« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

خاتمة؛ الشرظ الثالث؛ البحث الخامس؛ الجهة الأولی: الاستدلال علی أصالة الصحة/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة؛ الشرظ الثالث؛ البحث الخامس؛ الجهة الأولی: الاستدلال علی أصالة الصحة

 

4. الاستدلال بالإجماع القولي و العملي

قال الشیخ الأعظم(قدس‌سره): «أمّا القولي فهو مستفاد من تتبع فتاوی الفقهاء في موارد كثیرة، فإنّهم لایختلفون في أنّ قول مدّعي الصحّة في الجملة مطابق للأصل و إن اختلفوا في ترجیحه على سائر الأصول كما ستعرف.

و أمّا العملي فلا‌یخفی على أحد أنّ سیرة المسلمین في جمیع الأعصار على حمل الأعمال على الصحیح و ترتیب آثار الصحّة في عباداتهم و معاملاتهم و لا أظنّ أحداً ینكر ذلك إلا مكابرةً»([1] ).

هذا ما أفاده الشیخ الأنصاري(قدس‌سره)([2] ).

نظرية المحقّق النائیني(قدس‌سره)

إنّ المحقّق النائیني(قدس‌سره) استدلّ علیها بالإجماع.

الاستدلال بالإجماع

قال(قدس‌سره): «إنّ الإجماع تارة ینعقد على الحكم الشرعي في الموارد الجزئیة و أخری ینعقد على عنوان كلّي.

فإن كان الإجماع على الوجه الأوّل فلابدّ من الاقتصار على الموارد التي انعقد فیها الإجماع و لایجوز التعدّي عنها و إن كان على الوجه الثاني، فاللازم هو الأخذ بإطلاق معقد الإجماع، كما إذا قام دلیل لفظي على ذلك، فللفقیه الفتوی بالحكم معتمداً على الإجماع و لو في مورد الاختلاف.

و الظاهر أنّ الإجماع في المقام تامّ على الوجه الثاني، كما یظهر ذلك بالمراجعة في كلمات القوم»([3] ).

هذا ما أفاده في فوائد الأصول([4] ).

و لكنّه رجع عنه في أجود التقریرات و قال: «الظاهر عدم ثبوت الإجماع القولي كما یظهر ذلك لمن راجع كلماتهم فینحصر المدرك في الإجماع العملي المستفاد من تمسكهم بها في موارد متفرقة»([5] [6] ).

مناقشة المحقّق الخوئي(قدس‌سره) في الإجماع

«أوّلاً: إنّ تحقّق الإجماع على أصالة الصحّة و إن كان مسلّماً في الجملة إلا أنّ تحصیل الإجماع من تتبع الفتاوی في جمیع موارد جریان أصالة الصحّة حتّی العقود و الإیقاعات بل المعاملات بالمعنی الأعمّ الشامل للطهارة و النجاسة دونه خرط القتاد.([7] )

و ثانیاً: إنّه على تقدیر تسلیم تحقّق الإجماع في جمیع الموارد لم‌یتّضح كونه إجماعاً تعبّدیاً كاشفاً عن رضا المعصوم، لاحتمال كون المدرك عند المجمعین هي الأدلّة الآتیة»([8] [9] ) .

الاستدلال بالسيرة القطعية

إنّ المحقّق النائیني و المحقق الخوئي(قدس‌سرهما) استدلّا علیها بالإجماع العملي أي السيرة القطعية من جميع المسلمين.

«دعوی السیرة القطعیة([10] ) من جمیع المسلمین المتدینین على ترتیب آثار الصحّة على أعمال الناس من العبادات و المعاملات و العقود و الإیقاعات و لذا لایقدم أحد على تزویج امرأة، لاحتمال كون العقد الواقع بینها و بین زوجها باطلاً و هذه السیرة متّصلة بزمان المعصوم و لم‌یردع عنها»([11] [12] ).

