41/10/29
مقدمة في علم الاقتصاد
الموضوع: مقدمة في علم الاقتصاد
نشرع اليوم الأحد 29 من شهر شوال لعام 1441 هجرية قمرية الموافق 1 تير وهو الشهر الرابع من عام 1399 هجرية شمسية المصادف 21 من شهر يونيو وهو الشهر السادس من عام 2020 ميلادية ونبدأ بدراسة كتاب اقتصادنا الميسر لمساحة السيد علي حسن مطر "حفظه الله".
هذا الكتاب الشريف اقتصادنا الميسر يتناول الاقتصاد ودراسة الاقتصاد بحر كبير وعميق وهو بحاجة إلى تدرج من هنا ارتأينا تدريس وتكوين عدة حلقات دراسية على ثلاثة مستويات موجزة ومتوسطة وموسعة في مختلف العلوم الإنسانية كالسياسة والاقتصاد والتاريخ والإدارة وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم فإذا جمع الإنسان بين العلوم الإنسانية والعلوم الشرعية فإنه سيكون مثمرا الرأي.
كتاب اقتصادنا الميسر يمثل الحلقة الأولى الموجزة لدراسة الاقتصاد وقبل أن نشرع في مباحث الكتاب نقدم مقدمة عامة للعلوم الإنسانية تتألف من أمرين:
الأمر الأول هل العلوم الإنسانية من مقولة العلوم أو من مقولة الفنون؟
الأمر الثاني ما هو الفارق بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي فما الفرق بين العلم والمذهب؟
أما المقدمة الأولى
فقد يقال إن العلوم الإنسانية أسمها فيها علوم فالسياسة علم والاقتصاد علم والتاريخ علم والنفس علم والاجتماع علم كلها علوم وليست من قبيل الفنون إن قلت إنها من قبيل العلوم نقضنا عليك بأن أكثر الساسة لم يدرسوا سياسة في الجامعات وأكثر التجار لم يدرسوا تجارة في الجامعات وأكثر الخبراء في النفس والاجتماع والإدارة وغير ذلك ليس ملاك خبرتهم حصولهم على الشهادات الدراسية مما يعني أن العلوم الإنسانية هي من قبيل الفنون لا من قبيل العلوم، أي رؤساء العالم عنده دكتوراه في السياسة بل بكالوريوس في السياسة أكثرهم لم يدرسوا السياسة ولكنهم مارسوا السياسة كفن.
إذن العلوم الإنسانية هي من قبيل الفنون لا من قبيل العلوم ولكن لو قلت إنها من قبيل الفنون لا العلوم
إذن لماذا تدرس في الجامعات؟ فما الداعي لدراسة علم السياسة في الجامعة؟ وما الداعي لدراسة علم الاقتصاد والاجتماع والنفس والإدارة في الجامعات والمعاهد العلمية العريقة أو ليست من قبيل العلوم لا الفنون إذن ما هو الصحيح في العلوم الإنسانية؟ كيف تجمع بين الضدين؟ كيف يكون الشيء في نفس الوقت هو علم وفي نفس الوقت هو فن؟
الجواب: الصحيح أن العلوم الإنسانية هي علوم وفنون هي من قبيل العلم والفن بلحاظين واعتبارين لا باعتبار واحد حتى تقول يلزم اجتماع الضدين وإنما بلحاظين:
فبلحاظ الأصول والضوابط: هي علم
وبلحاظ الممارسة والجزئيات: هي فن
فحينما تدرس علم السياسة والاقتصاد والنفس والاجتماع والإدارة فإنك تدرس الأصول والضوابط الإدارية والسياسية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية تدرس الأصول الضوابط العامة وشأن العلم دراسة الكليات ودراسة المفاهيم العامة.
فأنت حينما تدرس العلوم الإنسانية إنما تدرس المفاهيم العامة والضوابط الكلية والأصول العمومية للسياسة والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع والإدارة والتاريخ هذه كعلم هذه هي حيثية العلم.
