40/02/11
سخافات وخرافات
موضوع: سخافات وخرافات
سخافات وخرافات
بعد أن أنهى السيد الخوئي "رضوان الله عليه" إيراد تسعة اعتراضات أو تسعة أوهام حول إعجاز القرآن الكريم تطرق في خاتمة هذا المبحث إلى ما ذكره كاتب رسالة حسن الإيجاز وهو أحد النصارى وقد اصدر كتيبا بالمطبعة الانكليزية الأمريكية ببولاق مصر سنة 1912 تحت عنوان حسن الإيجاز وهذه الرسالة أدعى أنه يمكن معارضة القرآن بمثله وذكر جملا اقتبسها من القرآن الكريم وادعى أنها تعارض القرآن الكريم.
السيد الخوئي "رحمه الله" ألف كتابا بل هو أول كتيب كتبه الإمام السيد أبو القاسم الخوئي ردا على هذه الرسالة واسماها نفحات الإعجاز وقد طبع في المطبعة العلوية في النجف الاشرف سنة 1342 هجرية قمرية.
صاحب كتاب حسن الإيجاز تطرق إلى بعض السور والسيد الخوئي "رضوان الله عليه" تطرق إلى ما ذكره مما يقابل أولا سورة الحمد وثانيا سورة الكوثر أي بداية القرآن ونهايته تقريبا لذلك:
يقع الكلام في مقامين:
المقام الأول ما ذكره صاحب كتاب حسن الإيجاز في مقام التعارض مع سورة الفاتحة.
المقام الثاني ما ذكره صاحب كتاب حسن الإيجاز في مقام التعارض مع سورة الكوثر.
نشرع في المقام الأول ذكر هذه المقاطع من الكلمات وادعى أنها أفضل من سورة الفاتحة قال صفحة 96 تفسير البيان:
"الحمد الرحمن رب الأكوان الملك الديان لك العبادة وبك المستعان أهدنا صراط الإيمان" وتخيل أن ما جاء به واف بجميع معاني سورة الفاتحة مع أنما جاء به اخصر من سورة الفاتحة حسب مدعاه.
السيد الخوئي "رحمه الله" يقول لو استشار النصارى قبل أن يذكر هذه السخافات لكان أولى قبل أن يفضح نفسه ويظهر جهله بهذه الكلمات لأن المألوف والمعروف من معارضة الكلام بمثله أن يأتي الشاعر أو الكاتب بكلام يتحد مع الكلام الذي يريد أن يعارضه في جهة من الجهات أو غرض من الأغراض ولكنه يأتي بكلام مستقل في ألفاظه وتركيبه وأسلوبه وليست المعارضة أن يقلد نفس الكلام ونفس التراكيب ونفس الأسلوب ويتصرف بتبديل كلمة مكان كلمة ولفظا مكان لفظ ولو كان المراد بالمعارضة بهذا النحو لجاءت العرب بالكثير مما يعارض القرآن الكريم ولكن لأن العرب فصحاء وبلغاء فهموا أن المراد بالإتيان بمثله ليس هو العبارة بالتصرف في الكلمات وتبديلها والإتيان بنفس الأسلوب وإنما المراد أن يأتي بأسلوب آخر وببيان آخر لكنه يتحد مع القرآن الكريم في نفس الغرض ونفس الجهات ويكون أبلغ من القرآن لكنهم عجزوا عن ذلك.
لذلك حينما عجز العرب قالوا إن هذا إلا سحر يؤثر فرموه بالسحر، إذن إنما تصح المقايسة فيما إذا اختلف الأسلوب والبيان مع المجيء بنفس الجهات والأغراض.
ثم يشرع السيد الخوئي "رضوان الله عليه" في مناقشة ما ذكره كلمة كلمة لكي يتضح أن معاني سورة الحمد وأسلوب سورة الحمد أبلغ وأقوى.