ملاحظة علی إطلاق السیرة

إنّ وجود السیرة القطعیة بین جمیع المسلمین على ترتیب آثار الصحّة على عمل الغیر في الجملة من المسلّمات، و لكن الكلام في دائرة انعقاد السیرة و ارتكازها في أذهان المتشرعة، و التحقیق یقتضي تقیید عنوان «عمل الغیر» بعمل المسلم الذي لم‌یحرز كونه غیر مبالٍ في دینه و رعایة أحكامه.([13] )

و الحاصل أنّ الاستدلال على أصالة الصحّة بالآيات مخدوش، و بالروايات أيضًا لم يُمكن إثبات أصالة الصحّة. و أما الدليل العقلي – و هو لزوم اختلال نظام المعاش فيما إذا لم يُعمل بأصالة الصحّة - فهو تام. و أما الاستدلال عليها بالإجماع القولي فهو أيضًا مخدوش. و أما الاستدلال عليها بالسيرة القطعيّة بين جميع المسلمين فهو صحيح، إلا أنّ أصالة الصحّة حينئذٍ مقيدة بما إذا كان العمل صادرًا عن المسلم الذي لم يُحرز كونه غير مبالٍ في دينه.


الجهة الثانية: أصالة الصحّة أصل أو أمارة؟

إنّ الشیخ الأعظم الأنصاري(قدس‌سره) ذهب في فرائد الأصول([14] ) إلى أنّ الظاهر من كلمات جماعة بل الظاهر من كلمات الأكثر هو أنّ أصالة الصحّة من الظواهر و حینئذ تُعدّ من الأمارات الشرعیة، فإنّ الظواهر أمارات ظنّیة[15] و في قبال ذلك بعض الأعلام ذهبوا على أنّ أصالة الصحّة من الأصول العملیة التعبّدیة و منهم المحقّق النائیني و المحقق الخوئي(قدس‌سرهما).

بیان المحقّق النائیني(قدس‌سره) في أنّ أصالة الصحّة أصل تعبّدي

«ربّما یقال بأنّ أصالة الصحّة في فعل الغیر بإزاء قاعدة الفراغ في عمل الشخص، فكما أنّ قاعدة الفراغ قد استظهر أماریتها من بعض أدلّتها على ما تقدّم فكذلك تكون أصالة الصحّة.

و أنت خبیر بأنّ الشك في الصحّة في مورد القاعدة [أي قاعدة الفراغ] إنّما كان من جهة الشك في تحقّق الإرادات الجزئیة على طبق الإرادة الكلّیة المتعلّقة بالعمل حین الشروع، و قد ذكرنا أنّ مقتضی تعلّق الإرادة بشيء هو تعلّق الإرادة الجزئیة بكلّ من أجزائه في ظرفه، و هذا هو جهة أماریتها.

و أمّا أصالة الصحّة فلیس في موردها ما یوجب أماریتها إلا ظهور حال المسلم في أنّه لایأتي بالفاسد.

و من الواضح أن غایة ما یترتّب على هذا الظهور هو إحراز الصحّة عند الفاعل دون الصحّة‌ الواقعیة التي هي محطّ البحث في المقام، فتكون متمحّضة في الأصلیة ... فظهر بذلك أنّه لایترتّب بأصالة الصحّة إلا الآثار الشرعیة المترتّبة علیها دون اللوازم و الملزومات»([16] [17] [18] ).

يُلاحظ عليه:

أنّه قد تقدّم أنّ المراد من أصالة الصحّة ليس حمل العقلاء لأعمال غيرهم على الوجه الصحيح، بل المراد هو أنّه إذا كان الفاعل مسلمًا ولم يُحرز كونه غير مُبالٍ في دينه، فهذه قرينة وأمارة على صحّة عمله عند المتشرّعة. فحينئذٍ تُعدّ أصالة الصحّة من الأمارات الشرعية.

