« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

تتمة بحث شبهات حول تحريف القرآن

موضوع: تتمة بحث شبهات حول تحريف القرآن

 

الطائفة الثالثة: الروايات التي دلت على وقوع التحريف في القرآن بالزيادة والنقصان وأن الأمة بعد النبي "صلى الله عليه وآله" غيرت بعض الكلمات وجعلت مكانها كلمات أخرى.[1]

كان الكلام في الشبهة الثالثة التي مفادها إن الروايات الشريفة والمتواترة عن أهل بيت العصمة والطهارة قد دلت على التحريف فلابد من القول به.

قلنا إن هذه الروايات على أقسام وطوائف أربعة تطرقنا في الدرس السابقة إلى الطائفة الأولى والثانية واتضح عدم دلالتهما على التحريف بالنقيصة.

اليوم إن شاء الله نكمل الطوائف بتناول الطائفة الثالثة والرابعة.

الطائفة الثالثة

الروايات التي دلت على وقوع التحريف بالزيادة والنقيصة:

منها ما رواه علي بن إبراهيم القمي بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله "عليه السلام" (صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين)[2] فإذا كان النص القرآني هكذا يكون التحريف بالزيادة والنقيصة صراط من أنعمت عليهم الموجود في القرآن صراط الذين فتكون لفظ الذين زائدة ومكانها من وغير الضالين الموجود في القرآن المتداول اليوم ولا الضالين فتكون لفظة غير قد أنقصت من القرآن المتداول اليوم.

الرواية الأخرى ما عن العياشي عن هشام بن سالم قال سألت أبا عبد الله "عليه السلام" عن قوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين قال هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين فوضع اسم مكان اسم [3] أي أنهم غيروا فجعلوا مكان آل محمد آل عمران.

والجواب عن الطائفة الثالثة:

أولا هذه الروايات ضعيفة السند

ثانيا لو سلم أنها تامة السند مخالفة للإجماع والكتاب والسنة.

فقد دل القرآن الكريم والسنة الشريفة وإجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن بحيث لا يوجد حتى حرف واحد زائد حتى القائلين بتحريف القرآن بالنقيصة يلتزمون بأن القرآن لم يزد فيه حرف واحد.

وقد ادعى الإجماع على عدم الزيادة كثير من علمائنا الأعلام كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشيخ البهائي من الأعاظم "رحمة الله عليهم" كما أن رواية الاحتجاج للطبرسي المتقدمة تدل على عدم الزيادة في القرآن الكريم.

إذن الطائفة الثالثة لا يمكن قبولها فتسقط عن الاعتبار لضعف سندها أولا ومخالفتها وابتلائها بالمعارض وهو مخالفة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ثانيا.

الطائفة الرابعة

الروايات التي دلت على تحريف القرآن بالنقيصة فقط.

وهذا هو موضع النزاع التحريف بالنقيصة.

والجواب على الاستدلال بهذه الروايات في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى أكثر هذه الروايات ضعيف السند بل بعضها لا يحتمل صدقه في نفسه لذلك صرح بعض الأعلام بلزوم تأويل هذه الروايات أو لزوم طرحها.

النقطة الثانية لو سلمنا أن هذه الروايات صحيحة السند فلابد من تأويلها وحملها على الزيادات التوضيحية كما ذكرنا ذلك في الروايات التي ذكرناها بشأن مصحف الإمام علي "عليه السلام" وأن فيه زيادات توضيحية.

فيراد بالتنزيل ما نزل من الله:

إما كنص قرآني

أو كتفسير وشرحا للمراد من الآيات القرآنية بالحديث القدسي

أو على لسان النبي وأهل بيته

إذن النقطة الثانية والمناقشة الثانية لابد من حمل هذه الروايات على التنزيل بالمعنى اللغوي ما نزل من الله إما نصا أو شرحا للمراد.

النقطة الثالثة إن لم يمكن الحمل على هذا المعنى فلابد من طرح هذه الروايات لأنها مخالفة للكتاب والسنة. وأكثر العلماء والمحققين قالوا بلزوم تأويل هذه الروايات لأنها مخالفة لنص القرآن الكريم والسنة.

فقد ذكر المحقق البغدادي شارح الوافية وصرح بلزوم تأويلها لأنها مخالفة للكتاب والسنة.

ونقل ذلك عن المحقق الكركي الشيخ علي بن عبد العال المحقق الثاني صاحب جامع المقاصد له رسالة مستقلة في تحريف القرآن الكريم قال فيها ما نصه إنما دل من الروايات على النقيصة لابد من تأويلها أو طرحها فإن الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب والسنة المتواترة والإجماع ولم يمكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه وجب طرحه.

