« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

التحريف والسنة

موضوع: التحريف والسنة

التحريف والسنة [1]

الدليل الثالث أخبار الثقلين الذين خلفهما النبي “صلى الله عليه وآله” في أمته واخبر أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وأمر الأمة بالتمسك بهما وهما الكتاب والعترة

وأخبار الكتاب والعترة الثقلين متضافرة من طرق الفريقين السنة والشيعة وقد ورد هذا الحديث بعدة مضامين منها قوله “صلى الله عليه وآله” (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)[2] وفي بعض الروايات فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تتأخروا عنهما[3] إلى آخر الرواية.

وقد ورد بعدة مضامين ويستفاد من هذه الروايات أن هناك ثقلين الأول هو الثقل الأكبر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض الثاني الثقل الأصغر وهم العترة الطاهرة أهل بيت النبي “صلى الله عليه وآله”

ويستفاد من هذه الروايات أيضا أنهما يبقيان إلى يوم القيامة ويجب التمسك بهما وأن الابتعاد عنهما ضلال ويوجب الضلالة (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم) [4]

وحديث الثقلين من الأحاديث المتواترة ومن أراد البحث مفصلا فعليه بمراجعة كتاب الغدير للعلامة الأميني ومراجعة كتاب نفحات الأزهر للسيد علي الميلاني وهو مختصر لكتاب اللكنودي، اللكنودي له كتاب حوالي ثمانين مجلد من علماء الهند وجاء السيد الميلاني واختصره في عشرين مجلد كتاب اللكنودي لم يطبع بالكامل لعله طبع منه اثني عشر مجلدا أو ثمانية مجلدات ولكن نفحات الازهار في خلاصة عبقات الأنوار للمحقق اللكنودي "رحمة الله عليه".

الاستدلال بحديث الثقلين على عدم وقوع التحريف بمعنى النقيصة في القرآن الكريم يكون من ناحيتين أو وجهين:

الناحية الأولى إن القول بالتحريف يستلزم عدم وجوب التمسك بالكتاب.

الناحية الثانية إن القول بالتحريف يستلزم سقوط الكتاب عن الحجية

إذن هناك حيثيتان في الملازمة في الجهة الأولى ندرس حيثية عدم وجوب التمسك بالقرآن في الناحية الثانية ندرس حيثية عدم حجية القرآن.

نتطرق أولا إلى الناحية الأولى ومفادها

إن القول بتحريف القرآن وأنه ناقص يستلزم عدم وجوب التمسك بالقرآن الكريم نظرا لضياعه على الأمة بسبب وقوع التحريف والنقيصة فيه والحال إن وجوب التمسك بالقرآن بمقتضى حديث الثقلين باق إلى يوم القيامة بحسب أخبار الثقلين وتصريحها فيكون القول بالتحريف باطلا جزما لأن القول بتحريف القرآن ونقصانه يستلزم عدم وجوب التمسك به إلى يوم القيامة لأنه يكون قد ضاع بسبب النقيصة فلا يمكن التمسك به وهذا مخالف لصريح أخبار الثقلين أن القرآن يبقى إلى يوم القيامة هذا بشكل مختصر.

وأما بشكل مفصل فإن هذه الروايات دلت على اقتران الثقل الأكبر وهو القرآن بالثقل الأصغر وهو السنة والعترة الطاهرة وأن العترة والقرآن يبقيان بين الناس إلى يوم القيامة.

إذن لابد من وجود قرين لابد من وجود شخص يكون عدلا للكتاب لذلك أمير المؤمنين في صفين قال (ويحكم أنا القرآن الناطق وهذا القرآن الصامت)[5] حينما اعترض الخوارج عليه ورفعوا المصاحف عمر بن العاص رفع المصاحف أمير المؤمنين اعترض قال (أنا القرآن الناطق وهذا القرآن الصامت)

إذن في كل زمان بل في كل آن لابد من وجود شخص من العترة يكون قرينا وعدلا للكتاب لكي لا تقع الأمة في الضلالة فيقع الحديث في أمرين:

