40/04/03
التحريف والكتاب
موضوع: التحريف والكتاب
التحريف والكتاب[1]
قد اتضح فيما سبق أن المعنى الذي وقع الاختلاف فيه للتحريف هو التحريف بمعنى النقيصة في القرآن الكريم وتحت هذا العنوان التحريف والكتاب يقيم السيد أبو القاسم الخوئي “رحمه الله” دليلين من كتاب الله على عدم وقوع التحريف في القرآن أي عدم وجود النقيصة في القرآن الكريم.
وقد أقام "قدس" خمسة أدلة على عدم وقوع التحريف في كتاب الله:
الدليل الأول والثاني من القرآن الكريم عنونها تحت عنوان التحريف والكتاب
والدليل الثالث أدرجه تحت عنوان التحريف والسنة
والدليل الرابع أدرجه تحت عنوان تلخيص قراءة الصور في الصلاة
والدليل الخامس أدرجه تحت عنوان دعوى وقوع التحريف من الخلفاء
في هذا الدرس نتطرق إلى الدليلين الأولين من كتاب الله "عز وجل" على عدم وقوع النقيصة في القرآن الكريم.
ومن الواضح أن كلا الدليلين يتوقف على مقدمة مطوية
وهي عدم تحقق الزيادة في القرآن الكريم فلو التزم قائل بوقوع الزيادة في القرآن الكريم لما أمكن أن يستدل بآيات القرآن المتداول اليوم على نفي النقيصة فلعل المدعي يدعي أن الآية التي تستدل بها على عدم وقوع النقيصة في القرآن إنما هي آية زائدة فلا يتم المطلوب.
إذن الاستدلال بآيات القرآن على عدم وقوع النقيصة في كتاب الله يتوقف على الالتزام بعدم وقوع الزيادة في القرآن الكريم.
وهناك أدلة على عدم وقوع الزيادة في القرآن الكريم
من أهمها وأبرزها إقرار الأئمة "عليهم السلام" وإمضائهم للقرآن المتداول اليوم فنفس إمضاء الأئمة "عليهم السلام" للقرآن الذي وصلنا يدل على أن هذا القرآن حجة فإذا كان حجة فهذا يعني أنه كله قرآن وليس فيه زيادات غير قرآنية فإذا التزمنا أن القرآن المتداول اليوم الذي يبدأ بسورة الفاتحة وينتهي بسورة الناس إنما هو قرآن كله وليس فيه زيادات غير قرآنية فحينئذ يمكن الاستدلال بأي آية من آيات القرآن المتداولة اليوم.
ومن هذه الآيات آيتان استدل بهما على عدم وقوع النقيصة في القرآن الكريم:
الآية الأولى قوله تبارك وتعالى ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾[2] .
الآية الثانية قوله تبارك وتعالى ﴿وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾[3]
فهاتان الآيتان استدل بهما على عدم التحريف في القرآن أي عدم وقوع النقيصة في كتاب الله وهو المعنى الذي اختلف فيه.
وأما وقوع الزيادة في كتاب الله فقد اتفق المسلمون جميعا بسنتهم وشيعتهم على عدم وقوع الزيادة في القرآن الكريم.
السيد الخوئي “رحمه الله” تطرق إلى الاستدلال بهاتين الآيتين على عدم وقوع النقيصة في القرآن ثم تطرق إلى الإشكالات التي ربما تتوجه إلى الاستدلال بكلتا الآيتين ورد تلك الإشكالات فتكون النتيجة تمامية الدليل الأول والدليل الثاني من القرآن الكريم على عدم وقوع النقيصة في القرآن الكريم.
أما الدليل الأول وهو قوله "عز من قائل" ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾[4] ففي هذه الآية تعهد من رب الأرباب الخالق "عز وجل" بأنه كما نزل الذكر وهو القرآن الكريم تعهد بحفظه من التحريف وأن الأيدي الظالمة والجائرة لن تتمكن من التلاعب بكتاب الله وأما القائلون بالتحريف بالنقيصة فكيف تعاملوا مع هذه الآية الكريمة.
إنهم قد أولوا هذه الآية الكريمة وخصوصا لفظ الذكر وذكروا وجوها تطرق السيد الخوئي “رحمه الله” إلى ثلاثة وجوه منها:
الوجه الأول أن المراد بالذكر ليس هو القرآن وإنما رسول الله “صلى الله عليه وآله” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لحافظون يعني نحن أرسلنا لكم النبي محمد “صلى الله عليه وآله” وإننا قد تكفلنا بحفظه.
