« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

إبطال دعوى النسخ في الآية التاسعة والعاشرة

موضوع: إبطال دعوى النسخ في الآية التاسعة والعاشرة

 

الآية التاسعة

التي أدعي نسخها قوله تبارك وتعالى:

﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾[1]

فادعي أنها منسوخة بقوله تبارك وتعالى:

﴿والمحصنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن﴾[2]

والبحث في نقاط ثلاث:

النقطة الأولى الأقوال في المسألة أي تحقق النسخ:

يوجد ثلاثة أقوال:

القول الأول أن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية وذهب إلى هذا القول ابن عباس ومالك بن أنس وسفيان بن سعيد وعبد الرحمن بن عمر والاوزعي[3] .

القول الثاني بالعكس إن الآية الثانية هي المنسوخة بالآية الأولى وذهب إلى ذلك عبد الله بن عمر فحرم نكاح الكتابية لأن الآية الثانية يستفاد منها جواز نكاح أهل الكتاب قوله "عز وجل" ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن﴾[4] لأن الآية الأولى يستفاد منها لحرمة لأنها فيها نهي ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾.

القول الثالث وهو القول الصحيح وهو الحق أنه لا نسخ في شيء من الآيتين فلا الآية الأولى ناسخة للآية الثانية كما ذهب عبد الله بن عمر ولا الآية الثانية ناسخة للآية الأولى كما نسب إلى ابن عباس.

هذا تمام الكلام في النقطة الأولى بيان الأقوال في المسألة هل يوجد نسخ في الآيتين أو لا.

النقطة الثانية في الاستدلال على عدم تحقق النسخ ببيان معنى المشركة.

المشركة يحتمل في معناها أمران:

الأمر الأول أن يراد بالمشركة التي تعبد الأصنام والأوثان كما هو ظاهر الآية المباركة ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾ فالمراد بالمشركة هو الوثنية خصوصا إن عبادة الأوثان كانت هي السائدة في الجزيرة العربية آنذاك.

بناء على هذا الاحتمال الأول وهو أن المراد بالمشركة خصوص الوثنية لا مطلق من أشرك بالله ولو كان كتابيا ففي هذه الحالة وبناء على هذا الاحتمال فإن حرمة نكاح الوثنية لا تنافي إباحة نكاح الكتابية التي دلت عليها الآية الثانية فلا تكون إحدى الآيتين ناسخة والأخرى منسوخة بل تكون كل منهما ناظرة إلى موضوع مختلف عن الآخر.

فالآية الأولى موضوعها الوثنية وهي تحرم نكاح الوثنية مطلقا قال تعالى ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾

بخلاف الآية الثانية فإنها ناظرة إلى نكاح خصوص الكتابية وهي المسيحية أو اليهودية هذا القدر المتيقن الكتابية يعني من لهم كتاب سماوي.

البعض يلحق بهم المجوس والصابئة السيد القائد الخامنئي يلحق الصابئة والمجوس بالكتابية وأن لهم كتاب كما يدعون أنه نزل عليهم كتاب من السماء على نبيهم.

الآية الثانية تكون ناظرة إلى الكتابية اليهودية أو النصرانية من لديهم كتاب قال تعالى ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن﴾ فدلت الآية على جواز نكاح الكتابية.

هذا تمام الكلام بناء على الاحتمال الأول أن المراد بالمشركة خصوص الوثنية فلا يتم النسخ.

وأما الأمر الثاني وهو الاحتمال الثاني أن يكون المراد بالمشركة الأعم من الكتابية والوثنية مطلق المشركة كما توهمه القائلون بالنسخ. فقد توهموا أن المراد بالمشركة مطلق من أشركت بالله سواء كانت وثنية أو كانت كتابية ففي هذه الحالة يحصل التخصيص تكون الآية الأولى مطلقة ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾ يعني لا تؤمنوا المشركات مطلقا سواء كن وثنيات أو كتابيات فتكون الآية الثانية مخصصة للآية الأولى.