الأمر الأول كيف نتمسك بالكتاب

والأمر الثاني كيف نتمسك بالعترة

أما الثاني وهو التمسك بالعترة فهو عبارة عن موالاة العترة وإتباع أوامرهم ونواهيهم وتعاليمهم والسير على هداهم والتمسك بالعترة لا يتوقف على الوصول إلى الإمام مباشرة إذ يصعب على جميع الناس أن يلتقوا بالإمام "صلوات الله وسلامه عليه" ويتعذر على الإمام أن يلتقي بكل فرد فرد من أبناء الأمة واشتراط إمكان الوصول إلى الإمام المعصوم "عليه السلام" لبعض الناس دعوى إلى برهان ولا دليل عليها وها هم الشيعة في زمن الغيبة الصغرى قد التقوا بالإمام عن طريق السفراء الأربعة وها هم الشيعة قد اتبعوا الإمام "عليه السلام" واخذوا تعاليم الإمام "عليه السلام" عن طريق الرجوع إلى الفقهاء والمراجع الجامعين لشرائط الفتوى بمقتضى الرواية الشريفة (وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم)[6] ،

إذن التمسك بالعترة لا يشترط فيه الوصول إلى شخص الإمام المعصوم بل يكفي فيه التمسك بتعاليم الإمام المعصوم ولو بواسطة.

بخلاف الأمر الأول وهو التمسك بالقرآن الكريم فلابد أن يكون القرآن موجودا بين جميع أفراد الأمة لكي يمكن للأمة أن تتمسك بالقرآن حتى لا تقع في الضلالة فلابد أن يكون القرآن سليما وليس محرفا بحيث يمكن لكل فرد فرد من أبناء الأمة أن يرجع إلى كتابه ودستوره وقرآنه.

وهذا البيان يرشدنا إلى فساد القول بأن القرآن محفوظ وموجود عند الإمام المعصوم "عليه السلام" وأما القرآن الموجود عند الناس وهو قرآن محرف فإن القرآن الذي يهدي ليس القرآن بوجوده الواقعي حتى تقول هو محفوظ عند الإمام الغائب بل القرآن بوجوده بين الأمة لكي تتمسك به الأمة وتعصم عن الضلالة.

إذن إذا تم هذا التفصيل من أن القرآن والعترة يبقيان إلى يوم القيامة أولا وثانيا لابد من التمسك بهما إلى يوم القيامة وثالثا كيفية التمسك بهما التمسك بالكتاب بالرجوع إلى الكتاب المتوفر بين الناس والتمسك بالعترة بالرجوع إلى التعاليم التي بثتها العترة ولو عن طريق نوابهم الخاصين في الغيبة الصغرى أو العامين في الغيبة الكبرى ليثبت أن القرآن الكريم لابد أن يكون مصونا عن النقيصة والتحريف وإلا لم يمكن الرجوع إليه ولم يعصم الأمة عن الضلالة فلا يجب الرجوع إليه إذا كان محرفا.

لكن هذا البيان توجه إليه إشكال وهو أن أخبار الثقلين ناظرة إلى خصوص الأحكام وآيات الأحكام فحديث الثقلين أمر الناس التمسك بالقرآن أي التمسك بخصوص آيات الأحكام وهي حوالي خمسمائة آية في القرآن الكريم تطرقت إلى حكم الصلاة والطهارة والصوم والحج والجهاد والإرث إلى آخره.

وبالتالي التمسك بآيات الأحكام لا ينافي وقوع التحريف في غير آيات الأحكام فهناك الآيات التي تخبر أخبارا غيبية وهناك الآيات التي تتحدث عن قصص الأنبياء "عليهم السلام" وهناك الآيات العقائدية وهناك الآيات الأخلاقية وحديث الثقلين يقتصر على خصوص آيات الأحكام فإذا التزمنا بأن آيات الأحكام ليست محرفة وليست ناقصة أمكن التمسك بالقرآن أي بآيات الأحكام من القرآن وإن كانت غير آيات الأحكام من القرآن قد وقع فيها النقيصة والتحريف.

وجواب هذا الاعتراض وهذا الإشكال:

أولا إن الله "عز وجل" أنزل القرآن لهداية البشر بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ وإذا سألوك هذا السؤال عرف لنا القرآن هل هو كتاب رياضيات أو طب أو فيزياء فيكون الجواب إنه كتاب هداية والإرشاد والهداية إلى كمال الناس الممكن إنما يكون من جميع الجهات لا في خصوص آيات الأحكام.

