« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدمات/معنى التعارض /التعادل و التراجيح

 

الموضوع: التعادل و التراجيح/معنى التعارض /مقدمات

 

المقدمات

المقدمة الأولی: بحث التعارض من مباحث علم الأصول

إنّ بعض الأصولیین أدرجوا هذا البحث في خلال مبحث حجّیة الخبر، مثل الشیخ الطوسي(قدس‌سره) في العدّة([1] ) فإنّه جعل أبواب الأصول اثني عشر باباً:

الباب الأوّل: مقدّمة تتضمّن ماهیة أصول الفقه و انقسامها و كیفیة ترتیب أبوابها، و فیه أبحاث حول حقیقة العلم و أقسامه، و فعل المكلّف و أقسامه، و حقیقة الكلام و أقسامه من الحقیقة و المجاز، و أیضاً فیه أبحاث حول ما یجب معرفته من صفات الله تعالى و صفات النبيّ(صلی الله علیه و آله) و صفات الإمام(علیه السلام) حتّى یصحّ معرفة مرادهم و في الوجه الذي یجب أن یحمل علیه مراد الله بخطابه.

و الباب الثاني في الأخبار.

و الباب الثالث في الأوامر.

و الباب الرابع في النواهي.

و الباب الخامس في العموم و الخصوص.

الباب السادس في البیان و المجمل.

و الباب السابع في الناسخ و المنسوخ.

و الباب الثامن في الأفعال.

و الباب التاسع في الإجماع.

و الباب العاشر في القیاس.

و الباب الحادى عشر في الاجتهاد.

و الباب الثاني عشر في الحظر و الإباحة.

و أدرج بحث التعارض في الفصل الخامس من الباب الثاني و قال: «فصلٌ في ذکر القرائن التي تدلّ على صحة أخبار الآحاد، أو على بطلانها و ما ترجّح به الأخبار بعضها على بعض و حکم المراسیل».

و بعض الأصولیین جعلوا هذا المبحث خاتمة لعلم الأصول مثل صاحب المعالم ([2] )، و المحقّق القمي في قوانین الأصول([3] )، و صاحب الفصول([4] )، و الشیخ الأعظم الأنصاري ([5] )، و تبعه من تأخّر عنه، و ذلك قد یوهم خروج هذا المبحث من علم الأصول مع أنّه من أهمّ المباحث الأصولیة و قد ینطبق علیه ملاك أصولیة المسألة، لأنّ البحث هنا عن القواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الكلّیة، و لذا قال المحقّق النائیني(قدس‌سره):

«لا إشكال في كون هذه المسألة من المسائل الأصولیة بل من أهمّها، فإنّه علیها یدور الاستنباط و الاجتهاد، و قد ذكرنا مراراً أنّ المیزان في كون المسألة أصولیة هو وقوع نتیجة البحث في طریق استنباط الحكم الشرعي بحیث لو انضمّ إلیها صغراها لأنتجت مسألة فقهیة، و لا ریب في كون نتیجة البحث في المقام كذلك، فاحتمال كونها من المسائل الفقهیة أو من المبادي ساقط عن أصله»([6] [7] ).

و منه یظهر أنّ من جعل هذا البحث من الخاتمة لم ‌یقصد به خروجه من المسائل الأصولیة لزوماً، فإنّ المحقّق النائیني(قدس‌سره) صرّح بأنّه من أهمّ المسائل الأصولیة و مع ذلك جعله خاتمةً للمسائل الأصولیة بل التعبیر بالخاتمة بمعنى أنّه آخر مسألة من المسائل التي بحثوا عنها في علم الأصول، فهذا التعبیر یدلّ على أنّها من مسائل علم الأصول.([8] )

المقدمة الثانية: عنوان البحث

إنّ بعض الأعلام عبّروا عن هذا المبحث بالتعادل و التراجیح، و بعضهم عبّروا عنه بتعارض الأدلّة([9] )، و التعبیر الثاني أولى من التعبیر الأوّل حیث إنّ الأوّل یشمل البحث عن تعادل الأدلّة و ترجیح بعضها على بعض، مع أنّه يبحث هنا عن أحكام خاصّة بنفس التعارض كالبحث عن القاعدة الأوّلیة عند تعارض الخبرین هل هي التساقط أو التخییر؟ فإنّ هذا البحث مقدّم رتبةً عن ملاحظة تعادل الأدلّة في المزایا و المرجّحات أو ترجیح بعضها على البعض من حیث المرجّحات المنصوصة و غیر المنصوصة.