يقول السيد الخوئي "رحمه الله": كلام المحقق الكركي "رضوان الله عليه" يشير إلى ما دلت عليه الروايات المتواترة الواردة في تعارض الأدلة من أن الحديث إذا جاء مخالفا للقرآن يضرب به عرض الحائط. من هذه الرواية المتواترة:

ما رواه الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه بسنده الصحيح عن الإمام الصادق "عليه السلام" قال (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة إن على كل حق حقيقة[4] وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه[5] ) وهذه الروايات مخالفة لكتاب الله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

الرواية الثانية ما رواه الشيخ الجليل سعيد بن هبة الله القطب الراوندي بسنده الصحيح إلى الصادق "عليه السلام" قطب الدين الراوندي أول من كتب في أحكام القرآن قال الصادق "عليه السلام" (إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه)[6] هذا تمام الكلام في بيان وجواب الشبهة الثالثة ومفادها إن الروايات قد دلت على التحريف واتضح أن أكثرها ضعيف السند وبعضها يمكن تأويله وإذا لم يمكن تأويله يضرب بها عرض الحائط لأنها مخالفة للكتاب والسنة المتواترة وإجماع جميع المسلمين.

وأما الشبهة الرابعة [7]

فهي راجعة إلى كيفية جمع القرِآن الكريم وأن جمع القرآن يستلزم وقوع التحريف فيه لذلك عقد السيد الخوئي "رحمه الله" فصلا خاصا وبحثا خاصا لفكرة جمع القرآن فكرة عن جمع القرآن الكريم.

موضوع جمع القرآن الكريم من أهم الموضوعات في علوم القرآن ومن أهم الموضوعات التي يتذرع بها القائلون بالتحريف لإثبات أن القرآن المتداول اليوم والمجموع قد وقع فيه التحريف والتغيير.

وأما كيفية جمع القرآن الكريم التي نقلت تستلزم وقوع التحريف وعادة عملية الجمع تستلزم وقوع التحريف والنقيصة. لذلك كان من الضروري أن يعقد هذا البحث إكمالا لبحث صيانة القرآن عن التحريف وتنزيه القرآن عن أي نقص أو تغيير.

ما هو مصدر هذه الشبهة؟

مصدر هذه الشبهة ما ذكر أن القرآن المتداول اليوم إنما جمع بأمر أبي بكر إلى أن جاء عثمان ووحد المصاحف فقد دلت الكثير من الروايات على أنه قتل سبعون رجلا من قراء القرآن الكريم في بئر معونة كما قتل حوالي أربعمائة من الصحابة في حرب اليمامة فخيف ضياع القرآن باستشهاد الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب فتصدى عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت لجمع القرآن الكريم من العسب.

والعسب جمع عسيب وهي جريدة من النخل يكشط خوصها ويكتبون بطرفها العريض. إذن المراد بالعسب الطرف العريض من خوص النخل العريض يكتبون عليه.

وأيضا جمع ما كتب على اللخاف، اللخاف حجارة بيض رقاق واحدها كلمة لخفة بوزن سحفة.

فتصدى عمر وأسامة بجمع ما كتب على العسب أي الخوص والرقاع جمع رقعة واللخاف جمع لخفة يعني ما كتب على الحجر والخوص وكل الرقاع ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان على أن هذه الآية جاء بها النبي "صلى الله عليه وآله".

الآن بيان وجه الشبهة:

إذا كان المتصدي لجمع القرآن بل أي كتاب غير معصوم فمن المحتمل جدا أن يفوته بعض الشيء والعادة تقضي بفوات شيء على المتصدي إذا كان غير معصوم فمثلا من يتصدى لجمع أشعار شاعر معين ففي الغالب تفوته بعض القصائد وبعض الأبيات أو يختلف فيها وهذا الحكم قطعي بمقتضى العادة ولا أقل من احتمال التحريف فإنه من المحتمل عدم إمكان إقامة شاهدين على بعض ما سمع من النبي "صلى الله عليه وآله" فلا يبقى وثوق بعدم النقيصة.

