« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/10/23

بسم الله الرحمن الرحیم

خاتمة؛ الشرط الثالث: الفحص عن الدلیل و المعارض/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة؛ الشرط الثالث: الفحص عن الدلیل و المعارض

 

خاتمة حول شروط جریان الاستصحاب

الشرط الثالث: الفحص عن الدلیل و عن المعارض

إنّ الشرط الثالث لجریان الاستصحاب له مقامان:

المقام الأوّل: لزوم الفحص عن وجود أمارة معتبرة في مورد الاستصحاب، فلو وجدنا بعد الفحص أمارة على الحكم الشرعي أو على وجود الموضوع المشكوك، فلایبقی مجال لجریان الاستصحاب، سواء قلنا بأنّ الاستصحاب أصل عملي -كما علیه الشیخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) و صاحب الكفایة (قدس سره) و المحقّق النائیني (قدس سره) و غیرهم- أم قلنا بأنّ الاستصحاب أمارة شرعیة كسائر الأمارات، كما ذهب إلیه جمع من قدماء الأصولیین و بعض المتأخّرین مثل المحقّق الخوئي (قدس سره).

و نبحث هنا عن وجه تقدیم الأمارات على الاستصحاب و هل تتقدّم علیه بالتخصیص أو بالحكومة أو بالورود.

و المقام الثاني: لزوم الفحص عن الأصل المعارض، و الأصل المعارض إمّا هو الاستصحاب و إمّا غیره، فهنا لابدّ أن نلاحظ سائر الأصول و القواعد و نبحث عن إمكان تعارضها مع الاستصحاب ثبوتاً و مع ثبوت إمكان تعارضها معه لابدّ من الفحص عنها في كلّ مورد نجري الاستصحاب.

المقام الأوّل: لزوم الفحص عن الأمارة المعتبرة

و الظاهر أنّه لا خلاف بین الأعلام في لزوم الفحص عن الأمارة المعتبرة في الشبهات الحكمیة، كما أنّه لا يوجد خلاف ظاهر([1] [2] ) بینهم في تقدّم الأمارة المعتبرة على الاستصحاب فیما إذا وجدناها.

الكلام في تقديم الأمارات على الاستصحاب

إنّما الكلام في وجه تقدّمها على الاستصحاب على المبنیین: كونه أصلاً عملیاً و كونه أمارة شرعیة. ([3] )

المبنى الأول: وجه تقدّم الأمارات بناء علی كون الاستصحاب أصلاً عملیاً

هنا أقوال بین المحقّقین؛ فذهب بعضهم إلى تقدّمها علیه من باب الورود كما علیه صاحب الكفایة (قدس سره) و جمع من الأعلام([4] [5] [6] [7] ) کالمحقق الحائري و السید الفشارکي و المحقق البروجردي (قدس سرهم)، و قال بعضهم بأنّ تقدّمها علیه من باب الحكومة كما هو المشهور، و هنا قول ثالث و هو أنّ تقدّمها علیه من باب التخصیص([8] [9] ).

قبل الورود في البحث لابدّ أن یتضح عندنا معنی التخصّص و التخصیص و الحكومة و الورود.

أمّا التخصّص فهو خروج الفرد عن الموضوع العامّ تكویناً و وجداناً، و ذلك مثل ما إذا أمر المولى بإكرام العلماء فالجاهل خارج عنه تكویناً و وجداناً خروجاً موضوعیاً.

أمّا التخصیص فهو رفع الحكم عن بعض أفراد الموضوع العامّ بعد ثبوت هذا الحكم لجمیع أفراد العامّ في ظاهر الدلیل، من غیر تصرّف في الموضوع و ذلك مثل قوله أكرم العلماء و تخصیصه بقوله: «لاتكرم الفساق من العلماء» فإنّ الدلیل الثاني یرفع حكم وجوب الإكرام عن بعض أفراد موضوع العامّ من غیر أن یتصرّف في موضوع الدلیل.

و المراد من التصرف في موضوع الدلیل هو أن یقال: «الفساق لایعدّون من العلماء».

أمّا الورود فهو خروج بعض أفراد الموضوع عن الموضوع العامّ خروجاً وجدانیاً حقیقیاً بواسطة التعبّد الشرعي لا تكویناً.

