« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان ومناقشة الوجه الثاني إلى الخامس من وجوه الأحرف السبعة

موضوع: بيان ومناقشة الوجه الثاني إلى الخامس من وجوه الأحرف السبعة

الوجه الثاني الأبواب السبعة [1]

كان الكلام في وجوه الأحرف السبعة الوجه الأول المعاني المتقاربة وقد مضى الحديث عنها.

الوجه الثاني

الأبواب السبعة

قيل إن المراد بالأحرف السبعة هي الأبواب السبعة التي نزل منها القرآن وهي زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال واستدل على هذا الوجه بما رواه يونس بإسناده عن ابن مسعود عن النبي “صلى الله عليه وآله” أنه قال (كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عن ما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا)[2] تفسير الطبري الجزء الأول صفحة 23.

وقد أورد السيد الخوئي “رحمه الله” خمسة إيرادات وإشكالات على الوجه الثاني وهي كما يلي:

الإيراد الأول ظاهر هذه الرواية كون الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن غير الأبواب السبعة التي نزل منها ففرق بين نزل بها وبين نزل منها فرق في التعبير بين النزول به والنزول منه والأصل في العطف هو التأسيس لا التأكيد لأن التأسيس يفيد فكرة جديدة بخلاف التوكيد فإنه لا يأتي بفكرة جديدة من هنا قالوا في اللغة إن الأصل في العطف هو التأسيس لا التأكيد والحمل على التأكيد يحتاج إلى قرينة فإذا رجعنا إلى الرواية فإنها عطفت الأحرف السبعة على الأبواب السبعة فإما أن تكون هناك مغايرة بين الأحرف السبعة والأبواب السبعة وإما أن تكون الأحرف السبعة مؤكدة للأبواب السبعة.

هناك قرينة على المغايرة وهو أن النزول به يغاير النزول منه فلنقرأ المقطع المستشهد به من الرواية الشريفة في الرواية هكذا ونزل القرآن من سبعة أبواب نزول من ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف نزول على فالأصل في العطف هو التأسيس لفكرة جديدة والإتيان بمطلب جديد ولا يحمل العطف على التوكيد إلا إذا دلت قرينة على التأكيد وإنه لا يوجد تأسيس لمطلب جديد ولكن هنا القرينة مؤكدة للأصل فالقرينة تدل على التأسيس لأن النزول على يختلف عن النزول من وهكذا في صدر الرواية كان الكتاب الأول نزل من باب الواحد وعلى حرف واحد فظاهر العطف هنا هو المغايرة ونزل القرآن من سبعة أبواب وعلى سبعة أحرف إذن خلاصة المناقشة الأولى إن ظاهر الرواية كون الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن أو التي نزل عليها القرآن غير الأبواب السبعة التي نزل منها القرآن فلا يصح أن يجعل هذا الوجه تفسيرا لها كما يريده أصحاب هذا القول.

المناقشة الثانية لو سلمنا إن هذه الرواية تدل على وجود أبواب سبعة وأن المراد بالأحرف السبعة هي الأبواب السبعة فإن هذه الرواية معارضة بروايات أخر منها رواية أبي كليب التي تدل على أن القرآن نزل على خمسة أبواب، رواية أبي كليب بإسناده عن ابن مسعود قال إن الله أنزل القرآن على خمسة أحرف حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال هذا تمام الكلام في بيان الإيراد الثاني.

الإيراد الثالث هذه الرواية مضطربة في مفادها ويذكر السيد الخوئي “رحمه الله” ثلاثة أمور فيها اضطراب:

الاضطراب الأول الزجر والحرام بمعنى واحد وعلى هذا لا تكون الأبواب سبعة بل تكون الأبواب ستة فقد حصل تكرار لباب وهو باب الزجر والحرام.

الاضطراب الثاني هناك الكثير من الأمور التي تطرق إليها القرآن لا تندرج في الأبواب السبعة بل أهم الأمور التي تطرق إليها القرآن لا تندرج في الأبواب السبعة وهي المبدأ توحيد الله والمعاد يوم القيامة والقصص التي ذكرها القرآن وما أكثر القصص القرآنية واحتجاجات القرآن ومعارف القرآن وغير ذلك إذن الكثير من المعارف القرآنية كالمبدأ والمعاد والقصص والاحتجاجات لا تندرج ضمن الأبواب السبعة فيلزم من ذلك خروجها عن القرآن الكريم لأنها ليست من الأبواب السبعة.

الاضطراب الثالث جميع ما في القرآن إما محكم وإما متشابه وعلى هذا يكون القرآن نزل على بابين إما محكم وإما متشابه فيكون هذا التقسيم منافيا للأبواب السبعة التي ذكرت أي أنه يوجد تداخل في الأقسام ومن شروط القسمة عدم تداخل الأقسام فالنهي أو الأمر إما أن يندرج ضمن المحكم أو المتشابه وهكذا الأمثال إما تندرج تحت المحكم أو المتشابه بل كل ما في القرآن إما محكم أو متشابه والقرآن الكريم يشير إلى ذلك (هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم).

