40/05/19
مناقضة الآية الثالثة التي أدعي نسخها (آية القصاص)
موضوع: مناقضة الآية الثالثة التي أدعي نسخها (آية القصاص)
الآية الثالثة التي ادعي أنها منسوخة هي قوله تعالى
﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى﴾[1]
ومن الواضح أن هذه الآية فرقت بين القتلى فقد فرقت بين الحر والعبد والذكر والأنثى فمقتضى هذه الآية المماثلة في القصاص فالذكر يماثل الذكر والأنثى تؤخذ بالأنثى والحر يقتص منه بقتل الحر والعبد يقتص منه بقتله العبد.
وقد ادعي أن هذه الآية منسوخة بقوله تبارك وتعالى
﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن﴾[2]
فقد اقتضت الآية الثانية أن النفس بالنفس مطلقا سواء كانت هذه النفس من الأحرار أو العبيد من الذكور أو الإناث فالآية الثانية مطلقة من حيثية الذكورة والأنوثة ومن حيثية الحر والعبد فتكون الآية الثانية ناسخة للآية الأولى التي اقتضت المماثلة.
وقد تطرق السيد الخوئي "رحمه الله" إلى دعوى النسخ وردّها:
وقد ذكر خمس نقاط:
النقطة الأولى
الأقوال في قصاص المرأة وقد تطرق إلى أربعة أقوال:
القول الأول ذهبت الإمامية إلى أن ولي دم المرأة مخير بين المطالبة بديتها ومطالبة الرجل القاتل بالقصاص بشرط أداء نصف الدية لأن دية المرأة نصف دية الرجل ودية الرجل ضعف دية المرأة فإما أن يأخذ ولي المرأة دية المرأة من القاتل وهي نصف دية الرجل وإما أن يطالب بالقصاص فإذا أراد القصاص وأراد قتل القاتل فلا يحق له أن يقتص منه إلا إذا دفع إليه نصف دية المرأة هذا هو قول الإمامية وهو موافق للآية الأولى والأنثى بالأنثى.
القول الثاني ذهب جمهور أهل السنة إلى أن الرجل يقتل بالمرأة من غير أن يرد إلى ورثته شيء من الدية خلافا للإمامية فمقتضى هذا القول المماثلة بين الرجل والمرأة وفاقا للآية الثانية النفس بالنفس.
القول الثالث خالف قول أهل السنة الحسن وعطاء فذهبا إلى أن الرجل لا يقتل بالمرأة.
القول الرابع والأخير قال الليث إذا قتل رجل امرأته لا يقتل بها خاصة أي أن الرجل لو قتل امرأة غير امرأته فإنه يقتل ولكن إذا قتل امرأته بالخصوص فإنه لا يقاد ولا يقتل.
قال ابن كثير في تفسيره الجزء الأول صفحة 209 قال البخاري وعلي بن المديني وإبراهيم النخعي والثوري في رواية عنه ويقتل السيد بعبده[3] .
هذا تمام الكلام في بيان النقطة الأولى الأقوال الفقهية في قصاص المرأة.
النقطة الثانية
الأقوال الفقهية في قصاص الحر:
القول الأول اجمع الإمامية على أن الحر لا يقتل بالعبد وهو القول المشهور بين أهل السنة. إذن كلا هذين القولين موافق للآية الأولى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
القول الثاني خالف المشهور بين أهل السنة أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وداود فقالوا إن الحر يقتل بعبد غيره ولكنه لا يقتل بعبد نفسه.
القول الثالث ذهب شواذ من أهل السنة إلى أن الحر يقتل بالعبد مطلقا حتى لو كان عبد نفسه يعني سواء كان عبدا لغيره أو عبدا لنفسه.
قال ابن كثير في تفسير الجزء الأول صفحة 209 قال البخاري وعلي بن المديني وإبراهيم النخعي والثوري في رواية عنه ويقتل السيد بعبده[4] .
هذا تمام الكلام في النقطة الثانية وهي بيان الأقوال الفقهية في قصاص الحر.