و المثال المعروف لذلك هو قیام الأمارات و الأدلّة الاجتهادیة في مورد الأصول العقلیة مثل البراءة العقلیة و الاحتیاط العقلي و التخییر العقلي، فإنّ موضوع البراءة العقلیة هو موضوع عام و یعبّر عنه بعدم البیان و حكمه هو عدم العقاب و قبحه. و بعبارة أخری: كلّ فعل لم‌یرد فیه بیان من الشارع فهو موضوع لحكمه بعدم العقاب و قبحه، و الأمارات التعبدیة كلّها تعدّ بیاناً بالتعبّد الشرعي و إن لم‌تكن بیاناً ما لم‌تثبت بیانیته تعبّداً.

و موضوع الاحتیاط العقلي هو الضرر المحتمل الأخروي و یعبّر عن هذا الضرر بالعقاب، و الأمارات الشرعیة التعبّدیة توجب ارتفاع احتمال الضرر الأخروي لأنّها حجج شرعیة، فیخرج بعض أفراد الموضوع عن الموضوع العامّ خروجاً حقیقیاً و لكنه بواسطة التعبّد بالأمارات لا تكویناً.

و موضوع التخییر العقلي عدم الرجحان و الأمارات الشرعیة بعد حجّیتها تكون راجحة فیخرج مفاد الأمارات عن موضوع عدم الرجحان حقیقةً و لكنّه بواسطة التعبّد الشرعي بالأمارات.

أمّا الحكومة فهي قد یعرّف برفع الحكم عن بعض أفراد موضوع العامّ لدلیل المحكوم بالتصرّف في موضوعه تعبّداً، بالتضییق أو التوسعة، بواسطة الدلیل الحاكم، بمعنی أنّ دلیل الحاكم یتصرّف في موضوع دلیل المحكوم تصرفاً تعبّدیاً إمّا بتنزیل شيء خارج عن الموضوع بمنزلة الموضوع و إمّا بتنزیل شيء داخل في الموضوع بمنزلة الخارج عن الموضوع، و هذا هو معنی التوسعة التعبّدیة و التضییق التعبّدي في الموضوع.

و قد یقال: «في ضابط الحكومة بأنّه لولا دلیل المحكوم لكان دلیل الحاكم لغواً»([10] ).

و فیه أنّ ذلك لیس ضابطاً كلّیاً لموارد الحكومة، فإنّ الأمارات الشرعیة حاكمة على الأصول الشرعیة مع أنّه لولا الأصول الشرعیة لاتكون تلك الأمارات الشرعیة لغواً.([11] )

لتوضيح هذا الموضوع، يمكن القول إن الأمارات الشرعية (مثل خبر الواحد، البينة، أو غيرها من الحجج الشرعية المعتبرة) تحكم على القواعد الشرعية (مثل أصل البراءة، أصل الاستصحاب، أصل التخيير، أو أصل الاحتياط). وهذا الحكم يعني أن الأمارات الشرعية تغيّر موضوع القواعد الشرعية، فتقوم بتقييدها أو توسيعها. ولكن النقطة المهمة هي أنه حتى في حال عدم وجود القواعد الشرعية، فإن الأمارات الشرعية تظل فعّالة ومعتبرة ولن تكون عديمة الفائدة.

لنفرض أننا نشك في حكم معيّن، هل هو واجب أم لا، ولا يوجد دليل واضح من النصوص الشرعية. في مثل هذه الحالات، يجري أصل البراءة الشرعي الذي يقول: “لا يوجد تكليف على الإنسان إلا إذا كان هناك دليل واضح على وجود التكليف.” يقوم هذا الأصل على أساس “عدم البيان”، أي أنه طالما لا يوجد بيان من الشارع، فإن الأصل هو عدم وجود التكليف.

أما إذا وُجدت أمارة شرعية (مثل خبر الواحد المعتبر) تدل على وجود التكليف، فإن هذه الأمارة الشرعية تُعتبر بياناً شرعياً وتغير موضوع أصل البراءة (عدم البيان). بمعنى أنه مع وجود هذه الأمارة، لم يعد “عدم البيان” صادقاً، وبالتالي لا يجري أصل البراءة. وهذا هو معنى حكم الأمارة الشرعية على أصل البراءة.