الجهة الثالثة: في تعارض الاستصحاب مع أصالة الصحّة

هنا نوعان من التعارض نبحث عنهما:

النوع الأوّل: تعارض الاستصحاب الحكمي مع أصالة الصحّة‌

مقتضی التحقیق وفاقاً للشیخ الأنصاري(قدس‌سره) هو تقدیم أصالة الصحّة على الاستصحاب الحكمي.

استدلال الشيخ الأنصاري في تقديم أصالة الصحة

قال الشیخ الأعظم(قدس‌سره) في الاستدلال على ذلك: «أمّا تقدیمه على استصحاب الفساد و نحوه فواضحٌ، لأنّ الشك في بقاء الحالة السابقة على الفعل المشكوك أو ارتفاعها ناشٍ عن الشك في سببیة هذا الفعل و تأثیره، فإذا حكم بتأثیره، فلا حكم لذلك الشك، خصوصاً إذا جعلنا هذا الأصل من الظواهر المعتبرة ... لأنّ هذا الأصل إن كان من الظواهر المعتبرة فهو كالید دلیل اجتهادي لایقاومه الاستصحاب، و إن كان أصلاً تعبّدیاً فهو حاكم على أصالة الفساد، لأنّ مرجعها إلى استصحاب عدم تحقّق الأثر عقیب الفعل المشكوك في تأثیره، و إذا ثبت التأثیر شرعاً بهذا الأصل فیترك العدم السابق»([19] ).

و قال المحقّق الخوئي(قدس‌سره): «أمّا الاستصحاب الحكمي، فلاینبغي الإشكال في تقدیم أصالة الصحّة علیه، كما إذا شك في صحّة بیعٍ لاحتمال الاختلال في شرط من شروطه، مع إحراز قابلیة الفاعل و المورد، فلا مجال للتمسّك بالاستصحاب الحكمي أي استصحاب عدم الانتقال المعبّر عنه بأصالة الفساد، بل المتعیّن هو الحكم بالصحّة لأصالة الصحّة»([20] ).


