« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/11/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 المقام الأول؛ الناحیة الأولی؛ وجود التنافي بین المدالیل في بعض موارد الجمع الدلالي/معنى التعارض /التعادل و التراجيح

 

الموضوع: التعادل و التراجيح/معنى التعارض / المقام الأول؛ الناحیة الأولی؛ وجود التنافي بین المدالیل في بعض موارد الجمع الدلالي

 

3. وجود التنافي بین المدالیل في بعض موارد الجمع الدلالي

قد تقدّم في ضمن بیان نظریة المحقّق الخراساني(قدس‌سره) أنّه قال بوجود التنافي بین المدالیل في بعض موارد الجمع الدلالي و ذلك مستلزم لدخول تلك الموارد في موضوع بحث التعارض فیحكم علیه بحكم التعارض و لكن حيث إنّه قال بأنّ التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة، فلا بُدّ أن نقول أنّ تلك الموارد خارجة عن التعارض و لایحكم علیها بحكمه.

نظریة المحقّق النائیني(قدس‌سره)

قد تقدّم أنّ المحقّق النائیني(قدس‌سره) قائل بأنّ التعارض إنّما یتحقّق بمنافاة مدلول الدلیلین و هو و إن نسب إلیه نظریة المشهور و لكن بعض كلماته یشبه كلام الشیخ الأنصاري(قدس‌سره) فإنّ السیّد الصدر(قدس‌سره) قـال في بحوثه: «قـد انتصرت مدرسة المحقّق النائیني(قدس‌سره) لتعریف المشهور، مؤكدة عدم شموله لموارد الجمع العرفي، لعدم التنافي بین المدلولین في هذه الموارد»[1] ، و قد أكّد السیّد الصدر(قدس‌سره) على أنّ مراده من الجمع العرفي یشمل الحكومة و التخصیص، و الظاهر هو أنّه اشتبهت علیه مدرسة المحقّق النائیني(قدس‌سره) و مدرسة أستاذه المحقّق الخوئي(قدس‌سره).

و لكن بعض عباراته في أجود التقریرات ینافي ذلك فإنّه قال:

إنّ التعارض بین الدلیلین إنّما یتحقّق مع منافاة مدلول أحد الدلیلین لمدلول الآخر بحیث لایمكن اجتماعهما معاً إمّا للزوم التناقض من الاجتماع، أو التضادّ من دون فرقٍ بین أن یكون ذلك في تمام مدلولیهما كما في المتباینین، أو في بعضهما من الطرفین كما في العامّین من وجه أو من طرف واحد كما في العموم و الخصوص، فإنّ التنافي في بعض المدلول موجب للتعارض لا‌محالة فإذا ورد: «أكرم العلماء» ثم ورد: «لا‌تكرم فسّاق العلماء» فلا‌محالة یتحقّق التنافي بینهما في خصوص الفسّاق، فإنّ العالم من جهة انقسامه في مرتبة سابقة على جَعل الحكم إلى العادل و الفاسق یشمل بعمومه للفاسق أیضاً، فیحكم بوجوب الإكرام بمقتضی العموم، و المفروض كونه محكوماً بالحرمة بمقتضی الدلیل الخاصّ، فیتحقّق التنافي بینهما، فإنّ الإیجاب الكلّي ینافي السالبة الجزئیة بالضرورة.[2] [3]

نعم یستفاد من بعض عباراته الأخر أنّه ذهب إلى أنّ العامّ و الخاصّ متعارضان بما لهما من الدلالة على المراد النفس الأمري لا بما لهما من الحجّیة باعتبار أصالة الظهور، قد قال هناك:

«لا إشكال في أنّ العامّ و الخاصّ المتخالفین في الحكم و إن كانا متعارضین بحسب ما لهما من الدلالة على المراد النفس الأمري إلّا أنّهما غیر متعارضین بحسب ما لهما من الحجّیة باعتبار أصالة الظهور في كلّ منهما، فإنّ أصالة الظهور في طرف الخاصّ تكون حاكمة على أصالة الظهور في طرف العامّ أو واردة علیها على ما سیتّضح الحال إن شاء الله تعالى.