لكن لو افترضنا أن القواعد الشرعية (مثل أصل البراءة) لم تكن موجودة على الإطلاق، فإن الأمارات الشرعية (مثل خبر الواحد المعتبر) لا تفقد فعاليتها، وتبقى حجّة شرعية. أي أن الأمارات الشرعية بسبب اعتبارها الذاتي كافية لإثبات الحكم الشرعي، ولا تحتاج إلى وجود القواعد الشرعية.

بل نقول: إنّ الدلیل الحاكم لیس شأنه إلا التصرّف في موضوع الدلیل المحكوم تعبّداً و معنی ذلك عدم المنافاة بین الدلیل الحاكم و المحكوم، و لذا تری أنّه لا منافاة بین قوله: «لَا رِبَا بَيْنَ‌ الْوَالِدِ وَ الْوَلَد»([12] [13] ) و بین قوله تعالى: ﴿حَرَّمَ الرِّبا﴾ ([14] ) و كذا لا منافاة بین أدلة أحكام الشك و بین قوله: «لا شك لكثیر الشك»([15] ).

والحكومة تفسّر بوجهین:

الأوّل: أن یكون الدلیل الحاكم ناظراً إلى موضوع الدلیل المحكوم كما تقدّم بالتوسعة و التضییق التعبّدي.

الثاني: أن یكون الدلیل الحاكم ناظراً إلى نفس الحكم مع قطع النظر عن دلالة الدلیل علیه فالنظر إلى مدلول الدلیل بذاته لا بما هو مدلول هذا الدلیل.

الفرق بين “الحكومة” و"الورود":

في الورود: خروج الأفراد من موضوع العام يكون خروجًا حقيقيًا وجدانيًا، ولكن هذا الخروج يتم عبر التعبّد الشرعي وليس بشكل تكويني. بمعنى أن موضوع العام ينفصل حقيقةً عن موضوع الخاص، إلا أن هذا الانفصال يحدث بسبب اعتبار شرعي وليس بسبب واقع تكويني. مثال ذلك هو البراءة العقلية، حيث مع وجود الأمارات الشرعية يتم رفع موضوعها (عدم البيان) بشكل وجداني.

أما في الحكومة: خروج الأفراد من موضوع العام يحدث من خلال تصرّف تعبّدي في الموضوع نفسه. أي أن الدليل الحاكم يقوم بالتصرّف في موضوع الدليل المحكوم، إما بتوسيعه أو تضييقه. هنا، تغيير الموضوع لا يكون وجدانيًا، بل يتم فقط بسبب التعبّد الشرعي.

بعد توضيح هذه المفاهيم، نعود إلى أصل النقاش حول سبب تقديم الأمارات الشرعية على الاستصحاب، فنقول:

إذا اتّضح ذلك، فلنرجع إلى أصل البحث و هو وجه تقدیم الأمارات الشرعیة على الاستصحاب فنقول:

إنّ تقدیمها علیه لیس من باب الورود، لأنّ الأمارات لاتوجب خروج المورد عن موضوع دلیل الاستصحاب وجداناً، لأنّ موضوع دلیل الاستصحاب هو الشك و الأمارات لاترفع الشك وجداناً بل ترفعه تعبّداً.([16] )

بل الأمارة حاكمة على دلیل الاستصحاب، لأنّ موضوع دلیل الاستصحاب عنوان الشك و هو عنوان عام و الأمارة تضیّق ذلك تعبّداً و توجب إثبات الحكم الشرعي لبعض أفراد الشك من غیر أن ترفع الشك وجداناً بل الأمارة ترفع الشك تعبّداً، فیخرج هذا الفرد عن تحت موضوع دلیل الاستصحاب و هذا هو معنی الحكومة.