و لذلك جعلنا عنوان البحث هنا هو تعارض الأدلّة حتّی یعمّ جمیع الأبحاث التي قصدنا إیرادها في المقام.

مع أنّ التعبیر بتعارض الأدلّة أنسب من جهة تعلّق البحث به أوّلاً، لأنّ الكلام حول الأدلّة و الحجج، و أمّا ملاحظة تعادلها و ترجیح بعضها على بعض لیس إلا لأجل حلّ مشكلة التعارض.

المقدمة الثالثة: التعارض لغةً

إنّ التعارض من العرض و هو بمعنى الإظهار،([10] ) على ما ذكره الشیخ الأعظم الأنصاري(قدس‌سره)([11] )، و قال بعض الأصولیین([12] ):

«التعارض لغةً من العرض و هو ذو معان عديدة([13] )، و الظاهر أنّ المعنى الملحوظ من بینها في هذه الصیاغة هـو العرض بمعنى جعـل الشيء حذاء الشيء الآخر و في قباله، و العرضیة بهذا المعنی كما قد تكون بملاك التماثل و المباراة بین الشیئین، فیقال: «عارض فلان شعر المتنبّي» بمعنی أنشد مثله، كذلك قد تكون بملاك التناقض و التكاذب بین شیئین، فإنّه أیضاً نحو تقابل و مباراة بینهما یجعل أحدهما في عرض الآخر، فبهذه المناسبة و على أساس هذا الاعتبار سمّي الكلامان المتكاذبان بالمتعارضین»([14] ).

المقام الأول: موضوع التعارض

الناحية الأولی:تعریف التعارض و مصادیقه

1. تعاریف الأعلام

تعريف التعارض عند المشهور

إنّ مشهور الأصولیین عرّفوا التعارض بأنّه «تنافي مدلولي الدلیلین على وجه التناقض أو التضادّ»([15] [16] [17] )، و تبعهم الشیخ الأنصاري([18] )، و المحققي النائیني([19] )، و الخوئي(قدس‌سرهم)([20] ).

تعريف التعارض عند صاحب الكفایة

و أمّا صاحب الكفایة(قدس‌سره) فقد قال في تعریفه اصطلاحاً: «التعارض هو تنافي الدلیلین أو الأدلّة بحسب الدلالة و مقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقیقةً أو عرضاً بأن علم بكذب أحدهما إجمالاً مع عدم امتناع اجتماعهما أصلاً».([21] [22] )

الفرق بین تعریف المشهور و تعريف صاحب الكفاية

الوجه الأول(2)

إنّ ظاهر[23] تعریف المشهور هو أنّ التعارض من صفات المدلولین، و أمّا توصیف الدلیلین بالتعارض هو من باب الوصف بحال المتعلّق مثل توصیف اللفظ بالكلّیة و الجزئیة مع أنّهما من أوصاف المعاني لا الألفاظ.

و صاحب الكفایة(قدس‌سره) عدل عن كلام المشهور و ذهب إلى أنّ التعارض وصف لنفس الدلیلین، و هذا یستفاد من ظاهر النصوص مثل قوله(علیه السلام): «الْخَبَرَانِ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَان» ([24] )، فالمتّصف بالتعارض هو نفس الدلیلین.

نعم منشأ تنافي الدلیلین هو تنافي مدلولیهما كما أفاده الشیخ الأعظم الأنصاري(قدس‌سره) نقلاً عن المشهور.

