46/10/27
بسم الله الرحمن الرحیم
خاتمة؛ الشرط الثالث؛ المقام الثاني؛ الجهة الثانیة: حکم تنافي الاستصحابین من باب التعارض/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة؛ الشرط الثالث؛ المقام الثاني؛ الجهة الثانیة: حکم تنافي الاستصحابین من باب التعارض
الجهة الثانية: حكم تنافي الاستصحابین من باب التعارض
هنا صورتان:
الصورة الأولی: تعارض الاستصحاب السببي و المسببي
قبل الورود في حكم المسألة لابدّ من الإشارة إلى المراد من السببي و المسببي فإنّ المراد من ذلك هو أنّ الشك في أحدهما مسبب عن الشك في الآخر فالسببیة و المسببیة بین الشكین لا بین الاستصحابین.
و المراد من السببیة هنا السببیة الشرعیة بمعنی كون المستصحب في أحد الاستصحابین موضوعاً للآخر، أعني أنّ المستصحب الآخر هو حكم هذا الموضوع و لیس المراد من السببیة في هذا البحث السببیة التكوینیة، لأنّ السببیة التكوینیة لا مجال لها في الأحكام الشرعیة و لا بین الموضوعات و أحكامها الشرعیة، أمّا السببیة التكوینیة بین الموضوعات الخارجیة فهي و إن كانت محقّقة و لكن استصحاب وجود السبب بالنسبة إلى تحقّق مسببه أصل مثبت.
و من جهة أخری إنّ الحكم المستصحب للموضوع السببي و الحكم المستصحب للموضوع المسببي بالسببیة التكوینیة، قد یختلفان و قد یتّفقان و هذه السببیة التكوینیة لاتوجب تقدیم أحدهما على الآخر.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ الاستصحاب السببي مقدّم على الاستصحاب المسبّبي([1] [2] [3] ).
و بعبارة أخری: إنّ الاستصحاب الموضوعي مقدّم على الاستصحاب الحكمي، لأنّه بعد إحراز الموضوع بالاستصحاب یترتّب علیه حكمه الشرعي، فلایبقی شك في رتبة الحكم حتّی یجري الاستصحاب بالنسبة إلى الحكم. ([4] [5] [6] [7] [8] [9] [10] )
مثلاً إذا غسل الثوب النجس بالماء ثم شك في طهارة الماء المذكور، فالتعبّد بطهارة الماء بنفسه یوجب إلغاء الشك في نجاسة الثوب و یقتضي بنفسه طهارة الثوب، فإنّ معنی طهارة الماء كونه مزیلاً للحدث و الخبث.
و المحقّق النائیني(قدسسره) أفاد هنا شرطین لحكومة الأصل السببي على المسببي:
«أحدهما: أن یكون ترتّب المسبب على السبب شرعیاً لا عقلیاً ... .
ثانيهما: أن یكون الأصل السببي رافعاً للشك المسببي، فالشك في جواز الصلاة في الثوب لأجل الشك في اتّخاذه من الحیوان المحلّل خارج عن محل الكلام أیضاً، فإنّ أصالة الحلّ في الحیوان و إن كانت تجري إلا أنّها لاتقتضي جواز الصلاة في الثوب، لبقاء الشك في جواز الصلاة فیه على حاله، لأنّ أصالة الحلّ لاتثبت كون الثوب متّخذاً من الأنواع المحلّلة»([11] [12] ).
الصورة الثانیة: تعارض الاستصحابین إذا لمیكن أحدهما سببياً و الآخر مسببياً
و الأعلام مثل الشیخ الأنصاري(قدسسره)([13] ) و المحقّق النائیني(قدسسره)([14] [15] ) قد عبّروا عنها بأنّ الشك في كلّ منهما مسبّبٌ عن أمر ثالث و الشیخ(قدسسره) أفاد هنا أربعة أقسام([16] )، و صاحب الكفایة(قدسسره) ذكر هنا قسمین([17] ).
ففي الصورة الثانية قسمان:
القسم الأوّل: فيما إذا لزم من جریان الاستصحابین المخالفة القطعية
و هو ما إذا لزم من جریان الاستصحابین المخالفة العملیة القطعیة للتكلیف الفعلي المعلوم بالعلم الإجمالي و مثّل الشیخ الأعظم الأنصاري(قدسسره) ([18] ) لذلك بما إذا علمنا بطهارة شیئین ثم علمنا إجمالاً بطروّ النجاسة على أحدهما، فإنّ جریان استصحاب الطهارة في كلا الطرفین للعلم الإجمالي بالنجاسة مخالف لهذا العلم الإجمالي مخالفة عملیة قطعیة.
و في القسم الأول قولان: ([19] )
القول الأوّل: نظریة أكثر الأعلام و هو سقوط كلا الاستصحابین.
القول الثاني: و هو المختار و هو سقوط أحد الاستصحابین دون الآخر، لئلا تلزم المخالفة العملیة القطعیة.
و لكن بعض الأعلام أشكل على القول الثاني بقوله: «جریانه في أحدهما المعیّن ترجیح بلا مرجّح و في أحدهما المخیّر یحتاج إلى دلیل و إن كان المحذور العقلي منتفیاً»([20] [21] ).