فإنّ موضوع أدلّة الاستصحاب على المختار هو الشك، لأنّ أدلّة الاستصحاب هي أخبار «لَا‌تَنْقُضِ‌ الْيَقِينَ‌ بِالشَّك» و الموضوع في تلك الأخبار هو الشك و الحكم فیها حرمة نقض الیقین بالمتیقّن السابق بهذا الشك.([17] [18] )

المبنی الثاني: وجه تقدم الأمارات بناء علی كون الاستصحاب أمارةً

إنّ الأمارات الشرعیة تتقدّم على الاستصحاب و إن قلنا بأنّه أمارة من الأمارات و الدلیل علیه أنّ موضوع الاستصحاب على القول بكونه من الأمارات لیس إلا الشك، لأنّ المستفاد من أدلّة حجیة الاستصحاب هو ذلك كما تقدّم فالأمارات الشرعیة تتقدّم علیه بالحکومة بما أنّها توجب ارتفاع الشك تعبّداً.([19] )

المقام الثاني: لزوم الفحص عن الأصل المعارض

و في هذا المقام لابدّ من أن نبحث عن إمكان تعارض سائر الأصول مع الاستصحاب و حینئذٍ إذا ثبت إمكان التعارض ثبوتاً فلابدّ من الفحص عن جریانه في المورد الذي هو مجری الاستصحاب، و الأصل المعارض إمّا هو الاستصحاب و إمّا سائر الأصول؛ فإنّ بعض الأصول لایمكن أن یعارض الاستصحاب ثبوتاً لتقدّم الاستصحاب علیه، و بعضها یمكن أن یعارض الاستصحاب من غیر تقدّم أحدهما على الآخر، و بعضها یمكن أن یتقدّم على الاستصحاب عند التعارض البدوي بینهما، فهنا ثلاثة أقسام من الأصول.

فیقع البحث:

أوّلاً: في تعارض الاستصحابین.

و ثانیاً: في تعارض الاستصحاب مع الأصول العملیة الشرعیة.

و ثالثاً: في تعارضه مع الأصول العملیة العقلیة.

و رابعاً: في تعارضه مع قاعدتي الفراغ و التجاوز.

و خامساً: في تعارضه مع أصالة الصحّة.

و سادساً: في تعارضه مع قاعدة الید.

و سابعاً: في تعارضه مع قاعدة القرعة.

البحث الأوّل: تعارض الاستصحابین

و التنافي بین الاستصحابین إمّا من جهة التزاحم و إمّا من جهة التعارض:

توضیح ذلك:

إنّ التزاحم بمعنی تنافي الحكمین بحسب مقام الامتثال دون مقام الجعل، فالدلیلان المتزاحمان لایتكاذبان و لا تنافي بینهما بحسب مقام الجعل إلا أن تنجّز أحدهما یمنع عن تنجّز الآخر لعدم قدرة المكلّف على امتثال كلا الحكمین، أو أنّ فعلیة أحدهما تمنع فعلیة الآخر.

فإنّ للقدرة على امتثال التكلیف مرحلتین:

القدرة الإجمالیة على امتثال التكلیف و هذه القدرة شرط فعلیة التكلیف.

و القدرة التفصیلیة على امتثاله و هذه القدرة شرط تنجّز التكلیف.

و أمّا التعارض فهو بمعنی تنافي الحكمین بحسب مقام الجعل ثبوتاً فالدلیلان المتعارضان یتكاذبان في مقام الإثبات.

و تنافي المتعارضین إمّا ذاتي مثل تنافي الحكم بوجوب الشيء و حرمته و إمّا عرضي مثل تنافي وجوب صلاة الظهر یوم الجمعة و وجوب صلاة الجمعة و الوجه في تحقّق التنافي بینهما هو العلم الإجمالي بجعل أحدهما دون الآخر.

لهذا البحث جهتان:

الجهة الاولی: حكم تنافي الاستصحابین من باب التزاحم

و ذلك مثل الشك في أداء صلاة العصر و الشك في أداء صلاة الآیات مع ضیق الوقت و عدم إمكان الإتیان بهما معاً.

و حكم التزاحم إمّا وجوب الأخذ بالأهمّ و إمّا وجوب الأخذ بما لا بدل له و إمّا وجوب الأخذ بما أخذت فیه القدرة العقلیة و ترك ما أخذت فیه القدرة الشرعیة و هذا البحث قد تقدّم([20] ) في مباحث التزاحم.


