47/03/24
بسم الله الرحمن الرحیم
المقام الأول؛ الناحیة الأولی؛ تذنیب؛ الأمر الثاني: مرجحات باب التزاحم/معنى التعارض /التعادل و التراجيح
الموضوع: التعادل و التراجيح/معنى التعارض /المقام الأول؛ الناحیة الأولی؛ تذنیب؛ الأمر الثاني: مرجحات باب التزاحم
الأمر الثاني: مرجّحات باب التزاحم
كما ذكر الأعلام وكبار علماء الأصول لباب التعارض مرجحات منصوصة وغير منصوصة ستأتي تفصيلاً، فقد ذكروا لباب التزاحم أيضاً مرجحات. ومن هنا، فإن بحث وتحقيق هذه المرجحات أمر ضروري.
المرجّح الأوّل: ترجیح ما لا بدل له على ما له البدل
أول مرجح في باب التزاحم هو تقديم الواجب الذي لا بديل له، على الواجب الذي له بديل. وبما أن «البدل» على قسمين: بدل عرضي وبدل طولي، فقد قسم بعض الأعلام هذا المرجح إلى مرجحين مستقلين. وفيما يلي شرح لهذين القسمين وكيفية الترجيح. [1]
البدل العرضي
«البدل العرضي» يعني فعلين أو أكثر يكون كل منها في عرض الآخر وبشكل موازٍ، قادراً على تحقيق غرض الشارع وحكمه بشكل مستقل، ويمكن للمكلف في ظروف الاختيار أن يختار أياً منها دون أن يكون بينها ترتيب أو تقدم.
الخصائص:
• يمكن اختيارها في حالة اختيار المكلف.
• كل منها واجب نفسي مستقل تعلق بالمكلف على سبيل التخيير.
• أداء أحدها يسقط التكليف بالآخر.
المثال الواضح للبدل العرضي هو الواجبات التخييرية كخصال الكفارة[2] [3] [4] . في هذا النوع من الواجبات، يكون اختيار البدل في يد المكلف. فوجوب كل من الخصال (كالإطعام، أو الصوم، أو عتق الرقبة) في عرض وجوب الأخرى، وبأداء إحداها يسقط وجوب سائرها. والآن، إذا وقع تزاحم بين واجب تخييري وواجب تعييني، يُقدَّم الواجب التعييني. على سبيل المثال، إذا كان مكلف لا يقدر إلا على أداء عمل واحد، وكان مكلفاً بأداء الدين (واجب تعييني) ومكلفاً بإطعام ستين مسكيناً (إحدى خصال الكفارة)، فيجب عليه تقديم أداء الدين. والسبب في ذلك هو أن للإطعام بدلاً عرضياً (كالصوم)، بينما لا بديل لأداء الدين.
البدل الطولي
«البدل الطولي» يعني وجود عمل أصلي يجب على المكلف أداؤه، ولكن إذا لم يقدر على أدائه بسبب عذر واضطرار، فإن الشارع قد جعل عملاً آخر بديلاً عنه، في طوله وبشكل مشروط.
الخصائص:
• البدلية لا تُطرح إلا في حالة عدم إمكان أداء الأصل.
• البدل الطولي قائم مقام الأصل، ولكن حكمه مؤقت ومشروط بتحقق موضوع الاضطرار.
• لا يمكن للمكلف في حالة الاختيار أن يختار البدل الطولي بدلاً من الأصل.