النقطة الثالثة
بيان الصحيح في قصاص الحر بالعبد
وقبل أن نتطرق إلى النقطة الثالثة التي يبين فيها الحق في المسألة في قصاص الحر بالعبد وقبل أن نتطرق إلى النقطة الرابعة التي يتطرق فيها السيد الخوئي إلى بيان الحق والصحيح في المسألة في قصاص الذكر بالأنثى،
لا بأس ببيان مقدمة هامة وواضحة وهي:
أنه إذا وردنا عام أو مطلق كما لو قال المولى لعبده أكرم العلماء فهذا مطلق أو قال أكرم جميع العلماء فهذا عام ثم ذكر كلاما خاصا وقال لا تكرم الفساق لا تكرم النحويين فهذا خاص فمقتضى الجمع العرفي هو حمل العام أكرم جميع العلماء على الخاص لا تكرم الفاسق أو النحوي من العلماء فتكون النتيجة أكرم جميع العلماء إلا النحوي أو الفاسقة منهم.
وهكذا يحمل المطلق أكرم العلماء على المقيد وهو لا تكرم الفاسق أو النحوي من العلماء فتكون النتيجة أكرم العلماء إلا الفاسق أو النحوي منهم.
وهذه مقدمة واضحة والغرض من بيانها هو بيان أن الخاص سواء تقدم أو تأخر والمطلق سواء تأخر أو تقدم فإن مقتضى الجمع العرفي هو حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد فلو تقدم الخاص زمانا فقال المولى لا تكرم الفساق لا تكرم النحويين لا تكرم الرياضيين ثم بعد مدة بعد سنة أو سنتين قال أكرم العلماء فهل العام أكرم جميع العلماء أو المطلق أكرم العلماء يلغي الخاص يلغي لا تكرم النحويين لا تكرم الفساق لا تكرم الرياضيين أو لا.
وهكذا لو قال مدير المدرسة للمسئول التعليمي أكرم جميع التلاميذ هذا عام ولكنه قبل سنة قال لا تكرم الراسبين من الطلاب فهل قوله أكرم جميع التلاميذ هذا العام أو قوله أكرم التلاميذ.
سؤال هذا المطلق فهل عموم العام أو المطلق المتأخر يلغي الخاص المتقدم والمقيد المتقدم أو لا؟
الجواب العام المتأخر لا يلغي الخاص المتقدم إلا إذا دلت قرينة على إرادة الإلغاء كما لو قال كنت سابقا قد نهيتك عن إكرام الراسبين من الطلبة واليوم إن شاء الله نكرم الجميع حتى الراسبين فأكرم جميع التلاميذ ففي هذه الحالة يكون العام قد ألغى الخاص المتقدم.
خلاصة المقدمة إذا جاءنا عام أو مطلق وجاءنا أيضا خاص أو مقيد فإن مقتضى الجمع العرفي هو حمل العام على الخاص وحمل المطلق على المقيد سواء كان العام متقدما أو متأخرا وسواء كان الخاص متقدما أو متأخرا الآن نجيب ببساطة على دعوى النسخ ثم نتعمق.
الآية الأولى خاصة أو عامة؟
الآية الأولى:
﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى﴾[5]
هنا يوجد تخصيص أن الأنثى تؤخذ بالأنثى والحر يؤخذ بالحر والعبد يؤخذ بالعبد خلافا للآية الثانية
﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن﴾[6]
مطلقا سواء كانت هذه النفس حرة أو عبدا سواء كانت هذه النفس ذكرا أو أنثى.
فتكون الآية الثانية عامة مطلقا خلافا للآية الأولى التي فيها خصوصية المماثلة هنا مقتضى الجمع العرفي حمل العام على الخاص حتى لو تأخر العام حتى لو تأخرت الآية. ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس﴾ فإن العام المتأخر لا يلغي خصوصية الخاص المتقدم.
إذا اتضحت هذه المقدمة وهي أن العام يحمل على الخاص مطلقا والمطلق يحمل على المقيد مطلقا يعني سواء تأخر المقيد أو تقدم،
نشرع في بيان النقطة الثالثة وهي:
بيان الصحيح والحق في مسألة قصاص الحر بالعبد سؤال هل نسخت الآية الأولى بالثانية أو لا؟
الجواب لا يوجد نسخ لأن الآية الأولى محكمة وواضحة الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ولم يرد عليها ناسخ لأن الآية الثانية النفس بالنفس مطلقة من حيث العبد والحر ومن حيث الذكر ومن حيث الأنثى فلا صراحة في الآية في الحكم على العبد بالحر أو الأنثى بالذكر. فتكون الآية الأولى الحر بالحر خاصة والآية الثانية النفس بالنفس مطلقة.
