذا تمام الكلام في الآية التاسعة عشر واتضح أن الصحيح أنها ليست منسوخة.

الآية العشرون يأتي عليها الكلام.

 


logo