46/10/28
بسم الله الرحمن الرحیم
خاتمة؛ الشرط الثالث؛ المقام الثاني؛ البحث الأول؛ الجهة الثانیة؛ القول الثاني/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة؛ الشرط الثالث؛ المقام الثاني؛ البحث الأول؛ الجهة الثانیة؛ القول الثاني
استدلال المحقّق النائیني(قدسسره) علی القول الأوّل
ذهب(قدسسره) إلى أنّ جریان الاستصحاب في كلا الطرفین مع العلم الإجمالي بمخالفة أحدهما للواقع غیر معقول، لأنّه مستلزم للتناقض. هذا ما أفاده([1] [2] ) في مبحث العلم الإجمالي من مباحث القطع.
و قال(قدسسره) في مباحث الاحتیاط:
«أمّا بالنسبة إلى الأصول التنزیلیة فالحكم الظاهري في كلّ واحدٍ من الأطراف مع قطع النظر عن الباقي و إن كان لا مانع عنه و مرتبة الحكم الظاهري بالقیاس إلیه محفوظة إلا أنّه لایمكن إجراء الأصل في تمام الأطراف، ضرورة أنّ الأصل التنزیلي مرجعه إلى إلغاء الشارع للشك و تعبّده بالبناء العملي على إحراز الواقع، فمع العلم الإجمالي بالخلاف كیف یمكن إلغاء الشك و الجمع في التعبّد بین تمام أطرافه مع مناقضته له، كما هو ظاهر»([3] [4] ).
وفقاً لنظرية المحقق النائيني(قدّسسرّه)، كما أُشير في المباحث السابقة، فإنّ جريان الاستصحاب في كلا طرفي العلم الإجمالي غير معقول وغير ممكن؛ وذلك لأنّ العلم الإجمالي بمخالفة أحد الطرفين للواقع يؤدي إلى التناقض، فلا يمكن التعبّد بإحراز الواقع بالنسبة لكلا الطرفين معاً.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المحقق النائيني(قدّسسرّه)، على غرار الشيخ الأنصاري(قدّسسرّه)، يرى أنّه حتى في طرف «أحدهما المعيّن»، لا يمكن جريان الاستصحاب؛ لأنّه في هذه الحالة أيضاً تظهر إشكالية «الترجيح بلا مرجّح». بمعنى أنّه إذا كان لدينا علم إجمالي بأنّ أحد الظرفين نجس، ولم يكن هناك مرجّح خاص لأحد الظرفين على الآخر، فإذا أردنا جريان الاستصحاب في أحدهما فقط وترك الآخر، فإنّنا نقدّم أحد الطرفين على الآخر بلا أي دليل أو ملاك مرجّح. وهذا الترجيح، عقلاً وشرعاً، غير مقبول، لأنّه يؤدي إلى تقديم طرف على الآخر بلا مرجّح، وهو أمر غير صحيح وغير مبرّر.
وعليه، فإنّ رأي المحقق النائيني(قدّسسرّه) في هذه المسألة يتفق تماماً مع رأي الشيخ الأنصاري(قدّسسرّه)، فكلاهما يعتقدان أنّه في فرض العلم الإجمالي، لا يمكن جريان الاستصحاب في جميع الأطراف، ولا حتى في طرف معيّن، إلّا إذا وُجد مرجّح معتبر لترجيح أحد الأطراف. وبذلك، فإنّ قاعدة «الترجيح بلا مرجّح» تمنع جريان الاستصحاب في طرف «أحدهما المعيّن».
المناقشة الأولی: من المحقّق الخوئي نقضاً في استدلال المحقّق النائیني(قدسسرهما)
«أمّا النقض فهو أنّه إذا كان أحد جُنُباً و أتى بالصلاة، فشك بعد الفراغ عنها في أنّه اغتسل قبل الصلاة أم لا؟ فیحكم بصحّة الصلاة المأتي بها بمقتضى قاعدة الفراغ، و بوجوب الغسل علیه للصلوات الآتیة و سائر الواجبات المشروطة بالطهارة من الحدث الأكبر بمقتضى استصحاب بقاء الحدث مع العلم الإجمالي بمخالفة أحد الأصلین للواقع، مع أنّ قاعدة الفراغ أیضاً من الأصول المحرزة لو لمتكن من الأمارات»([5] [6] ).
