40/06/19
إبطال دعوى نسخ الآية التاسعة عشر
موضوع: إبطال دعوى نسخ الآية التاسعة عشر
الآية الثامنة عشر [1]
التي ادعي نسخها قوله تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم﴾[2] .
هذه الآية الشريفة تتكلم عن الإشهاد عند الوصية عند الموت.
فهل يشترط في الشاهدين على الوصية أن يكونا مسلمين أو لا؟
وإذا قلنا بأنه لا يشترط في الإشهاد أن يكونا مسلمين فهل يشترط أن يكونا من أهل الكتاب أو لا؟
وإذا قلنا بالاشتراط أنه من أهل الكتاب أو تجوز شهادة الكافر مطلقا فهل هذا مخصوصا بالسفر أو لا؟
وهل هذا مخصوص في صورة عدم توفر الشاهد المسلم أو لا؟
ذهبت الشيعة الإمامية إلى أنه يشترط في الشاهدين على الوصية أن يكونا مسلمين ولكن في حالة السفر وإذا تعذر وجود المسلم جاز أن يشهد الشاهدان من خصوص أهل الكتاب لا من مطلق الكفار.
الآية الكريمة تشير إلى قضية الإشهاد على الوصية ﴿يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حيل الوصية اثنان ذوا عدل منكم ـ يعني من الذين آمنوا ـ أو آخران من غيركم يعني من غير الذين آمنوا﴾
فالآية الكريمة مطلقة تشير إلى جواز أن يشهد غير المؤمن على وصية المؤمن.
ولكن الروايات الواردة في السنة الشريفة قيدت هذا الإطلاق ﴿أو آخران من غيركم﴾ التقييد الأول يعني من خصوص أهل الكتاب ﴿من غيركم﴾ والقيد الثاني الوارد في الروايات الشريفة في سورة تعذر وجود الشاهدين المسلمين. هذا الرأي النهائي للشيعة الإمامية.
وتفصيل الكلام في نسخ هذه الآية يتلخص في وجود قولين:
القول الأول للشيعة الإمامية فقد ذهبوا إلى أن الآية الكريمة محكمة وليست منسوخة.
فتجوز شهادة أهل الكتاب على المسلمين بشرطين:
الشرط الأول أن يكون في السفر.
الشرط الثاني إذا تعذر وجود الشاهد المسلم وإذا كانت الشهادة على الوصية.
وإلى هذا القول ذهب جمع من الصحابة والتابعين منهم عبد الله بن قيس وابن العباس وشريح وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعبيدة ومحمد بن سيرين والشعبي ويحيى بن يعمر والسدي وقال به من الفقهاء سفيان الثوري ومال إليه أبو عبيد لكثرة من قال به وهو جواز أن يشهد أهل الكتاب على وصية المسلم[3] وعلى هذا القول يتضح أنه لا يوجد إجماع على عدم جواز شهادة أهل الكتاب على وصية المسلم.
القول الثاني الآية منسوخة ولا تجوز شهادة الكافر بأي حال من الأحوال في الحظر أو السفر وجد المسلم أم لم يوجد وذهب إلى هذا القول زيد بن اسلم ومالك بن انس والشافعي وأبو حنيفة يعني ثلاثة من فقهاء المذاهب الأربعة. [4]
هذا تمام الكلام في بيان الأقوال في المسألة.
وأما مقتضى التحقيق في المسألة وهو بطلان القول بالنسخ في الآية المباركة.
والدليل على بطلان النسخ وجوه ثلاثة:
الوجه الأول الروايات المستفيضة من الطريقين طريق السنة وطريق الشيعة ويذكر السيد الخوئي رواية الشيعة الواردة في الكافي ورواية السنة في الواردة في سنن أبي داود وهو من الصحاح الستة وهما يدلان على نفوذ شهادة أهل الكتاب في الوصية إذا تعذرت شهادة المسلم.
إذن ورد في هاتين الروايتين قيدان:
القيد الأول أن يكون غير المسلم من خصوص أهل الكتاب.
القيد الثاني تعذر شهادة المسلم.
الرواية الأولى ما رواه الكليني عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله "عليه السلام" في قول الله تعالى أو آخران من غيركم قال (إذا كان الرجل في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم في أرض غربة إذن اشتراط السفر لا يوجد فيها مسلم يعني تعذر شهادة المسلم شهادة من ليس بمسلم على الوصية)[5] يعني في خصوص الوصية دون الشهادة على الدين أو الشهادة على الزواج أو الطلاق.