وهنا يوجد احتمالان بالنسبة إلى الآية الثانية:
﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن﴾.
الاحتمال الأول إن هذه الآية لم تكن في مقام البيان من حيث خصوصية القاتل والمقتول وأن هذا القاتل أو المقتول حر أو عبد ذكر أو أنثى الآية ليست في مقام البيان من ناحية خصوصية القاتل أو المقتول بل الآية في مقام بيان المساواة في مقدار الاعتداء فقط فالآية تقول ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن﴾ فالآية في مقام بيان المساواة في الاقتصاص فهي موافقة لمفاد قوله تعالى:
﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾[7]
فإذا استظهرنا أن الآية ليست في مقام بيان خصوصية القاتل والمقتول أنه ذكر أو أنثى عبد أو حر وإنما في مقام بيان المساواة ففي هذه الحالة تكون الآية الثانية مهملة ولا ظهور لها في العموم. هي في مقام بيان أن النفس تساوي النفس. أما هذه النفس ما هي هل هي ذكر أو أنثى هل هي حر أو عبد؟ الآية أصلا غير ناظرة إلى هذه الخصوصية تكون مهملة من هذه الناحية فإذا كانت مهملة فكيف تنسخ الآية الأولى التي تقول الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
إذن بناء على الاحتمال الأول وهي أن الآية ليست ناظرة إلى خصوصية القاتل والمقتول وإنما ناظرة إلى المساواة في مقدار الاعتداء تكون الآية الثانية مهملة وإذا كانت مهملة نتمسك بإطلاق الآية الأولى ولا تخصصها الآية الثانية لأنها مهملة.
هذا تمام الكلام في بيان الاحتمال الأول.
الاحتمال الثاني (الاستظهار الثاني) لو التزمنا بوجود ثلاثة أمور نستظهر ثلاثة أمور في الآية الثانية ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس﴾:
الخصوصية الأولى أن الآية في مقام بيان خصوصية القاتل والمقتول وإنه ذكر أو أنثى حر أو عبد.
الخصوصية الثانية واستظهرنا الإطلاق من الآية، الآية مطلقة ولا تخصص الحر بالحر والأنثى بالأنثى.
الخصوصية الثالثة واستظهرنا أن الآية ظاهرة في ثبوت الحكم في أمة النبي محمد "صلى الله عليه وآله" ولم تكن هذه الآية تخبر عن ثبوت هذا الأمر في التوراة فقط يعني في أمة موسى "على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام".
فإذا تمت هذه الأمور الثلاثة الآية أولا ظاهرة في خصوصية القاتل والمقتول وثانيا مطلقة وثالثا تشمل أمة النبي ولا تختص بأمة موسى "عليه السلام" في هذه الحالة نقول:
كانت الآية الأولى هي المقيدة لإطلاق الآية الثانية لا أن الآية الثانية هي التي تنسخ الآية الأولى لأن الآية الأولى خاصة الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى والآية الثانية مطلق ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس﴾ فنحمل إطلاق الآية الثانية النفس بالنفس على المقيد الموجود في الآية الأولى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فيصير هذا من موارد تقدم الخاص وتأخر العام وقلنا إن الخاص سواء تقدم أو تأخر فهو مخصص ومقيد للعام أو المطلق فتكون الآية الأولى قرينة على المراد من الآية الثانية.
إذن المطلق المتأخر ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس﴾ لا يصلح بأن يكون ناسخا للمطلق المتقدم ﴿كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى﴾ فإن العام أو المطلق وإن جاء متأخرا فإنه لا يلغي الخاص المتقدم وإنما يكون الخاص المتقدم قرينة على المراد من العام المتأخر فيتصرف الخاص أو المقيد المتقدم في ظهور العام أو المطلق المتأخر وبالتالي لا موجب للقول بجواز قتل الحر بالعبد، هذا تمام الكلام في بيان النقطة الثالثة الصحيح في قصاص الحر بالعبد.
طبعا في هذه النقطة الثالثة في بيان قصاص الحر بالعبد يقع الكلام في نقطتين:
النقطة الأولى دعوى النسخ بالآيات.