[2] الإجماع العملي في كلام الأصولیین یستعمل على وجهین: السیرة (من المسلمین أو العقلاء) و عمل المجتهدین الكاشف عن الإجماع القولي.قال المحقق الآشتیاني في الرسائل التسع، ص149: «الثامنة: إنه قد ذكر في محله في الأصول إنه يعتبر في التمسك بالسيرة، المعبر عنها في لسانهم، بالإجماع العملي لإثبات حكم شرعي أمور ... هذا وهنا إجماع عملي آخر لايعتبر فيه الأمور المذكورة، لكنه لا تعلق له بالسيرة، و هو الإجماع‌ العملي‌ من خصوص العلماء؛ فإنه طريق إلى فتاويهم، فهو كاشف حقيقة عن الإجماع القولي» و استعمال هذا اللفظ بالمعنی الأول كثیر یعلم بالمراجعة.و أما استعماله بالمعنی الثاني ففي فوائد الأصول، ج‌3، ص191: «و أما الإجماع فقد ذكر في تقريره وجوه: من الإجماع القولي، و العملي، و سيرة المسلمين، و طريقة العقلاء و ينبغي أولاً بيان الفرق بين هذه الوجوه ثم نعقبه بصحة الاستدلال بها، فنقول: أما الإجماع القولي: فهو عبارة عن اتفاق أرباب الفتوى على الفتوى بحكم فرعي أو أصولي. و طريق إحراز ذلك إنما يكون من تتبع أقوالهم في كتبهم و رسائلهم و أما الإجماع‌ العملي‌ فهو عبارة عن عمل المجتهدين في المسألة الأصولية، بحيث يستندون إليها في مقام الاستنباط و يعتمدون عليها عند الفتوى، كإجماعهم على التمسك بالاستصحاب في أبواب الفقه، سواء أجمعوا على الفتوى بحجيته أيضاً، أو كان مجرد الإجماع على الاستناد إليه في مقام الاستنباط، غايته أنه في صورة الإجماع على الفتوى يجتمع الإجماع القولي و العملي. فالإجماع العملي لايكون إلا في المسائل الأصولية التي تقع في طريق الاستنباط، و لا معنى للإجماع العملي في المسائل الفرعية، لاشتراك المجتهد في العمل بها مع غيره، و ليس العمل في المسألة الفرعية من مختصات المجتهد بما أنه مجتهد، و الإجماع الذي يكون من الأدلة إنما هو إجماع المجتهدين بما أنهم مجتهدون، فالإجماع العملي لايكاد يتحقق في المسائل الفرعية، بل يختص بالمسائل الأصولية».و في حقائق الأصول، ج‌2، ص134في التعلیقة على قوله: «دعوى اتفاق العلماء عملاً»: «الفرق بين هذا الوجه و الوجه الأول هو الفرق بين الطريق و الواقع فإن الإجماع‌ العملي‌ إنما يكون حجة من جهة كشفه عن الإجماع القولي»‌.و نذكر هنا موارد من تمسك الأصولیین بالإجماع العملي بالمعنی الثاني:تقريرات آية الله المجدد الشيرازي؛ ج‌1، ص210-216: «لنا على الكبرى المذكورة [اعتبار الغلبة] وجوه أربعة ... أحدها: الإجماع‌ العملي‌ من العلماء ... أقول: الإجماع‌ العملي‌ من العلماء السابقين لايبعد دعواه».كفاية الأصول (مع حواشي المحقق المشكيني)، ج‌5، ص45: «تحقيق قاعدة اليد يتمّ ببيان أمور: الأول: أن ما يمكن الاستدلال به لها أو استدل أمور: الأول: الإجماع القولي، الثاني: الإجماع‌ العملي‌ من العلماء».و راجع أصول الفقه (طبع اسماعيليان) ج‌2، ص141؛ بحوث في علم الأصول، ج‌4، ص298؛ دراسات في علم الأصول، ج‌3، ص187.
[4] استدل بالإجماع القولي أیضاً المحقق الحائري و المحقق العراقي.:و في دررالفوائد (ط.ج): ص609: «و أما الإجماع القولي فيظهر لمن تصفّح فتاوى الفقهاء، فإنهم لايختلفون في أن قول مدعي الصحة مطابق للأصل».و في نهاية الأفكار، ج‌4، القسم‌2، ص78: «المسألة الثالثة في أصالة الصحة في عمل الغير و تنقيح الكلام فيها إنما هو بتوضيح أمور: الأمر الأول: لا إشكال في اعتبارها في الجملة و يدل عليه بعد الإجماع المحقق فتوىً و عملاً...»