المناقشة الثانیة: من المحقّق الخوئي(قدسسره) حلّاً
«إن أرید جریان الاستصحاب في الطرفین بنحو الكلّي المجموعي بأن یتعبّد بنجاسة مجموع الإناءین من حیث المجموع، فلا إشكال في عدم جریان الاستصحاب في الطرفین بهذا المعنی، إذ موضوع الاستصحاب هو الشك و لیس لنا شك في نجاسة المجموع من حیث المجموع، بل لنا علم بعدم نجاسة المجموع من حیث المجموع، إذ المفروض العلم الإجمالي بطهارة أحدهما ...
و إن أرید جریان الاستصحاب في الطرفین بنحو الكلّي الاستغراقي بأن یتعبّد بالاستصحاب في كلّ واحد من الطرفین مع قطع النظر عن الآخر، فلا محذور فیه أصلاً، لوجود الشك في كلّ واحد من الطرفین مع قطع النظر عن الآخر.
و العلم الإجمالي بطهارة أحدهما لایمنع عن جریان استصحاب النجاسة في خصوص كلّ منهما. غایة الأمر أنّ العلم المذكور هو السبب لعروض الشك في كلّ واحد من الطرفین، و لولا العلم الإجمالي لكانت نجاسة كلّ منهما محرزة بالعلم التفصیلي»([7] [8] ).
إنّ المحقق(قدّسسرّه) لم يُصرّح بأنّ الاستصحاب في طرف واحد يجري بلا مانع، بل يرى أنّ المانع من جريان الاستصحاب في مجموع الأطراف هو العلم الإجمالي ذاته. فإذا أردنا أن نجري الاستصحاب في طرف واحد مع غضّ النظر عن الطرف الآخر، فإنّ مقتضي جريان الاستصحاب موجود.
وعليه، لا يمكن القول بشكل صريح بأنّه يذهب إلى جريان الاستصحاب في طرف واحد فقط، بل يؤكّد أنّ العلم الإجمالي يُشكّل مانعاً لجريان الاستصحاب بصورة مجموعية. أمّا إذا تناولنا كل طرف بشكل مستقلّ عن الآخر، فإنّ مقتضي جريان الاستصحاب في ذلك الطرف يكون موجوداً.
المناقشة الثالثة: لبعض الأعلام
و المناقشة تتوجّه إلى الشیخ الأعظم(قدسسره) أیضاً كما تتوجّه إلى المحقّق النائیني(قدسسره) بیانها:
إنّهما قد التزما بجریان الاستصحاب في المتلازمین مع العلم الإجمالي بمخالفة أحد الاستصحابین للواقع، كما إذا توضّأ أحد غفلة بماء مردد بین الماء و البول، فالتزما بكونه محدثاً و بطهارة بدنه، للاستصحاب فیهما مع العلم بمخالفة أحد الاستصحابین للواقع، للملازمة الواقعیة بین بقاء الحدث و نجاسة البدن و بین طهارة البدن و رفع الحدث.
و لمیظهر وجه للفرق بین المقام و بین المثال المذكور فیما ذكراه(قدسسرهما) من المانع الثبوتي أو الإثباتي.[9]
و إن شئت قلت: في المقام أیضاً تلازم بین نجاسة أحد الإناءین و طهارة الآخر.