مفاد الآية الثانية ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن﴾ فتكون قد دلت على جواز نكاح الكتابية فيكون مقتضى الجمع هكذا:

لا تنكحوا المشركات إلا إذا كن كتابيات واتيتموهن أجورهن.

فبناء على الاحتمال الثاني وهو حمل المشركة على الأعم من الكتابية والوثنية تكون الآية الثانية مخصصة للآية الأولى فلا يوجد أيضا نسخ ويكون حاصل المعنى جواز نكاح الكتابية دون الوثنية.

هذا تمام الكلام في النقطة الثانية.

النقطة الثالثة

أقوال الإمامية في نكاح الكتابية:

يوجد قولان:

القول الأول وهو المعروف المشهور بين علماء الإمامية من أنه لا يجوز نكاح الكتابية دواما ويجوز متعة.

القول الثاني جواز نكاح الكتابية مطلقا دواما ومتعة، ذهب إلى القول الثاني الحسن بن حمزة والصدوقان الأب والابن الابن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق صاحب كتاب من لا يحضره الفقيه فقالوا بجواز نكاح الكتابية مطلقا دواما ومتعة يعني حالها حال المسلمة كما يجوز نكاح المسلمة دواما ومتعة كذلك يجوز نكاح المسيحية واليهودية دواما ومتعة إلا أن القول الأول هو القول المشهور والمعروف بين فقهاء الإمامية من أنه لا يجوز نكاح الكتابية دواما ويجوز بالعقد المنعقد ويجوز التمتع بالكتابية.

بناء على هذا:

القول الأول التفصيل بين نكاح الكتابية دواما فلا يجوز ونكاح الكتابية متعة فيجوز سؤال ما هو مدرك المسألة بالنظر إلى الآية الثانية الدالة على الجواز ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن﴾[5] .

الجواب يوجد مبنيان:

المبنى الأول حمل الآية الكريمة على خصوص النكاح المنقطع دون النكاح الدائم لأن الآية الكريمة نصت ﴿إذا آتيتموهن أجورهن﴾ والمنكوحة بالنكاح الدائم لا تعطى الأجر وإنما تعطى المهر فتحمل الآية الكريمة ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن﴾ على خصوص النكاح المنقطع والمتعة دون النكاح الدائم لأن النكاح الدائم فيه مهر ولا يقال له اجر بخلاف النكاح المنقطع فيقال له اجر المتعة.

المبنى الثاني لو حملت الآية الكريمة على مطلق النكاح إذا آتيتموهن أجورهن يطلق الأجر على النكاح المنقطع أجرة المدة وعلى النكاح الدائم يعني يطلق على المهر أنه اجر ولو من باب المسامحة والتجوز ففي هذه الحالة تكون الآية مطلقة وتدل الآية على إباحة مطلق النكاح سواء كان دائما أو منقطعا ثم يقيد إطلاق الآية الكريمة بالروايات الدالة على تحريم الزواج الدائم من الكتابية إذن المبنى الأول يحمل الآية المباركة على خصوص النكاح المنقطع دون الدائم المبنى الثاني يحمل الآية على مطلق النكاح دواما ومتعة لكنه يخصص هذا الإطلاق بالروايات الدالة على تحريم الكتابية هذا تمام الكلام في الآية التاسعة واتضح أن دعوى نسخ الآية التاسعة ليس بتام.

الآية العاشرة قال تبارك وتعالى

﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾[6]

والحديث في هذه الآية في نقطتين:

النقطة الأولى

الأقوال في المسألة توجد ثلاثة أقوال:

القول الأول ذهب جماعة إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين).