المثال الأول: مثال واضح آخر من باب التزاحم، هو حيث يكون لدى المكلف كمية محدودة من الماء، وهذا الماء إما أن يُستخدم لتطهير البدن أو الثوب من نجاسة مانعة من صحة الصلاة، أو للوضوء[5] . في مثل هذا الفرض، يُقدَّم تطهير البدن أو الثوب؛ لأن إزالة النجاسة، وهي التطهير من الخبث، لا بدل لها، بينما للوضوء في حال عدم وجود الماء بدل طولي اضطراري وهو التيمم الذي قبله الشارع. وبالطبع، يجب الانتباه إلى أن هذا المثال لا يتحقق إلا إذا كان ثوب المكلف منحصراً ولا يمكنه استخدام ثوب طاهر آخر؛ لأنه إذا وُجد ثوب آخر ـ ولو كان بسيطاً أو رخيصاً ـ فلا ينشأ تزاحم أصلاً بين الوضوء والتطهير، ويمكن للمكلف أن يصلي بالثوب الطاهر وبنفس الماء يتوضأ. كما أنه قد يبدو أحياناً أن الوضوء من حيث الأهمية الذاتية مقدم على التطهير، ولكن في باب التزاحم، لا تُعتبر هذه الأهمية الظاهرية مجردةً مرجحاً، بل الملاك الأساسي هو وجود بدل أو عدمه؛ وبما أن للوضوء بدلاً وليس للتطهير، فالتقدم للتطهير. إضافة إلى ذلك، فرضنا في هذا المثال أن وقت الصلاة موسع ولا يوجد قلق من ضيق الوقت؛ لأنه إذا كان وقت الصلاة ضيقاً بحيث يؤدي الانشغال بالتطهير أو الوضوء إلى خروج الصلاة عن وقتها، فإن صورة البحث تتغير ولا يعود هذا التزاحم جارياً على نفس المبنى السابق.[6]
المثال الثاني: التزاحم بين واجب مضيق وفوري، وواجب موسع.[7]
في الواجب الموسع، تكون الأفراد الطولية (أداء العمل في أول الوقت، أو وسطه، أو آخره) بدائل اختيارية لبعضها البعض. في مثل هذا التزاحم، يُقدم الواجب الذي لا بدل له (المضيق) على الواجب الذي له بدل اختياري (الموسع). وقد ذُكرت الأمثلة التالية لهذا المورد: مثال آخر من باب التزاحم هو حيث يكون المكلف في الصلاة ويسلم عليه شخص. نعلم أن رد السلام واجب فوري ولا يجوز تأخيره، ومن جهة أخرى، الصلاة أيضاً عبادة مهمة وفي حالة أداء. في مثل هذا الفرض، إذا كان وقت الصلاة في سعة، يُقدم رد السلام على إكمال الصلاة؛ لأن وجوب رد السلام فوري والتأخير يؤدي إلى فوت امتثاله، بينما يمكن إكمال الصلاة في نفس الوقت الموسع بعد رد السلام أو إعادتها. وبالطبع، فرضنا في هذا المثال ليس حيث يكون وقت الصلاة قد ضاق بحيث يؤدي حتى الرد على السلام إلى الخروج من الوقت أو بطلان الصلاة؛ ففي تلك الحالة، يتخذ البحث شكلاً آخر ولا يتحقق التزاحم بهذا الشكل الحالي.[8]
التزاحم بين وجوب أداء الدين (فوري) والصلاة (في سعة الوقت).[9]
التزاحم بين وجوب إزالة النجاسة من المسجد (فوري) والصلاة (في سعة الوقت). [10]
التزاحم بين وجوب صلاة الآيات (في ضيق الوقت) والصلاة اليومية (في سعة الوقت).[11]
مناقشة المحقّق الخوئي(قدسسره) في تلك الأمثلة
«هذا الذي ذكروه من تقدیم الواجب المضیق على الموسع و تقدیم الواجب التعییني على التخییري و إن كان ممّا لا إشكال فیه، إلا أنّ إدراج المثالین في التزاحم و الحكم بأنّ التقدیم المذكور إنّما هو لترجیح أحد المتزاحمین على الآخر لیس بصحیح، لما ذكرناه من أنّ ملاك التزاحم أن لایكون المكلّف متمكناً من امتثال الحكمین معاً، بحیث یكون امتثال أحدهما متوقّفاً على مخالفة الآخر كمسألة إنقاذ الغریقین، و المثالان [و هما تزاحم السلام و الصلاة و تزاحم أداء الدین و الإطعام من خصال الكفارة] لیسا كذلك، بداهة أنّه لا مزاحمة بین الواجب الموسع و الواجب المضیّق، لقدرة المكلّف على امتثال كلیهما، إذ التكلیف في الواجب الموسّع متعلّق بالطبیعة ملغی عنها الخصوصیات الفردیة و المكلّف قادر على امتثال التكلیف بالطبیعة في ضمن الفرد غیر المزاحم للواجب المضیق.
نعم الفرد الخاصّ من الطبیعة مزاحم للواجب المضیق و لیس هو الواجب، بل الواجب هو الطبیعة و هو فرد منه.
