« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/02/05

بسم الله الرحمن الرحيم

أوهام حول إعجاز القرآن

موضوع: أوهام حول إعجاز القرآن

 

أوهام حول إعجاز القرآن

القرآن والقواعد

كيف يثبت الإعجاز لجميع البشر

قول نظام بالصرفة

مخالفة قصص القرآن لكتب العهدين

وجود التناقض في الإنجيل

إبطال الجبر والتفويض

إثبات الأمر بين الامرين في القرآن

القرآن كان مجموعا على عهد النبي "صلى الله عليه وآله"

أسلوب القرآن في جمعه بين المواضيع المختلفة

سخافات وخرافات في معارضة سورتين من القرآن الكريم.

هذه عناوين تسعة لإشكالات تسعة تطرق إليها السيد الخوئي "رضوان الله عليه" تحت عنوان أوهام حول إعجاز القرآن الكريم فهذه الإشكالات والاعتراضات على إعجاز كتاب الله "عز وجل" ما هي إلا أوهام وسخافات فقد تحدى القرآن الكريم جميع البشر منذ أن بعث النبي "صلى الله عليه وآله" إلى يوم يبعثون وطالب جميع البشر بأن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم فلم يستطع أحد أن يقوم بمعارضته ولما كبر على المعاندين أن يأتوا بسورة مماثلة لسور القرآن الكريم راموا أن يحطوا من كرامة القرآن بأوهام من خيالاتهم حول عظمة القرآن تأييدا لمذاهبهم الفاسدة والسيد الخوئي "قدس" تعرض إلى تسعة من هذه الأوهام والإشكالات والاعتراضات وأجاب عليها فكانت أفكار هامة في محاور تسعة وهي العناوين والأفكار الرئيسية التسعة التي قرأناها.

الإشكال الأول أو الاعتراض الأول على إعجاز القرآن الكريم

إن في القرآن أمورا تنافي البلاغة لأنها تخالف قواعد اللغة العربية وبالتالي لا يكون القرآن معجزة لأنه يتنافى مع قواعد اللغة العربية.

وأجاب السيد الخوئي "قدس" على هذا الاعتراض بجوابين:

الجواب الأول نقضي

والجواب الثاني حلي

ومن المعلوم أن الجواب النقضي يفيد الإسكات لكنه لا يحل المشكلة بينما الجواب الحلي يحل المشكلة كما في السؤال الموجه إلى أمير المؤمنين وإلى حفيده الإمام الصادق "عليه السلام" وقد قيل لهما هل يستطيع الله أن يجعل العالم في بيضة فلا يصغر العالم ولا تكبر البيضة، جواب أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" كان نقضيا فقال للسائل (انظر إلى السماء والشمس فرمقها بطرفه فقال علي عليه السلام قد جعل هذه الأمور الوسيعة في عينك وهي أقل من بيضة فإذا كان قادرا على جعل كل ما تراه في أقل من البيضة ألا يكون قادرا على جعلها في بيضة ولم تصغر الشمس والسماء ولم تكبر عينك)[1] فهذا جواب نقضي أكثر الناس يفيدهم الجواب النقضي عوام الناس يفيدهم الجواب النقضي لأن الجواب النقضي يفيد الإسكات.

بينما الجواب الحلي ما جاء في كلام الإمام الصادق (يا هذا إن الله لا يوصف بعجز ولكن الذي تقول لا يكون) أشار "صلوات الله عليه" إلى أن العجز إنما هو في قابلية القابل لا في فاعلية الفاعل فلو أردت أن تسكب ماء بمقدار لتر في كأس حجمه نصف لتر أنت كساكب للماء يمكنك ذلك أو لا؟ نعم ولكن هذا في الواقع غير ممكن لأن قابلية الكأس هي نصف لتر فقط فالعجز لا ينسب إلى الفاعل وهو ساكب الماء وإنما العجز ينسب إلى القابل وهي قابلية الكأس لاستيعاب ماء بمقدار لتر.

إذن البيضة ليس لها قابلية أن تستوعب جميع العالم فالعجز في البيضة في قابلية البيضة لاستيعاب العالم وليس العجز في قدرة الله "عز وجل" هذان أسلوبان مهمان في الأجوبة وقد وردا في القرآن الكريم وأحاديث النبي والعترة الطاهرة وهذا جيد لطالب العلوم الدينية أن يعرفوا أن يجيبوا بجواب نقضي للإسكات ومتى يجيبوا بجواب حلي وأكثر الناس يستخدمون الجواب النقضي يا فلان لا تفعل هذا هذا غير جيد يقول أنت أيضا تفعل هذا هذا توسيع دائرة المشكلة إذا هذا غلط فأنت خطأ والذي نصحك أيضا خطأ.

