« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

أدلة تواتر القراءات

موضوع: أدلة تواتر القراءات

 

أدلة تواتر القراءات

يذكر السيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" أربعة أدلة استدل بها على تواتر القراءات السبع أو القراءات العشر ويناقش هذه الأدلة بأجمعها ويبطلها ثم يأتي بتعقيب مهم.

الدليل الأول دعوى قيام الإجماع على تواتر القراءات السبع من السلف إلى الخلف

ويناقش هذا الدليل بمناقشتين:

المناقشة الأولى قد اتضح فساد دعوى الإجماع مما تقدم إذ اتضح أن أكثر أسانيد وطرق هذه القراءات إنما هي من أخبار الآحاد فإذا كانت من أخبار الآحاد كيف تشكل تواترا كما أن الكثير من الرواة الموجودين في هذه الطرق لم يثبت توثيقهم فكيف يثبت التواتر هذا أولا.

المناقشة الثانية لو سلمنا إن الإجماع قد تحقق عند مذهب معين فإن الإجماع إذا تحقق عند أهل مذهب معين فهذا لا يعني أنه قد ثبت عند بقية المذاهب فإذا خالف مذهب من المذاهب هذا الإجماع فهذا لا يعني إجماع المسلمين على ذلك بل من الواضح أن الطائفة الشيعية المحقة لا ترى ثبوت الإجماع على تواتر القراءات وبمخالفة الطائفة الشيعية وغيرها من المذاهب الإسلامية لهذا الإجماع تسلب حجيته ولا يثبت هذا تمام الكلام في مناقشة الدليل الأول الذي أقيم على دعوى تواتر القراءات السبع أو الشعر.

الدليل الثاني إن اهتمام الصحابة والتابعين بالقرآن الكريم يقضي بتواتر قراءات القرآن

رد الدليل الثاني:

الجواب الأول وهذا واضح لكل من لديه إنصاف أو عدل والجواب هذا الدليل إنما يثبت تواتر نفس القرآن لا تواتر القراءات القرآنية وهناك فرق واضح بين دعوى تواتر القرآن أي أن كلمات القرآن قد وصلت إلينا بالتواتر وبين دعوى تواتر قراءات القرآن أي أن كيفية قراءة الكلمة القرآنية بهيئتها وتشكيلها قد اتفق أهل الإسلام على أنها تقرأ بإحدى القراءات السبع أو العشر فاهتمام المسلمين بالقرآن يقضي بتواتر القرآن يعني الكلمات القرآنية تكون ثابتة باهتمام المسلمين وقد نقلها كل طبقة عن طبقة أخرى بحيث وصلتنا جميع الكلمات القرآنية ولا توجد كلمة زائدة في القرآن ولا توجد كلمة ناقصة في القرآن الكريم هذا معنى تواتر نفس القرآن.

وأما دعوى تواتر القراءات السبع فهذا معناه أن هذه الكلمة ربما تقرأ بسبع قراءات أو عشر قراءات أو بكيفية أو كيفيتين أو ثلاث حسب اتفاق القراءات السبع أو القراءات العشر فبعضهم قد يقرأها بالشدة حرف من الحروف مشددة قراءة أخرى لا تقرأه مشددة قد هذا الحرف يقرأ بالضمة وقد يقرأ بالكسرة في قراءة أخرى

إذن الدليل الثاني وهو إن اهتمام المسلمين بالقرآن يقضي بتواتر قراءاته غير صحيح لأن اهتمام المسلمين إنما يقضي باهتمام نفس القرآن ولا يقضي بتواتر كيفية قراءة الكلمات القرآنية خصوصا إذا لاحظنا أمرين:

الأمر الأول إن القراءة عند جمع من القراء تبتني على الاجتهاد ورأيه الخاص.

الأمر الثاني بعض هذه القراءات يبتني على السماع ولو من الواحد فلم تلقن له هذه القراءة بالتواتر وإنما نقل إلى القارئ كيفية قراءة الكلمة القرآنية بخبر الواحد وخبر الواحد لا يثبت الآية الكريمة.

هذا تمام الكلام في الجواب الأول وهو جواب حلي.

