« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الفقه

41/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

نوع الإقتصاد الإسلامي

الموضوع: نوع الإقتصاد الإسلامي

 

البحث الثاني

نوع الاقتصاد الإسلامي

أسئلة تمهيدية

السؤال الأول هل القرآن الكريم كتاب في العلوم الطبيعية والاجتماعية أم هو منهج إلهي للحياة يتضمن إشارة للعلوم؟

والجواب إن الإسلام شريعة هداية والقرآن الكريم كتاب هداية قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾[1] فوظيفة القرآن الكريم الأساسية هداية الناس فلو قيل لك عرف لنا القرآن سيكون الجواب إنه كتاب هداية وليس كتاب علوم نعم فيه إشارة إلى العلوم إشارة بعض الأمور في الفلك وغير ذلك من العلوم والمعارف لكن الغاية الأساسية من القرآن الكريم هداية الخلق إلى الخالق.

سؤال الثاني ما معنى قوله تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء﴾[2] ؟ الجواب لكل شيء متعلق بالهداية وليس المراد أن القرآن تبيان لكل العلوم وإلا لو كان القرآن تبيانا لكل العلوم لما وسعته أوراق الدنيا لأن علم الله لا متناهي فالمراد بتبيان كل شيء يعني تبيان كل شيء متعلق بالهداية فيقيد الشيء بالغاية التي من أجلها انزل الله القرآن الكريم وهي هداية الخلق.

السؤال الثالث اذكر حكما من أحكام الإسلام يتعلق بالجانب الاقتصادي؟ أحكام كثيرة مثل حرمة الاحتكار، حرمة الربا، الله "عز وجل" توعد المرابي بأمور خطيرة جدا إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا يشير القرآن إلى أن المرابي إذا قام يقوم متخبطا كالذي تخبطه الشيطان من المس.

السؤال الرابع ما هو موقف الإسلام من العلوم الطبيعية وغيرها؟ الإسلام يشجع على تنامي العلوم والتعلم فإن بالعلوم تزدهر الحياة الدنيا بالعلم والمال يبني الناس أوطانا ومن هنا نشرع في بحثنا نوع الاقتصاد الإسلامي.

الفرق بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي

وفي هذا البحث يأتي جواب السؤال الأول من الدرس الأول ما معنى كلمة الاقتصاد اليوم يأتي الجواب.

كلمة الاقتصاد تستعمل في معنيين:

الأول علم الاقتصاد

الثاني المذهب الاقتصادي

فما الفرق بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي؟

الجواب: علم الاقتصاد هو القوانين التي تحكم العملية الاقتصادية بخلاف المذهب الاقتصادي فالمذهب الاقتصادي عبارة عن الطريقة التي بها تنتظم الحياة الاقتصادية.

وبعبارة أخرى تارة نتكلم من ناحية موضوعية وتارة نتكلم من ناحية ذاتية فالاقتصاد وشؤون المعيشة بين الناس له قوانين وضوابط موضوعية يدرسها علم الاقتصاد ولكن أي نمط من الاقتصاد نريد هل النمط الاشتراكي أو النمط الرأسمالي أو النمط الإسلامي فأي طريقة نريد هذا ما يعبر عن المذهب الاقتصادي.

وإذا فرقنا بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي فإن هذا الفارق سيتضح أثره في أمرين مهمين:

الأول معرفة نوعية الاقتصاد الإسلامي وأنه هل نظرية مستقلة أو نظرية ضمن النظريات المتداولة

وثانيا إبطال شبهة المشككين بوجود اقتصاد في الإسلام.

إذن علم الاقتصاد عبارة عن القوانين التي تحكم الحياة الاقتصادية أما المذهب الاقتصادي فهو طريقة لتنظيم الحياة الاقتصادية ولأجل أن يتضح الفرق بين العلم والمذهب بصورة كاملة يضرب المصنف مثالا في علم السلوك يعني علم النفس.

فإذا سألك سائل أحد هذين السؤالين:

السؤال الأول ما هي القوانين التي تحكم سلوك أخيك

السؤال الثاني ما هي الطريقة التي تحب أن يكون سلوك أخيك قد جرى عليها؟

الجواب بالنسبة إلى السؤال الأول فإنك ستكون مجرد شخص أمين على عرض الوقائع كما هي فتقول مثلا صدوق أمين وفي أو تقول كذاب مراوغ مخادع لا يحفظ العهد ولا يقدم العون للآخرين لأنه متأثر برفقاء السوء فإجابة السؤال الأول تبين الحال الفعلي للأخ من دون إبداء وجهة نظر وجواب هذا السؤال يدخل في علم السلوك لا مذهب السلوك، يعني الإخبار عما هو موجود هذه وظيفته، الإخبار عما هو موجود في السلوك، الإخبار عما هو موجود في الاقتصاد الإخبار عما هو موجود في السياسة وهكذا عرض موضوعي تام من دون بيان للآراء الخاصة والذاتية هذا العلم.