الجواب النقضي مفاده إن القرآن الكريم قد نزل بين بلغاء العرب وفصحائها وقد تحداهم بمعارضة القرآن ولو بالإتيان بسورة واحدة وذكر القرآن أن الخلق لا يقدرون على الإتيان بسورة من مثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فلو كان في القرآن ما يخالف بلاغة العرب وفصاحتهم لاعترضوا عليه وأخذوه حجة وشهروا به ولعابوه ولو كان لبان ولو كانت لديهم ثغرات تتعلق ببلاغة القرآن وفصاحته لآثروا إشاعتها واستغنوا عن المعارضة باللسان والسنان ولو اعترضوا لاحتفظ لنا التاريخ بذلك ولو كان لبان ولتواتر بين أعداء الإسلام والحال إنه لم ينقل إلينا ولو بخبر واحد أنهم اعترضوا على فصاحة وبلاغة القرآن الكريم بل بالعكس ما زادهم إلا إيمانا أو عنادا مع بيانهم أن هذا الكلام ليس من كلام البشر فرموه بالسحر، هذا تمام الكلام في الجواب الأول وهو جواب نقضي لو كان هناك اعتراض لاعترضوا وحيث لم يعترضوا فهذا يدل على أنه لا توجد ثغرة في كتاب الله من جهة البيان والفصاحة والبلاغة ولو كان لبان.

الجواب الثاني جواب حلي وهو أن القرآن الكريم نزل في زمان لم تأسس فيه قواعد اللغة العربية ولم يكن للقواعد العربية عين ولا اثر وإنما أخذت هذه القواعد بعد نزول القرآن من خلال استقراء كلمات العرب البلغاء وتتبع تراكيبها وأول من كتب في اللغة هو الخليل بن أحمد الفراهيدي حيث كتب كتاب العلم فكتاب العلم المطبوع الآن هو أول كتاب كتب في اللغة العربية فقد كان الخليل بن أحمد الفراهيدي يذهب إلى البادية ويسمع تراكيب كلمات العرب ويستخرج منها المفردات والمعاني وأول من كتب في النحو أو ذكر قواعد النحو هو أبو الأسود الدؤلي تلميذ أمير المؤمنين وأمير المؤمنين "عليه السلام" هو الذي علمه ذلك وأبو الأسود الدؤلي يوم من الأيام سمع قارئا يقرأ القرآن ويقول إن الله بريء من المشركين ورسوله فجر لفظة رسوله فيكون إن الله "عز وجل" قد تبرأ من اثنين من المشركين ومن الرسول تعالى الله عن تبرئه من الرسول علوا كبيرا فتأذى وذهب إلى أمير المؤمنين فقال له أمير المؤمنين (يا أبو الأسود اكتب الكلمة إما اسم أو فعل أو حرف فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل والحرف إلى أن قال فنحو هذا النحو) وأخذت مفردة النحو من كلمات أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين".

إذن القرآن سابق على تأسيس القواعد العربية بل هو مؤسس للقواعد العربية ولو لم يكن القرآن لربما اندثرت اللغة العربية أو تغيرت وضعفت اللغة العربية فالقرآن الكريم ساهم في قوة اللغة العربية، إذن القرآن الكريم هو أحد مصادر اللغة العربية وقواعد العربية فالقرآن ليس أقل مرتبة من قواعد اللغة العربية وكلمات العرب والفصحاء بل هو متقدم عليها.

وبالتالي نلخص الجواب الثاني في نقطتين:

النقطة الأولى إن القاعدة العربية المستحدثة إذا خالفت القرآن الكريم فهذا نقض على القاعدة العربية وليس نقضا على القرآن الكريم فالأصل هو القرآن والقاعدة المستنبطة هي الفرع فإذا تعارف الأصل والفرع قدم الأصل وهو القرآن الكريم.

النقطة الثانية معارضة القرآن مع قواعد اللغة العربية إنما تتم فيما إذا توافقت القراءات القرآنية السبع أو العشر كما سيأتي إن القراءات سبع أو عشر أو أربعة عشر فإذا اتفقت جميع القراءات على قراءة واحدة وتعارضت هذه القراءة مع قواعد اللغة العربية قدمت حينئذ القراءات القرآنية لأنها قرآن والقرآن مقدم على قواعد اللغة العربية المستحدثة والمستنبطة ولكن لو تعارضت قواعد اللغة العربية مع مفردة لقراءة من القراءات تعرفون القراءات الآن القراءة المتداولة عدنا في المشرق هي قراءة عاصم ولكن القراءة المتداولة في المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب ليس قراءة عاصم.