و كذا الكلام في الواجب التخییري و التعییني، فإنّه لا مزاحمة بینهما، لقدرة المكلّف على امتثال كلیهما، لأنّ التكلیف في الواجب التخییري أیضاً متعلّق بالجامع، و إن كان أمراً انتزاعیاً كعنوان أحد الأمرین و لا مزاحمة بین التكلیف بالكلّي و الواجب التعییني، و إنّما المزاحمة بین فرد خاصّ منه و الواجب التعییني و لیس هو الواجب ... »[12] .
تبيين وتفصيل رأي المحقق الخوئي(قدسسره)
لفهم هذا الرأي بعمق، يجب العودة إلى التعريف الدقيق لـ«التزاحم» عنده. يتحقق التزاحم حيث يوجد حكمان فعليان ومنجزان، والمكلف بسبب محدودية قدرته، لا يستطيع امتثالهما معاً. بعبارة أخرى، أداء أحدهما يستلزم ترك الآخر قطعاً. وبناءً على هذا التعريف، يستدل بأن المكلف في الأمثلة المذكورة قادر على الجمع بين امتثال كلا الواجبين، وبالتالي لا يوجد تزاحم.
تحليل التزاحم المزعوم بين الواجب الموسع والمضيق: النقطة المحورية في استدلاله هي التفريق بين «طبيعة» الواجب و«فرده» ومصداقه. ففي الواجب الموسع، كصلاة الظهر، ما أوجبه الشارع هو أصل «طبيعة الصلاة» في نطاق زمني محدد (من الظهر إلى الغروب). وقد تعلق الوجوب بهذه الكلية ولم تُلْحَظ أي خصوصية لأفرادها (الصلاة في أول الوقت، أو وسطه، أو آخره) في أصل الوجوب. فإذا واجه المكلف في أول الوقت واجباً مضيقاً وفورياً مثل «وجوب رد السلام»، فهنا لم يقع تزاحم بين «وجوب رد السلام» و«وجوب أصل الصلاة». لأن المكلف يستطيع أن يرد السلام أولاً ثم يؤدي الصلاة في بقية وقتها الواسع. وبهذا يكون قد امتثل كلا الواجبين. فما تقابل مع رد السلام في أول الوقت هو مجرد «فرد» من أفراد طبيعة الصلاة (أي صلاة أول الوقت)، لا «نفس الطبيعة الواجبة». وبما أن ذلك الفرد الخاص ليس هو كل الواجب، والمكلف يستطيع تحقيق الواجب (طبيعة الصلاة) ضمن فرد آخر، فإن قدرته على امتثال كلا التكليفين باقية ولم يقع تزاحم.
تحليل التزاحم المزعوم بين الواجب التخييري والتعييني: نفس المنطق يجري هنا أيضاً. ففي الواجب التخييري (كخصال الكفارة)، ما وجب هو «الجامع بين الخصال» أو بتعبيره، عنوان كلي وانتزاعي مثل «أحد هذه الأمور الثلاثة». لم يتعلق الوجوب بـ«الإطعام» خصوصاً أو بـ«الصوم» خصوصاً، بل تعلق بالكلية والجامع بينها. فإذا واجه المكلف واجباً تعيينياً هو «أداء الدين» وكانت قدرته المالية تكفي لأحدهما فقط (أداء الدين أو الإطعام)، فهنا لم يقع تزاحم بين «وجوب أداء الدين» و«وجوب جامع الكفارة». لأن المكلف يستطيع أداء دينه، ولامتثال الواجب التخييري، يختار الفرد والمصداق الآخر لذلك الجامع، وهو «الصوم». وبهذا يكون قد امتثل كلا الواجبين. فالتزاحم هو فقط بين «أداء الدين» و«فرد خاص من الجامع» (أي الإطعام)، بينما ذلك الفرد الخاص ليس هو كل الواجب التخييري. ولأن المكلف باختيار البدل العرضي قادر على امتثال كلا التكليفين، فلا تزاحم.
هذا ما أفاده المحقّق الخوئي(قدسسره).
مقتضى التحقيق (رأي الأستاذ)
إنّ ما أفاده السيّد الخوئي(قدسسره) في تحليل الموارد من قبيل تقديم الواجب المضيّق على الواجب الموسَّع، وتقديم الواجب التعييني على الواجب التخييري، يتميّز بدقّة وقوّة متينة، والنتيجة التي توصّل إليها تامّة وصحيحة؛ بمعنى أنّ هذه الأمثلة خارجة رأساً عن مصاديق باب التزاحم.