غایة الأمر أنّ التلازم في المقام عرضي للعلم الإجمالي بطهارة أحدهما و التلازم في المثال ذاتي بین بقاء الحدث و نجاسة البدن. و هذا لایوجب التفكیك.([10] )
القول الثاني: جریان الاستصحاب في الطرفین لصاحب الكفایة(قدسسره)
قال(قدسسره): «و إن لمیكن المستصحب في أحدهما من الآثار للآخر، فالأظهر جریانهما فیما لمیلزم منه محذور المخالفة القطعیة للتكلیف الفعلي المعلوم إجمالاً، لوجود المقتضي إثباتاً و فقد المانع عقلاً.
أمّا وجود المقتضي، فلإطلاق الخطاب و شموله للاستصحاب في أطراف المعلوم بالإجمال، فإنّ قوله(علیه السلام) في ذیل بعض أخبار الباب: «و لكن تنقض الیقین بالیقین» لو سلّم أنّه یمنع عن شمول قوله(علیه السلام) في صدره: «لاتنقض الیقین بالشك» للیقین و الشك في أطرافه، للزوم المناقضة في مدلوله، ضرورة المناقضة بین السلب الكلّي و الإیجاب الجزئي، إلا أنه لایمنع عن عموم النهي في سائر الأخبار ممّا لیس فیه الذیل، و شموله لما في أطرافه، فإنّ إجمال ذاك الخطاب لذلك لایكاد یسري إلى غیره ممّا لیس فیه ذلك.
و أمّا فقد المانع، فلأجل أنّ جریان الاستصحاب في الأطراف لایوجب إلا المخالفة الالتزامیة، و هو لیس بمحذور لا شرعاً و لا عقلاً»([11] [12] ).
هنا يجب الانتباه إلى نقطة مهمة، وهي أنّ صدر وذيل روايات الاستصحاب لا يشملان موارد العلم الإجمالي. وذلك لأنّ الروايات تقول: «لا تنقض اليقين بالشك، ولكن انقضه بيقين آخر»؛ أي أنّ اليقين التفصيلي لا يُنقض إلا بيقين تفصيلي آخر، وليس بالشك.
أمّا في موارد العلم الإجمالي، فلا يوجد لدينا يقين تفصيلي، بل يقين إجمالي فقط. وبالتالي، فإنّ موضوع الروايات، الذي يتناول نقض اليقين التفصيلي بالشك، لا ينطبق في هذه الحالة. ومن ثمّ، فإنّ صدر وذيل روايات الاستصحاب لا يشملان موارد العلم الإجمالي، ولا يمكن الاستناد إلى إطلاق هذه الروايات لإثبات جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي.
یلاحظ علیه
قد تقدّم أنّ الترخيص في المخالفة الالتزامیة القطعیة للتكلیف الفعلي المعلوم بالإجمال ممّا لایمكن الالتزام به، و نتیجة ذلك هو وجود المانع من جریان الاستصحاب في جمیع الأطراف. نعم قد قلنا إنّ وجوب الموافقة الالتزامیة القطعیة في ما إذا أمكن ذلك ممّا لا مفرّ منه، و لكن المهمّ هو أنّ الموافقة القطعیة التزاماً بالنسبة إلى أطراف العلم الإجمالي ممّا لایمكن تحقّقها.
لأنَّ جريان استصحاب النجاسة في جميع الأطراف يُوجِبُ المخالفة القطعية الالتزامية، لأنّا نعلم إجمالاً بطهارة أحد الطرفين، وأما الالتزام بالواقع، أي نجاسة أحدهما وطهارة الآخر، فلا يمكن تحقُّقه لعدم العلم بما عَرَضَ له الطهارة.
فلابدّ من أن نكتفي بالموافقة الالتزامیة الاحتمالیة. و بعبارة أخری: لابدّ من ترك المخالفة القطعیة الالتزامیة.
و نتیجة ذلك هو أنّ المانع المذكور یتوجّه إلى جریان أحد الاستصحابین و أمّا الاستصحاب الآخر فلا مانع من جریانه، فلابدّ من الحكم بالتخییر بین جریان الاستصحابین، لوجود المانع عن جریان كلیهما دون جریان واحد منهما.