إذن هذا الإشكال مبني على أن الذي جمع القرآن هو أبو بكر وسيأتي التطرق إلى الروايات. فبعض الروايات تشير إلى أن الذي تصدى إلى جمع القرآن أبو بكر وبعضها تشير إلى أن الذي جمع القرآن عمر وبعضها يشير إلى أنه عثمان وأن كان أكثر الروايات عند العامة تشير إلى أن الذي جمع القرآن أبو بكر وقد أمر زيد بن ثابت بكتابة القرآن الكريم ثم وضع المصحف الإمام يعني أهل المدينة ووزعوا بعض المصحاف على الأمصار كمصحف مكة ثم هذا القرآن بعد وفاة أبي بكر صار عند عمر وبعد وفاة عمر صار عند حفصة بنت عمر فلما جاء عثمان وأراد أن يوحد المصاحف طلب المصحف من حفصة فلم تقبل لأنها خشيت أن لا يرجع إليها مصحف أبيها ولكن بعد أن أعطاها العهود والمواثيق أن يرجع إليها المصحف سلمته المصحف فأمر زيد بن ثابت يكتب القرآن الكريم بناء على هذه النسخة التي جمعها أبو بكر ثم وحد المصاحف واحرق بقية المصاحف التي لا تتطابق مع مصحف حفصة.

طبعا هناك أيضا مصحف عائشة ولكن يقال ويدعى أن مصحف حفصة هو مصحف عمر هو مصحف أبي بكر. إذن هذه الشبهة قائمة على هذا.

وسيتضح أننا لا نلتزم بأن القرآن قد جمع بعد عهد النبي على يد الخلفاء فإما أن يكون القرآن قد جمع على عهد النبي وأن أول من جمعه رسول الله "صلى الله عليه وآله" كما يلتزم بذلك السيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" والنبي معصوم وهو الذي قد تصدى للجمع فتنتفي هذه الشبهة.

وأما أن نلتزم أن القرآن قد جمع بعد موت النبي بثلاثة أيام وقد جمعه أمير المؤمنين "عليه السلام" بمعنى أن القرآن كمجموع آيات وسور كان مجموعا على عهد النبي والنبي احتفظ به وسلمه لعلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" كان دوره دور ترتيب القرآن الكريم في مصحف واحد.

وهذه مباحث مهمة وهي:

أولا هل ترتيب كلمات القرآن أمر توقيفي أو اجتهادي يعني وضع كلمة قبل كلمة مثلا وجاءت سكرة الموت بالحق أو وجاءت بالحق سكرة الموت، سكرة الموت بالحق أو سكرة الحق بالموت هذه الكلمات هل هي توقيفية أو لا؟ المشهور أنها توقيفية.

الثانيا هل ترتيب الآيات أمر توقيفي أو لا؟ المشهور عند الإمامية إن ترتيب الآيات أيضا أمر توقيفي.

إذا قرأنا بعض الروايات الآن إنه جاء خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين بآيات من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه قالوا اجعلوها في نهاية سورة التوبة يعني جعل الآية صار أمر اجتهادي الشيعة الإمامية يرون أن وضع الآيات أمر توقيفي.

إذن:

أولا وضع الكلمات أمر توقيفي

ثانيا وضع الآيات أمر توقيفي

الأمر الثالث هل ترتيب السور أمر توقيفي؟

يعني بحيث يبدأ المصحف بالفاتحة ثم سورة البقرة التي هي سبع الطوال ثم الأواسط ثم الصغار و ينتهي بسورة الناس.

المشهور إن ترتيب السور ليس أمرا توقيفيا هذا عند السنة وعند الشيعة.

لذلك جواب هذه الشبهة تبتني على صحة الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن والأولى أن نذكر هذه الروايات ثم نعقبها بما يرد عليها.

يذكر السيد الخوئي "رحمه الله" اثنين وعشرين رواية ثم بعد ذلك يورد عليها ستة إشكالات قوية وعويصة جدا.

واهم نقطة أن هذه الروايات متضاربة فيما بينها مثلا الرواية الأولى تشير إلى أن أول من بادر إلى جمع القرآن عمر وهو حث أبو بكر إلى اقتنع أبو بكر ثم أبو بكر كلم زيد بن ثابت ما قبل إلى أن اقتنع زيد بن ثابت والحال إن رواية أخرى تقول مات عمر ولم يجمع القرآن. رواية أخرى تقول زيد بن ثابت هو الذي حث أبا بكر على جمع القرآن الكريم فالروايات متضاربة.

وإن شاء الله الدرس القادم سنقرئها ثم السيد الخوئي أول نقطة يذكر في المناقشة تناقض أحاديث جمع القرآن الكريم ثاني نقطة تعارض روايات الجمع إلى آخر النقاط الست التي يذكرها السيد الخوئي "رحمه الله".

أحاديث جمع القرآن يأتي عليها الكلام.

 


logo