الوجه الثاني([25] ) ‌

إنّ تعریف المشهور یعمّ موارد الجمع العرفي لأنّ مدلول الدلیلین في تلك الموارد متنافیان، مع أنّ الموارد المذكورة خارجة عن مبحث التعارض قطعاً و لایجري فیها أحكام التعارض و هي التساقط، أو التخییر، أو الترجیح.([26] )

فإنّ التعارض قد یكون بدویّاً و أخرى مستقرّاً و موضوع الأخبار العلاجیة هو التعارض المستقرّ، أمّا في موارد الجمع العرفي فالتنافي بین مدلولي الدلیلین موجود إلا أنّه لایسري إلى نفس الدلیلین. و بعبارة أخری: في موارد الجمع العرفي المدلولان متنافیان لا الدلیلان.

تعريف التعارض عند المحقّق الإصفهاني(قدس‌سره)

إنّ المحقّق الإصفهاني(قدس‌سره) أفاد لمعنی التعارض احتمالین:

المعنی الأوّل للتعارض: هو التنافي في الوجود، و التعارض بهذا المعنی وصف للمدلولین أو الدلیلین بما هما دلیلان و حجّتان.

المعنی الثاني للتعارض: هو عنده أخصّ من التنافي، حیث أنّ الوجوب و الحرمة لایتّصفان بأنّهما متعارضان بل متّصفان بأنّهما متنافیان و كذلك الحجّیة لاتتّصف بالمعارضة بل تتّصف بالمنافاة، و أمّا ما تتّصف بالمعارضة بالذات هو الدالّ بما هو دالّ.

و المعنی الصحیح للتعارض عند المحقّق الإصفهاني(قدس‌سره) هو المعنی الثاني لا الأوّل، فإنّ المعنی الأول مبنيّ على تفسیر التعارض بالتنافي و لذا لابدّ من التحقیق حول اتصاف الدلیل أو المدلول بالتنافي و إنّ ذلك الاتصاف هل یكون بالذات أو بالعرض.

قبل الورود في البحث لابدّ أن یبیّن معنی التنافي، و لذا نری أنّ المحقّق الإصفهاني(قدس‌سره) قال في مقدّمة كلامه بأنّ التنافي هو عدم الاجتماع في الوجود.

 