[1] قال السید السیستاني(دام ظله) في الاستصحاب، ج3، ص124: «و الأقوال فیه ثلاثة:القول الأول: التقدم مطلقاً كما هو الرأي المشهور بین المتأخرین.القول الثاني: تقدم الأمارة المخالفة دون الموافقة كما هو المستفاد من بعض كلمات صاحب الكفایة و اخترناه سابقاً. [لعل المراد من بعض كلمات صاحب الكفایة قوله: (عدم رفع اليد عنه مع الأمارة على وفقه ليس لأجل أن لايلزم نقضه به بل من جهة لزوم العمل بالحجة.)]القول الثالث: التعارض و عدم تقدیم أحدهما على الآخر كما هو ظاهر كلام السید بحر العلوم في مبحث استصحاب حكم المخصص على ما حكاه الشیخ [الفرائد، ج2، ص682]».
[2] و في بحر الفوائد في شرح الفرائد، الآشتياني، الميرزا محمد حسن، ج3، ص183..: «لم يخالف فيه أحد على التّحقيق، فإنه، و إن كان ربما يظهر من جماعة كالسيّد السّند المتقدّم ذكره في طيّ الشّبهات و الفاضل القميّ و غيرهما خلاف ذلك، و أنّه قد يعمل بها دونه إلّا أنّ مقتضى التّأمّل في كلامهم عدم إرادتهم ما ينافي ما نحن فيه على ما عرفت في توجيه كلام السيّد المتقدّم ذكره و ستعرف في توجيه كلام الفاضل القمّي رحمه اللّه‌...»
[3] . كلام للمحقق العراقي في الفرق بين الأمارة و الأصل في نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج4، ص20..: «إن الميزان في كون الشي‌ء أصلاً إنما هو بعدم كون دليل اعتباره ناظراً إلى تتميم كشفه و إن كان فيه جهة كشف عن الواقع، كما أن الميزان في كون الشي‌ء أمارة إنما هو بكونه كاشفاً عن الواقع و لو بمرتبة ما مع كون دليل اعتباره ناظراً إلى تتميم كشفه، فكل ما اعتبره الشارع بلحاظ كشفه عن الواقع يكون أمارة، و كل ما لم‌يعتبره الشارع من هذه الجهة، إما بأن لايكون له كشف عن الواقع أصلاً، أو كان له ذلك و لكن لم‌يكن اعتباره من هذه الجهة يكون أصلاً، و إن كان في نفسه مقدماً على بعض الأصول كالاستصحاب مثلاً»
[4] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص429..: «و التحقيق أنه للورود فإن رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين و عدم رفع اليد عنه مع الأمارة على وفقه ليس لأجل أن لايلزم نقضه به بل من جهة لزوم العمل بالحجة»
[5] المحقق الحائري و السيد الفشاركي كما في درر الفوائد، الحائري اليزدي، الشيخ عبد الكريم، ج2، ص249..: «و الأقوى وفاقاً لسيدنا الأستاذ طاب ثراه ورود الأدلة و الأمارات على الاستصحاب و ساير الأصول التعبدية»
[6] و قال المحقق البروجردي في الحاشية على كفاية الأصول، البروجردي، السيد حسين، ج2، ص448.: «... أو للورود كما ذهب إليه المصنّف. و ذلك لأنّ رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين و ذلك هو التحقيق، لأنّ التخصيص لا وجه له. و أما الحكومة فلأنّه لا نظر لدليل الأمارة إلى مدلول دليله بما هو مدلوله في مقام الإثبات‌ ...»
[7] منتقى الأصول، الحكيم، السيد عبد الصاحب، ج6، ص422..: «و بذلك يتعين القول: بأن تقدم‌ الأمارة على‌ الاستصحاب‌ من باب الورود»
[8] بیان المحقق الخوئي في التخصیص. مصباح الأصول( مباحث حجج و امارات- مكتبة الداوري)، الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص247.: «فذهب بعضهم إلى أنّه من باب التخصيص، بدعوى أنّ النسبة بين أدلة الاستصحاب و أدلة الامارات و إن كانت هي العموم من وجه، إلّا أنّه لابدّ من تخصيص أدلة الاستصحاب بأدلة الأمارات و تقديمها عليها، لأنّ النسبة المتحققة بين الأمارات و الاستصحاب هي النسبة بينها و بين جميع الأصول العملية، فلو عمل بالأصول لم‌يبق مورد للعمل بالأمارات، فيلزم إلغاؤها، إذ من الواضح أنّه لايوجد مورد من الموارد إلّا و هو مجرى لأصل من الأصول العملية مع قطع النظر عن الأمارة القائمة فيه».