وأما الفن فيتعلق بالتطبيق يتعلق بالممارسة فحينما تمارس السياسة تحتاج إلى فن في إدارة الحكم وعندما تمارس التجارة تحتاج إلى فن اقتصادي لكسب الزبون وحينما تمارس علوم النفس والاجتماع فأنت بحاجة إلى مهارة في التعامل مع النفس ومع المجتمع وهكذا حينما تمارس الإدارة فإنك بحاجة إلى لباقة في التعامل الإداري.
خلاصة المقدمة الأولى:
العلوم الإنسانية علوم وفنون فهي علوم من جهة الأصول والقواعد العامة والضوابط الكلية وهي فنون من ناحية الممارسة والتطبيق وبعبارة مختصرة هي علوم من الناحية النظرية وفنون من ناحية التطبيق فلك أن تطلق شعارا عريضا قائلا العلوم الإنسانية بين النظرية والتطبيق فحيثية العلم تعنى بالجانب النظري وحيثية الفن تعنى بالجانب العملي والتطبيقي.
إذن لو سألك سائل لماذا تدرس علم الاقتصاد؟
الجواب:
أولا البروفسور والدكتور عنده أصول العلم النظرية وقد لا يفلح في الجوانب التطبيقية بخلاف التاجر الأمي عنده الفن التطبيقي وفن المعاملة وقد يستعين بأحدث النظريات في الجانب العلمي لذلك تجد الكثير من التجار يبعثون أولادهم إلى أوروبا لدراسة أحدث النظريات في التجارية والإدارة والمحاسبة.
ثانيا من قال إن علم السياسة أو علم الاقتصاد كل من درسه يكون ماهرا في السياسة والاقتصاد فإن العلم متشعب وكبير فبعض أقسام علم الاقتصاد لا يدرس التجارة بعضه مختص بالمحاسبة ليس كل من درس الاقتصاد درس التسويق التسويق قسم خاص من أقسام الإدارة كذلك السياسة علم كبير هناك السياسة الدولية، السياسة الداخلية، إدارة الأزمات سرقة الثورات هذه كلها علوم يمكن واحد متخصص في تأجيج الصراعات وواحد متخصص في كيفية سرقة الثورات إذن العلوم متشعبة والعلوم كبيرة.
الخلاصة : الاقتصاد علم وفن، علم من الناحية النظرية وفن من الناحية العملية والتطبيقية.
الأمر الثاني
ما الفرق بين العلم والمذهب؟
ما الفرق بين علم السياسة والمذهب السياسي؟ ما الفرق بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي؟ ما الفرق بين علم الإدارة والمذهب الإداري وهكذا.
الجواب:
العلم هو ما يتوفر على الأصول والضوابط الكلية لتقييم الأشياء بخلاف المذهب.
المذهب فإنه عبارة عن الرؤية التي قد تشكل نظرية في جانب معين كالسياسة أو الاقتصاد.
فعلم السياسة هو ما يتوفر على الضوابط الكلية والعامة للسياسة فمن حاز على علم السياسة وشاهد ظاهرة سياسية فإنه يقيمها تقيما موضوعيا ويقول هذه الظاهرة بناء على الفكر الإسلامي سببها هكذا وحلها هكذا وبناء على النظرية الرأسمالية سببها هكذا وحلها هكذا وبناء على النظرية الاشتراكية سببها هكذا وحلها هكذا فمن يحوز على العلم لا يتخذ موقفا وإنما يذكر الضوابط العامة.
بخلاف صاحب المذهب السياسي فإن لديه رؤية واتجاه قد تولد نظرية فهو يقول بناء على نظرنا السبب كذا ووفقا لمنهجنا الحل كذا وليس معنيا بالمذاهب والاتجاهات الأخرى وهكذا في الاقتصاد فإن من يقيم الظواهر الاقتصادية وفقا لعلم الاقتصاد يقول هذه الظاهرة الاقتصادية الآن وهو انخفاض العملة وفقا للنظرية الإسلامية السبب كذا والحل كذا ووفقا للنظرية الاشتراكية السبب كذا والحل ووفقا للنظرية الرأسمالية الغربية السبب كذا والحل كذا.