القول الثاني ذهب جماعة إلى القول بالتخصيص لا النسخ كما في القول الأول فقالوا إن قوله "عز من قائل" ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾ هذا مطلق دل على أنه لا يجوز الإكراه مطلقا سواء كان الطرف المقابل أهل كتاب أو غير أهل كتاب ثم خصصت هذه الآية بما دل على أن أهل الكتاب لا يقاتلون لكفرهم فتكون الآية الكريمة ﴿يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين﴾[7] هذه الآية مطلقة الكتابي يقال له كافر ويقال له مشرك الآية مطلقة ﴿يا أيها النبي جاهد الكفار﴾ مطلقا سواء كانوا وثنيين أو سواء كانوا مشركين أو كتابيين ثم دل الدليل على عدم جواز قتال الكتابيين من مسيحيين ويهود فيحصل التخصيص.

القول الثالث وهو الحق والصحيح من أن الآية محكمة وليست منسوخة كما عليه القول الأول ولا مخصوصة أو مخصصة كما عليه القول الثاني هذا تمام الكلام في النقطة الأولى.

النقطة الثانية توضيح الصحيح في المسألة والاستدلال عليه وبيان ذلك:

إن الكره في اللغة له معنيان ويستعمل في معنيين:

المعنى الأول الكره في مقابل الرضا كما في قوله تعالى ﴿وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم﴾[8] تكرهوا شيئا يعني لا ترضون بشيء لكنه خير لكم.

المعنى الثاني للكره ما يقابل الاختيار يعني الإجبار ومنه قوله تعالى ﴿حملته أمه كرها ووضعته كرها﴾[9] فإن الحمل والوضع يكونان في الغالب عن رضا الأم ترضى بالحمل وترضى بالوضع ولكنهما خارجان عن اختيارها ليس باختيارها أن تحمل وليس باختيارها أن تضع حملها فالآية الكريمة ﴿حملته أمه كرها﴾ يعني ليس باختيارها أن تحمله ﴿ووضعته كرها﴾ يعني ليس باختيارها أن توقت متى تضع هذا الولد، هذه النقطة الأولى بيان معنيي الكره المعنى الأول ما يقابل الرضا المعنى الثاني ما يقابل الاختيار.

النقطة الثانية دعوى النسخ في القول الأول ودعوى التخصيص في القول الثاني إنما يتمان بناء على المعنى الأول يعني الكره في مقابل الرضا ولا يتمان بناء على المعنى الثاني يعني الكره في مقابل الاختيار.

النقطة الثالثة الصحيح أن الآية الكريمة في قوله "عز وجل" ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾ قد استعمل فيها الكره المقابل للاختيار يعني المعنى الثاني ولم يستعمل فيها الكره المقابل للرضا يعني القول الأول والحال إن دعوى النسخ ودعوى التخصيص يترتبان على المعنى الأول لا المعنى الثاني.

النقطة الرابعة الاستدلال على أن الكره استعمل بالمعنى الثاني لا الأول.

نذكر عدة نقاط السيد الخوئي يذكر ثلاث نقاط:

النقطة الأولى لا دليل على أن الكره في الآية ﴿لا إكراه في الدين﴾ قد استعمل في المعنى الأول الكره مقابل الرضا ونحن أبناء الدليل أين ما مال نميل ولابد في حمل اللفظ المشترك الآن الكره صار لفظ مشترك إما يقابل الرضا كما في المعنى الأول أو يقابل الاختيار كما في القول الثاني لابد في حمل اللفظ المشترك على احد معنييه من وجود قرينة تدل عليه ولا قرينة تدل على خصوص المعنى الأول.

النقطة الثانية ﴿لا إكراه في الدين﴾ يعني لا إجبار في الدين والدين اعم من الفروع والأصول أعم من أصول الدين وفروع الدين ومن الواضح أن بعض الأمور في الدين ابتداء فيها إكراه مثل إكراه المديون على أداء دينه هذا من الدين أو لا؟ يجبر المديون على أداء دينه لك أن تقول لا إكراه في الدين فلا يجب أن تجبر المديون على أداء دينه؟ لا.

