46/11/06
بسم الله الرحمن الرحیم
خاتمة؛ الشرط الثالث؛ المقام الثاني؛ البحث الخامس؛ الجهة الثالثة؛ النوع الثاني: تعارض الاستصحاب الموضوعي مع أصالة الصحة/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة؛ الشرط الثالث؛ المقام الثاني؛ البحث الخامس؛ الجهة الثالثة؛ النوع الثاني: تعارض الاستصحاب الموضوعي مع أصالة الصحة
النوع الثاني: تعارض الاستصحاب الموضوعي مع أصالة الصحة
قد اختلفت فیه كلمات الأعلام و قد فصّلوا فیه بتفصیلات مختلفة، بعضها من جهة أنحاء الشك و بعضها من جهة اختلاف المباني في أماریة أصالة الصحّة أو كونها من الأصول التعبّدیة و بعضها من جهة مدرك اعتبار أصالة الصحّة.
فهنا نشیر إجمالاً إلى كلمات بعض المحقّقین:
بیان الشیخ الأعظم الأنصاري(قدسسره)
«أمّا تقدیمه على الاستصحابات الموضوعیة المترتّب علیها الفساد، كأصالة عدم البلوغ و عدم اختبار المبیع بالرؤیة أو الكیل أو الوزن، فقد اضطرب فیه كلمات الأصحاب، خصوصاً العلامة و بعض من تأخّر عنه.
و التحقیق أنّه إن جعلنا هذا الأصل من الظواهر، كما هو ظاهر كلمات جماعة بل الأكثر، فلا إشكال في تقدیمه على تلك الاستصحابات.
و إن جعلناه من الأصول، فإن أرید بالصحّة في قولهم: "إنّ الأصل الصحّة" نفس ترتّب الأثر، فلا إشكال في تقدیم الاستصحاب الموضوعي علیها، لأنّه مزیل بالنسبة إلیها.
و إن أرید بها كون الفعل على وجه یترتّب علیه الأثر، فیكون الأصل مشخّصاً للموضوع من حیث ثبوت الصحّة له، لا مطلقاً ففي تقدیمه على الاستصحاب الموضوعي نظر»([1] ).
بیان المحقّق النائیني(قدسسره)
إنّ المحقّق النائیني(قدسسره) أشار([2] ) في بداية البحث إلى أنحاء الشك في صحّة العقد فقسّمها ثلاثة أقسام:
الأوّل: الشك في اتّصاف العقد بالشروط المعتبرة فیه من العربیة و الماضویة و نحوهما فهنا ذهب إلى جریان أصالة الصحّة سواء كانت من الأمارات أم الأصول المحرزة أم الأصول غیر المحرزة و قال بأنّه إن كانت من الأمارات أو الأصول المحرزة فتقدیمهما على الاستصحاب بالحكومة و إن كانت من الأصول غیر المحرزة فتقدیمها علیه بالتخصیص، لأخصّیة دلیلها من دلیل الاستصحاب.
الثاني: الشك في اتّصاف المتعاقدین بالشروط المعتبرة في أهلیتهما للمعاقدة أو اتصاف العوضین بالشروط المعتبرة في قابلیتهما للعوضیة.
و هنا رأى عدم جریان أصالة الصحّة و جریان الاستصحاب الموضوعي من جهة قصور دلیل أصالة الصحّة، فإنّ مدركها الإجماع و لا إطلاق له بالقیاس إلى تلك الموارد.([3] )
الثالث: الشك في تحقّق شرائط المتعاقدین أو العوضین، التي لا دخل لها في أهلیة العاقد أو قابلیة العوضین و إنّما كان اعتبارها في صحّة العقد كالبلوغ في العاقد الوكیل و معرفة وزن المبیع أو كیله.
و هنا فصّل في تقدیمها علیه فذهب إلى أنّها إن كانت من الأمارات فهي متقدّمة على الاستصحاب و إن كانت من الأصول غیر المحرزة فالاستصحاب مقدّم علیها و إن كانت من الأصول المحرزة ففیه وجوه ثم أطال الكلام حول ذلك.