[1] ذکر الشیخ عند الکلام في الأخبار فصولاً خمسة؛ الخامس منها في التعادل و التراجیح، قال: «فصلٌ في ذکر القرائن التي تدلّ على صحة أخبار الآحاد، أو على بطلانها و ما ترجّح به الأخبار بعضها على بعض و حکم المراسیل». راجع العدة في أصول الفقه، الشيخ الطوسي، ج1، ص143.و مثله المحقق الحلي جعل المباحث في عشرة أبواب، و أدرج بحث التعارض في الفصل الخامس من باب السابع في الأخبار، معارج الأصول، (ط.ج): ص223 و (ط.ق): ص154 أبواب الكتاب هي: الباب الأول في المقدمات‌، و الباب الثاني في الأوامر و النواهي‌، و الباب الثالث في العموم و الخصوص‌، و الباب الرابع في المجمل و المبين‌، و الباب الخامس في الأفعال‌، و الباب السادس في الإجماع‌، الباب السابع في الأخبار، الباب الثامن في الناسخ و المنسوخ‌، و الباب التاسع في الاجتهاد، و الباب العاشر و هي خاتمة الكتاب‌ في مسائل مختلفة.و جعله العلامة الحلي. مقصداً في عرض الأخبار و القياس و ... و هو المقصد الحادي عشر من المقاصد الاثني عشر في تهذيب الوصول إلى علم الأصول، ص275، و كذلك في مبادي الوصول إلى علم الأصول إلّا أنه سمّاها بالفصول الاثني عشر، و جعله في نهاية الوصول إلى علم الأصول، ج5 من فصول المقصد الثالث عشر في الاجتهاد و التعادل و التراجيح، و خصّص الفصل الثالث بالتعادل ص275، و الفصل الرابع بالتراجيح ص285
[8] و أمّا ما قاله السید محمد الکاظم الیزدي [في التعارض، ص37-38]: «و جَعْلُ بعضهم لها خاتمة للمسائل لاينافي ذلك، و لايدلّ على الخروج كما قد يتخيل، لأنّ الخاتمة لابدّ أن تكون من جنس المختوم، فالمراد أنّها آخر الأبواب، و لمّا كان البحث عنها بعد الفراغ عن سائر الأبحاث، كان المناسب جعلها خاتمة ...».فقد أجاب عنه بعض الأساطین في المغني في الأصول، التعادل و التراجیح، ص9: «و هو غیر تامّ لأنّ الباحث تارة یذکر بحثاً و یجعل له خاتمة، فهذه تکون منه، و أخری یذکر المقاصد، ثم یأتي بخاتمة، و هذه تکون خارجة عنه، و ما قام به الشیخ. هو الثاني ...»
[9] قال المحقق النائيني في فوائد الاُصول، الغروي النّائيني، الميرزا محمد حسين، ج4، ص699.: «و الأولى تبديل العنوان بالتعارض، فإنّ التعادل و الترجيح من الأوصاف و الحالات اللاحقة للدليلين المتعارضين، فكان الأنسب جعل العنوان للمقسم و الجامع بينهما». عناوین هذا المبحث في الکتب الأصولیة أربعة:الترجیح، التعادل و الترجیح، التعارض، التعارض و التعادل و الترجیح، و إليك تعبيرات معاصري الشيخ الأنصاري و من تقدّم عليه:ففي المعارج للمحقق الحلي التراجیح، و في مبادئ الوصول للعلامة الحلي الترجیح، و في زبدة الأصول للشيخ البهائي الترجیحات، و في تهذیب الوصول و نهایة الوصول للعلامة الحلي، و تمهید القواعد للشهيد الثاني، و الوافیة للفاضل التوني، و مفاتیح الأصول للسيد المجاهد و فرائد الأصول للشيخ الأنصاري، التعادل و التراجیح، و في معالم الأصول للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني و أنیس المجتهدین و تجرید الأصول للنراقي الأوّل، و مطارح الأنظار تقريرات الشيخ الانصاري التعادل و الترجیح، و في الفصول للشيخ محمد حسين الإصفهاني، و مفتاح الأحکام للنراقي الثاني تعارض الأدلة، و في القوانین للمحقق القمي التعارض و التعادل و التراجیح، و في ضوابط الأصول للسيد إبراهيم القزويني و القواعد الشریفیة للشيخ محمد شفيع الجابلقي و الإشارات للشيخ محمد إبراهيم الكرباسي. التعارض و التعادل و الترجیح