إذن يجب التمسك بجميع القرآن بآيات أحكامه وغيرها وقد تقدم في بيان فضل القرآن أن القرآن ظاهره قصة وباطنه عظة إذن خلاصة المناقشة الأولى القرآن كتاب هداية والهداية كما تتم بآيات الأحكام تتم أيضا بغير آيات الأحكام فيكون حديث الثقلين الذي يأمر بتمسك بالقرآن يأمر بالتمسك بجميع القرآن بآيات الأحكام وغيرها فلا موجب للتخصيص بخصوص آيات الأحكام.

المناقشة الثانية من قال بتحريف القرآن بالنقيصة خصوصا من علماء الإمامية لم ينظر إلى خصوص آيات الأحكام وإنما نظر إلى خصوص آيات الولاية وآيات الإمامة مثلا ﴿يا أيها النبي بلغ ما انزل إليك من ربك في علي﴾ قال إن لفظة في علي حرفت وكانت موجودة في القرآن وحذفت وما شاكل ذلك.

فعمدة القائلين بالتحريف يدعون وقوع التحريف في الآيات التي ترجع إلى الولاية وما يشبهها ومن الواضح أنه لو ثبت أن آيات الولاية من القرآن وأن هذه النواقص من القرآن لوجب على الأمة التمسك بها وإن لم تكن آيات الأحكام.

إذن خلاصة المناقشة الثانية لهذا الإشكال

الإشكال يقول أمرنا بالتمسك بآيات الولاية دون غيرها، المناقشة الثانية تقول من ادعى التحريف بالنقيصة انصب اهتمامه على آيات الإمامة والولاية وهو يرى أن نقصانها يوجب عدم التمسك بالقرآن فهو أصلا ناظر إلى غير آيات الأحكام فمن يرى التحريف بالنقيصة يقول كما يجب التمسك بآيات الأحكام يجب أيضا التمسك بآيات الولاية والإمامة لأنها توجب هداية الأمة من الضلال.

هذا تمام الكلام في بيان الناحية الأولى أو الوجه الأول للاستدلال بحديث الثقلين على عدم تحريف القرآن.

وخلاصته إن القول بتحريف القرآن بالنقيصة يستلزم عدم وجوب التمسك بالقرآن الكريم لأن القرآن بنقصانه وتحريفه يكون قد ضاع على الأمة وبالتالي لا تتمكن الأمة من التمسك به فصريح أخبار الثقلين تدل على أن وقوع التحريف بالنقيصة في القرآن باطل جزما لأن الالتزام بوقوع التحريف يستلزم عدم إمكان التمسك بالقرآن فلا يجب.

الناحية الثانية أو الحيثية الثانية إن القول بالتحريف يقتضي سقوط القرآن عن الحجية فلا يمكن التمسك بظواهر القرآن فلابد للقائلين بالتحريف بالنقيصة من الرجوع إلى إمضاء الأئمة "عليهم السلام" للقرآن الكريم الموجود بأيدينا وإقرار الناس بالرجوع إلى القرآن بعد ثبوت تحريفه يعني على الرغم من وقوع التحريف الذي يلتزمون به الأئمة "عليهم السلام" امضوا هذا القرآن المتداول اليوم.

فتكون النتيجة القرآن بنفسه ليس بحجة لم تثبت الحجية للقرآن ابتداء لأنه محرف وإنما ثبتت الحجية للقرآن المتداول اليوم بسبب إمضاء الأئمة "عليهم السلام" وإمضاء العترة له فتصير العترة هي الثقل الأكبر ويصير القرآن هو الثقل الأصغر والحال إن حديث الثقلين ينص على أن القرآن هو الثقل الأكبر في بعض الروايات احدهما اكبر من الآخر (كتاب الله حمل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي) [7] فحديث الثقلين ينص ويصرح بأن القرآن هو الثقل الأكبر والعترة هي الثقل الأصغر فإذا توقفت حجية القرآن على إمضاء العترة صارت العترة هي الثقل الأكبر وصار القرآن الكريم هو الثقل الأصغر فانعدمت حجية القرآن ابتداء وثبتت الحجية للقرآن ببركة إمضاء العترة.