و لكن قال في آخر كلامه: «فینحصر المدرك في الإجماع العملي المستفاد من تمسّكهم بها في الموارد المتفرقة و لا ریب أنّ القدر المتیقّن منه و إن كان عدم وجود أصل موضوعي مخالف لمقتضی أصالة الصحّة إلا أنّه من المظنون قویاً بمرتبة تطمئنّ بها النفس هو تحقّق الإجماع في موارد الأصول الموضوعیة أیضاً، فینحصر مورد الخروج بما إذا كان الشك في الصحّة من جهة الشك في أهلیة المتعاقدین أو قابلیة العوضین و كلّما كان الشك من غیر هاتین الجهتین یرجع فیه إلى أصالة الصحّة، سواء كان الأصل المخالف لها من الأصول الحكمیة أو الموضوعیة»([4] [5] ).
و المحقّق الخوئي(قدسسره) اختار هذا البیان الأخیر فذهب إلى عدم جریان أصالة الصحّة عند الشك في قابلیة الفاعل و قابلیة المورد و أمّا مع إحراز قابلیتهما فقال بجریان أصالة الصحّة.([6] )
و ما أفاده المحقّق النائیني(قدسسره) أخیراً بالنسبة إلى الاستصحاب الموضوعي هو الأوفق بالسیرة العقلائیة.([7] )
البحث السادس: تعارض الاستصحاب مع قاعدة الید
قبل الورود في البحث عن تعارضهما، لابدّ من أن یلاحظ مدرك اعتبار قاعدة الید، حتّی یتبیّن لنا أنّها من الأمارات أو من الأصول الشرعیة العملیة.
هنا جهات أربع نبحث عنها:
الجهة الأولی: الأدلة على حجّية قاعدة الید
الدلیل الأوّل: الأخبار
الرواية الأولى: موثقة حفص بن غیاث
«مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ جَمِيعاً عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ [المنقري و هو عامّي ثقة] عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ [و هو أیضاً من عامّي ثقة] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام) قَالَ:
قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِذَا رَأَيْتُ شَيْئاً فِي يَدَيْ رَجُلٍ يَجُوزُ لِي أَنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ(قدسسره)
قَالَ الرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ وَ لَا أَشْهَدُ أَنَّهُ لَهُ فَلَعَلَّهُ لِغَيْرِهِ؟
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام): أَ فَيَحِلُّ الشِّرَاءُ مِنْهُ؟
قَالَ: نَعَمْ(قدسسره)
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام): فَلَعَلَّهُ لِغَيْرِهِ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ لَكَ أَنْ تَشْتَرِيَهُ وَ يَصِيرَ مِلْكاً لَكَ ثُمَّ تَقُولَ بَعْدَ الْمِلْكِ هُوَ لِي وَ تَحْلِفَ عَلَيْهِ وَ لَايَجُوزُ أَنْ تَنْسُبَهُ إِلَى مَنْ صَارَ مِلْكُهُ مِنْ قِبَلِهِ إِلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام): لَوْ لَمْ يَجُزْ هَذَا لَمْ يَقُمْ لِلْمُسْلِمِينَ سُوقٌ.»([8] )
هنا ملاحظة بالنسبة إلى سند الرواية فقد ورد في سند الكافي المطبوع([9] ) و الوسائل (القاسم بن يحيى) ، و أمّا على ما في نسخة التهذیب فهو القاسم بن محمّد و هذا هو الأصحّ بقرینة الراوي عن القاسم بن محمّد و المروي عنه، فإنّ إبراهیم بن هاشم هو الراوي عن القاسم بن محمّد، كما أنّ سلیمان بن داود المنقري يروي عنه القاسم بن محمّد([10] ) و قد نلتزم بوثاقة هذا الرجل بالتوثیق العام فإنّه من رجال تفسیر القمي و هو مذكور في الجزئين الأوّل و الثاني من هذا التفسیر.([11] )
الرواية الثانية: صحیحة عثمان بن عیسی و حمّاد بن عثمان
«عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى [و هو من أصحاب الإجماع على قول] وَ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ [و هو أیضاً من أصحاب الإجماع] جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(علیه السلام) فِي حَدِيثِ فَدَكَ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(علیه السلام) قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَ تَحْكُمُ فِينَا بِخِلَافِ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: لَا.