[13] الصحاح، ج3، ص1082: عَرَضَ‌ له أمرُ كذا يَعْرِضُ‌، أي ظَهَر، و عَرَضْتُ‌ عليه أمر كذا. و عَرَضْتُ‌ له الشي‌ءَ، أي أظهرته له و أبرزته إليه. يقال: عَرَضْتُ‌ له ثوباً مكانَ حَقِّهِ، و في المثل: «عَرْضٌ‌ سَابِرِيٌّ» لأنَّه ثوبٌ جيِّدٌ يُشْتَرى بأوّل عَرْضٍ و لا يُبَالَغُ فيه، و عَرَضَتِ‌ الناقةُ، أي أصابها كَسرٌ، و آفةٌ، و عَرَضْتُ‌ البعيرَ على الحوض، و هذا من المقلوب، و معناه‌ عَرَضْتُ‌ الحَوْضَ على البعير، و عَرَضْتُ‌ الجاريةَ على البيع، و عَرَضْتُ‌ الكتابَ، و عَرَضْتُ‌ الجندَ عَرْضَ‌ العينِ، إذا أَمررتَهم عليك و نظرتَ ما حالُهم.مفردات ألفاظ القرآن، ج1، ص559: «الْعَرْضُ‌: خلافُ الطّولِ، و أصله أن يقال في الأجسام، ثمّ يستعمل في غيرها كما قال: (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ)‌ [فصلت:51]، و الْعُرْضُ‌ خصّ بالجانب، و أَعْرَضَ‌ الشي‌ءُ: بدا عُرْضُهُ، و عَرَضْتُ‌ العودَ على الإناء، و اعْتَرَضَ‌ الشي‌ءُ في حلقه: وقف فيه‌ بِالْعَرْضِ‌، و اعْتَرَضَ‌ الفرسُ في مشيه، و فيه‌ عُرْضِيَّةٌ. أي: اعْتِرَاضٌ‌ في مشيه من الصّعوبة، و عَرَضْتُ‌ الشي‌ءَ على البيع، و على فلان، و لفلان نحو: (ثُمَّ‌ عَرَضَهُمْ‌ عَلَى الْمَلائِكَةِ) [البقرة:31]، (وَ عُرِضُوا عَلى‌ رَبِّكَ صَفًّا) [الكهف:48]، (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) [الأحزاب:72]، (وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ‌ عَرْضاً) [الكهف:100]، (وَ يَوْمَ‌ يُعْرَضُ‌ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) [الأحقاف:20]، و عَرَضْتُ‌ الجندَ، و الْعَارِضُ‌: البادي‌ عَرْضُهُ‌، فتارةً يُخَصُّ بالسّحاب نحو: (هذا عارِضٌ‌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف:24]، و بما يَعْرِضُ من السَّقَمِ، فيقال: به‌ عَارِضٌ‌ من سُقْمٍ، و تارة بالخدِّ نحو: أَخَذَ من‌ عَارِضَيْهِ‌، و تارة بالسِّن‌».
[14] یستفاد من کلمات الأصولیین في ما أخذ منه «التعارض» وجوه ثلاثة:الوجه الأول: أخذ التعارض من العَرض بالمعنى المصدريو ذکروا له معاني ثلاثة: المعنی الأول: الظهور أو الإظهارو لمن ذکر هذا المعنی تعبیران:التعبیر الأول: أخذ التعارض من العرض بمعنی الإظهارفرائد الأصول، ج2، ص750: «هو لغة من العرض بمعنى الإظهار». التعارض (السید المحقق الیزدي)، ص38: «يمكن أخذه من العرض بمعنى الظهور و الإظهار، كأن كلاً من المتعارضين يظهر للآخر أو يظهر نفسه للآخر». و راجع قوامع الفضول، ص566؛ بدائع الأفكار، ص406؛ نهاية الأفكار، ج‌4، ق‌2، ص124؛ بشـری الوصول، ج8، الورقة 154؛ منتهى الوصول، ص252؛ تحرير الأصول (المیرزا هاشم الآملي)، ص383.التعبیر الثاني: أخذ التعارض من العرض بمعنی الظهور أو الإظهار بعد تضمین معنی المقابلة.تعليقة على معالم الأصول، ج‌7، ص570: «إنه لغةً تفاعل من العرض‌ و هو بحسب الاستعمال ورد باللام فيقال: عرض له و بدونها فيقال: عرضه ... فإنه ورد مشتركاً بين معنيين لازم و هو الظهور و متعد و هو الإظهار، فعلى الأول يلحقه اللام للتعدية و لايلحقه على الثاني، و منه قوله عزّ من قائل: (وَ عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَ الأرضِ)، ‌ ثمّ العرض على كل من التقديرين قد يضمن فيه معنى المقابلة على معنى عدم اجتماع الشي‌ء مع مقابله في جانب واحد، فالتعارض‌ أخذ منه بعد رعاية التضمين المذكور، و لذا لايلحق إلا الأمرين المتقابلين، يقال: تعارض الرجلان أي أظهر كل منهما نفسه لصاحبه على وجه لايجتمع معه في جانب».