وتوضيح ذلك: إنّ ملاك تحقّق التزاحم أن لا يتمكّن المكلّف من امتثال الحكمين الفعليين معاً، وأن يتوقّف امتثال أحدهما على ترك الآخر، كما في إنقاذ غريقين معاً. وأمّا في الموارد محلّ البحث، فالأمر ليس كذلك، وذلك لأنّ:
• في الواجب الموسَّع: بناءً على مبنى السيّد الخوئي(قدسسره)، يتعلّق أمر الشارع بالطبيعة المجرّدة عن الخصوصيات، ويمكن للمكلّف أن يأتي بهذه الطبيعة ضمن فردٍ لا يزاحم الواجب المضيّق.
• في الواجب التخييري: يرى(قدسسره) أنّ متعلّق الأمر هو جامع كلّي انتزاعي، كعنوان «أحدهما»، وهذا الجامع بذاته قابل للجمع مع الواجب التعييني، ولا يزاحمه إلا فردٌ خاص من أفراده، وهذا الفرد الخاص ليس واجباً بعنوانه، بل هو مجرّد مصداق للجامع.
وعليه، فإنّ تقديم الواجب المضيّق أو التعييني في هذه الموارد ليس لأجل مرجّحات باب التزاحم، بل لتمكّن المكلّف من الجمع بين التكليفين.
حفظ قاعدة «ما لا بدل له» بدائرة أضيق
هذا التحليل لا يعني نفي مرجّحيّة «ما لا بدل له» على الإطلاق، بل يضيّق دائرة جريانها ويحدّدها بدقّة، بحيث تختصّ بما إذا كان أحد طرفي الواجب ذا بدل طولي اضطراري. وكلام السيّد الخوئي(قدسسره) في الواجب الموسَّع (لكونه ذا بدل طولي اختياري) وفي الواجب التخييري (لكونه ذا بدل عرضي) وجيه، إذ يمكن للمكلّف في كلا الفرضين أن يختار مصداقاً غير مزاحم ويأتي بالتكليفين معاً.
الإشكال المبنائي للأستاذ على تحليل السيّد الخوئي(قدسسره)
كما تقدّم، فنحن نوافق السيّد الخوئي(قدسسره) في النتيجة، لكن لا نقبل الأساس المبنائي لهذا التحليل. وإشكالنا يَرِد على محورين أساسيين: تعلّق الأمر بالطبيعة في الواجب الموسَّع، و تعلّق الأمر بالجامع الانتزاعي في الواجب التخييري.
مقدّمة: اختلاف المباني في متعلّق الأمر
ينبغي الرجوع إلى السؤال الجوهري: بماذا يتعلّق أمر الشارع؟
• نظرية تعلّق الأمر بالطبيعة: تبنّاها كبارٌ مثل الميرزا النائيني، والسيّد الشاه آبادي، وتبعهم فيها السيّد الخوئي(قدسسرهم). كما أنّ المحقّق العراقي(قدسسره) بطرحه «الطبيعة الخارجيّة الملحوظة» يقترب في النتيجة من هذا المبنى.
• نظرية تعلّق الأمر بالفرد: ذهب إليها كبارٌ مثل المحقّق الخراساني والمحقّق الإصفهاني(قدسسرهما)، وهي مبنانا المختار، على أساس تحليل المحقّق الإصفهاني(قدسسره) لفكرة «فرديّة متعلّق الأمر» المعلّقة على الاختيار.
أوّلاً: الإشكال على مبنى «الجامع الانتزاعي» في الواجب التخييري
تحليل السيّد الخوئي(قدسسره) للواجب التخييري قائم على أنّ متعلّق الأمر هو مفهوم كلّي ذهني (جامع انتزاعي)، وهذا المبنى مردود من جهتين:
1. مخالفته لظاهر الأدلّة: فإنّ ظاهر الروايات، خصوصاً في باب الكفّارات، أنّ كلّ واحدة من الخصال (العتق، الصوم، الإطعام) واجبة مستقلّة على سبيل التخيير، مع إعطاء الشارع للمكلّف حقّ اختيار إحداها. ولا دليل على أنّ الشارع أوجب عنواناً كلياً ذهنياً باسم «أحد هذه الثلاثة».