و قبل الخوض في ذلك ینبغي تقدیم مقدّمة و هي أنّ الظهور على ثلاثة أقسام:

الأوّل: الظهور التصوري الناشئ من وضع اللفظ لمعنی مخصوص و هذا تابع للعلم بالوضع، سواء كان في الكلام أو في خارجه قرینة على خلافه أم لم‌ تكن.

الثاني: الظهور التصدیقي الناشئ من ظهور الكلام من حیث مجموعه بحیث یكون قابلاً للترجمة بلفظ آخر لبیان ما قاله المتكلّم، و هذا متوقّف على عدم قرینة متصلة على خلاف الظهور.

الثالث: الظهور التصدیقي المعیّن لما أراده المتكلم في نفس الأمر و هذا یتوقف على عدم القرینة على خلاف الظهور مطلقاً، سواء كانت متصلة أو منفصلة، ضرورة أنّ القرینة المنفصلة و إن لم ‌تكن هادمةً للظهور بالمعنی الثاني إلا أنّها هادمةٌ له بهذا المعنی، إذ مع وجود القرینة المنفصلة لایمكن ظهور كلام المتكلم في خلاف ما قامت القرینة علیه بحسب المراد النفس الأمري»[4] .

و قد عبّر المحقّق النائیني(قدس‌سره) في موارد عدیدة من كلامه عن تعارض الخاصّ للعامّ مثل قوله في أقسام معارضة الخاصّ للعامّ حیث قال:

«إنّ الخاصّ المعارض للعامّ إمّا أن یكون قطعيّ السند و الدلالة أو یكون ظنّیاً من الجهتین أو یكون قطعیاً من جهة و ظنّیاً من جهة»[5] [6] .

و ما أفاده و إن كان بحسب الروح و الحقیقة متّحد مع ما ذهب إلیه تلمیذه المحقّق الخوئي(قدس‌سره) إلا أنّ المحقّق النائیني(قدس‌سره) یرى أنّ التعارض مطلقُ تنافي المدلولین و لو بحسب المراد النفس الأمري، و المحقّق الخوئي(قدس‌سره) یراه أنّه هو تنافي المدلولین بحسب مرحلة الحجّیة.

أمّا الحكومة فقد ذهب فيها المحقّق النائیني(قدس‌سره) إلى عدم تعارض الحاكم و المحكوم فقال:

«إنّ المحكوم یثبت حكماً على تقدیرٍ غیر متعرّض لثبوت ذلك التقدیر و نفیه، و أمّا الدلیل الحاكم فهو ناظر إلى إثبات ذلك التقدیر أو نفیه، فلا‌یعقل المعارضة بینهما»[7] [8] .

یلاحظ علیه

إنّ ما أفاده(قدس‌سره) لایشمل بعض أقسام الحكومة عند صاحب الكفایة(قدس‌سره) و هي الحكومة العرفیة لا الاصطلاحیة و هي حكومة ما كان شارحاً لعقد الحمل في الدلیل المحكوم مثل أدلّة نفي الحرج كما سیجيء في ضمن نظریة المحقّق الخوئي(قدس‌سره).[9]


[9] ناقش بعض الأساطين(دام‌ظله) في نظریة المحقق النائیني(قدس‌سره) فقال على ما في المغني في الأصول، التعادل و التراجیح، ص18:«الإشکال الأول: تقدم من المحقق النائیني - و هو الحق – عدم التعبد في سیرة العقلاء بل عملهم ناشئ من ملاکات عقلائیة فعلیه لایکون الاحتجاج بظاهر کلام المتکلم على مراده أمراً تعبدیاً ... .الإشکال الثاني: إن للکلام دلالتین تصدیقیتین: الأولى دلالة تصدیقیة على ما قال، و الأخری على. ما أراد، و التصدیق في الثانیة لایجتمع مع التردید، فإن الجمع بینهما من الجمع بین المتناقضین ... »
logo