وأما المذهب فتقول في جواب السؤال الثاني لو قيل لك ماذا تحب أن يكون سلوك أخيك تقول أتمنى أن يكون مؤمنا متدينا ملتزما بالإسلام وبالسلوك الإسلامي والأخلاق الإسلامية أن يكون صادقا وفيا مؤدبا هذا بيان إلى الاتجاه الأخلاقي والاتجاه السلوكي يعني الرؤية الذاتية لك في سلوك أخيك.

كذلك الكلام في الاقتصاد نواجه هذين السؤالين:

السؤال الأول ما هي القوانين التي تحكم الحياة الاقتصادية بقطع النظر عن الطريقة التي تتبناها.

السؤال الثاني ما هي الطريقة التي تتبناها وتعتقد بها لتنظيم الحياة الاقتصادية؟

والجواب عن السؤال الأول بعلم الاقتصاد والجواب عن السؤال الثاني بالمذهب الاقتصادي فتجيب بالنسبة إلى السؤال الأول فتقول علم الاقتصاد يتكفل بالقوانين التي تحكم الحياة الاقتصادية ويقوم بدراسة حركات الأحداث في الحياة الاقتصادية وينقل لنا علم الاقتصاد الصورة كما هي وكما تجري في الواقع.

وأما السؤال الثاني فتجيب برؤيتك الذاتية والخاصة أي المذهب الاقتصادي الذي تراه فتقول أنا أتبنى الاقتصاد الإسلامي دون الاقتصاد الاشتراكي والرأسمالي الغربي وتقول أنا اعتقد بالنظام الإسلامي ويجب أن تكون العلاقات الاقتصادية في المجتمع والدولة وفقا للرؤية والنظرة الإسلامية.

الخلاصة: علم الاقتصاد يتحدث عما هو كائن والمذهب الاقتصادي يتحدث عما ينبغي أن يكون، علم الاقتصاد يتحدث عن الوضع الاقتصادي الموجود والمذهب الاقتصادي يتكلم عن الوضع الاقتصادي الذي ينبغي أن يوجد. وفرق بينما هو كائن وبينما ينبغي أن يكون وفرق شاسع بين ما هو موجود وبين ما ينبغي أن يوجد وفرق واضح بين الوضع الاقتصادي القائم وبين الوضع الاقتصادي الذي ينبغي أن يقوم.

إذن العلم علم السياسة علم الاقتصاد علم النفس يعني علم السلوك علم الاجتماع قوانين الاجتماع الإنساني علم الإدارة يشير إلى القوانين التي تحكم هذه الأمور قوانين السياسية قوانين الاقتصاد قوانين علم النفس قوانين علم الاجتماع قوانين الإدارة قوانين السياسة والاقتصاد يعني تقييم ما هو موجود.

وأما المذهب، المذهب السياسي الاقتصادي النفسي الاجتماعي الإداري عبارة عن تقييم وبيان ما ينبغي أن يوجد في السياسة والاقتصاد والإدارة والنفس والاجتماع فالعلم يشير إلى حيثية موضوعية والمذهب يشير إلى حيثية ذاتية إذن علم الاقتصاد يتحدث عما هو كائن ويحاول اكتشاف ما يقع في الحياة الاقتصادية وفقا للظروف الموجودة ويحاول أن يصيغه وفق قوانين وأما المذهب الاقتصادي فهو عبارة عن الاتجاه الذاتي أو النظرية الخاصة التي تمثل رؤية مذهبية اقتصادية للشخص أو الدولة.

بعض البحوث وبعض الكتب تخلط بين العلم والمذهب فتأتي ببعض المفردات وبعض الآراء بطريقة عرض علم الاقتصاد وتأتي ببعض الآراء بطريقة عرض المذهب الاقتصادي هذا الكتاب الشريف علم أو مذهب أو علم ومذهب هذا المذهب لكن فيه بيان لبعض القوانين الموجودة في العلم لكن من أجل بيان المذهب الاقتصادي مثلا فيه عرض لقانون العرض والطلب ولكن لبيان هل الإسلام يرى قانون العرض والطلب أو لا.