المقطع الأول قول الله "عز وجل" في سورة الحمد ﴿الحمد لله﴾ وصاحب حسن الإيجاز قال (الحمد للرحمن) الحمد لله أبلغ من الحمد للرحمن والوجه في ذلك أن لفظ الله مأخوذ من اله ثم أدخلت الألف واللام على الإله فصارت الله والمراد بلفظ الله الذات الجامعة لصفات الكمال والجمال ومن ضمن صفات الكمال والجمال الرحمة فيكون قوله "عز من قائل" ﴿الحمد لله﴾ إن الحمد للذات التي تحيرت فيها العقول والتي تستجمع جميع صفات الجمال والكمال ولا تقتصر صفة الجمال والكمال على خصوص صفة الرحمة بخلاف قول حسن الإيجاز الحمد للرحمن فإنه خص الحمد بخصوص صفة الرحمة ولا تشمل بقية الصفات الكمالية والجمالية التي يشير إليها لفظ الله في قوله "عز من قائل" ﴿الحمد لله﴾.
إذن ذكر لفظ الرحمن مكان لفظ الله فوت الدلالة على بقية جهات الكمال المجتمعة في الذات المقدسة، هذا تمام الكلام في المقطع الأول الحمد لله.
المقطع الثاني ﴿رب العالمين الرحمن الرحيم﴾ استبدله بقوله "رب الأكوان" وهذا الاستبدال فيه تفويت لمعنى هاتين الآتين ﴿رب العالمين الرحمن الرحيم﴾ أما لفظ رب العالمين فيه إشارة إلى تعدد العوالم الطولية أي العمودية والعرضية أي الأفقية التي في عرض بعض أي أن لفظ العالمين يشير إلى كل العوالم سواء العوالم التي في مقابل بعضها وفي عرض بعضها أو العوالم المترتبة على بعضها بشكل عمودي وبشكل طولي بحيث يترتب العالم الأول عن العالم الثاني ويتوقف العالم الثاني على العالم الثالث وهكذا.
فقوله "عز من قائل" ﴿رب العالمين﴾ فيه إشارة إلى أن الله "عز وجل" مالك لجميع العوالم ومربيها وأن رحمة الله تبارك وتعالى تشمل جميع هذه العوالم بنحو مستمر غير منقطع كما تدل عليه لفظة رحيم على لفظ فعيل وهي من صيغة المبالغة وكذلك لفظ الرحمن على صيغة فعلان وهي من صيغ المبلاغة فعلان كزعلان أي كثير الزعل رحمن يعني كثير الرحمة والفارق بين لفظ الرحمن ولفظ رحيم أن لفظ رحمن اسم خاص بالله "عز وجل" ولكنه يدل على الرحمة الواسعة والعامة التي تشمل المسلم والكافر وكل ما في الكون يا رحمن الدنيا والآخرة وأما رحيم هو اسم عام قد يطلق على الله وقد يطلق على غيره ولكنه صفة خاصة بالمؤمنين رؤوف رحيم، إذن صفة الرحمن وصفة الرحيم من صيغ المبالغة التي تدل على استمرار الرحمة وعدم انقطاعها، أين هذا المعنى العظيم من قوله رب الأكوان وقبل أن نحلل كلام هذا المدعي لا بأس ببيان مقدمة لغوية:
المعنى ينقسم إلى قسمين:
معنى مصدري
ومعنى اسم مصدري
المعنى المصدري كلفظ التطهر التوضؤ والمعنى الاسم المصدري كلفظ الطهارة والوضوء فالمعنى المصدري يشير إلى الحدث، حدث التوضؤ حدث التطهر بينما معنى الاسم المصدري يشير إلى نتيجة الحدث إلى ثمرة الحدث فثمرة ونتيجة التطهر هو حصول الطهارة ونتيجة وثمرة التوضؤ هو تحقق حالة الوضوء.