الإيراد الرابع المناقشة الرابعة بعد بيان المناقشة الثالثة وذكر ثلاث موارد للاضطراب إن حصر موارد الاختلاف في خصوص سبعة أبواب لا ينسجم مع الروايات التي دلت أن نزول القرآن على سبعة أحرف توسعة على الأمة وقد دلت تلك الروايات إن الأمة لم تتمكن من القراءة بحرف واحد فوسع الله عليها لكي تقرأ بسبعة أحرف فاختلاف معاني القرآن على سبعة معاني أو سبعة أحرف لا يناسب ما دلت عليه الأحاديث التي دلت على التوسعة على الأمة.

المناقشة الخامسة والأخيرة الروايات المتقدمة الأحد عشر بعضها وخصوصا الرواية الحادية عشر تدل بصراحة على أن المراد بالأحرف السبعة القراءات وأن اختلاف الأحرف يعني اختلاف القراءات فإذا تمت دلالة تلك الروايات أو هذه الرواية فلا يصلح أحدهما قرينة على الأخر وإنما يحصل تعارض هل المراد بالأحرف السبعة سبع قراءات أو المراد سبعة أبواب.

نقرأ الرواية الحادية عشر لنرى كيف يحصل التعارض صفحة 176 واخرج القرطبي عن أبي داود عن أبي قال (قال رسول الله “صلى الله عليه وآله” يا أبي إني قرأت القرآن فقيل لي على حرف أو حرفين فقال الملك الذي معي قل على حرفين فقيل لي على حرفين أو ثلاثة فقال الملك الذي معي قل على ثلاثة حتى بلغ سبعة أحرف ثم قال ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميع عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب) [3] ،

إذن ظاهر في القراءات إني قرأت القرآن فإذن الرواية الحادية عشر التي أخرجها القرطبي تدل على أن الأحرف المراد بها القراءات فتكون إذا تمت دلالتها تكون معارضة لهذه الرواية التي دلت على أن الأحرف هي الأبواب ولا تصلح إحداهما قرينة على الأخرى لتغيير معناها بل يحصل تعارض مستحكم بينهما فتسقط إحدى الروايتين،

هذا تمام الكلام في المعنى الثاني الأبواب السبعة.

الوجه الثالث

الأبواب السبعة بمعنى آخر

إن الحروف السبعة هي الأمر والزجر والترغيب والترهيب والجدل والقصص والمثل واستدل على ذلك برواية محمد بن بشار بإسناده عن أبي قلامة قال (بلغني أن النبي “صلى الله عليه وآله” قال أنزل القرآن على سبعة أحرف أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل)[4] والكلام في هذا الوجه الثالث هو الكلام في الوجه الثاني لأنه الكلام أنها سبعة أبواب غاية ما في الأمر مصاديق الأبواب السبعة قد تغيرت في بعض الموارد والكلام هو الكلام والإشكال هو الإشكال من أنها ليس فيها توسعة على الأمة من أنها معارضة للرواية الحادية عشر إلى آخر المناقشات الخمسة، هذا تمام الكلام في بيان الوجه الثالث.

الوجه الرابع

المراد بالأحرف السبعة اللغات الفصيحة إن الأحرف السبعة هي اللغات الفصيحة من لغات العرب وأنها متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازم وبعضه بلغة اليمن وبعضه بلغة كنانة وبعضه بلغة تميم وبعضه بلغة ثقيف هذه كلها قبائل نسب هذا القول إلى جماعة منهم البيهقي والابهري وصاحب القاموس ويناقش السيد الخوئي “رحمه الله” بثلاث مناقشات تامة وممتازة:

المناقشة الأولى الروايات الأحد عشر المتقدمة عينت المراد بالأحرف السبعة وهي القراءات فتتعارض مع هذا القول الذي يرى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات يعني سبع لهجات وقد قرأتم في النحو مثلا أنه في لغة الحجاز هلم لا تثنى ولا تجمع ﴿والقائلين لإخوانهم هلم إلينا﴾[5] القرآن هكذا يقول ولم يقل هلموا إلينا لأن القرآن نزل بلغة الحجاز ولكن بني تميم يثنّون ويجمعون يقولون هلموا إلينا هلما للمثنى وهلم للمفرد وهلمي للأنثى فالقرآن نزل بلغة الحجاز هذا القول يقول فيه حتى لغة اليمن سبع لغات يعني سبع لهجات عربية إذن المناقشة الأولى إن هذا الوجه وهو أن القرآن نزل بسبع لغات ولهجات عربية بعدد قبائل سبعة في الجزيرة العربية معارض بالروايات الأحد عشر التي مفادها أن المراد بالأحرف السبعة هو القراءات المختلفة والمتعددة.

المناقشة الثانية هذا القول معارض بعدة روايات تدل على أن القرآن نزل بلغة قريش حتى إن عثمان بن عفان قال إذا اختلف القراء فكتبوه بلغة قريش لأن القرآن نزل بلغة قريش أو القرآن نزل بلغة مضر الأعم من قريش وغيرها مضر تشمل قريش وغير قريش نقرأ هذه الروايات التي رويت عن الصحابة.