و قد تقدّم([22] ) في مباحث العلم الإجمالي أنّ بعض المحقّقین قالوا: إنّ العلم الإجمالي بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعیة و حرمة المخالفة القطعیة علّة تامّة([23] [24] )، و ذهب بعض المحققین إلى أنّ العلم الإجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعیة علّة تامّة و بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعیة اقتضائي([25] [26] )، و اختار أكثر القائلین بكون العلم الإجمالي مقتضیاً للزوم الموافقة القطعیة([27] ) عدمَ جریان الاستصحاب في كلا الطرفین.([28] )
و لكن قلنا بأنّ العلم الإجمالي و إن كان علّة تامّة بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعیة و اقتضائیاً بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعیة إلا أنّ الدلیل الشرعي یمنع عن ذلك الاقتضاء بالنسبة إلى الشبهات التحریمیة و نتیجة ذلك هو التخییر في جریان أحد الأصلین. ([29] )
القسم الثاني: فيما إذا لزم من جریان الاستصحابین المخالفة الالتزامیة
و هو ما إذا لزم من جریان الاستصحابین المخالفة الالتزامیة فقط دون المخالفة العملیة القطعیة بمعنی أنّه نعلم بمخالفة أحد الاستصحابین للواقع مثل العلم بنجاسة الإناءین، ثم العلم بطهارة أحدهما إجمالاً، فإنّ جریان الاستصحاب في كلا الطرفین مخالفة التزامیة.
في القسم الثاني أقوال ثلاثة:
القول الأوّل: عدم جریان الاستصحاب في الطرفین للشيخ و المحقّق النائیني
استدلال الشیخ(قدسسره) علی القول الأوّل([30] )
«إذا لمیكن مرجّح فالحقّ التساقط دون التخییر ... لأنّ العلم الإجمالي هنا بانتقاض أحد الضدین یوجب خروجهما عن مدلول «لاتنقض» لأنّ قوله(علیه السلام): «لا تنقض اليقين بالشّك و لكن تنقضه بیقین مثله»([31] [32] ) یدلّ على حرمة النقض بالشك و وجوب النقض بالیقین.
فإذا فرض الیقین بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبین، فلایجوز إبقاء كلّ منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك، لأنّه مستلزم لطرح الحكم بنقض الیقین بمثله، و لا [یجوز] إبقاءُ أحدهما المعیّن [تحت عموم حرمة النقض بالشك]، لاشتراك الآخر معه في مناط الدخول من غیر مرجّح. و أمّا أحدهما المخیّر فلیس من أفراد العامّ ... فإذا خرجا لمیبق شيء.»
إیراد المحقّق الخوئي(قدسسره) علی استدلال الشیخ(قدسسره)
«أوّلاً: إنّ الظاهر كون المراد من الیقین في قوله(علیه السلام): «و لكن تنقضه بیقین آخر» هو خصوص الیقین التفصیلي، لا الأعمّ منه و من الإجمالي، إذ المراد نقضه بیقین آخر متعلّق بما تعلّق به الیقین الأوّل، و إلا لایكون ناقضاً له.
فحاصل المراد هكذا: كنت على یقین من طهارة ثوبك، فلاتنقضه بالشك في نجاسة الثوب، بل انقضه بالیقین بنجاسته، فلایشمل الیقین الإجمالي، لعدم تعلّقه بما تعلّق به الیقین الأوّل، بل تعلّق بعنوان أحدهما، فلا مانع من التمسّك بإطلاق الشك في قوله:(علیه السلام) «لَا تَنْقُضِ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ» و جریان الاستصحاب في الطرفین.
و ثانیاً: إنّه لیس هذا الذیل و هو قوله(علیه السلام): «وَ لَكِنْ تَنْقُضُهُ بِيَقِينٍ آخَر» موجوداً في جمیع أدلّة الاستصحاب و إجمال الدلیل الموجود فیه هذا الذیل لایمنع من التمسّك بدلیل آخر لیس فیه هذا الذیل الموجب للإجمال، فإنّ إجمال الدلیل عبارة عن عدم الدلالة، لا الدلالة إلى العدم.
و هذا الذي ذكره الشیخ) راجع إلى المانع الإثباتي من جریان الاستصحاب في المقام، و قد عرفت جوابه»([33] ).
ملاحظتنا علی استدلال الشیخ(قدسسره)
إنّ إبقاء كلّ من المستصحبین على حدة لیس مستلزماً لطرح الحكم بنقض الیقین بمثله، بل إبقاء كلیهما معاً مستلزم لذلك، لأنّه یوجب المخالفة القطعیة العملیة، أمّا إبقاء أحدهما المعین تحت عموم حرمة النقض بالشك فلایجوز لأنّه ترجیح بلا مرجّح.
نعم العلم الإجمالي مقتضٍ للموافقة القطعیة و الترخیص الوارد في الشبهات التحریمیة یوجب الاكتفاء بالموافقة الاحتمالیة في تلك الشبهات، فإن كان المستصحبان من مصادیق الشبهات التحریمیة فلا مانع من جریان أحدهما، لعدم مانعیة العلم الإجمالي من جریانه فالقاعدة تقتضي التخییر بینهما.([34] )