وأما من يتناول الاقتصاد من ناحية المذهب والنظرية والرؤية والاتجاه يقول بنظرنا السبب كذا وينبغي أن يكون كذا.
والخلاصة: العلم يقول هذا ما هو موجود والمذهب يقول هذا ما ينبغي أن يكون موجودا وفرق بين الموجود وما ينبغي أن يوجد وبالتالي المذهب السياسي ليس بالضرورة أو المذهب الاقتصادي ليس بالضرورة أن يطبق قد يطبق وقد لا يطبق.
اقتصادنا الميسر، مذهب اقتصادي
هنا من عنوان الكتاب اقتصادنا الميسر، ماذا تفهمون من العنوان اقتصادنا الميسر؟ هل هذا علم الاقتصاد أو المذهب الاقتصادي؟ المذهب الاقتصادي
بعد هذه المقدمة نشرع في مقدمة الاقتصاد
وكما يقولون المقدمة مقدمتان:
مقدمة علم
ومقدمة كتاب
أما مقدمة الكتاب فهي ما يذكر فيها المؤلف الداعي الذي دعاه إلى كتابة الكتاب وأهم الأمور التي سلط عليها الضوء في كتابه.
وأما مقدمة العلم فهي ما تبحث الأصول الثمانية وأهمها ثلاثة وهي تعريف العلم وموضوع العلم وفائدة العلم.
فإذا أردنا أن نسلط الضوء على كتاب اقتصادنا الميسر للسيد علي حسن مطر ينبغي أن نبحث مقدمة الكتاب والمؤلف وينبغي أن نبحث مقدمة علم الاقتصاد تعريفه موضوعه فائدته.
أما مقدمة الكتاب
فقد ذكر السيد علي مطر حفظه الله صفحة 5 أن هذا الكتاب وهو اقتصادنا الميسر قد استقيت مادته من مجموعة من مؤلفات الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر وفي الدرجة الأولى
وفي مقدمتها كتاب اقتصادنا
ثم كتاب البنك اللا ربوي في الإسلام
ثم كتاب المدرسة الإسلامية بجزئيه
ثم كتاب الإسلام يقود الحياة وهو آخر كتب شهيد الصدر
إذن هذا الكتاب ـ اقتصادنا الميسر ـ عبارة عن تلخيص لأربعة مع وضوح سلاسة بيان بحيث يكون هذا الكتاب بمتناول عموم الناس ويدرسه الحوزوي والأكاديمي وقد ذكره في سبعة عشر بحثا.
وكان الشهيد الصدر "رضوان الله عليه" قد كتب في البداية مخطط كتاب مجتمعنا فلما غزة الماركسية والشيوعية العراق وساد الفكر المادي بين الاقتصاد الاشتراكي من جهة والرأس مالي من جهة أخرى وسادت أفكارهما تصدى لمحاربة فلسفتهما وكتب كتاب فلسفتنا وأشار في نهاية كتاب فلسفتنا الصفحة الأخيرة قال وهذا ما سنبحثه في كتابنا مجتمعنا ثم لما رأى أن الفكر الاقتصادي الماركسي والرأس مالي قد ساد تصدى لكتابة كتاب اقتصادنا لكنه استشهد "رحمه الله" ولم يكتب كتاب مجتمعنا كتب المخطط التفصيلي الأفكار العامة وقام سماحة السيد منذر الحكيم بكتابة وطباعة كتاب مجتمعنا وفقا لما يراه من أفكار الشهيد الصدر حول المجتمع الإسلامي طبع الكتاب في بيروت طبع دار التعارف مجتمعنا.