ومن هنا ننطلق إلى دراسة قوانين موجودين في الفكر الاشتراكي والرأسمالي

القانون الأول قانون ارتباط الثمن بالطلب، القانون الثاني القانون الحديدي للأجور وكلاهما لا يقبلهما الإسلام أما القانون الأول قانون العرض والطلب كلما زاد العرض قل الطلب وبالتالي الثمن يرتبط بالطلب مثلا جاءت جائحة كرونا واحتاج الناس إلى كمامات حتى نفذت في السوق واحتاج الناس إلى معقمات فوجدت الكثير من الصيدليات ليس فيها كمامات أو معقمات فارتفعت الأسعار إلى ما شاء الله تعالى لأنه زاد الطلب وكلما زاد الطلب كلما ارتفع الثمن وكلما قل الطلب كلما انخفض الثمن، هذا قانون من قوانين السوق الحرة.

يعني إذا الدولة لا تفرض رقابة على الأسعار يصير كل تاجر يضرب في الأسعار، إذن في السوق الحرة لا يوجد تحديد لاثمان السلع من قبل جهة عليا كالحكومة ويرتبط ثمن السلعة بمقدار الطلب عليها فكلما كثر الطلب وازدادت الرغبة في السلعة كلما ارتفع ثمنها فإذا قل عليها الطلب انخفض ثمنها، هذا تمام الكلام في القانون الأول ارتباط الثمن بالطلب.

القانون الثاني القانون الحديدي للأجور فإذا كانت أجور العمال لا تخضع لتحديد الدولة وإنما أوكلت المهمة إلى التجار وأرباب الأموال فإنهم لن يعطوا العمال إلا الحد الأدنى من الكفاف يتعامل ومع العامل كأنه حديدة وآلة تعمل وبالتالي لو لم تكن هناك جهة عليا تحدد الأجور فإن التجار والأعيان وأرباب الشركات سيعطون العمال القدر الأدنى والحد الأدنى الذي يضمن العامل أن يعيش به لذلك الدولة كل فترة حينما تتغير العملة تقول أقل راتب كذا أي عامل يعمل عمل رسمي ويتقاضى أجر أقل من هذا له الحق أن يشتكي على رب العمل لابد هناك جهة عليا تحدد إذا لا توجد جهة عليا تحدد فإن العمال والفلاحين سيقعون تحت بطش وأسر رب العمل ورب العمل سيعطيهم أدنى حد ولو تكرم عليهم وأعطاهم أكثر فإن مردوده السلبي عليهم سيكون أكثر لان إذا أنعم عليه أعطاه أكثر سوف يوسع على أهله ويتزوج وينجب أكثر إذا أنجب أكثر سوف يزيد العمال إذا زادوا العمال زاد العرض إذا زاد العرض قل الطلب فيبقى العامل على مستوى الحديدة، إن أعطاه مقدار الكفاف عاش في الجفاف، إلا إذا هذا العامل جاء بطاقات هذا ممكن ولكن الكثير من القرى فلاح وأولاده فلاحين، حداد أولاده حدادين، نجار أولاده نجارين إذن أجور العمال إذا كانت حرة وغير محددة من جهة عليا تحديدا رسميا فإنها لا تزيد على القدر الذي يضمن للعامل معيشة الكفاف ولو زادت على هذا المقدار فإن الزيادة تكون مؤقتة لأن زيادة أجور العمال تؤدي إلى زيادة عدد العمال نتيجة لتحسن أوضاعهم وزواجهم وزيادة إنفاقهم وإنجابهم مما يؤدي إلى وفرا في الأيدي العاملة وانخفاض الأجور تبعا لزيادة الأيدي العاملة.

هذان القانونان ارتباط الثمن بالطلب والقانون الحديدي للأجور يعني يتعامل مع العامل معاملة الحديدة يعطيه مقدار الكفاف هذان القانونان موجودان في السوق الحرة التي يحكمها الاقتصاد الرأسمالي.