ذهبت إلى مسجد في تونس صفحت قرآن لم يكن على قراءة عاصم قراءات أخر فلو حصل تعارض بين القرآن في قراءة من قراءاته الأربعة عشر مع قواعد اللغة المستحدثة ولم يحصل تعارض بين القواعد وجميع القراءات فحينئذ لا يأتي هذا الكلام أن القرآن مخالف لقواعد اللغة العربية لأن هذه القراءات المعروفة والمشهورة إنما هي اجتهادات من القراء أنفسهم وليست هذه القراءات متواترة عن النبي "صلى الله عليه وآله" كما يعتقد بعض علماء أهل السنة فلو ورد اعتراض على قراءة من القراءات كان ذلك دليلا على بطلان تلك القراءة نفسها من دون أن يمس بعظمة القرآن وكرامته، هذا تمام الكلام في جواب الوهن أو الاعتراض الأول وعنونه السيد الخوئي تحت عنوان القرِآن والقواعد.

الاعتراض الثاني

عنونه السيد الخوئي كيف يثبت الإعجاز لجميع البشر؟

مفاد هذا الاعتراض إن الكلام البليغ وإن عجز البشر عن الإتيان بمثله لا يكون معجزا لأن بلاغته ومعرفة بلاغته وفصاحته تختص ببعض البشر دون البعض الآخر والمعجز لابد أن يعرف إعجازه جميع البشر لأن كل فرد من البشر مكلف بتصديق نبوة صاحب ذلك المعجز فلا يكون القرآن معجزة لجميع البشرية وإنما معجزة لخصوص الأدباء والفصحاء المطلعين على دقائق اللغة العربية العارفين بإعجاز القرآن عبر نكاته البيانية والبلاغية.

والجواب

نجيب بأمرين وبذكر نكتتين:

الأمر الأول من قال إن المعجزة لابد أن يدركها جميع البشر ننقض عليك جئني بمعجزة يدركها الجميع لا توجد معجزة يدركها الجميع لأن الناس تتفاوت افهامهم ومداركهم فلا يشترط في المعجزة أن يدركها جميع البشر ولو اشترطنا ذلك لم يسلم لنا معجز أصلا فإن إدراك المعجزة إنما يختص دائما بفئة خاصة ويثبت المعجز لغير هذه الفئة الخاصة بنقلها بالتواتر، إذن النقطة الأولى ذكرنا أمرا حليا وأمرا نقضيا، الأمر الحلي في إنكار الكبرى التي اتكأ عليها الاعتراض فالاعتراض اعتمد كبر مفادها إن المعجزة لابد أن يدركها جميع البشر وفي جوابنا قلنا لا نشترط في المعجزة أن يدركها جميع البشر فهذا جواب حلي والجواب النقضي ولو اشترطنا في المعجزة أن يدركها جميع البشر لما وجدنا معجزة تامة لأن المعجزة دائما يدركها أهل الاختصاص والخبرة والمعرفة وتنقل إلى غيرهم بالتواتر.

النكتة الثانية في الجواب بيان امتياز القرآن عن غيره من المعجزات فإن القرآن الكريم قد تميز بأنه قد نقل بالتواتر في جميع الطبقات وعلى امتداد عمود الزمان منذ بعث النبي "صلى الله عليه وآله" إلى يومنا هذا بخلاف غيره من المعجزات فلا يوجد تواتر في نقلها في كل طبقة والتواتر هو عبارة عن إخبار جماعة كثيرين يمتنع تواطئهم على الكذب ويمتنع اتفاق خطئهم في فهم الحادثة.

الإشكال الثالث أو الاعتراض الثالث قول النظّام بالصرفة

مفاد الاعتراض: إن العارف باللغة العربية قادر على أن يأتي بمثل كلمة من كلمات القرآن فإذا أمكنه أن يأتي بكلمة من كلمات القرآن أمكنه أن يأتي بمثل القرآن لأن حكم الأمثل فيما يجوز وما لا يجوز واحد فإذا جاز أن يأتي بالجزء وهو الكلمة جاز له أن يأتي بالكل وهو القرآن الكريم والجواب على ذلك في بيان أمرين:

الأمر الأول إن القدرة على المادة لا تستلزم القدرة على التركيب فإذا قدر إنسان على صنع طابوقة أو طوب فهل يعني ذلك أنه يستطيع أن يبني قصرا مشيدا وبناء رفيعا ومحكما؟ كلا وألف كلا، فالقدرة على المادة وهي صناعة الطوب والطابوق لا تستلزم القدرة على التركيب وهي القدرة على بناء القصور العالية والفخمة فهذا واضح عند الناس وعند العرف أن من يستطيع أن يعمل طابوقة لا يستطيع بالضرورة أن يبني قصرا فخما ومن هنا نقول إن كل عربي قادر على إنشاء كلمة من كلمات القرآن لو سلمنا ذلك فهذا لا يستلزم أنه قادر على أن يتكلم بمثل القرآن، إذن الإتيان بجملة أو كلمة من كلمات القرآن لا يستلزم القدرة على الإتيان بمثل القرآن.