الدليل الأول وقد استدلوا بآيات وروايات على ذلك من الآيات قوله تبارك وتعالى ﴿قد انزل الله إليكم ذكرا إلى أن يقول رسولا يتلو عليكم آيات الله﴾[5] فالمراد بالذكر هنا هو الرسول “صلى الله عليه وآله” بتفسير الآية الأخرى.
والدليل الثاني هناك رواية مروية في أصول الكافي ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾[6] الذكر رسول الله “صلى الله عليه وآله” وقد تطرق السيد الخوئي “رحمه الله” إلى فساد الوجه الأول الذي يدعي أن المراد بالذكر رسول الله “صلى الله عليه وآله” وقد بين ملاحظتين على هذا الوجه:
الملاحظة الأولى إن المراد بالذكر في كلتا الآيتين هو القرآن الكريم والقرينة على ذلك استعمال لفظ التنزيل والإنزال ﴿إنا نحن نزلنا الذكر﴾ ﴿قد انزل الله إليكم ذكرا﴾ والتعبير بالتنزيل والإنزال يناسب القرآن الكريم ولا يناسب إرسال الرسول ولو كان المراد بالذكر رسول الله “صلى الله عليه وآله” لجيء بتعبير يناسب ذلك كتعبير أرسلنا بعثنا إلى آخر المفردات التي تناسب البعثة والرسالة.
الملاحظة الثانية لو تنزلنا وقلنا يمكن أن يراد بالذكر رسول الله “صلى الله عليه وآله” فإن هذا الاحتمال قد يدعى أنه ثابت في الآية الثانية قد انزل الله عليكم ذكرا يعني قد انزل الله إليكم رسولا رسولا يتلوا عليكم آيات الله إلا أن هذا الاحتمال لا يتم في الآية الأولى وهي آية الحفظ لأنها مسبوقة بقوله تبارك وتعالى ﴿وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون﴾[7] فالآية السابقة قد فرقت بين الذكر وبين الذي نزل إليه الذكر وهو رسول الله “صلى الله عليه وآله” فوسمت الذي نزل إليه الذكر وهو الرسول بأنه مجنون بحسب دعوى من خالفوه وعادوه فيتعين أن يكون المراد بالذكر القرآن الكريم.
إذن لا شبهة في أن المراد بالذكر في آية الحفظ وهي المستدل بها على عدم وقوع النقيصة في القرآن هو القرآن الكريم فتكون الآية السابقة وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون قرينة على أن المراد من الذكر في آية الحفظ هو خصوص القرآن الكريم هذا تمام الكلام في بيان الوجه الأول المذكور لمعنى الذكر ورده بملاحظتين.
الوجه الثاني أن يراد بحفظ القرآن صيانة القرآن عن القدح فيه وعن إبطال ما يتضمنه القرآن من المعاني العالية والراقية والسامية والتعاليم الجليلة فالمراد بحفظ القرآن ليس صيانة القرآن من التحريف بالزيادة أو النقيصة وإنما المراد بحف القرآن هو صيانة القرآن عن القدح والطعن فيه ثم يذكر السيد الخوئي “رحمه الله” ملاحظتين على هذا الوجه:
الملاحظة الأولى ما المراد بصيانة القرآن عن القدح؟
يوجد احتمالان:
الاحتمال الأول وهو الملاحظة الأولى أن يراد بالقدح حفظ القرآن من قدح الكفار وطعنهم.
فإن قيل إن المراد إن الله "عز وجل" تكفل بحفظ القرآن من قدح المعاندين والكفار والمغرضين فلا ريب في بطلان هذا القول لأن قدح الكفار والمنافقين والمعاندين فوق حد الإحصاء حتى أدعوا أن النبي ساحر وأنه مجنون وادعوا أن هذا الكتاب يسحر وما شاكل ذلك هذا متحقق إذا كان المراد من الحفظ صيانة القرآن من الطعن فيه فهذا متحقق إلى يومنا هذا هناك من يريد أن يحرق القرآن وهناك من يطعن بالقرآن هذه الملاحظة الأولى.
الملاحظة الثانية وإن أريد من صيانة القرآن عن الحفظ أن القرآن رصين المعاني عالي المضامين قوي الاستدلال مستقيم الطريقة لدرجة أنه لا يجرئ احد على معارضته ولا يجرئ أحد على الاعتراض عليه فالقرآن أرفع مقاما وشأنا من أن يصل إليه قدح القادحين وريب المرتابين واعتراض المعترضين.