عالم الاقتصاد لا يبحث أن السوق هل تنظم بهذه الطريقة أو لا عالم الاقتصاد يقول أنت أعطني سوقا أنا اشخص لك أي قانون يحكم هذه السوق وما هي النتائج المترتبة على هذا السوق لا يتدخل في إبداء وجهة نظره هو يقيم تقييم موضوعي دراسة اقتصادية موضوعية لان مجال عالم الاقتصاد اكتشاف الايجابيات والسلبيات يعني إجراء دراسة اقتصادية من ناحية موضوعية بحتة فمجال عالم الاقتصاد اكتشاف ما يجري في الواقع الاقتصادي وصياغته صياغة قانونية سواء كان هذا الواقع الاقتصادي رأسمالي أو اشتراكي أو إسلامي بخلاف المذهب الاقتصادي فإنه يبدي وجهة نظره ويطرح رأيه فيتناول حرية السوق هل نحن مع السوق الحرة المفتوحة أو مع السوق التي تحكمها الدولة وتهيمن عليها ويحكم على السوق بالصحة أو الفساد.

النقطة الأخيرة هل الإسلام فيه علم اقتصادي أو مذهب اقتصادي؟

الجواب: الإسلام فيه مذهب اقتصادي وليس هو علم اقتصاد، إن المنكرين لوجود الاقتصاد الإسلامي يقولون إن القرآن الكريم والسنة النبوية ليس فيهما قوانين مثل ارتباط الثمن بالطلب القانون الحديدي للأجور وهذا دليل على عدم وجود اقتصاد في الإسلام، والجواب هؤلاء يريدون من الإسلام أن يكون علم من العلوم يعني فيه دراسة للسياسة وفيه دراسة للاقتصاد وفيه دراسة لعلم النفس وفيه دراسة للإدارة الإسلام هو مشروع هداية الخلق إلى الخالق فالقرآن ليس كتاب علوم وإنما فيه إشارة إلى العلوم القرآن كتاب هداية القرآن ليس علما أكاديميا من قال إن الإسلام هو عبارة عن علم أكاديمي تخصصي الإسلام منهج حياة فيه هداية المخلوق إلى الخالق وبالتالي يوجد في الإسلام مذهب سياسي مذهب اقتصادي لكن ليس فيه علم سياسة أو علم اقتصاد.

سؤال لماذا نقول الإسلام فيه مذهب اقتصادي ومذهب سياسي؟ الجواب: لأنه الإسلام جاء بنمط خاص جاء بطريقة جديدة لتنظيم المجتمع لتنظيم السياسة لتنظيم الاقتصاد وبالتالي ليس من الصحيح أن نقول إن الإسلام لا يعتني بالسياسة ولا يعتني بالاقتصاد موقوف الإسلام من السياسة والاقتصاد هو موقفه من سائر العلوم الإسلام يشجع على اكتساب العلوم النافعة ويهيئ لها الظروف والله "عز وجل" قد منح الإنسان عقلا مفكرا وحثه على دراسة ما حوله من الظواهر الكونية والاجتماعية والطبيعية لكي يكتشف العلوم والقوانين التي تتحكم في المسيرة الإنسانية كما أن الإسلام تكفل بشرائع وقوانين تخص الجانب الأخلاقي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي وأكد على ضرورة الالتزام بها قال تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون) لكن الله "عز وجل" في كتابه ليس من واجبه أن يذكر قوانين الكيمياء والفيزياء والأحياء لأن علم الله لا ينتهي عند حده.

قال تعالى ﴿ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم﴾[3] يعني الله "عز وجل" لو انزل كتب علوم لكانت المجلدات كبيرة جدا لا تسعها الأرض.

الخلاصة: إن المهم الأساسية للتشريع الإسلامي هي هداية الناس إلى الطرق الصحيحة في كافة المجالات ومن هذه المجالات المجال الاقتصادي لذلك الإسلام لم يقبل الزيادة الربوية والفائدة الربوية وحكم على الربا بأنه حرام وأنها معاملة اقتصادية غير صحيحة وحرم الفائدة الربوية ومن هنا يتضح أن الإسلام لديه اتجاه مذهبي في الاقتصاد يعني رؤيا اقتصادية خاصة.

الخلاصة:

أولا المذهب الاقتصادي هو طريقة لتنظيم الحياة الاقتصادية

ثانيا علم الاقتصاد هو دراسة القوانين التي تحكم الحياة الاقتصادية دون أن يتبنى اتجاها أو مذهبا اقتصاديا معينا.

ثالثا جاء الإسلام بمذهب اقتصادي ينظم حياة المسلمين الاقتصادية على أكمل وجه

هذا تمام الكلام في البحث الثاني البحث الثالث مهم جدا القرض الربوي والقرض الإسلامي، ما هو الفارق بين البنك الإسلامي والبنك الربوي البحث الثالث يأتي عليه الكلام.

 


logo