سؤال ما هو الوجه في سقوط حجية القرآن الكريم بناء على القول بالنقيصة والتحريف؟

الجواب يحتمل أن تقترن ظواهر القرآن بقرائن على خلاف ظاهر القرآن الكريم وهذه القرائن لم تصل إلينا ولو وصلت إلينا لكان الظاهر قد تغيرت إلى ظاهر آخر إذن تسقط حجية ظواهر القرآن الكريم.

إن قلت نتمسك بأصالة عدم القرينة فإن العقلاء إذا استمعوا إلى متكلم يتكلم أو إذا وصلهم كتابة أو تعبير معين وشكوا هل توجد قرائن على خلاف هذا الظاهر أو لا توجد قرائن قالوا الأصل عدم وجود قرينة فالعقلاء يبنون على أصالة عدم القرينة وينفون القرائن المحتملة ببركة أصالة عدم القرينة وفي المقام يقال إذا جاءتنا آية ولها ظاهر عملنا بالظاهر وإذا شككنا في وجود قرائن منفصلة أو متصلة على خلاف الظاهر القرآني فإننا ننفي ببركة أصالة عدم القرينة.

والجواب يقول السيد الخوئي قد قررنا في المباحث الأصولية أن أصالة عدم القرينة منشأها بناء العقلاء فلابد أن نرجع إلى العقلاء لمعرفة موارد أصالة عدم القرينة والعقلاء يجرون أصالة عدم القرينة في ثلاثة موارد دون ما عداها:

موارد أصالة عدم القرينة

المورد الأول الشك في القرينة المنفصلة يعني لو قال الأستاذ للطالب جئني بكتاب ثم خرج الأستاذ ثم شككنا هل قيد هذا الكتاب قال بكتاب فقه بكتاب أصول أو مطلق فإن هذه القرينة المنفصلة تنفى ببركة أصالة عدم القرينة فنتمسك بالإطلاق جئني بكتاب يعني أي كتاب.

المورد الثاني الشك في القرينة المتصلة إذا احتمل غفلة المتكلم عن البيان يعني هذا الأستاذ قال جئني بكتاب وتحتمل أنه غفل أن يقيد الكتاب بإنه كتاب فقه أو كتاب تفسير فإذا احتملنا غفلة المتكلم عن بيان القرينة هنا أيضا تنفى القرينة ببركة أصالة عدم القرينة.

المورد الثالث إذا احتمل غفلة السامع عن سماء القرينة يعني يمكن الأستاذ قال جئني بكتاب فقه لكن التلميذ غفل وقال جئني بكتاب ففي هذا المورد أيضا تنفى قرينة لفظة الفقه ببركة أصالة عدم القرينة.

إذن العقلاء يجرون أصالة عدم القرينة في ثلاثة موارد:

المورد الأول الشك في القرينة المنفصلة

المورد الثاني الشك في وجود القرينة المتصلة إذا كان منشأ الشك هو غفلة المتكلم عن بيان القرينة

المورد الثالث الشك في وجود القرينة المتصلة إذا كان منشأ الشك غفلة السامع عن وجود القرينة المتصلة

وأما في غير هذه الموارد الثلاثة فإن العقلاء يتوقفون لا يجرون أصالة عدم القرينة مثل لو ورد كتاب من المدير إلى الموظف أنه اشتر دارا ولكن نصف الكتاب ونصف الورقة قد أكلت مقطوعة تلفت واحتمل الموظف وجود خصوصيات في الدار اشتر دارا قدرها كذا متر كذا طابق تتميز بكذا ضيقة واسعة قيمتها كذا في المحل الكذائي فإن العقلاء لا يتمسكون بالإطلاق ويقولون قال المدير اشتر دارا وكلامه مطلق أي دار نشتري دار واسعة أو دار ضيقة دار خمسين متر أو خمسمائة متر فإن الموظف قد يتوقف ويراسل المؤسسة أو يراسل المدير ويقول إن الكتاب الذي جاءني نصفه ممزق فما هي الخصوصيات التي تطلبها في الدار العقلاء لا يتمسكون حينئذ بأصالة عدم القرينة.