مثال ثاني إكراه الزوجة على إطاعة زوجها ربما لا تريد الزوجة أن تطيع زوجها ولكنها تكره.

النقطة الثالثة إكراه السارق على ترك السرقة، قد تقول لا إكراه في الدين دعه يسرق المنطقة على راحته وما شاء الله من الأمثلة الكثيرة التي فيها إكراه فكيف يقال أنه من أول الأمر في الشريعة لا إكراه في الدين ثم جاءت الآية الأخرى ﴿يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين﴾ ونسخت الآية الأولى أنه لا إكراه في الدين لا يوجد هنا إكراه في مقابل الرضا بناء على المعنى الأول الزوجة تطيع زوجها ولكن غير راضية السارق يجبر أن لا يسرق وهو ما راضي هو يريد أن يسرق وهكذا المديون ما يريد يدفع الدين ما يرضى لكنه يجبر ويكره على دفع الدين إذن النقطة الثانية الدين اعم من الفروع والأصول ومما لا ريب فيه أن الإكراه بحق لا بباطل كان ثابتا في الشرع الإسلامي من أول الأمر وهذا مطابق للسيرة العقلائية وأمثلته كثيرة.

قد يقال إن ذكر الكفر والإيمان بعد قوله "عز وجل" ﴿لا إكراه في الدين﴾ يدل على اختصاص الدين بخصوص أصول الدين دون فروع الدين والأمثلة التي ذكرناها إنما هي لفروع الدين كل الأمثلة التي ذكرناها من طاعة الزوجة لزوجها وإكراه السارق على ترك سرقته وإكراه المديون على دفع دينه هذه من فروع الدين.

فيقال هذه الأمثلة خارجة تخصصا لأن الآية الكريمة ناظرة إلى خصوص أصول الدين ﴿لا إكراه في الدين﴾ يعني في أصول الدين في العقائد ﴿قد تبين الرشد من الغي﴾ يعني اتضحت العقيدة الصحيحة من العقيدة الفاسدة خصوصا بعد ذلك الآية تذكر الكفر والإيمان والكفر والإيمان ناظران إلى خصوص العقائد دون الفروع.

إن قيل إن الدين في الآية مختص بخصوص الأصول دون الفروع

يقال إن هذا من قبيل تطبيق الكبرى على الصغرى يعني الدين أعم من الأصول والفروع الدين أمر كبروي له صغريات يعني له أمثلة له مصاديق من مصاديق الدين العقائد من مصاديق الدين الفروع من مصاديق الدين الأخلاق التي هي ثمار الدين لأن الدين يتألف من عقيدة وشريعة وأخلاق العقيدة أصول الدين الشريعة فروع الدين الأخلاق ثمار الدين فالآية حينما ذكرت بعد ذلك الكفر والإيمان صحيح هي ناظرة إلى العقائد ولكن هذه العقائد مصداق من مصاديق الدين مثال من أمثلة الدين ولا تدل على حصر الدين بخصوص العقائد دون الأحكام فإذن الآية من قبيل تطبيق الكبرى الدين على صغريات الدين على أمثلة ومصاديق الدين ومنها العقائد.

النقطة الثالثة والأخيرة نقول إن تفسير الإكراه في الآية بالمعنى الأول ما يقابل الرضا لا يناسبه قوله تعالى ﴿قد تبين الرشد من الغي﴾ لا إكراه في الدين إذا تحمل الإكراه ما يقابل الرضا يعني ما نجبرك بحيث أنت ما ترضى ونخليك إلا تدين بهذا الدين ﴿قد تبين الرشد من الغي﴾ اتضح الحق من الباطل.

هنا التعليل هنا قد تبين الرشد من الغي لا يوجد انسجام بينه وبين ما تقدمه بخلاف لو حملنا الإكراه على ما يقابل الاختيار ﴿لا إكراه في الدين﴾ يعني نحن لا نجبر أحدا على قبول الدين لابد أن يكون مختارا﴿قد تبين الرشد من الغي﴾ صار الرشد واضح والغي واضح وعلى الإنسان أن يختار بينهما.