الجواب الثاني جواب نقضي لو سلمنا إن اهتمام المسلمين يقضي بتواتر القراءات فهذا لا يقتضي تواتر خصوص القراءات السبع أو العشر بل هذا الدليل يقتضي تواتر جميع القراءات وهي قراءات كثيرة جدا وسيأتي أن الذي حصرها في سبعة هو ابن مجاهد في القرن الثالث الهجري أي أنه في القرن الأول والقرن الثاني كانت هناك قراءات كثيرة وقد ألف من قبل بن مجاهد في القراءات وجمعوا عشرين قراءة ثلاثين قراءة ومن ضمنها القراءات السبع أو العشر إلى أن جاء ابن مجاهد وحصر القراءات في سبع ودعمت السلطة آنذاك وفرضت ذلك فانتشرت القراءات السبع وإلا فقبل ابن مجاهد في القرن الثالث لا عين ولا اثر لحصر القراءات في خصوص السبعة فإذا التزمنا بالدليل وهو أن اهتمام المسلمين يقضي بتواتر القراءات فهذا يلزم منه الالتزام بتواتر جميع القراءات القرآنية ولا معنى ولا وجه لتخصيص الحكم بخصوص القراءات السبع أو القراءات العشر بل هذا يقتضي بتواتر جميع القراءات وبالتالي إما أن نلتزم بتواتر جميع القراءات وهذا باطل قطعا وإما أن نلتزم بعدم تواتر شيء من هذه القراءات في مورد الاختلاف لأن القراءات قد تتفق أربعين قراءة تتفق على كيفية قراءة كلمة واحد فهذا يؤخذ به وأما إذا اختلفت القراءات في كلمة واحدة ففي مورد الاختلاف لا نلتزم بأن هذه القراءات متواترة في كيفية القراءة التي اختلفوا فيها فإذا كان الأول باطل تعين الثاني لأنه وجد احتمالان إما أن نلتزم بجميع القراءات وهذا باطل قطعا فيتعين الثاني وهو عدم ثبوت تواتر القراءات في المورد الذي يختلفون فيه.

هذا تمام الكلام في مناقشة الدليل الثاني.

الدليل الثالث إن القراءات السبع لو لم تكن متواترة لم يكن القرآن متواترا والتالي باطل بالضرورة إذ أن القرآن متواتر فالمقدم مثله في البطلان وهو دعوى عدم تواتر القراءات القرآنية.

إذن الدليل الثالث يقوم على دعوى الملازمة بين تواتر القرآن نفسه وبين تواتر القراءات القرآنية وأن نفي التواتر عن القراءات يستلزم نفي التواتر عن القرآن نفسه ونفي التواتر عن القرآن باطل عاطل فيكون المقدم الذي بني عليه وهو أن القراءات القرآنية ليست متواترة أيضا باطل عاطل.

الدليل الثالث باختصار: إن القراءات القرآنية لو لم تكن متواترة لم يكن القرآن متواترا والتالي باطل عدم تواتر القرآن فالمقدم مثله عدم تواتر القراءات القرآنية

وجه الملازمة ما هو؟ وجه الملازمة القرآن عندما وصل إلينا بواسطة حفاظه وبواسطة القراء المعروفين هكذا وصل إلينا فإذا كانت قراءات القراء متواترة فالقرآن متواتر وإذا لم تكن قراءات القراء متواترة فالقرآن غير متواتر إذن لا محيص من القول بتواتر القراءات القرآنية لكي يثبت تواتر القرآن نفسه إذ أن القرآن لم يصل إلينا ولم ينقل إلينا إلا بتوسط القراء المختلفين ظاهر هذا الإشكال أنه قوي وفيه خلط كبير بين نقل الكلمة ومادة الكلمة وبين نقل كيفية تشكيل الكلمة وهيئة الكلمة وكيفية النطق بها.