الخلاصة هذا مطلب أصولي مهم وواضح وهو أن أصالة عدم القرينة يتمسك بها في ثلاثة موارد احتمال القرينة المنفصلة احتمال القرينة المتصلة إذا منشأ الشك غفلة المتكلم عن بيانها احتمال القرينة المتصلة إذا كان منشأ الشك هو غفلة السامع وإذا فيما عدا هذه الثلاثة فإن العقلاء لا يجرون أصالة عدم القرينة.

نأتي إلى مورد بحثنا

إن القرآن الكريم فيه كلمات حذفت ﴿يا أيها النبي بلغ ما انزل إليك من ربك في علي﴾ في علي هذه ناقصة من القرآن.

هناك قد تنفيها ببركة أصالة عدم القرينة تقول الأصل عدم وجود القرينة فنتمسك بظاهر القرآن يا أيها النبي بلغ ما انزل إليك في علي

الجواب هنا لا تجري أصالة عدم القرينة لأن في علي ليست قرينة منفصلة

ثانيا ليس منشأ الشك فيها غفلة المتكلم وهو الله "عز وجل" عن بيان القرينة

ثالثا ليست قرينة منفصلة ومنشأها غفلة السامع والنبي “صلى الله عليه وآله” نزلت عليه هنا منشأ الشك اقتطاعها مثل ما لو وصلنا كتابا مقتطع هنا منشأ الشك اقتطاعها فيحصل التوقف إذا يحصل توقف لا تتم حجية الظواهر القرآنية فتصير

النتيجة هكذا إن القول بتحريف القرآن بالنقيصة يستلزم عدم حجية ظواهر القرآن.

إشكال لعل السامع يتوهم إذن هذا الإشكال سيال حتى في الروايات كل الروايات الفقهية إذن لا نستطيع العمل بها لأننا نشك في وجود قرائن وكلمات هذه القرائن والكلمات لم تنقل إلينا ولو نقلت إلينا لتغير ظاهر الروايات إذن لا يمكن التمسك بظاهر الروايات ويسقط ظهور الروايات عن الحجية.

والجواب إن أصالة عدم القرينة ترد بالنسبة إلى الروايات لأنها من المورد الثالث منشأ الشك في وجود القرينة غفلة السامع عن سماع الكلمة من المعصوم "عليه السلام" ومن الواضح أنه إذا شككنا في وجود قرينة متصلة غفل الراوي عن سماعها من الإمام "عليه السلام" وتدوينها فإن هذا الاحتمال مورد لجريان أصالة عدم القرينة إذن أصالة عدم القرينة تجري بالنسبة إلى الروايات الشريفة لأن منشأ الشك هو وجود قرينة متصلة غفل عنها السامع فيكون من موارد جريان أصالة عدم القرينة هذه الأصالة العقلائية وأما بناء على تحريف القرآن بالنقيصة فإن أصالة عدم القرينة لا تجري فلابد من التوقف فلا تكون ظواهر القرآن الكريم حجة وبالتالي نقول إن القول بالتحريف بالنقيصة يستلزم عدم حجية ظواهر القرآن ولا يمكن التمسك بظواهر القرآن ومنشأ ذلك هو عدم جريان أصالة عدم القرينة وليس منشأ عدم حجية ظواهر القرآن التمسك بالعلم الإجمالي لأنه مردود عليه.

إلى هنا منشأ عدم حجية ظواهر القرآن عدم إمكان نفي القرينة المتصلة وعدم إمكان جريان أصالة عدم القرينة العقلائية في هذا المورد وليس منشأ عدم حجية ظواهر القرآن هو منجزية العلم الإجمالي.

إشكال: فقد ادعى بعضهم أنه يوجد علم إجمالي لأننا نعلم إجمالا بوجود آيات ناقصة هذه الآيات التي فيها نقصان إما آيات الأحكام إما آيات العقائد إما آيات الأخلاق إما آيات الأخبار الغيبية فنحن نعلم إجمالا بوقوع تحريف في آية ما لكن هذه الآية هل هي في بداية القرآن نهاية القرآن وسط القرآن فتسقط حجية ظواهر القرآن عن الحجية ببركة منجزية العلم الإجمالي.