المعنی الثاني: المنع قوامع الفضول، ص566: «هو من العرض بمعنی المنع من قولك: عرض في الطریق عارض؛ أي: منعني مانع صدّني عن المضي فیه لمنع کل من الدلیلین عن العمل بالآخر و منه اعتراضات الفقهاء لمنعها عن التمسك بدلیل الخصم أو منه بمعنى الورود ... أو منه بمعنی الإظهار ... و الأنسب بتعبیرهم عنه بتنافي مدلول الدلیلین هو الأول و یمکن إرجاع الجمیع إلى واحد».و لمن ذکر هذا المعنی تعبیران:التعبیر الأول: أخذت المعارضة من عرض لي کذا أي استقبلني فمنعني.تقویم الأدلة، ص214: «أما المعارضة فتفسيرها: الممانعة على سبيل المقابلة، يقال: عرض لي أمر أي استقبلني فمنعني، و العوارض في اللغة الموانع و سميت المعارضة بين الحجج معارضة لأنها تقـوم متقابلة متمانعة لايمكن الجمـع بينهما». و مثله في أصـول السرخسي، ج2، ص12؛ کشف الأسرار، ج3، ص76 (أصول البزدوي).و في التقریر و التحبیر، ج3، ص2: «و (هو) أي التعارض لغةً التمانع على سبيل التقابل تقول: عرض لي كذا إذا استقبلك ما يمنعك ممّا قصدته، و منه سمّي السحاب عارضاً؛ لأنّه يمنع شعاع الشمس و حرارتها من الاتصال بالأرض». و في تیسیر التحریر، ج3، ص136. و جاء في کلام بعض أنّ المعارضة المقابلة على سبیل الممانعة و لعلّ هذا التعبیر هو الأنسب: ففي میزان الأصول، علاء الدین السمرقندي (539)، ص686: «الكلام في هذا الفصل في تفسير التعارض لغة ... أما الأول فهو المقابلة على سبيل الممانعة و المدافعة يقال: لفلان عبد أو ابن يعارضه، أي يقابله بالمنع و الدفع. و يقال: عرض لي عن الحضور إليك كذا أي استقبلني أمر صدني و منعني عن الحضور إليك و لذلك سميت الموانع عوارض». و راجع التعریفات، الشریف الجرجاني (816)، ص219؛ فصول البدائع، شمس الدین الفناري (834)، ج2، ص447؛ الحدود الأنیقة، زکریا الأنصاري، ص83؛ التوقیف على مهمّات التعاریف، المناوي، ص309؛ الکلیات، أبو البقاء الکفوي الحنفي، ص850.التعبیر الثاني: أخذ التعارض من العرض بمعنی الطروّ مع الکنایة به عن المنعالتنقيح، ج‌6، ص233: «المستفاد من كلمات اللغويين أن للعرض معاني أخر لعلّ بعضها أنسب بالمقام، و لعلّ المقام مأخوذ من عرض بمعنى طرأ، فالعارض هو الأمر الطارئ، مع الكناية به عن المانع، حيث يكون أحد المتعارضين مانعاً للآخر من الحجية و موقفاً له عن مقام العمل، فراجع كلماتهم و الأمر سهل».المعنی الثالث: الورودمطارح الأنظار (ط.ج): ج‌4، ص523: «هو تفاعل من العرض بمعنى الورود، و منه قوله تعالى: (يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا) [الغافر:46] و قوله‌: "و يوم العرض الأكبر" و قولهم: "عرضت الناقة على الحوض"» و راجع قوامع الفضول، ص566.الوجه الثاني: أخذ التعارض من العُرض بمعنی الناحیةالبحر المحیط، ج8، ص120: «أمّا حقيقته: فهو تفاعل من العُرْضِ بِضَمِّ الْعَيْنِ و هو الناحية و الجهة و كأنّ الكلامَ المُتَعَارِضَ يقف بعضه في عُرْضِ بعضٍ، أي: ناحيته و جهته، فيمنعه من النُفُوذ إلى حيث وُجِّهَ». و راجع أصول الفقه الذي لایسع الفقیه جهله، ص415.