فهذا معنى صحيح ولكن ليس هذا هو المراد هذا المعنى بنفسه يعني أن القرآن بنفس مضامينه وخصائصه وميزاته حافظ لنفسه يعني بنفس تنزيله يكون محفوظا ولكن الآية الكريمة تشير إلى أن الحفظ يتحقق بعد التنزيل ﴿إنا نحن نزلنا الذكر﴾ يعني أولا أنزلنا القرآن ﴿وإنا له لحافظون﴾ يعني ونحن نتعهد أن نتكفل بحفظه وصيانته بعد تنزيله وإنزاله فمفاد آية الحفظ أن الحفظ يتحقق بعد إنزال القرآن وتنزيله.
فهناك حافظ آخر بخلاف المدعى في الاحتمال الثاني أن القرآن بنفس مضامينه حافظ لنفسه لأن مضامين القرآن عالية راقية لا يجرؤ احد على مواجهتها هذا معنى الإعجاز هذا الوجه الثاني يشير إلى حيثية إعجاز القرآن الكريم ولا يشير إلى الحفظ المدعى والصيانة المدعاة وهي أنه بعد نزول القرآن الكريم رب الأرباب قد تكفل بحفظه بعد تنزيله.
إذن الوجه الثاني ليس بتام لأنه يراد به أحد وجهين كلاهما ليس بتام:
أما الأول فليس بتام في نفسه وهو أن المراد بالحفظ وصيانة القرآن عن القدح أنه صيانته من قدح الكفار والمغرضين
وأما المعنى الثاني فهو تام في نفسه وصحيح القرآن عال المضامين ولكن ليس هذا هو المعنى المراد من الحفظ، هذا تمام الكلام في بيان الوجه الثاني من الوجوه التي ذكرت في تأويل آية الحفظ.
الوجه الثالث الذي ذكر في تأويل آيات الحفظ أن المراد بالحفظ هو الحفظ في الجملة لا بالجملة حفظ في الجملة يعني حفظ بشكل عام بشكل إجمالي لا بالجملة. يعني وليس المراد الحفظ بشكل تفصيلي في كل مفردة مفردة من القرآن الكريم فإذا كان المراد أن القرآن بشكل عام وبالجملة محفوظ فهذا يتم بحفظ القرآن عند الإمام المنتظر "عجل الله تعالى فرجه الشريف" فوجود قرآن مصون من الزيادة والنقيصة عند الإمام الغائب "عجل الله تعالى فرجه الشريف" يثبت صيانة القرآن من التحريف وإن وجدت قرآئين أخرى عند الناس محرفة فإنه ليس المراد الصيانة بالجملة يعني كل القرآئين وكل المفردات لا تقع فيها الزيادة أو النقيصة وإنما المراد الحفظ بالجملة ولو بوجود نسخة واحدة غير محرفة عند الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي "عجل الله تعالى فرجه الشريف".
السيد الخوئي يعلق. يقول:
وهذا أوهن الاحتمالات لأن حفظ القرآن ينبغي أن يكون عند من أنزل إليهم وأرسل إليهم وهم عامة البشر[8] ثم يأتي بمنبه وجداني لطيف ظريف يقول حفظ القرآن عند الإمام الحجة دون الناس هو بمثابة حفظ القرآن في اللوح المحفوظ عند الله دون الناس أو حفظ القرآن عند الملائكة دون الناس. وهذا أشبه بالقضية التي دائما تتكرر لي وإن شاء الله لا تتكرر لكم يقول فلان أنا عندي لك هدية ولكن لا يسلمني هذه الهدية.
ما الفائدة من إنزال هذا القرآن الذي لا يصل إلى الناس الغرض من إنزال القرآن هداية الناس فإذا كان محفوظا عند الإمام الحجة دون الناس فمن الفائدة من هذا القرآن.
ومن الغريب قول هذا القائل أن المراد بحفظ القرآن هو حفظ القرآن في الجملة لا بالجملة أي ليس حفظ كل فرد من أفراد القرآن ومنشأ هذا القول لعله أنه توهم أن المراد بالقرآن القرآن المكتوب وهو الرسم القرآني أو القرآن الملفوظ ومن الواضح أن القرآن المكتوب أو القرآن الملفوظ لا دوام له خارجا قابل للتلف لأن القرآن المكتوب يتلف بتلف الأوراق والقرآن الملفوظ يتلف بذهاب من يحمله ويتلفظ به وإنما المراد بالذكر القرآن المحكي بهذا القرآن الملفوظ أو المكتوب يعني القرآن الذي نزل على قلب النبي “صلى الله عليه وآله” وعرفنا من خلال القرآن المكتوب أو القرآن الملفوظ ومعنى صيانة هذا القرآن أن الله "عز وجل" تعهد بصيانته عن التلاعب وعن الضياع فيمكن لعامة البشر أن يصلوا إليه وهذا نظير أن تقول القصيدة الفلانية خالدة ومحفوظة فيراد بصيانتها وحفظها ليس أنها محفوظة في ضمن مجلد وفي المكتبات والمخطوطات وليس المراد بها أنه يتلفظ بها بل المراد إن تلك الكلمات التي قالها الشاعر لا زالت محفوظة من الضياع ولم يقع التلاعب بها.