الرواية الأولى المعارض ما روي عن عمر بن الخطاب بقوله نزل القرآن بلغة مضر وأن عمر بن الخطاب قد أنكر على عبد الله بن مسعود حينما قرء عتا عين أي حتى حين أبدل الحاء عينا قال عتا عين وكتب إليه إن القرآن لم ينزل بلغة هزيل، هزيل يقرؤون عتا عين فأقرأ الناس بلغة قريش ولا تقرأهم بلغة هزيل.

الرواية الثانية روي عن عثمان أنه قال للرهط، الرهط يعني الجماعة القرشيين الثلاثة لأنه عين ثلاثة من ضمنهم زيد بن ثابت لكتابة المصحف قال إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم وقريش معروف قريش هو النظر بن كنانة قبيلة قريش تنتسب إلى النظر بن كنانة والنبي “صلى الله عليه وآله” من قريش.

الرواية الثالثة ما روي من أن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان فقرأ هشام قراءة فقال رسول الله “صلى الله عليه وآله” (هكذا انزل وقرأ عمر قراءة غير تلك القراءة فقال رسول الله “صلى الله عليه وآله” هكذا أنزلت ثم قال رسول الله “صلى الله عليه وآله” إن هذا القرآن انزل على سبعة أحرف) هذه الرواية في صحيح البخاري كتاب الخصومات رقم الحديث 2241 فإن عمر وهشام كان كلاهما من قريش فلم يكن حينئذ ما يوجب اختلافهما في القراءة ولذلك النبي “صلى الله عليه وآله” قبل قراءة كل منهما لأن كلا منهما من قريش.

وهناك مناقشة عامة حمل الأحرف على اللغات السبع قول بلا دليل فهذا تحكم وتخرص بالغيب لم يذكر الدليل لم يذكروا الرواية الوجوه السابقة الوجه الثاني والثالث حتى الأول ذكروا روايات الوجه الرابع لم يذكر روايات فهو قول بلا دليل.

الوجه الثالث والأخير

المناقشة الثالثة

ماذا يريد القائلون بهذا القول أن القرآن نزل على اللغات الفصيحة السبعة؟

يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول إن القرآن اشتمل على لغات أخرى كانت لغة قريش خالية منها.

الاحتمال الثاني القرآن اشتمل على لغات أخرى كانت متحدة مع لغة قريش،

احتمالان لا ثالث لهما هذه اللغات الأخرى إما هذه اللهجات تتحد في اللهجة مع قريش وإما لا ولا يرد احتمال ثالث

أما الاحتمال الأول أن يراد باللغات السبعة أو اللهجات السبعة لهجات ستة غير قريش لأن قريش تكون السابعة هذه اللهجات لا تتفق ولا تتحد مع لهجة قريش وهذا خلاف معنى التسهيل على الأمة وخلاف الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف لأن الغرض من نزول القرآن على سبعة أحرف كما في الروايات التي رووها هو التسهيل على الأمة وقد نزل القرآن على قريش فإذا ذكر القرآن لهجات أخرى غير لهجة قريش ولا تتحد مع لهجة قريش هذا تصعيب على الأمة وليس تسهيل على الأمة هذا أولا وثانيا هذا خلاف الواقع لأن لغة قريش كانت هي المهيمنة على سائر لغات العرب وقد جمعت لغة قريش أفصح كلام العرب بحيث استحقت لغة قريش أن توزن بها اللغة العربية وأن يرجع إلى قريش لمعرفة قواعد اللغة العربية، هذا تمام الكلام في المناقشة بناء على الاحتمال الأول أن القرآن اشتمل على لهجات أخرى لا تتفق مع لهجة قريش.

الاحتمال الثاني إن القرآن اشتمل على لغات أخرى لكنها تتحد مع لهجة قريش إذا كان كذلك لا وجه للحصر والقراءات السبع وباللهجات السبع فإن في القرآن ما يقرب من خمسين لغة يعني لهجة قريش الموجودة في القرآن تتفق مع خمسين لهجة فعن أبي بكر الواسطي في القرآن من اللغات خمسون لغة وهي لغات قريش وهذيل وكنانة وخثعم والخزرج واشئر ونمير إلى آخر هذه المقولة يمكن مراجعة كتاب الإتقان للسيوطي الجزء الأول صفحة 204 إلى 230 النوع 37.

الوجه الخامس والأخير في هذا الدرس لغات مضر المراد بالأحرف السبعة هي سبع لغات من لغات مضر خاصة وأنها متفرقة في القرآن ما هي لغات مضر السبعة؟ قريش وأسد وكنانة وهذيل وتميم وضبة وقيس ويرد على الوجه الخامس لغات مضر جميع ما يرد على الوجه الرابع اللغات الفصيحة، هذا تمام الكلام في بيان الوجوه الخمسة الأول من وجوه الأحرف السبعة،

الوجه السادس الاختلاف في القراءات يأتي عليه الكلام.

 


logo