النقطة الثانية دعوى النسخ بالروايات، يعني هذه الآية الأولى ﴿يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص بالقتل الحر بالحر﴾ إما أن يدعى نسخها بالآيات كقوله ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس﴾ وقد تم الحديث عن ذلك في النقطة الأولى ورددنا أن دعوى النسخ غير تامة هذا البحث الأول من النقطة الثالثة.
البحث الثاني من النقطة الثالثة دعوى النسخ بالروايات فيقال إن قوله "عز من قائل" ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى﴾ هذا يقتضي المماثلة.
وقد نسخ بروايات خمس روايات يذكر السيد الخوئي:
الرواية الأولى ما روي عن علي "عليه السلام" عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" من قوله (المسلمون تتكافأ دمائهم)[8] .
وفيه لو سلمنا بصحة هذه الرواية فإن هذه الرواية تكون مطلقة وتقيد وتخصص بالآية الأولى الحر بالحر فإن دلالة الرواية على جواز قتل الحر بالعبد إنما هي بالعموم (المسلمون تتكافأ دمائهم) هذا عام فيقيد بقوله تعالى ﴿الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى﴾.
وقد تقدم الكلام في النقطة الأولى تخصيص الآية بالآية من أن الخاص والمقيد حتى لو تقدم على العام فإن العام المتأخر لا ينسخ الخاص المتقدم وإنما يتصرف في ظهوره.
الرواية الثانية ما روي عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بطريق الحسن عن سمرة وهذا ضعيف السند وغير قابل للاعتماد عليه قال أبو بكر بن العربي ولقد بلغت الجهالة بأقوام أن قالوا يقتل الحر بعبد نفسه ورووا في ذلك حديثا عن الحسن عن سمرة قال النبي "صلى الله عليه وآله" (من قتل عبده قتلناه) وهذا حديث ضعيف[9] .
وأما مناقشة الخبر الثاني ففيه ثلاث نقاط:
النقطة الأولى هذا خبر ضعيف السند.
النقطة الثانية هذا الخبر لو غضضنا النظر عن ضعف سنده فإنه معارض بأربع روايات الرواية الأولى رواية عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي "صلى الله عليه وآله" ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به[10] يعني لم يقتص منه به لم يقده يعني لم يقد الحر به بالعبد هذه منافية إلى تتكافأ دمائهم.
الرواية الثانية ما رواه ابن عباس عن النبي "صلى الله عليه وآله" ومفاده مفاد الرواية الثالثة، الرواية الثالثة ما رواه جابر عن عامر عن علي "عليه السلام" (لا يقتل حر بعبد)[11] هذه مخصصة إلى تتكافأ دمائهم[12] .
الرواية الرابعة ما رواه عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد[13] .
المناقشة الثالثة لو غضضنا النظر عن ضعف السند وعن معارضة هذه الرواية بروايات واردة من طريق أهل السنة فإن روايات أهل البيت "عليهم السلام" فيها إجماع على أن الحر لا يقتل بالعبد وأهل البيت أدرى بالذي فيه وهم المرجع بعد جدهم الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" في أمور الدين فلا يبقى مجال لدعوى نسخ الآية الكريمة وبالتالي لا يقتل الحر بالعبد.
هذا تمام الكلام في النقطة الثالثة الحق في قصاص الحر بالعبد.
النقطة الرابعة الحق والصحيح في قصاص الرجل بالمرأة.
والصحيح أن الآية الأولى والأنثى بالأنثى ليست منسوخة وهنا يوجد قولان:
القول الأول ما ذهب إليه الإمامية والحسن وعطاء من أن الآية ليست منسوخة وأن الرجل لا يقاد بالمرأة مطلقا.
القول الثاني مسلك جمهور أهل السنة من أن الآية الأنثى بالأنثى منسوخة بقوله "عز وجل" النفس بالنفس وتوضيح ذلك إن قوله تعالى كتب عليكم القصاص والقصاص فرض واجب ومن الواضح أن القصاص إنما يجب عند المطالبة بالقصاص من ولي الدم.