[6] . مناقشة الشیخ حسین الحلي في كلام المحقق النائیني.:قال في أصول الفقه، ج‌11، ص511 في التعلیقة على قوله: «الظاهر عدم ثبوت الإجماع القولي كما يظهر ذلك لمن راجع كلماتهم»: «قلت: هذا مناف لما في طليعة البحث في التقريرات المطبوعة في النجف من ثبوت معقد الإجماع و إطلاقه اللفظي، بل هو منافٍ لما مر من هذا التقرير من قوله: لا أقول إن الإجماع دليل لبي لايمكن التمسك به إلا في الموارد المتيقنة، فإنه إنما يتمّ في غير المقام مما لم‌يكن الإجماع على لفظ مطلق، و إلا فلا مانع من التمسك بإطلاقه كما في الأدلة اللفظية ...»
[7] ذكر المناقشة الأولى المحقق الآشتیاني:في بحر الفوائد، (ط.ج): ج8، ص108: «و بالجملة قيام الإجماع بكلا قسميه على اعتبار أصالة الصحة مما لايقبل الإنكار عند المنصف الراجع إلى كلماتهم في باب التداعي و غيره و سيرة الناس في معاملاتهم، إلا أنه لا عموم له حتى ينفع في موارد اختلاف العلماء فيها، اللهم إلا أن يقال إنهم اتفقوا بأسرهم. على إجراء أصالة الصحة في جميع الموارد. غاية الأمر أنهم اختلفوا في تقديم بعض الأصول عليها في بعض الموارد، فالإجماع منعقد على اعتبار أصالة الصحة في كل مورد من الموارد هكذا ذكره الأستاذ العلامة في توجيه تعميم الإجماع لجميع الموارد، و لكنك خبير بأن هذا التوجيه لايخلو عن النظر، فإن صريح المحقق الثاني، و ظاهر العلامة على ما ستقف عليه في الكتاب عدم إجراء أصالة الصحة قبل إحراز أركان العقد لا لمكان المعارضة، و ظاهر جماعة أيضاً تخصيص مفادها بالصحة عند الفاعل و هي أيضاً غير نافع إلا في قليل من الموارد، و ظاهر جماعة أخرى معارضتها في كثير من الموارد بأصالة البراءة و نحوها، بل و تقديمها على أصالة الصحة، و من المعلوم أنه لاينفع الحكم بالجريان بعد البناء على تقديم مثل أصالة البراءة عليها فتأمل»
[9] و ذكر المناقشة الثانیة المحقق الخراساني و المحقق داماد.:في درر الفوائد، الحاشية الجديدة، ص405 في التعلیقة على قوله: «الثالث: الإجماع القولي و العملي»: «لايخفى أن تحصيل الإجماع من اتفاق الفتاوى في مثل هذه المسألة لو فرض بعيد، لاحتمال أن يكون مبنى فتوى الكل أو الجل على ما هو السيرة بين عامة الناس في الأعصار و الأمصار ...».و في المحاضرات (مباحث أصول الفقه) ج‌3، ص233: «و أما الإجماع فقد يدعى إجماع الفقهاء بالأسر على أن قول مدعي الصحة في الجملة مسموع مطابق للأصل، و الإنصاف قوة احتمال أن يكون مدرك المجمعين هو ما استقر عليه سيرتهم بما هم عقلاء أو بما هم مسلمون من ترتيب آثار الصحة على العمل المحتمل للصحة و الفساد، فعدّه دليلاً بحياله في قبال الإجماع العملي كي يكون كاشفاً عن وجود مدرك صحيح فيما بأيديهم مشكل»
[10] قد استدل على أصالة الصحة بالسیرة و هل المقصود سیرة المسلمین أو سیرة العقلاء فیه قولان:القول الأول: سیرة المسلمین على حمل الأعمال على الصحیح، و اختار هذا القول الشیخ الأنصاري و المحقق الخوئي كما ذكر في المتن.و في عناية الأصول، ج‌5، ص299: «و أما أصل الصحة بالمعنى الثاني فالدليل الوحيد عليه هو سيرة المسلمين قاطبة في جميع الأعصار و الأمصار على حمل فعل الغير على الصحيح التام كما ذكره الشيخ أعلى الله مقامه‌».القول الثاني: بناء العقلاء على ذلك.