الرواية الثانية وما رواه الشعبي أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاء بدقوقة هذه دقوقة اسم منطقة ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته إذن الرجل مسافر في منطقة دقوقة فأشهد رجلين من أهل الكتاب القيد الأول لم يجد أحدا من المسلمين يشهده على الوصية القيد الثاني فاشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا الأشعري يعني أبو موسى الأشعري فأخبر وقدما بتركته ووصيته وقال الأشعري هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" يعني كان الشهود من المسلمين فاحلفهما بعد العصر ما خانا يعني أنهما لم يخونا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وأنها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما[6] بوجود القيدين هما من أهل الكتاب وثانيا تعذر وجود المسلم في الغربة.
الدليل الثاني الروايات التي تقدمت في بحث الآية السابقة واتضح فيها أن سورة المائدة نزلت جملة واحدة وأنها كانت آخر ما نزل على النبي[7] وأنها ليس فيها منسوخ[8] وهذه الآية من سورة المائدة الآية 106 من سورة المائدة فيتضح أنها ليست منسوخة.
الدليل الثالث إن النسخ لا يتم من دون أن يدل عليه دليل والوجوه التي تمسك بها القائلون بالنسخ لا تصلح لإثبات دعوى النسخ.
وذكر السيد الخوئي "رحمه الله" ثلاثة وجوه قد تمسكوا بها وردّها ردا مبرما محكما:
الوجه الأول إن الله سبحانه وتعالى اعتبر في الشاهد أن يكون عدلا مرضيا فقال تعالى ﴿ممن ترضون من الشهداء﴾[9] وفي آية أخرى ﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾[10] ومن الواضح أن الكافر لا يكون عدلا ولا مرضيا فلابد وأن يكون الحكم بجواز شهادة الكافر منسوخا.
والجواب إن الآية الأولى ممن ترضون من الشهادة واردة في الدين ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل واشهدوا إذا تداينتم﴾[11] .
فالآية الأولى وردت في خصوص الشهادة على الدين فتعميم اشتراط أن يكون الشاهد مرضيا من خصوص الشهادة على الدين إلى الشهادة على غير الدين يحتاج إلى دليل كما أن الآية الثانية ﴿واشهدوا ذوي عدل منكم﴾ وردت في خصوص الشهادة على الطلاق وتعدية اشتراط العدالة في الشاهد المذكورة في الشهادة على الطلاق إلى غيره كالشهادة على الدين أو الوصية يحتاج إلى دليل فلا يكون للآيتين دلالة على اعتبار العدالة في شهود الوصية.
المناقشة الثانية لو سلمنا أن هاتين الآيتين مطلقتان تشمل كل شهادة فلابد أن يكون الشاهد مرضيا بمقتضى آية الدين ولابد أن يكون عدلا بمقتضى آية الإشهاد على الطلاق فلو سلمنا أن هاتين الآيتين مطلقتان ففي هذه الحالة تكون آية الشهادة على الوصية مقيدة لها والمطلق لا يكون ناسخا لدليل المقيد خصوصا إذا تقدم المطلق وتأخر عنه المقيد في الزمان فيحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد.
فتكون النتيجة هكذا يشترط في الشاهد أن يكون من ذوي العدل وأن يكون مرضيا إلا في الشهادة على الدين فقد دلت الآية أنه يجوز أن يكون الشاهدان آخران من غير المؤمنين إلا في الوصية.
هذا تمام الكلام في مناقشة الوجه الأول واتضح أنه ليس بتام.
الوجه الثاني من الوجوه التي أقيمت لإثبات النسخ إن الإجماع قد انعقد على عدم قبول شهادة الفاسق والكافر فاسق فلا تقبل شهادته.
والجواب لا معنى لدعوى الإجماع بعد ذهاب أكثر العلماء إلى جواز أن يشهد أهل الكتاب على وصية المسلم وقد أتضح ذلك من خلال بيان الأقوال في المسالة ووجدنا الكثير من رواة العامة وفقهائهم يجيزون أن يشهد أهل الكتاب على وصية المسلم.