الجواب إن تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات القرآنية لأن تواتر القرآن معناه الاتفاق على مادة الكلمة القرآنية وأما القراءة القرآنية فيراد بها كيفية قراءة الكلمة القرآنية التي اتفق على مادتها ولكن اختلف في كيفية قراءتها وكيفية تشكيلها واختلف في هيئتها وفرق كبير بين مادة الكلمة مثل العين واللام والياء علي وبين كيفية قراءة الكلمة علي أو عُلي فرق كبير بين الصراط أو السراط البنية واحدة الألف واللام والصاد والراء والهمزة والطاء ولكن هل تقرأ الصُراط بالضم أو بالكسر الصِراط أو بالفتح الصَراط أو بالتشديد الصرّاط وهكذا اختلاف القراءات القرآنية غالبا ما يكون في هيئة الكلمة شكل الكلمة حركات الكلمة إذن إن تواتر القرآن نفسه يعني تواتر بنية الكلمة وإن مادة الكلمة قد وصلت إلينا بالتواتر والقراءة القرآنية إنما تعني هيئة الكلمة وكيفية تشكيلها وكيفية قراءتها إذن إن تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءة لأن الاختلاف في كيفية الكلمة وكيفية قراءتها وكيفية تشكيلها لا ينافي الاتفاق على أصل الكلمة ولذلك في الشعر العربي نجد أن الرواة يختلفون في بعض ألفاظ قصائد المتنبي وكيفية قراءتها وفي نفس الوقت نجد أن اختلاف الرواة في بعض ألفاظ قصيدة المتنبي لا ينافي تواتر القصيدة عن المتنبي وأنها ثابتة له كما أن اختلاف المؤرخين في خصوصيات هجرة النبي لا ينافي الاتفاق على أصل الهجرة هذا الجواب الأول.

الجواب الثاني إن الواصل إلينا بتوسط القراء إنما هو خصوصيا الكلمة خصوصيات قراءتهم وأما أصل القرآن قد وصل إلينا بالتواتر بنقل السلف إلى الخلف وقد حفظوا هذا القرآن في صدورهم وكتاباتهم ولا دخل للقراء في هذا أصلا كان القرآن محفوظ في صدور المسلمين لذلك نقول القرآن ثابت بالتواتر ومن المعروف أن عثمان أقدم على جمع القرآن الكريم بعد أن استشهد سبعين من القراء في حادثة اليمامة فكان القرآن واضحا لدى الجميع ومحفوظا في قلوب المسلمين وآنذاك لم تكن هناك قراءات قرآنية هذا أولا.

وثانيا عظمة القرآن ورب العالمين قد تكفل بحفظه تأبى أن تتوقف على نقل ناقل من أولئك النفر المحصورين القرآن معجزة إلهية وقد تكفل رب العالمين بحفظها فعظمة القرآن أرقى وأرفع من أن تتوقف على نقل سبعة قراء أو عشرة قراء إنصافا هذا منبه وجداني قوي جدا.

الدليل الرابع والأخير إن القراءات لو لم تكن متواترة لكان بعض القرآن غير متواتر مثل كلمة ملك ومالك على اختلاف القراءات ونحوهما مثل الصراط بالصاد والسراط بالسين فإن تخصيص إحدى القراءتين بالتواتر دون الأخرى تحكم باطل يعني ترجيح بلا دليل وترجيح بلا موجب ومقتضي هذا الدليل ذكره ابن الحاجب وتبعه جماعة من بعده إذن لابد من القول بتواتر جميع القراءات.

الجواب السيد الخوئي "رحمه الله" يذكر جوابين:

الجواب الأول جواب نقضي والسيد الخوئي معروف بقوته في النقض مفاد الجواب النقضي إن مقتضى هذا الدليل الحكم بتواتر جميع القراءات وليس خصوص القراءات السبع والعشر وتخصيص هذا الدليل بخصوص القراءات السبع تحكم باطل أي ترجيح بلا مرجح ولاسيما أن في غير القراء السبعة من هو أعظم منهم وأوثق كما اعترف به بعض المتخصصين في القراءات القرآنية وسيأتي الكلام عن هذا ولو سلمنا أن القراء السبعة أوثق من غيرهم واعرف بوجوه القراءات فهذا لا يكون سببا لتخصيص التواتر بخصوص قراءاتهم السبعة دون غيرهم هذا يوجب ترجيح قراءتهم في مقام العمل وفرق كبير بين دعوى تواتر نقل القراءة وبين دعوى العمل بهذه القراءات فكون القراءات السبع اصح سندا وأوفق بالعربية هذه مرجحات للعمل بقراءة السبعة بالخصوص ومفاد هذا الدليل على مدعاهم لو سلمنا به هو تواتر جميع القراءات ولا وجه لتخصيصها بخصوص القراءات السبعة ومن الواضح أن الحكم بتواتر جميع القراءات باطل ولم يلتزم به أحد جميع القراءات القرآنية متواترة هذا لم يلتزم به أحد.