و رد بأن «فيه أوّلًا: أنّ أدلة الاستصحاب في نفسها بعيدة عن التخصيص، فإن ظاهر قوله.: «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» إرجاع الحكم إلى قضية ارتكازية، و هي عدم جواز رفع اليد عن الأمر المبرم بأمر غير مبرم، و هذا المعنى آبٍ عن التخصيص، إذ مرجعه إلى أنّه في مورد خاص يرفع اليد عن الأمر المبرم بأمر غير مبرم، و هو خلاف الارتكاز. و ثانياً: مع الغضّ عن إبائها عن التخصيص، أنّ التخصيص في رتبة متأخرة عن الورود و الحكومة، لأنّ التخصيص رفع الحكم عن الموضوع، و مع انتفاء الموضوع بالوجدان كما في الورود أو بالتعبد كما في الحكومة لاتصل النوبة إلى التخصيص، و سنبيّن أنّه لا موضوع للاستصحاب مع الأمارة على وفاقه أو على خلافه»
[9] و في بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج6، ص350..: «تقديم‌ الأمارة على‌ الاستصحاب‌ و هنا أيضاً تتمّ الأخصية بالمعنى المتقدم [في تقديها على البراءة] لأن تخصيص دليل حجية الأمارة بموارد عدم الحالة السابقة أو تواردهما أو تساقط الاستصحابات بعلم إجمالي و نحوه أمر غير عرفي لندرته بخلاف العكس فيكون دليل حجية الظهور و الخبر بمثابة الأخص»
[10] قال الشيخ الأنصاري على ما في بعض نسخ الفرائد كما في فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص13..: «و ميزان ذلك: أن يكون بحيث‌ لو فرض‌ عدم‌ ورود ذلك الدليل لكان هذا الدليل لغواً خالياً عن المورد»
[11] و بهذا الإشكال أورد السيد المجدد الشيرازي على الشيخ الأنصاري بعد أن أورد قوله كما في تقرير بعض تلامذته، ج4، ص179: «فيه ما لايخفى على من له دقة النّظر، إذ لايخفى أن أدلة اعتبار الأدلة الاجتهادية بأسرها حاكمة على أدلة اعتبار الأصول العملية الشرعية كما اختاره و سيأتي توضيحه أيضاً، مع أنه ليس شي‌ء منها بحيث‌ لو فرض‌ عدم‌ دليل على اعتبار الأصول الشرعية العملية لكان لغواً خالياً عن الفائدة، بل لها فائدة أخرى غير بيان كمية مدلول أدلة اعتبار الأصول الشرعية العملية- أيضاً- و هي ورودها على الأصول العقلية المحكمة في المورد قبل الأصول الشرعية. و كأنه. زعم أن الحاكم لابد أن يكون الغرض منه مجرد التفسير و البيان لدليل آخر، فلذا يكون لغواً لولاه.لكنه كما ترى، بل مدار الحكومة على كون الحاكم على وجه يصلح لأن يكون بياناً و مفسراً لدليل آخر على خلافه على تقدير ذلك الدليل و لو كان الغرض منه غير تفسير ذلك الدليل أيضاً. نعم اتصافه فعلاً بذلك العنوان يتوقف على وجود ذلك الدليل»
[15] هذه قاعدة تدلّ عليها أحادیث:منها: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ وَ أَبِي بَصِيرٍ قَالا قُلْنَا لَهُ‌ الرَّجُلُ يَشُكُ‌ كَثِيراً فِي‌ صَلَاتِهِ‌ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَ لَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ قَالَ يُعِيدُ قُلْنَا لَهُ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّمَا عَادَ شَكَّ قَالَ: يَمْضِي فِي شَكِّهِ ثُمَّ قَالَ: لَا تُعَوِّدُوا الْخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِنَقْضِ الصَّلَاةِ فَتُطْمِعُوهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ خَبِيثٌ يَعْتَادُ لِمَا عُوِّدَ فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الْوَهْمِ وَ لَا يُكْثِرَنَّ نَقْضَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ الشَّكُّ قَالَ زُرَارَةُ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبِيثُ أَنْ يُطَاعَ فَإِذَا عُصِيَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَحَدِكُمْ». الكافي، ج‌3، ص358، كتاب الصلاة، باب من شكّ في صلاته كلها و لم يدرِ زاد أو نقص و من كثر عليه السهو ...