إذن المعنى المصدري يشير إلى الحدث إلى الفعل والمعنى الاسم المصدري يشير إلى نتيجة الفعل ثمرة الفعل
إذا تمت هذه المقدمة نقول:
لفظ الأكوان في اللغة العربية معناه الحدوث فإن الأكوان جمع كون والكينونة عبارة عن الحدوث والوقوع والصيرورة والكفالة فإذا راجعنا لسان العرب يجد أنه يذكر للكون معان منها الحدوث والوقوع والصيرورة والكفالة وجميع هذه المعاني هي معاني مصدرية أي تدل على الفعل وليست معاني اسم مصدرية والمعاني المصدرية التي تدل على الفعل الأنسب أن يذكر لها لفظ خالق فيقال خالق الأكوان لأن الخلق يدل على فعل وإحداث خالق الأكوان يعني خالق الحدوث والوقوع والصيرورة والكينونة فالأولى بلفظ الأكوان هو لفظ خالق وليس لفظ رب فإن المالك المربي لا يناسبه المعنى المصدري وهو ما يستفاد من لفظ الكون والأكوان بخلاف لفظ العالمين الذي هو معنى اسم مصدري وليس معنى مصدري فالأنسب له لفظ رب العالمين.
هذا تمام الكلام في مناقشة المقطع الثاني لما ذكره، المقطع الأول الحمد للرحمن المقطع الثاني رب الأكوان
المقطع الثالث "الملك الديان"
فقد استبدل لفظ ﴿مالك يوم الدين﴾ بلفظ الملك الديان وهنا توجد ملاحظتان ومناقشتان:
الملاحظة الأولى لفظ الملك الديان لا يدل على وجود عالم آخر ولا يشير إلى الدار الآخرة وجزاء الأعمال وأن الله "عز وجل" هو مالك يوم القيامة وليس لأحد التصرف فيه والاختيار وأن الناس كلهم في ذلك اليوم تحت حكم الله تبارك وتعالى وهذا ما يشير إليه "عز من قائل" ﴿مالك يوم الدين﴾ بينما لفظ الملك الديان لا يشير إلى ذلك.
الأمر الثاني قوله الملك الديان غاية ما تدل هذه الجملة على أن الله ملك يجازي بالأعمال ولا يوجد معنى آخر يضاف إلى هذه العبارة وأين معنى ﴿مالك يوم الدين﴾ الذي يجازى الأعمال من معنى ملك يجازي على الأعمال، هذا تمام الكلام في المقطع الثالث.
المقطع الرابع
قال "لك العبادة وبك المستعان" واستبدل بهاتين العبارتين قوله "عز من قائل" ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ فكاتب حسن الإيجاز التفت إلى الحصر الموجود في قوله "عز وجل" ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ لأن تقديم المفعول على الفاعل يدل على الحصر فلآية الكريمة لم تقل نعبد إياك نستعين بك وإنما قدمت المفعول به قالت ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ وفي اللغة العربية تقديم المفعول على الفعل يدل على الحصر والاختصاص لذلك صاحب حسن الإيجاز جاء بعبارة أيضا تدل على الحصر فقال لك العبادة وبك المستعان فقدم لك ولم يقل العبادة لك فقال لك العبادة ولم يقل المستعان بك وإنما قال بك المستعان لكي يحصل الانحصار وهذا صحيح ولكن القرآن الكريم لم يشر إلى الانحصار فقط وإنما أشار إلى نكتتين خلا منهما كلام صاحب حسن الإيجاز:
النكتة الأولى الله "عز وجل" أراد تلقين المؤمن أن يظهر توحيده في العبادة وأن يظهر حاجته وافتقاره إلى الله "عز وجل" وإلى عون الله في عباداته وسائر أعماله وبيان الافتقار لا يحصل من قوله لك العبادة وبك المستعان نعم يستفاد الاختصاص والحصر كما يستفاد من الآية الكريمة ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ ولكن لا يستفاد مما ذكره أن يظهر العبد تذلله إلى الله وفقره وضعفه ولجأه إلى الله تبارك وتعالى.