في الختام يقول السيد الخوئي هناك شبهة وهو أن التحريف قد وقع في نفس الآية التي استدل بها على عدم التحريف فنفس الآية التي يقال ويستدل بها على عدم التحريف الآية الأولى ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ قد يقال إنها زائدة؟
ويمكن نفي ذلك بالإجماع على عدم وقوع الزيادة في القرآن الكريم.
وقد يدعى أنها ناقصة وهذا لا إجماع فيه فقد يقال إن هناك كلمات ناقصة لو أدخلناها لتغير المعنى!
فحينئذ يتوقف الاستدلال بالآية الكريمة على عدم وقوع النقيصة في القرآن الكريم بالتمسك بروايات العترة الطاهرة وهذا هو الفارق بين الشيعة الإمامية وبين أهل السنة والجماعة فإن الشيعة قد تمسكوا بحديث الثقلين وإذا ركنا إلى سيرة النبي وأقواله وأفعاله وكذلك سيرة وأقوال الأئمة "عليهم السلام" الذين هم حجج الله على خلقه وقرناء الكتاب نجد أنهم قد امضوا القرآن المتداول اليوم مما يكشف عن حجية جميع آياته ومن هذه الآيات آية الحفظ ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ وبالتالي إذا استدللنا بالآية فقط يلزم من الاستدلال الدور والدور هو توقف الشيء على نفسه فيكون الاستدلال على نفي التحريف يتوقف على ثبوت آية الحفظ والاستدلال بآية الحفظ يتوقف على عدم وقوع التحريف فيتوقف الاستدلال على عدم وقوع التحريف بالاستدلال على عدم وقوع التحريف وتتوقف آية حجية آية الحفظ على حجية آية الحفظ نفي التحريف يتوقف على آية الحفظ وآية الحفظ تتوقف على آية التحريف فيتوقف نفي التحريف على نفي التحريف وتتوقف آية الحفظ على آية الحفظ وهذا دور باطل.
ولا محيص ولا فرار عن هذا الإشكال إلا بالتمسك بالعترة الطاهرة وأما أهل السنة فلهم أن يتمسكوا بالإجماع الذي قد يرون أنه حجة فإذا اجمعوا على عدم وقوع الزيادة في القرآن لكن لا يوجد إجماع على عدم وقوع النقيصة في القرآن الكريم فلربما يلجئوا بالتمسك بقول الصحابة وغير ذلك ولكن من يتمسك بالعترة الطاهرة فالأمر سهل وواضح، هذا تمام الكلام في الدليل الأول القرآني.
الدليل الثاني من القرآن التمسك بقوله "عز وجل" ﴿وإنه لقرآن عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾[9] فقد دلت هذه الآية الكريمة على نفي الباطل بجميع أقسامه على القرآن الكريم والنفي إذا ورد على الطبيعة أفاد العموم ولا شبهة في أن التحريف من جملة مصاديق وأفراد الباطل فيجب أن لا يتطرق الباطل والتحريف إلى الكتاب العزيز ﴿لا يأتيه الباطل﴾ نفي للطبيعة كل الباطل لا يرد على القرآن ومن جملة الباطل التحريف بالزيادة أو النقيصة.
ولكن قد نوقش هذا الدليل وأورد عليه بأن المراد بعدم إتيان الباطل ليس مطلق الباطل وإنما خصوص حصة خاصة من الباطل وهي صيانة القرآن من التناقض في أحكامه ونفي الكذب عن أخباره واستشهد لذلك في رواية علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن الباقر "عليه السلام" قال (لا يأتيه الباطل من قبل التوراة ولا من قبل الإنجيل والزبور يعني المراد المحرفة ولا من خلفه أي لا يأتيه من بعده كتاب يبطله)[10] هذه الرواية الأولى رواية تفسير القمي.