، ح2؛ التهذيب، ج‌2، ص188، كتاب الصلاة، الباب10 أحكام السهو في الصلاة و ما يجب منه إعادة الصلاة، ح48؛ الاستبصار، ج‌1، ص374-375، كتاب الصلاة، الباب217 من أبواب السهو و النسيان، ح5: (محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله‌)؛ الوسائل، ج‌8، ص228، كتاب الصلاة، الباب16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح2.و منها: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: «إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ‌ السَّهْوُ فَامْضِ فِي [عَلَى] صَلَاتِكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَدَعَكَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ». الكافي، ج‌3، ص359، كتاب الصلاة، باب من شكّ في صلاته كلها و لم يدرِ زاد أو نقص و من كثر عليه السهو ...، ح8؛ من لا يحضره الفقيه، ج‌1، ص339، كتاب الصلاة، باب أحكام السهو في الصلاة، ح6: (و رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم مثله)؛ التهذيب، ج‌2، ص343-344، كتاب الصلاة، الباب16من الزيادات باب أحكام السهو، ح12: (‌رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن العلاء مثله)؛ الوسائل، ج‌8، ص227-228، كتاب الصلاة، الباب16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح1.و منها ما في الفقيه مرسلاً: قَالَ الرِّضَا‌: «إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ‌ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ فَامْضِ عَلَى صَلَاتِكَ وَ لَا تُعِدْ». الفقيه، ج‌1، ص339، كتاب الصلاة، باب أحكام السهو في الصلاة، ح5؛ الوسائل، ج‌8، ص229، كتاب الصلاة، الباب16من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح6.و منها ما في التهذيب بإسناده عن الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ‌ السَّهْوُ فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ». التهذيب، ج‌2، ص343، كتاب الصلاة، الباب16 من الزيادات باب أحكام السهو، ح11؛ الوسائل، ج‌8، ص228، كتاب الصلاة، الباب16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3.و منها ما في التهذيب أيضاً بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقٍ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ فِي الرَّجُلِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ‌ الْوَهْمُ‌ فِي الصَّلَاةِ فَيَشُكُّ فِي الرُّكُوعِ فَلَا يَدْرِي أَ رَكَعَ أَمْ لَا وَ يَشُكُّ فِي السُّجُودِ فَلَا يَدْرِي أَ سَجَدَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: «لَا يَسْجُدُ وَ لَا يَرْكَعُ وَ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ يَقِيناً الْحَدِيثَ». التهذيب، ج‌2، ص153-154، كتاب الصلاة، الباب9، ح62؛ الاستبصار، ج‌1، ص362، كتاب الصلاة، الباب211 من أبواب السهو و النسيان، ح5؛ الوسائل؛ ج‌8، ص229، كتاب الصلاة، الباب16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح5.و منها ما في الفقيه بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّ الصَّادِقَ. قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يَسْهُو فِي كُلِّ ثَلَاثٍ فَهُوَ مِمَّنْ كَثُرَ عَلَيْهِ السَّهْوُ». من لا يحضره الفقيه، ج‌1، ص339، كتاب الصلاة، باب أحكام السهو في الصلاة، ح7؛ الوسائل، ج‌8، ص229، كتاب الصلاة، الباب16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح7
[16] و ستأتي في آخر المقام الأول في الهامش أدلة القائلين بالورود.