الجواب الثاني إن الاختلاف في القراءة إنما يكون سببا لالتباس ما هو من القرآن بغيره وعدم تميزه من حيث الهيئة أو حيث الأعراب أي أن القراءات القرآنية ناظرة إلى هيئة الكلمة وشكل الكلمة والاختلاف في هيئة الكلمة أو شكل الكلمة لا ينافي تواتر أصل الكلمة واصل القرآن في الاختلاف في كلمة صراط أو سراط لا ينافي أن أصل هذه الكلمة ثابت في كتاب الله وهكذا مالك أو ملك هذا لا ينافي الاتفاق على مادة الملك فالمادة متواترة وإن اختلف في هيئة هذه المادة أو شكلها كيفية إعرابها وقطعا إحدى الكيفيات ثابتة والأخرى ليست ثابتة ما يصير كليهما ثابتين ما يصير ملك ومالك ثابتين في الواقع في الواقع إما ملك وإما مالك ولذلك ورد في الروايات أن الأئمة "عليهم السلام" يقرؤون على قراءة أبي بن كعب يعني يقرؤون على مصحف أبي بن كعب القراءات القرآنية جاءت فيما بعد ومن الواضح أن قراءة مصحف أبي بن كعب واحدة وليست متعددة.

ثم يختم السيد الخوئي "رحمه الله" بتعقيب هذا التعقيب تأييد للنتيجة التي توصلنا إليها وهي إن تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات القرآنية ونفي التواتر عن القراءات القرآنية لا يستلزم نفي التواتر عن القرآن وذكر كلام الزرقاني صاحب مناهل العرفان ونقل كلام الزركشي صاحب البرهان وهذان الكتابان من أهم الكتب في علوم القرآن ومن أهمها أيضا كتاب الإتقان للسيوطي هؤلاء أئمة السنة الذين كتبوا في علوم القرآن الإتقان للسيوطي من أهم الكتب ثم يأتي كتاب الزركشي البرهان وكتاب الزرقاني مناهل العرفان.

نقرأ كلامه بما أن السيد الخوئي نقل النص قال الزرقاني يبالغ بعضهم في الإشادة بالقراءات السبع هؤلاء الثلاثة أعلام الفن عند السنة وهم لا يسلمون بتواتر القراءات السبع يبالغ بعضهم في الإشادة بالقراءات السبع ويقول من زعم أن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله كفر لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة ويعزى هذا الرأي إلى مفتي البلاد الأندلسية الأستاذ أبي سعيد فرج بن لب وقد تحمس لرأيه كثيرا وألف رسالة كبيرة في تأييد مذهبه والرد على من رد عليه ولكن دليله الذي استند إليه لا يسلم فإن القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن أهلا بناصرنا هذا من كبار أعلام السنة كيف وهناك فرق بين القرآن والقراءات السبع بحيث يصح أن يكون القرآن متواترا في غير قراءات السبع هذا الاحتمال الأول الاحتمال الثاني أو في القدر الذي اتفق عليه القراء جميعا إذا اتفقوا على كلمة فهي متواترة الاحتمال الثالث أو في القدر الذي اتفق عليه عدد يؤمن تواطئهم على الكذب قراء كانوا أو غير قراء ذكر احتمالات ثلاثة موجودة غير تواتر القراءات.

وذكر بعضهم إن تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات وأنه لم يقوى لأحد من أئمة الأصوليين تصريح بتواتر القراءات وتوقف تواتر القرآن على تواترها كما وقع لابن الحاجب

قال الزركشي في البرهان الزركشي من أعلام أئمة السنة المتخصصين في علوم القرآن قال للقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد "صلى الله عليه وآله" للبيان والأعجاز والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد غيرهما والقراءات السبع متواترة عند الجمهور وقيل بل هي مشهورة وقال أيضا والتحقيق إنها متواترة عن الأئمة السبعة أما تواترها عن النبي "صلى الله عليه وآله" ففيه نظر فإن إسنادهم بهذه القراءات السبع موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد

الآن يابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما قد حدثوك فما رآه كمن سمع هم يدعون أنها بالتواتر إذا نراجع الأسانيد الأسانيد موجودة النشر في القراءات السبع تجدها أسانيد آحاد وليست أسانيد متواترة.

القراءات والأحرف السبعة يأتي عليها الكلام.

 

logo