قَالَ(علیه السلام): فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ يَمْلِكُونَهُ ادَّعَيْتُ أَنَا فِيهِ مَنْ تَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ؟ قَالَ: إِيَّاكَ كُنْتُ أَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا تَدَّعِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ(علیه السلام): فَإِذَا كَانَ فِي يَدِي شَيْءٌ فَادَّعَى فِيهِ الْمُسْلِمُونَ تَسْأَلُنِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا فِي يَدِي وَ قَدْ مَلَكْتُهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ وَ بَعْدَهُ وَ لَمْ تَسْأَلِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْا عَلَيَّ كَمَا سَأَلْتَنِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَيْتُ عَلَيْهِمْ -إِلَى أَنْ قَالَ:- وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»([12] ).
الرواية الثالثة: موثقة یونس بن یعقوب
«[مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ] بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ [بن علي بن فضال ثقة جلیل في وثاقته فطحي] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ [البجلي الخزاز من أجلاء ثقات الإمامیة] عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ [و هو أیضاً من أجلاء ثقات الإمامیة] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي امْرَأَةٍ تَمُوتُ قَبْلَ الرَّجُلِ أَوْ رَجُلٍ قَبْلَ الْمَرْأَة.
قَالَ(علیه السلام): مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَ مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَ مَنِ اسْتَوْلَى عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ»([13] ).
فهذه الروایة تدلّ على أنّ استیلاء الید كاشف عن الملكیة.
الدلیل الثاني: السیرة العقلائیة
قد استقرت سیرة العقلاء و بناؤهم على اعتبار الید و ترتیب آثار الملكیة لذي الید على ما في یده.([14] )
الدلیل الثالث: الإجماع
إنّ مفاد هذه القاعدة مجمع علیه بين الأصحاب.([15] )
الجهة الثانية: قاعدة الید أمارة أو أصل عملي؟
إنّ الظاهر من أدلّة قاعدة الید هو أنّها من الأمارات، و لكاشفیتها عن الملكیة عند العقلاء و طریقیتها الناقصة عنها و بعد إقامة الدلیل على حجّیتها تعدّ من الأمارات المعتبرة، و ما ورد من اعتبار الید و حجّیتها إمضاء للسیرة العقلائیة.([16] )
بیان المحقّق النائیني(قدسسره) في أماریتها
«الظاهر أن تكون من الأمارات، فإنّ بناء العقلاء و عمل الناس كان على اعتبار الید و ترتیب آثار الملكیة على ما في الید لصاحبها و لیس في طریقة العقلاء ما یقتضي التعبّد بالملكیة لصاحب الید بلا ركون النفس، بل لابدّ و أن یكون عمل العقلاء على ذلك لكشف الید في نوعها عن الملكیة، لأنّ الغالب في مواردها كون ذي الید مالكاً لما في یده، فإنّ استیلاء غیر المالك على ملك الغیر و تصرّفه فیه تصرّف الملاّك في أملاكهم خلاف العادة، و بناء العرف و العقلاء على عدم الالتفات إلى احتمال كون ذي الید غاصباً، بل یعاملون مع الید معاملة الكاشف و الطریق كسائر الكواشف العقلائیة و الطرق العرفیة.»([17] [18] ).
الجهة الثالثة: وجه تقدیم قاعدة الید علی الاستصحاب
إنّ مقتضى التحقیق هو حكومة قاعدة الید على الاستصحاب، لأنّ قاعدة الید أمارة معتبرة تدلّ على الملكیة لذي الید فینتفي به الشك في الملكیة بالتعبّد و الاستصحاب أصل عملي محرز و موضوعه هو الشك و بعد جریان قاعدة الید لایبقی موضوع للاستصحاب فالمحقّق النائیني(قدسسره) یقول أیضاً بتقدیم قاعدة الید علیه بالحكومة بل قال بتقدیم الید على الاستصحاب و لو على القول بأنّ قاعدة الید أصل عملي فقال:
«مع أنّه لو سلّم كونها من الأصول العملیة كانت مقدّمةً على الاستصحاب، لورودها مورده غالباً، فإنّه قلّ مورد لمیكن الاستصحاب على خلاف الید، فلو قدّم الاستصحاب علیها یلزم المحذور الذي علّل به الحكم في الروایة، و هو قوله(علیه السلام): "لَمَا قَامَ لِلْمُسْلِمِينَ سُوقٌ"([19] ) فلا محیص عن الأخذ بمقتضى الید و طرح الاستصحاب»([20] [21] ).