وهذان الكتابان فلسفتنا واجتماعنا أشهر كتب الشهيد الصدر "رضوان الله عليه" وكل منهما قد كتبه لحاجة المجتمع حتى أن كتاب فلسفتنا قد كتبه لكي يطبع باسم جماعة العلماء لا باسمه الخاص ولكن حينما كانت لبعضهم آراء خاصة في بعض أفكار الكتاب اضطر أن يكتبه باسمه.
كتاب الأسس المنطقية وإذا أردنا التحقيق والتدقيق فإن أعظم وأدق كتب الشهيد الصدر هو كتاب الأسس المنطقية للاستقراء إذ يقول في أبحاثه الأصولية تقريرات السيد محمود الهاشمي الجزء الرابع إنني قد عالجت مشكلة فكرية عجز عنها الفكر البشري قبل ألفي عام إذ كان السائد أن الاستقراء إما تام وإما ناقص والاستقراء الحجة هو الاستقراء التام وهو قليل الحصول والاستقراء الناقص هو الاستقراء السائد لكنه ظني ليس بحجة فأنت لا تستطيع أن تستقرأ جميع الحديد في العالم تستقرأ هذه الحديدة تتمدد بالحرارة وهذه تتمدد بالحرارة تصل إلى نتيجة كل الحديد يتمدد بالحرارة ولكن لا تستطيع أن تستقرأ جميع الحديد في العالم فالمنطق الأورسطي الصوري القديم يقول إن كبرى القياس يقينية أولية يعني الحديد معدن هذه صغرى الكبرى وكل معدن يتمدد بالحرارة هذه كبرى يقول هذه الكبريات كل الحديد يتمدد بالحرارة وغيرها هذا تأخذه من اليقينيات من الأوليات.
الشهيد الصدر يقول الذي يزود القياس بالكبريات هو الاستقراء الناقص وفق نظرية الاحتمال وهو حجة كتاب عميق جدا لكن لم يشتهر ولم يعرف هذا الكتاب.
وأما كتاب البنك اللا ربوي في الإسلام فقد كتبه استجابة لبيت التمويل الكويتي إذ طلبوا منه تأسيس بنك يعمل لا على أساس الربا وطلبوا منه أن يكتب تصورا فكتب كتاب البنك اللا ربوي في الإسلام.
وأما سلسلة الإسلام يقود الحياة فهي عبارة عن حلقات صغيرة كتبها في بدايات انتصار الثورة الإسلامية في إيران فحينما شارفت الثروة على الانتصار كتب مجموعة من تلامذة الشهيد الصدر إليه رسالة يطلبون منه أن يكتب لمحلة لكتابة دستور الجمهورية الإسلامية فكتب الحلقة الأولى لمحة تمهيدية عن دستور الجمهورية الإسلامية في إيران.
ثم كتب الحلقة الثانية والثالثة والرابعة وإلى آخره الحلقة الأولى والرابعة تفيد في السياسة الحلقة الثانية والخامسة تفيد في الاقتصاد عدة حلقات جمعت في كتاب الإسلام يقود الحياة.
هذا تمام الكلام في مقدمة الكتاب واتضح أن الغرض من كتابة هذا الكتاب تلخيص كتب الشهيد الصدر في الاقتصاد بحيث يكون هذا العلم في متناول عموم الناس فيمكن أن يقرأ الاقتصاد الإسلامي بطريقة مبسطة.
وأما مقدمة العلم وهي تعريف الاقتصاد وموضوع الاقتصاد وفائدة الاقتصاد فلم يصرح المؤلف بهذه العناوين بشكل صريح ومفصل ولكن يمكن أن ينتزع من ثنايا كتابه ففي البحث الأول وعناوينه صفحة 7 يسأل ما معنى كلمة الاقتصاد ما معنى النظام الاقتصادي؟ وهذه الأبحاث ما سنأخذها تباعا الدرس القادم، البحث الأول في الإسلام نظام اقتصادي كامل يأتي عليه الكلام.