و قد رجّح بعض علماء اللغة الوجه الأول على الثاني:الممتع الکبیر في التصریف، ابن عصفور (669)، ج1، ص42: «فإن قيل: إذا كانت البِنيَتان متحدتين في الأصول و المعنى، فبأي شيء يعلم الأصل من الفرع؟ فالجواب أن الأصل يستخرج بشيئين: باعتبار دوره في اللفظ والمعنى، و بأنه ليس هنالك ما هو به أولى. و الوجوه التي يكون بسببها أولى تسعة: ... و الخامس: أن يكون أحدهما أحسن تصرفًا، فتجد ردّه إليه سهلًا قريبًا و بيّنًا واضحًا، كباب المعارضة و الاعتراض و التعريض و العارض و العِرض. ردُّه كلّه إلى معنى العَرْض -و هو الظهور- من قولك: عَرَضَ عَرْضًا إذا ظهر، أولى من رده إلى العُرْض: الناحية من نواحي الشيء، و إن كان أبو إسحاق قد ردّه إلى الناحية، لما رآها تطّرد في الباب كلّه، و لم يراعِ باب الأحسن في المطّردينِ».المزهر، ج1، ص277: «إذا ترددت الكلمةُ بين أَصْلين في الاشتقاق طلب الترجيح و له وجوه: ... الخامس كونه أسهل و أحسن تصرفاً كاشتقاق المعارضة من العرض بمعنى الظهور أو من العُرْض و هو الناحية فمن الظهور أولى».و ناقش بعض آخر في هذا الترجیح:دراسات في فقه اللغة، ص185: «و في هذا كلّه برهان قوي لايمكن مدافعته على أن الاشتقاق من أسماء الأعيان مُقَدَّمٌ على الاشتقاق من أسماء المعاني و لكن الروح الذي وجّه علماءنا إلى القول بأن المصدر لا الجواهر هي أصل الاشتقاق ... و لانستطيع أن ندرك لِمَ يكون اشتقاق المعارضة من العرض بمعنى الظهور أولى من اشتقاقها من العرض و هو الناحية».الوجه الثالث: أخذ التعارض من العرض مقابل الطولقال في الفوائد الرضوية، ص490 في التعلیقة على قوله: «و هو لغةً من العرض بمعنى الإظهار»: «لايبعد أن يكون أخذه من «العرض» -الذي هو ضدّ الطول- السبب بمعناه الاصطلاحي، فإنّ العلاقة المصححة للاستعمال كون كلّ من المتعارضين في عرض الآخر من حيث الدليلية، و ربما يطلق نظراً إلى هذه العلاقة على الأصول العملية أنها ليست في عرض الأدلة، بل في طولها فلايعارضها».بشری الوصول، ج8، الورقة 154: «و یمکن أن یقال: إنه من العرض مقابل الطول لأن التمانع إنّما ینشأ من کون أحد الشیئین في عرض الآخر دون کون أحدهما في طول الآخر فالتمانع لازم کون أحدهما في عرض الآخر». التعارض (السید المحقق الیزدي)، ص38: «و الأنسب أخذه من العرض بمعنى خلاف الطول، كأن كلا من المتعارضين يجعل نفسه في عرض الآخر، و كونـه معنى اسمياً لايضرّ بعد استعمال فعله بهذا المعنى أيضا كثيراً، على ما يظهر من الاستعمالات المذكورة في القاموس‌ و يظهر منه أيضاً أخذه من هذا المعنى، حيث إنه و المعارضة بمعنى واحد، و أخذها بهذا المعنى حيث فسّرها بالمقابلة و الإتيان بمثل ما أتى، بل صرّح بذلك في قوله: و منه المعارضة كأن عرض فعله كعرض فعله».تحرير الأصول (میرزا هاشم الآملي)، ص383: «لايبعد أن يكون العرض المقابل للطول أيضاً موافقاً مع هذا المعنى من أجل أنه‌ يكون ظاهراً بالنظر إلى الطول لأقصريته منه».‌مناقشة في الوجه الثالث:أصول الفوائد الغروية، ج‌2، ص229: «إعلم أن التعارض‌ تفاعل من العرض‌ بمعنى الإظهار أو المعنى المقابل للطول فعلى الأول مرجعه إلى أن كلاً من الدليلين يظهر نفسه في موضوع الآخر و على الثاني فكان كل دليل يجعل نفسه في حيز الآخر فلابدّ من نحو عناية في تطبيق المفاد على الدليلين بأن يفرض لهما حجماً و يفرض الموضوع حيّزاً لها على نحو الاستعارة مضافاً إلى أن الاشتقاق من العرض بالمعنى المقابل للطول غير صحيح إلا باعتبار لازم المعنى فأخذ التعارض منه يحتاج إلى تكلف في الهيئة و المادة بخلاف ما إذا كان من العرض بمعنى الإظهار فهذا هو الأقرب وفاقاً للشيخ الأنصاري و خلافاً للسيد المحقق اليزدي. هذا بحسب اللغة»