النقطة الثانية هذه الشبهة هي التي دعت النظّام وهو أحد علماء المعتزلة وأصحابه إلى القول بالصرفة وأن أعجاز القرآن الكريم بالصرفة وخلاصة الكلام في الصرفة هو أن الإنسان بل كل إنسان قادر على الإتيان بمثل القرآن ولكن الله صرفهم وأعجزهم عن الإتيان بالقرآن فحينئذ لا يكون الإعجاز في نفس كلمات القرآن إذ هي مقدورة للإنسان وإنما الإعجاز بسبب تعجيز رب العالمين للناس وهذا المعنى مشكل جدا ولبيان الصرفة ومناقشتها لابد من التفصيل فيذكر السيد الخوئي "رحمه الله" أمرين:

الأمر الأول وفيها نكتتان:

النكتة الأولى ما المراد بالصرفة؟ نذكر المعنى الأول في النكتة الأولى والمعنى الثاني في النكتة الثانية.

النكتة الأولى المعنى الأول للصرفة، معنى الصرفة إن الله "عز وجل" قادر على أن يقدّر البشر على أن يأتي بمثل القرآن ولكن الله "عز وجل" صرف هذه القدرة من جميع البشر ولم يأتها لأحد منهم فهذا المعنى معنى صحيح وهذا المعنى لا يختص بالقرآن بل يجري في جميع المعجزات فانقلاب عصى موسى إلى ثعبان وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى على يد عيسى "عليه السلام" والإتيان بالقرآن على يد النبي محمد "صلى الله عليه وآله" نلاحظ أن الله "عز وجل" قادر على أن يقدر البشر أن يأتوا بمثل ذلك ولكنه صرف القدرة عنهم فلو قيل إن معنى الصرفة هو هذا إن الله قادر على أن يقدر البشر لكنه لم يقدرهم فهذا معنى صحيح ولكن المراد بالصرفة ليس هو المعنى الأول وإنما هو المعنى الثاني وهو ما نذكره الآن في النكتة الثانية والمراد بالصرفة في المعنى الثاني إن الناس بحسب طبعهم ومؤهلاتهم قادرون على أن يأتوا بمثل القرآن ولكن الله صرفهم عن معارضة القرآن وهذا واضح البطلان لأن كثيرا من الناس قد تصدوا لمعارضة القرآن ولم يفلحوا ولن يفلحوا فلم يستطيعوا واعترفوا بالعجز، إذن الصرفة المنسوبة إلى النظام وأصحابه بناء على المعنى الثاني لا يمكن المساعدة عليها وهو معنى غير تام.

النقطة الثانية بناء على المعنى الثاني للصرفة وهو أن الناس قادرون على الإتيان بمثل القرآن ولكن الله صرفهم عن الإتيان بمثله وأعجزهم، نقول لو كان الناس قادرون على الإتيان بمثل القرآن لجاء بمثله الناس قبل بعثة النبي وقبل نزول القرآن من لدن آدم "عليه السلام" إلى زمن النبي "صلى الله عليه وآله" لم نرى أحدا جاء بمثل القرآن فهذا يدلل على أن مثل كلمات القرآن بحد ذاتها غير مقدورة لكل الناس ولو كان لبان، ولو كانوا قادرون واتوا لنقل إلينا وحيث لم ينقل إلينا إذن لم يكن.

فلو كان الإنسان قادرا على الإتيان بمثل القرآن لجاء ولو جاء بمثل القرآن قبل بعثة النبي لنقل إلينا وتواتر النقل لتكثر الدواعي والحاجة إلى نقله وإذا لم ينقل ولم يوجد فهذا يكشف عن كون القرآن الكريم بنفسه إعجازا إلهيا خارجا عن طاقة البشر.

هذا تمام الكلام في الاعتراض الثالث

الاعتراض الرابع حول مخالفة القرآن لكتب العهدين يأتي عليه الكلام.

 


logo