قال المحقق الخراساني في درر الفوائد، الحاشیة الجدیدة، ص405: «لايخفى أن تحصيل الإجماع من اتفاق الفتاوى في مثل هذه المسألة لو فرض بعيد، لاحتمال أن يكون مبنى فتوى الكل أو الجل على ما هو السيرة بين عامة الناس في الأعصار و الأمصار من حمل الأفعال على الصحيح من دون اختصاص له بالمسلمين ... سيرة عامة الناس بدليل عدم ردعهم( عنها يكشف عن إمضائها و الرضا بها، و إلا كان عليهم الردع عنها، فالأولى كان التمسك بسيرة العقلاء كما لايخفى».و في نهایة الأفكار، ج4، ق2، ص78: «و يدل عليه بعد الإجماع المحقق فتوىً و عملاً، و السيرة القطعية من المسلمين بل من كل ذي دين في جميع الأعصار على حمل الأفعال الصادرة من الغير على الصحيح فيما يتعلق بعباداته و معاملاته و ترتيبهم أثر الصحة عليها ...».راجع كلام المحقق الحائري. في درر الفوائد، ص609؛ حاشية المشكيني على الكفاية، ج‌5، ص95؛ مباني الأحكام، ج‌3، ص202؛ منتقى الأصول، ج‌7، ص201
[12] الثمرة في التمسك بسيرة العقلاء و التمسّك بسيرة المسلمين: ففي المحاضرات (مباحث أصول الفقه)، للمحقق الداماد، ج3، ص233: «الأولى التمسك بالسيرة المستمرة الثابتة بين المسلمين من زمن النبي. إلى زماننا هذا، فإنهم لايكادون يتوقفون في ترتيب الأثر على العقود و الإيقاعات الصادرة منهم بمجرد احتمال كونها فاسدة، و هذه السيرة دليل قوي على المطلوب، بضميمة أن الشارع لو لم‌يرض بذلك لردعهم، و لو ردعهم لوصل إلينا في مثل المسألة التي مورد الابتلاء به كثير جداً، فحيث لم‌يصل إلينا ردعه يستكشف عدمه، و به يستكشف رضاؤه. هذا إذا ادعى أحد استمرار سيرة العقلاء بما هم عقلاء، و أما لو ادعى استمرار سيرة المسلمين فلايحتاج في إثبات المطلوب بها بضميمة غيرها، إذ يقال مجرد بنائهم على ترتيب آثار الصحة في منظر الأئمة و استقرار طريقتهم على ذلك بما هم مسلمون يكفي في المطلوب، إذ به يستكشف أنهم أخذوا هذا المعنى من أئمتهم و أحرزوا رضاءهم بذلك و إلا لما كانوا يعملون، و حينئذ لايحتاج إلى ضمّ أنه لو ردعهم الشارع لوصل إلينا لكثرة الابتلاء بهذه المسألة، فافهم و بذلك تعرف أن ما ربما يتوهم، من عدم الفرق بين دعوى سيرة المسلمين بما هم مسلمون أو دعوى سيرة العقلاء في المقام، ليس على ما ينبغي، و يظهر النتيجة في الأمور التي لم‌يكثر الابتلاء بها، فإن سيرة المسلمين إن ثبت كفى في استكشاف مذاق الشرع فيه، دون سيرة العقلاء، فتدبر»
[13] تقدم الاستدلال على أصالة الصحة بوجوه ستة: الآیات و الأخبار و لزوم اختلال النظام و الإجماع القولي و العملي و السیرة و بقيت وجوه أخر:الوجه السابع: لزوم العسر و الحرج لولا هذا الأصلففي فرائد الأصول، ج2، ص720: « الرابع: العقل المستقل ... و يشير إليه أيضاً ما ورد من نفي الحرج و توسعة الدين و ذمّ من ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم»مناقشة في الوجه السابع:في فوائد الأصول، ج4، ص654: «... إن الحاجة إلى أصالة الصحة إنما هي في غير مقام اليد و هو ليس بمثابة يلزم منه العسر و الحرج عند عدم البناء على الصحة فتأمل».جواب عن هذه المناقشة: قال المحقق العراقي في هامش فوائد الأصول، ج4، ص564 عند قوله: «يلزم منه العسر و الحرج عند عدم البناء على الصحة»: «لعله نظر إلى خصوص العقود المالية، و إلا فبالنظر إلى سائر العقود و الإيقاعات لا محيص من جريان مناط اليد في المقام».الوجه الثامن: الأصل في أقوال و أفعال الإنسان البالغ العاقل وقوعها على نحو وضعها.كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، ج‌1، ص201-202:‌ «البحث السادس و الثلاثون في أنّ الأصل فيما خلق الله تعالى من الأعيان؛ من عرض أو جوهر، حيوان أو غير حيوان صحّته و كذا ما أوجده الإنسان البالغ العاقل من أقوال أو أفعال؛ فيبنى فيها على وقوعها على نحو ما وضعت له، و على وفق الطبيعة التي اتّحدت به؛ من مسلم مؤمن أو مخالف أو كافر كتابيّ أو غير كتابيّ....و يفترق حال الكافر عن المسلم بوجوه أربعة: ...». مناقشة في الوجه الثامن: قال في أوثق الوسائل، ج6، ص74: «و لازمه دعوى أصالة الحجية في خبر الفاسق و أن نافي حجيته يحتاج إلى إقامة البرهان عليه و أنت خبير بأنه لم‌يساعده دليل و لا اقتضاه برهان من عقل أو نقل لأن غاية ما يمكن أن يقال في الأعيان أنها بحسب جبلتها و مقتضى نوعها أن تكون صحيحة ما لم‌يعرض لها ما يخرجها من مقتضى طبيعتها و وضع نوعها .... و لكنك خبير بأن ذلك و إن تمّ في الأعيان إلا أنه لايتأتى في الأفعال و الأقوال لأن طبيعة القول و الفعل ليست مما يقتضي صدورهما عن الفاعل بحيث يترتب عليهما آثارهما من الصدق في الأقوال و الآثار الشرعية في الأفعال فإنا لم‌نجد فرقاً بين صحيح العقد و فاسده من حيث اقتضاء طبيعة الألفاظ صدورها على وجه الصحة بحيث يترتب عليها الآثار الشرعية ... هذا إن أراد إثبات أصالة الصحة في جميع الأشياء من الأعراض و الجواهر بحكم الاستصحاب و إن أراد إثباتها بحكم الغلبة في أفراد أنواعها إلحاقاً للمشكوك فيه بالأعم الأغلب كما يشعر به قوله و نحو ما غلبت عليه طبيعتها ففيه مع تسليم الغلبة أنه لا اعتبار بها على القول بالظنون الخاصة».الوجه التاسع: مقتضى التدین بدین صدور أفعال و أقوال المتدین به على طبق هذا الدینفي أوثق الوسائل، ج6، ص75: «... مقتضى التدين بدين و التسلم لأحكام شريعة هو بناء هذا المتدين في جميع أقواله و أفعاله على ما اقتضاه هذا الدين ... و تكون مخالفته ناشئة من الدواعي الخارجة و في موارد الشك يدفع احتمال وجود الدواعي الخارجة بالأصل ... و لعله لذا جنح ابن جنيد و الشيخ فيما حكي عنهما إلى أن الأصل في المؤمن العدالة».مناقشات في الوجه التاسع: في أوثق الوسائل، ج6، ص76: «و يرد عليه أولاً: منع كون التدين بدين مقتضياً لصدور أفعال المتدين بهذا الدين و أقواله على طبق هذا الدين ... و ثانياً: مع التسليم أن دفع احتمال المانع بالأصل لايثبت وجود المقتضي على وجه يعمل عمله إلا على القول بالأصول المثبتة ...‌ و ثالثاً: مع التسليم أن التدين بدين إنما يقتضي صدور أفعال المتدين و أقواله على طبق هذا الدين إذا كان عارفاً بأحكامه لوضوح عدم اقتضائه لذلك بالنسبة إلى الجاهل فضلاً عن المعتقد بخلافها و كلمات العلماء في الحمل على الصحة تعم العالم و الجاهل بل المعتقد بالخلاف أيضاً...».الوجه العاشر: دلیل الانسدادفي أوثق الوسائل، ج6، ص78: «و ربما يستدل على القاعدة أيضاً بوجهين آخرين سوى ما أشار إليه المصنف رحمه الله، أحدهما: دليل الانسداد لأنه يفيد اعتبار الظن حيث تمّت مقدماته و لايختص بالأحكام فيقال في المقام أيضاً إنه قد علم اعتبار القاعدة في الجملة بالإجماع و العلم التفصيلي بمواردها منسدّ و العمل بالأصول فيها مخالف للعلم الإجمالي فيجب العمل بالظن في مواردها».
[15] . هذه النظریة هي المختار عندنا.
logo