الرواية الثانية رواية مجمع البيان لأمين الإسلام الطبرسي عن الصادقين "عليهما السلام" أنه ليس في إخباره عن ما مضى باطل ولا في إخباره عن ما يكون في المستقبل باطل[11]
إلا أن هذا الاعتراض لا يتم لوجوه ثلاثة:
الوجه الأول الرواية لا تدل على الحصر ولا تحصر الباطل في خصوص التناقض في الأحكام والكذب في الأخبار فالرواية لا تكون منافي لدلالة الآية على العموم ونفي الطبيعة يدل على العموم لا يأتيه الباطل يعني كل الباطل، الملاحظة الأولى التمسك بعدم وجود الحصر في الروايات المستدل بها.
الملاحظة الثانية إذا رجعنا إلى الروايات التي دلت على أن معاني القرآن لا تختص بموارد خاصة وقد ذكروها في مبحث فضل القرآن نجد أن الآية دالة على تنزيه القرآن في جميع الاعصار عن الباطل بجميع أقسام الباطل والتحريف من اظهر أقسام الباطل وأفراد الباطل فيجب أن يكون القرآن مصونا عنه.
الملاحظة الثالثة والأخيرة يشهد لدخول التحريف في مصاديق الباطل الذي نفته الآية أن الآية وصفت الكتاب بالعزة وعزة الشيء تقتضي الحفاظ عليه من الضياع والتغيير أما إرادة خصوص التناقض والكذب من لفظ الباطل في الآية فلا يناسب توصيف الكتاب بالعزة، هذا تمام الكلام في بيان الملاحظات الثلاثة.
والخلاصة لابد من الالتفات إلى نكتة في التفسير وهي نكتة الجري والتطبيق التي اشرنا إليه سابقا:
شبهة: فإن القرآن يأتي بمفهوم عام فتأتي الروايات وتفسر المفهوم العام ببيان مصاديقه المختلفة من دون حصر لها كقوله "عز من قائل" ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ فتأتي إحدى الروايات وتقول الكوثر هو الخير الكثير وهذا موافق للغة العربية وتأتي رواية أخرى وتقول الكوثر نهر في الجنة خصه الله بمحمد “صلى الله عليه وآله” وتأتي رواية ثالثة وتقول الكوثر هي فاطمة فإن الله "عز وجل" جعل ذرية النبي من ابنته فاطمة "صلوات الله وسلامه عليها" وقد يتوهم متوهم وقوع التعارض بين كون معنى الكوثر هو فاطمة أو النار في الجنة أو الخير الكثير
فيكون الجواب هذا أحد أفراد الجري والتطبيق فإن القرآن الكريم جاء بمفهوم عام ومطلق (إنا أعطيناك الكوثر) يعني يا محمد “صلى الله عليه وآله” (إنا أعطيناك الكوثر) كوثر فوعل خير كثير فالمعنى اللغوي هو الخير الكثير مصاديق الخير الكثير كثيرة من مصاديق الخير الكثير النهر الموجود في الجنة الذي خصصناك به يا محمد ومن مصاديق الخير الكثير فاطمة التي جعلنا نسلك منها فلا يقع تعارض فالرواية التي دلت على أن المراد بالكوثر فاطمة أو النهر الجاري في الجنة لم تحصر المراد بالكوثر بخصوص ذلك.
وهكذا في مورد بحثنا لا يأتيه الباطل يعني أي باطل لا يرد تأتي رواية وتقول المراد بالباطل أن يأتي شيء من التوراة والإنجيل والزبور المحرف في القرآن هذا باطل لا يرد تأتي رواية أخرى تقول لا يخبر عما مضى بكذب هذا أيضا من مصاديق الباطل أن يكون الإخبار كاذبا فهذه الروايات من باب الجري والتطبيق هناك مفهوم عام وهو أنه لا يوجد في القرآن أي باطل وهناك روايات تذكر مصاديق للباطل الرواية الأولى ذكرت مصداق من مصاديق الباطل وهو أن يرد شيء من التوراة والإنجيل والزبور المحرف في القرآن الكريم.
الرواية الثانية مجمع البيان ذكرت مصداق آخر من مصاديق الباطل أن يكون إخباره عن المستقبل كاذب مصداق ثالث من مصاديق الباطل وقوع التحريف والنقيصة في القرآن الكريم فإنها من ابرز مصاديق الباطل فلا يتم هذا الإشكال ويتم الاستدلال بالآية المباركة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه[12] على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم.
هذا تمام الكلام في بيان الدليلين الأول والثاني من القرآن الكريم تحت عنوان التحريف والكتاب.
العنوان الآخر التحريف والسنة يأتي عليه الكلام.