طبعا في كتاب القصاص لا يحق لولي الدم أن يقتص بنفسه يرى قاتل أبوه ويذهب ويقتله يصير الهرج والمرج الذي يقتص الحاكم الشرعي فيقع الكلام ولي الدم مثلا ابن المقتول متى يحق له أن يطالب بالقصاص مثلا هذا قتل أمه متى يذهب إلى الحاكم الشرعي ويطالب بدم أمه؟ إذا توفر نصف الدية لديه بالتالي إما أن يطلب من الحاكم الشرعي دية أمه لأنها نصف دية الرجل وإما أن يطالب بدم أمه يطالب بقتل قاتل أمه لكن عند المطالبة يكون يحظر نصف الدية، هذا أمر معلوم من الخارج أن القصاص متى يستحق؟ عند المطالبة لا بمجرد وقوع القتل.
وهذا الأمر أنه الاستحقاق عند المطالبة يعلم أيضا من قوله "عز وجل" ﴿فمن عفي له من أخيه شيء﴾[14] يعني ولي الدم يمكن أن يعفو إلى آخر لحظة قبل أن يعلقونه على المشنقة ويقتلونه يقول عفوت عنه.
إذن المستفاد من الآية الكريمة أن القاتل يجب عليه أن يخضع لحكم القصاص إذا طالب ولي الدم بذلك هذا أنه مطالبة ولي الدم متى يكون هذا الحكم؟
يكون في موردين كلامنا في قصاص الأنثى يعني إذا كان القاتل رجلا والمقتول أنثى.
المورد الأول في قتل الرجل بالرجل تصح المطالبة مباشرة
المورد الثاني وفي قتل الأنثى بالأنثى أيضا تصح المطالبة مباشرة
المورد الثالث في قتل المرأة لمرأة أو لرجل تصح المطالبة مباشرة، إذن عندنا ثلاث موارد تصح المطالبة مباشرة في قتل الرجل للرجل وقتل الأنثى للأنثى وقتل الأنثى للرجل يصير يقتصون منها مباشرة.
المورد الرابع في قتل الرجل للأنثى إذا الرجل قتل المرأة هنا هل تصح المطالبة مباشرة، إذا اقتص من الرجل دية الرجل ضعف دية المرأة ففي هذه الحالة ولي دم المرأة إما أن يطالب بديتها دون القصاص فيدفع القاتل دية المرأة وإما ولي دم المرأة يوفر نصف دية الرجل لدية المرأة ويطالب بالقصاص للرجل القاتل فإن الرجل إذا قتل امرأة لا يقاد بها مباشرة ولا يقاد بها بمجرد المطالبة ولو أن يمتنع ما يسلم نفسه للقتل حتى يستلم نصف الدية ولا يأخذه الحاكم الشرعي بالقصاص إلا إذا استلم نصف الدية أو توفر له نصف الدية.
وبعبارة أخرى تدل الآية المباركة على أن بدل الأنثى هي الأنثى فلا يكون الرجل بدلا عن الأنثى الآية تقول
﴿يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى﴾
فالأنثى تماثل الأنثى هكذا تدل الآية ولا يكون الرجل بدلا عن الأنثى فلا يقع النسخ في مدلول الآية.
عندنا من دليل خارجي أن القصاص لا ينفذ بمجرد وقوع القتل وإنما يثبت القصاص عند المطالبة وبالتالي فإن كان المقتول رجلا في هذه الحالة بمجرد المطالبة يثبت القصاص يعني ولي الرجل المقتول إذا طالب بقتل الرجل القاتل أو المرأة القاتلة ثبت القصاص وأما إذا كان المقتول أنثى والقاتل رجلا فحينئذ بمجرد المطالبة لا ينفذ القصاص بل يضم إلى مطالبة ولي دم المرأة المقتولة المطالبة بنصف الدية فيكون الرجل بدلا عن مجموع أمرين مجموع الأنثى ونصف الدية وهذا حكم آخر لا مساس له بالحكم المستفاد من الآية الكريمة النفس بالنفس والأنثى بالأنثى، إذن لا يوجد نسخ في الآية هذا إذا كلامنا فقط في الآيات.