والجواب: العلم الإجمالي لكي يكون منجزا ومدخلا للتكليف في الذمة وفي العهدة للمكلف لابد أن تكون جميع أطرافها لها اثر عملي ومن الواضح أن آيات القرآن ليست بأجمعها لها اثر عملي الآيات التي لها اثر عملي هي آيات الأحكام وأما مثلا آيات القصص في القرآن الكريم ليس لها اثر عملي آيات الإخبار عن الماضي أو ما يأتي ليس لها اثر عملي الآيات التي لها اثر عملي آيات الأحكام إذن بعض الأطراف لها اثر عملي كآيات الأحكام وبعض الأطراف العلم الإجمالي ليس لها اثر عملي كآيات الإخبار فيسقط العلم الإجمالي عن المنجزية لأن من شروط منجزية العلم الإجمالي أن تكون جميع أطراف العلم الإجمالي لها اثر عملي إذن ظواهر القرآن لا تكون حجة بناء على التحريف بالنقيصة لا بسبب العلم الإجمالي لأن العلم الإجمالي ساقط عن المنجزية لعدم وجود اثر عملي لبعض أطرافه وإنما تسقط حجية ظواهر القرآن لعدم جريان أصالة عدم القرينة إذن التمسك بتحريف القرآن بالنقيصة يستلزم عدم حجية ظواهر القرآن الكريم.

إشكال وجوابه قد يدعي المدعي والقائل بالتحريف ويقول إن القرآن محرف بالنقيصة ولا يمكن العمل بظواهره لكننا نعمل بظواهره بسبب إرشاد الأئمة "عليهم السلام" واستدلال الأئمة بظواهر القرآن وتقرير الأئمة لأصحابهم اثبت الحجية لظواهر القرآن وإن كانت ظواهر القرآن قد سقطت بسبب التحريف لكن بسبب إمضاء الأئمة ثبتت الحجية لظواهر القرآن.

والجواب هذه الدعوى فاسدة لأن إمضاء الأئمة لظواهر القرآن وإرشاد الأئمة لأصحابهم بالتمسك لظواهر القرآن إنما هو من جهة أن القرآن بنفسه حجة مستقلة يعني القرآن حتى لو لم يمضه الأئمة فهو حجة لأنه الثقل الأكبر لا أن الأئمة "عليهم السلام" يريدون إثبات الحجية للقرآن ابتداء يعني القرآن ما كان حجة وجاء الأئمة واثبتوا له الحجية فرق كبير.

الروايات التي فيها إمضاء للأئمة لظواهر القرآن ليست تأسيسية يعني لا تضع الحجية للقرآن ابتداء يعني القرآن ما كان حجة لأنه محرف بالنقيصة جاء الأئمة ابتداء ووضعوا له الحجية هذا غير صحيح الروايات ارشد الأئمة أصحابهم إلى حجية القرآن الثابتة مسبقا قبل إمضاء الأئمة "عليهم السلام" فرق كبير بين المطلبين تارة شيء يكون حجة ويشهد إليه الأئمة وهذا الذي نراه وتارة شيء لا يكون حجة فيمضيه الأئمة ويجعلونه حجة الروايات التي فيها إمضاء من الأئمة "عليهم السلام" لا يستفاد منها أن الأئمة جعلوا حجية القرآن ابتداء جعلوا حجية ظواهر القرآن ابتداء يعني ظواهر القرآن ما كانت حجة لأنها محرفة فيها نواقص جاء الأئمة ووضعوا الحجية لها هذا غير صحيح يستفاد من الروايات أن القرآن الكريم هو الثقل الأكبر وكان حجة والأئمة اخبروا عن ثبوت الحجية المستقلة للقرآن يعني القرآن بالاستقلال حجة لا يحتاج إلى إمضاء الأئمة لكي تثبت له الحجية.

هذا تمام الكلام في الدليل الثالث.

الدليل الرابع ترخيص قراءة السور في الصلاة يأتي عليها الكلام.

 


logo