[17] ضوابط الأصول، ص423؛ القواعد الشريفة، ج2، ص377.
[20] مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص346..: «التعارض تنافي مدلول دليلين بالتناقض، كما إذا دلّ أحدهما على وجوب شي‌ء، و الآخر على عدم وجوبه، أو بالتضادّ كما إذا دلّ أحدهما على وجوب شي‌ء و الآخر على حرمته. و يرجع التضادّ أيضاً إلى التناقض باعتبار الدلالة الالتزامية ... فإذن صحّ أن يقال: إنّ التعارض تنافي مدلولي دليلين بالتناقض...».أورد المحقق العراقي ردّاً على تعريف المشهور و أجاب عنه في نهایة الأفکار، ج4، القسم2، ص126-127: «... قد يورد على تعريف المشهور باستلزامه دخول باب التزاحم أيضاً في موضوع تعارض الدليلين، كموارد الأمر بالضدّين ... .بتقريب: أنّه بعد امتناع ثبوت الحكمين الفعليين إمّا ذاتاً ... و إمّا عرضاً كموارد الأمر بالضدّين ... يقع التنافي بحكم العقل بين المدلولين من حيث اقتضاء كل منهما ثبوت الحكم الفعلي تعييناً في مورده، و لازمه اندراج باب التزاحم على هذا التعريف في موضوع التعارض.و لكن يندفع ذلك بأنّ المقصود من تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضادّ، إنّما هو تنافيهما في مقام الجعل و التشريع حتى في مرحلة الملاك و المقتضي، بحيث يعلم بعدم ثبوت الملاك في أحدهما، لا مجرد تنافيهما في‌ مقام الحكم الفعلي، و من الواضح حينئذ خروج موارد التزاحم عن موضوع التعارض المصطلح، لأنّ باب التزاحم لايكون إلّا في مورد الجزم بوجود الملاكين و الغرضين مع ضيق خناق المولى من تحصيل كلا الفرضين‌»
[22] و قال بعض الأساطین في المغني في الأصول، التعادل و التراجیح، ص10: «فالتعارض لیس هو التنافي بین المدلولین کما یقول المشهور، و لا التنافي بین الدلیلین على وجه المسامحة، بل هو التنافي بین الدلیلین على نحو الحقیقة ...».
[23] . نهاية الأفكار، ج4، ق‌2، ص124-125: «حيث إن التنافي المزبور قائم حقيقةً بنفس المدلولين بلا مساس بالدليل بما هو دليل‌ إلّا بنحو من العناية باعتبار أن الحاكي عن المتنافيين، كأنه عين المحكي، عدل في الكفاية عن تعريف المشهور، إلى تعريفه بتنافيهما في مرحلة الدلالة و مقام الإثبات، من حيث عرض كلٍّ من الدليلين نفسه لدليل الاعتبار في مقام الحجية ... . حيث إنّه على هذا التعريف يكون التنافي المزبور حقيقة قائماً بنفس الدليلين بلا رعاية عناية، و يكون اتصافهما بالتنافي المزبور من باب وصف الشي‌ء بحال نفسه لا بلحاظ حال متعلقه».
[25] نهاية الأفكار، ج4، ق‌2، ص124-125: «كما أنّه على هذا التعريف يكون التعارض الّذي هو محطّ عنوان البحث، عين ما وقع موضوعاً للأخبار العلاجية بناء على انصرافها عن موارد الجمع العرفي، فإنّه على هذا التعريف يخرج موارد الحكومة و الجمع العرفي بين العامّ و الخاصّ و المطلق و المقيد و الظاهر و الأظهر عن موضوع التعارض، لأنّ الجمع العرفي مانع عن حجية الظاهر في قبال النص و الأظهر و عن حجّية العامّ و المطلق في مقابل الخاصّ و المقيّد، فلا‌يكون بينهما التنافي في مقام الإثبات و الدلالة و مرحلة الحجية» إلخ.
[26] و سيأتي الإشارة إلى موارد الجمع العرفي في بيان صاحب الكفاية ص43.
logo