إذن ثبوت النسخ مبني على إثبات وجوب انقياد القاتل بمجرد مطالبة ولي المرأة بالدم حتى لو لم يوفر الدية هذا ثبوت النفس هكذا كيف ننسخ الآية الأولى الأنثى بالأنثى بالآية الثانية النفس بالنفس هذا النسخ مبني على أن القصاص يقع بمجرد المطالبة حتى لو لم يوفر القاتل نصف الدية وهذا ليس بتام، طبعا الجمهور قالوا بالنسخ بناء على قولهم بالنسخ أن القصاص يحصل بمجرد المطالبة هذا ليس بتام وبالتالي يقع الكلام في الأدلة التي تقام على وجوب انقياد القاتل بمجرد مطالبة المرأة ويذكر السيد الخوئي خمسة أدلة:
الدليل الأول التمسك بإطلاق الآية الثانية النفس بالنفس على ما صرح أهل السنة في كلماتهم.
الدليل الثاني التمسك بعموم قول النبي "صلى الله عليه وآله" (المسلمون تتكافأ دمائهم) [15] وقد تقدم الكلام في مناقشة الأمر الأول والأمر الثاني التمسك بإطلاق الآية والتمسك بإطلاق قول النبي وقلنا هنا يوجد تخصيص يبقى الكلام في الدليل الثالث والرابع والخامس ثلاث روايات الدليل الثالث يتمسك بالانقياد بمجرد المطالبة بما رووه عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن عمر قتل نفرا من أهل صنعاء بامرأة وقادهم بها.
الدليل الرابع التمسك برواية عن ليث عن الحكم عن علي وعبد الله قالا إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو بها قود[16] يعني يقتص منه.
الدليل الخامس التمسك برواية عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال (إن الرجل يقتل بالمرأة)[17]
وهذه الأدلة باطلة من وجوه:
الوجه الأول هذه الروايات الثلاث لو فرض أنها صحيحة فهي مخالفة لكتاب الله، كتاب الله ماذا يقول؟ الأنثى بالأنثى وهذه أخبار آحاد وأخبار الآحاد لا تنسخ النص القرآني المتواتر هناك إجماع على أن الأخبار الظنية لا تنسخ الآيات القطعية.
الوجه الثاني هذه الروايات الثلاث معارضة بالروايات المروية عن أهل البيت "عليهم السلام" وبما رواه عطاء والشعبي والحسن البصري عن علي "عليه السلام" أنه قال في قتل الرجل امرأة إن أولياء المرأة إن شاءوا قتلوا الرجل وأدوا نصف الدية وإن شاءوا اخذوا نصف دية الرجل.
الوجه الثالث هذه الروايات الثلاث كل واحد منها فيها إيراد أما الرواية الأولى الرواية أن عمر قتل نفرا من أهل صنعاء بامرأة وقادهم بها فهذه الرواية يرويها سعيد بن المسيب وابن المسيب ولد بعد مضيء سنتين من خلافة عمر فكيف يروي هذه الرواية عن عمر فمن البعيد أن يروي عن عمر بلا واسطة فيكون هناك سقط في الرواية وفي الواسطة ولو سلمنا أنها صحيحة فهي تتضمن فعل عمر ولا حجية لفعل عمر وأما الرواية الثانية إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو بها قود فهذه الرواية ضعيفة ومرسلة، عن علي وعبد الله قالا إذا قالا من الذي قال إذا قتل الرجل من الذي قال لقوله حجة ما مذكور فيها إرسال.
الرواية الثالثة لو فرضنا أنها صحيحة هذه الرواية مطلقة والرواية المطلقة تقيد بالأنثى بالأنثى الآية الكريمة خاصة.
هذا تمام الكلام في النقطة الرابعة.
النقطة الخامسة والأخيرة نتيجة ما تقدم الآية الكريمة الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى لم يثبت نسخها ودعوى هذا النسخ بملاحظة فتوى بعض العلماء العامة والغريب العجيب أنت كيف ترفع اليد عن قول الله "عز وجل" بملاحظة فتوى زيد أو عمر والأعجب من ذلك أن بعضهم يفتي بخلاف القرآن مع أنه من المجمعين على أن القرآن لا ينسخ بخبر الواحد ومما تقدم يتضح أن الآية والحر بالحر لا تنسخ بقوله ﴿ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا﴾[18] هذا عام وفي قوله تعالى ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب﴾[19] هاتان الآيتان لا يصلحان لأنهما عامان والعام للمتأخر لا يلغي الخاص المتقدم.
النتيجة النهائية لم يثبت النسخ في الآية الثالثة.
الرابعة آية الوصية يأتي عليها الكلام.