الأمر الثاني القرآن الكريم جاء بفعل المضارع نعبد نستعين وفعل المضارع يدل على الاستمرار والحدوث بخلاف ما جاء به صاحب كتاب حسن الإيجاز إذ جاء بالمصدر قال لك العبادة وبك المستعان فهذا لا يدل على استمرار العبادة ولا يدل على استمرار الاستعانة ولا يدل على التجدد والحدوث بخلاف قوله "عز وجل" ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ أي أن الاستعانة بك والعبادة لك مستمرة ولا نستعين بسواك فمسلمون يعبدون الله وحده ويستعينون به ولا يستعينون بأحد سواك فهذا يدل على الحاجة والافتقار نظرا للاستمرارية وتجدد الفعل من العبادة والاستعانة فهذا يدل على فقر المتعبد وضعف المسلم واستمرار حاجته ولجأه إلى الله تبارك وتعالى.
المقطع الخامس والأخير
"أهدنا صراط الإيمان"، جاء به بدل قوله "عز وجل" ﴿أهدنا الصراط المستقيم﴾، أولا لفظ الصراط المستقيم معرفة بخلاف ما جاء به صراط الإيمان لفظ صراط نكرة وإن كان قد أضيف إلى لفظ الإيمان ولكن هنا نكتتان مهمتان:
الأولى الله "عز وجل" لم يحصر الصراط بالإيمان فقال "عز من قائل" ﴿أهدنا الصراط المستقيم﴾ يعني نحن نطلب منك الهداية إلى الصراط المستقيم ونحن نطلب أقرب هداية توصل السالك إلى مقصده ولم يحصر هذا الطريق بخصوص طريق الإيمان وهذا لا يفي به قول الكاتب أهدنا صراط الإيمان فقد خص الصراط بخصوص طريق الإيمان.
النقطة الثانية الآية الكريمة ﴿أهدنا الصراط المستقيم﴾ فيها دلالة على أن الطريق المستقيم لا يضل سالكه لأنه مستقيم بخلاف طريق الإيمان فما أكثر الذين أمنوا بأشياء فاتضح أنها عبارة عن انحرافات وسخافات وخزعبلات.
إذن لفظ الصراط المستقيم أبلغ بكثير من قوله صراط الإيمان ومن الملفت أن آيات كتاب الله بالنسبة إلى طريق الخير لا تقل صرط أو سبل وأن هذه سبيلي الله "عز وجل" له سبيل واحد الصراط المستقيم ولم يقل الصرط المستقيمة ولكن بالنسبة إلى طرق إبليس والشيطان ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[1]
إذن هناك طرق وسبل لإبليس وللشر ولكن هناك طريق واحد إلى الخير وإلى الله وهو الصراط المستقيم، وقد اكتفى صاحب حسن الإيجاز بما ذكره عن بقية السورة الكريمة ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم والضالين﴾ وأدعى أنما جاء به أكثر إيجازا مما جاء في سورة الحمد مع أن المقطع الأخير فيه دلالة على طريق الأنبياء والشهداء والصديقين والمرسلين والصالحين وهناك فارق بين طريق الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء والصديقين والمرسلين والصالحين والشهداء وبين المغضوب عليهم من المنكرين والجاحدين وفي هذين المقطعين إشارة إلى نكتتين مهمتين:
النكتة الأولى أن يستحضر المؤمن في نفسه ضرورة التأسي بأولياء الله من الأنبياء والشهداء والصالحين.
النكتة الثانية أن يستحضر المؤمن في نفسه ضرورة التجنب عن مسالك المتمردين والجاحدين لله "عز وجل" الذين غضب عليهم بما فعلوا وبعد بيان المقارنة بين آيات سورة الفاتحة وما ذكره صاحب كتاب حسن الإيجاز يتضح الفارق الكبير بين كلمات كتاب الله "عز وجل" وما جاء به صاحب حسن الإيجاز من خرافات وسخافات وتخرصات، هذا تمام الكلام في المقام الأول ما جاء به صاحب حسن الإيجاز في مقابل سورة الحمد.
المقام الثاني ما جاء به صاحب حسن الإيجاز في مقابل سورة الكوثر قال السيد الخوئي وذكر في معارضة سورة الكوثر يأتي عليه الكلام.