فلاحظ حمل الإكراه على ما يقابل الاختيار أنسب لتعليل قد تبين الرشد من الغي انسب على حمل الإكراه على ما يقابل الرضا.

إلا أن يقال يمكن حمل الإكراه على الكره مقابل الرضا على المعنى الأول ويقال إن قوله "عز وجل" ﴿قد تبين الرشد من الغي﴾ هذه علة للحكم يعني يصير مفاد الآية هكذا لا إكراه في الدين نحن لا نجبر أحدا على قبول الدين بل لابد أن يرضى به قد تبين الرشد من الغي يعني يبين علة الرضا متى يرضى بالدين لأن الغي صار واضح والرشد صار واضح فإذا اتضح الرشد في هذه الحالة يرضى بالدين.

إذن تفسير الإكراه في الآية بالمعنى الأول ما يقابل الرضا لا يناسبه قوله "عز من قائل" ﴿قد تبين الرشد من الغي﴾ إلا بأن يكون المراد بيان علة الحكم وأن عدم الإكراه إنما هو لعدم الحاجة إليه من جهة وضوح الرشد ووضوح الغي ووضوح المائز بينهما وإذا كان هذا هو المراد في هذه الحالة لا يمكن نسخه لأن دين الإسلام واضح الحجة وساطع البرهان من أول الأمر وهذه العلة الوضوح والتفرقة بين الرشد والغي مشتركة بين طوائف الكفار فلا يمكن تخصيص الحكم ببعض الطوائف دون بعض لأن وضوح الغي ووضوح الرشد يعم المسيحي ويعم اليهودي ويعم الوثني ويعم الجميع ويلزم من ذلك حرمة مقاتلة الكفار جميعهم.

وهذه نتيجة باطلة بالضرورة خصوصا بالنسبة إلى الكافر الحربي قد يكون الكافر الحربي اعرف من غيره بالحق والباطل لكنه معاند مقتضى هذا التفسير أنه لا تجوز مقاتلته ولا يجبر لأنه لا يرضى.

فالصحيح والحق أن المراد بالإكراه ما يقابل الاختيار وأن الجملة خبرية وليست إنشائية والمراد من الآية الكريمة بيان ما تكرر في الآيات القرآنية كثيرا من أن الشريعة الإلهية غير مبتنية على الجبر لا في أصول الدين ولا في فروع الدين وإنما مقتضى الحكمة الإلهية إرسال الرسل وإنزال الكتب وإيضاح الحكم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة حتى لا يكون لله على الناس حجة.

قال تعالى ﴿إن هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا﴾[10] يعني رب العالمين وضح الطريق لا ليرضى الناس يرضون أو ما يرضون وإنما لكي يختاروا ثم بعد ذلك يحاسب كل واحد منهم بمقتضى اختياره فمن امن بالحق دخل الجنة ومن اتبع الغي عن اختيار ادخل الله النار ورب العالمين يستطيع أن يهدي جميع البشر ولو شاء لفعل ولكن الحكمة اقتضت أن الناس مدينين بأعمالهم واختياراتهم وليسوا مجبورين على أعمالهم.

قال الله "عز وجل" في عدة آيات ﴿ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون﴾[11] وفي آية أخرى ﴿قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين﴾[12] وفي آية ثالثة ﴿وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباءنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين﴾[13] .

هذا تمام الكلام في الآية العاشرة واتضح أنها ليست منسوخة كما عليه القول الأول وليست مخصصة كما عليه القول الثاني بل الصحيح هو القول الثالث من أن الآية محكمة وليست منسوخة ولا مخصصة.

الآية الحادية عشر يأتي عليها الكلام.

 


logo