ولا توجد ملازمة بين رد شهادة الفاسق المسلم ورد شهادة الكافر إذا كان عادلا في دينه حتى يقال كيف أنت الآن إذا جاء مسلم وشهد وكان فاسق ترد شهادته والكافر الكتابي تقبل شهادته لا توجد ملازمة في البين قد يقال يشترط في الشاهد أن يكون إما مسلما عادلا أو كافرا ملتزما بدينه ولا مانع في البين على أن جواز شهادة الكتابي مقيدة بتعذر وجود شهادة المسلم.
الوجه الثالث من الوجوه التي تمسك بها القائلون بالنسخ وهو وجه استحساني مفاده إن شهادة الكافر لا تجوز على المسلمين في غير الوصية وقد اختلف في قبول شهادة الكافر في خصوص الوصية فيرد ما اختلف فيه الشهادة على الوصية إلى ما اجمع عليه وهو عدم قبول شهادة الكافر.
والجواب إن هذا الوجه في منتهى الغرابة بل يبعث عن التعجب بعد قيام الدليل على قبول الشهادة في باب الوصية بلا معارض روايات من كلا الفريقين تدل على قبول شهادة أهل الكتاب إذا تعذرت شهادة المسلم على وصية المسلم.
ثم يقول السيد الخوئي وليت هذا المستدل عكس الأمر وقال إن شهادة الكافر على الوصية كانت مقبولة في زمان النبي "صلى الله عليه وآله" بالإجماع لأنه يدعى نسخ الآية من أين قال بالإجماع كان يدعى نسخ الآية الآية تقول ﴿اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم﴾.
فالآية واضحة في جواز شهادتين آخرين من غير المؤمنين وهذا في زمن النبي، ففي زمن النبي كان من المسلم هناك إجماع على جواز شهادة الكافر على وصية المسلم فمن المفترض أن يقول هكذا إن شهادة الكافر على الوصية كانت مقبولة في زمن النبي "صلى الله عليه وآله" بالإجماع وقد اختلف في هذا الجواز بعد زمان النبي "صلى الله عليه وآله" فيرد ما اختلف فيه إلى ما اجمع عليه.
النتيجة النهائية لا سند لدعوى النسخ في الآية غير تقليد جماعة من الفقهاء المتأخرين وكيف يصح أن ترفع اليد عن حكم ورد في القرآن لفتوى احد من الناس على خلافه ومن الغريب قول الحسن والزهري إن المراد بقوله تعالى ﴿أو آخران من غيرهم﴾ آخران من غير عشيرتكم[12] فلا دلالة في الآية على قبول شهادة الكافر.
وفيه أمران :
الأمر الأول الروايات الواردة في تفسير الآية المباركة فسرت الآخرين بأنهما من أهل الكتاب وقد نصت على ذلك روايات أهل السنة والشيعة.
الأمر الثاني هذا الاستظهار مخالف لظاهر القرآن أيضا لأن الخطاب في الآية الكريمة للمؤمنين فلابد وأن يراد من قوله تعالى غيركم غير المؤمنين وهم الكفار.
﴿يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوى عدل منكم﴾ يعني من الذين آمنوا ﴿أو آخران من غيركم﴾ يعني من غير المؤمنين.
لكن الآية الكريمة فيها إطلاق أو آخران من غيركم تشمل مطلق غير المسلم تشمل الكافر الكتابي وغير الكتابي كالوثني هذا أولا.
وثانيا هذه الآية تجيز شهادة الكافر مطلقا في حالة تعذر وجود المسلم وفي حالة وجود المسلم تجيز شهادة الكافر.
إطلاق الآية الكريمة يقيد بما ورد في الروايات الشريفة فالروايات الشريفة ذكرت قيدين:
القيد الأول الروايات المستفيضة قيدت الشهادة بشهادة الكتابي أولا.
وثانيا قيدته بما إذا لم يمكن تحصيل الشهود من المؤمنين وهذا من موارد تقييد أطلاق الكتاب والسنة يعني إطلاق الكتاب تقيده بالسنة الشريفة ﴿أو آخران منكم﴾ مطلق يشمل الكافر وغير الكافر في حالة وجود الشاهد المسلم وعدمه فالآية الكريمة قيدت جواز شهادة غير المسلم بأن يكون أولا من أهل الكتاب
القيد الثاني وثانيا فيما إذا تعذر الشاهد المسلم على الوصية.
هذا تمام الكلام في الآية الثامنة عشر واتضح أن دعوى النسخ فيها ليست تامة.
الآية التاسعة عشر يأتي عليها الكلام.