2. الإشكال الفلسفي والأصولي: كما قرّر المحقّق الإصفهاني(قدسسره)، فإنّ الجامع الانتزاعي أمر اعتباري بحت «لا ماهية له ولا وجود خارجي»، وهو مفهوم ذهني ناشئ من مقايسة الأفراد، ولا يمكن أن يتعلّق به الأمر الشرعي، إذ البعث يتعلّق بالأفعال العينية الخارجية لا بالمفاهيم الاعتبارية.
ثانياً: الإشكال على مبنى «الطبيعة» في الواجب الموسَّع (وعموماً)
على خلاف ما ذهب إليه السيّد الخوئي(قدسسره)، نحن نرى أنّ الأمر يتعلّق بالفرد. إلا أنّ القائلين بالفرديّة لا يقولون بتعلّق الأمر بفرد معيّن ومحدّد من أوّل الأمر، وإلا لكان التزاحم حاصلاً بسهولة، بل الأمر يتعلّق بفرد «كلّي مردّد ضمن أفراد متعددة»، ويكون تعيينه بيد المكلّف في مقام الامتثال.
النتيجة على أساس المبنى المختار (تعلّق الأمر بفرد غير معيّن)
بناءً على هذا المبنى، تكون النتيجة نفس نتيجة السيّد الخوئي(قدسسره)، ولكن مع اختلاف جوهري في مسار الاستدلال:
• في الواجب التخييري: الأمر متعلّق بفرد من الإطعام أو فرد من الصوم، لكن التعيين بيد المكلّف، فلا يوجد أمر منجّز إلى «فرد الإطعام» كي يزاحم «أداء الدَّين». وباختيار الصوم يزول التزاحم الموهوم.
• في الواجب الموسَّع: الأمر متعلّق بفرد من الصلاة ضمن الوقت، وليس بفرد الصلاة في أول الوقت على نحو التعيين، فلا يقع تزاحم مع «جواب السلام». وباختيار فرد آخر من الصلاة يتمكّن المكلّف من الجمع بين التكليفين.
إذن، سواءً بمبنى السيّد الخوئي(قدسسره) أو بمبنانا، تخرج هذه الأمثلة عن باب التزاحم. والفرق الأساس إنّما هو في تحليل «ماهية متعلّق الأمر» لا في النتيجة العمليّة للبحث.
الاستنتاج النهائي
إذن، سواء على مبنى المحقق الخوئي(قدسسره) (الأمر بالجامع الكلي الانتزاعي) أو على مبنى الأستاذ (الأمر بالفرد)، فإن الأمثلة المذكورة خارجة عن دائرة التزاحم. والفرق يكمن فقط في مبنى تحليل الواجب التخييري، لا في النتيجة العملية للبحث.
ومع ذلك، تبقى مرجحية «ما لا بدل له» في مورد أساسي واحد، وهو ترجيح ما لا بدل له على ما له بدل طولي اضطراري.
والنموذج البارز لهذه الحالة هو التزاحم بين «تطهير البدن أو الثوب من النجاسة المانعة من الصلاة» و«الوضوء» بماء محدود. في هذا الفرض، ليس «التيمم» فرداً اختيارياً في عرض الوضوء ليتمكن المكلف من استبداله بالوضوء حسب رغبته؛ بل التيمم واجب مستقل بأمر منفصل شُرّع فقط في موضوع «الاضطرار». وبناءً على ذلك، يوجد في بداية الأمر تكليفان فعليان: الوجوب الغيري للوضوء والوجوب الغيري للتطهير من الخبث، ولكن المكلف غير قادر على الجمع. وبما أنه لا يوجد أي بدل للتطهير من الخبث (لا عرضي ولا طولي)، ولكن للوضوء بدل طولي اضطراري، يُقدَّم الواجب الذي لا بدل له على الواجب الذي له بدل.
وتشخيص هذه الحالة من التزاحم هو الذي يحقق موضوع الاضطرار للمكلف ويجيز له التيمم. لذا يجب حصر النطاق الحقيقي لمرجحية «ما لا بدل له» في هذا الفرض. والجدير بالذكر أن للمحقق الخوئي(قدسسره) مناقشة على هذا المثال أيضاً، سيتم بحثها تفصيلاً في بحث المرجح الثاني.[13]