[17] إیراد المحقق الخراساني على هذه النظریة: كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص429..: «و أما حديث الحكومة فلا أصل له أصلاً فإنه لا نظر لدليلها إلى مدلول دليله إثباتاً و بما هو مدلول الدليل و إن كان دالاً على إلغائه معها ثبوتاً و واقعاً لمنافاة لزوم العمل بها مع العمل به لو كان على خلافها كما أن قضية دليله إلغاؤها كذلك فإن كلاً من الدليلين بصدد بيان ما هو الوظيفة للجاهل فيطرد كل منهما الآخر مع المخالفة هذا مع لزوم اعتباره معها في صورة الموافقة و لا أظنّ أن يلتزم به القائل بالحكومة فافهم فإن المقام لايخلو من دقة». كفایة الأصول، ج2، ص266
[18] أجاب عنه بعض الأساطین: «أن مراد الشیخ من التفسیر هنا لیس التفسیر اللفظي، كالذی یكون بـ (أي و أعني و أقصد)، بل مراده به التفسیر الواقعي، بأن النسبة بین أدلة الأحكام و دلیل «لا ضرر و لا ضرار في الإسلام» أن الثاني مفسر للمراد من الأول، فلو وجد حكم ضرري في الإسلام للزم أن یوجد ضرر في الإسلام، فلا ضرر مبین لأدلة الأحكام». المغني في الأصول، ج2، ص335.الجواب عن الإشكال الثاني للمحقق الخراساني من المحقق الخوئي: «و ظهر فساد ما في الكفاية -من أنّ لازم القول بكون تقديم الأمارات على الاستصحاب من باب الحكومة جريان الاستصحاب فيما إذا قامت الأمارة على بقاء الحالة السابقة- بأنّ تقديم الأمارات على الاستصحاب ليس من باب الورود، إذ بمجرد ثبوت التعبد بالأمارة لايرتفع موضوع التعبد بالاستصحاب، لكونه الشك و هو باقٍ بعد قيام الأمارة على الفرض، بل تقديمها عليه إنّما هو من باب الحكومة التي مفادها عدم المنافاة حقيقةً بين الدليل الحاكم و المحكوم عليه توضيح ذلك: ...». مصباح الأصول( ط.ج )، ج3، ص298- 299 و ( ط.ق )، ج3، ص233.و راجع جواب المحقق الإصفهاني. في نهایة الدرایة في شرح الكفایة، ج5-6، ص240: «و الّذي ينبغي أن يقال في هذا المجال: هو أنّ العلم المجعول غاية للأصول- مطلقاً- طريقي و له حيثيّتان: ...».وص242:«و يمكن دفعه بأن تقريب الحكومة من باب إلغاء الاحتمال...»
[19] القائلون بالحكومة مضافاً إلى الشيخ الأنصاري و المحقق الخوئي:المحقق النائیني في أجود التقریرات، ج4، ص192- 193: «فظهر من جميع ما ذكرناه أن تقدم الأدلة القطعية على الأصول مطلقا بالتخصص و من باب ارتفاع موضوعها بالوجدان من دون عناية تعبد و تقدم الأدلة الغير القطعية على الأصول العقلية من جهة الورود و من باب ارتفاع الموضوع وجداناً بعد ثبوت التعبد و تقدمها على الأصول الشرعية المأخوذ في موضوعها الشك بالحكومة و من باب ارتفاع الموضوع بثبوت المتعبد به‌».قال المحقق العراقي نهاية الأفكار، ج‌4قسم‌2، ص17: «التنزيل المستفاد من أدلة الأمارات، إما أن يكون ناظراً إلى حيث تتميم الكشف و إثبات العلم بالواقع، و إما أن يكون ناظراً إلى المؤدى بإثبات كونه هو الواقع، بلا تكفله لحيث تتميم كشف الأمارة. فعلى الأول: كما هو التحقيق يكون تقديم الأمارة على الأصول التي منها الاستصحاب بمناط الحكومة لا غيرها... و أما على الثاني: الراجع إلى كون التنزيل فيها راجعاً إلى المؤدي بالبناء على كونه هو الواقع بلا نظر إلى تتميم كشفها و إثبات الإحراز التعبدي للواقع فلا مجال لتقريب حكومة الأمارات على الأصول ... فإن التحقيق كما حققناه في محله هو المسلك الأول، و عليه يكون تقديمها على الأصول التي منها الاستصحاب بمناط الحكومة».و قال بعض الأساطین في المغني في الأصول، ج2، ص336 بحث عن جهة التقديم بحسب المباني من حيث أمارية الاستصحاب و من حيث المباني في تعريف الأمارة و قال: «أما الأصل فالمعیار فیه أن یؤخذ في موضوعه الشك في مقام الإثبات، و أن لایتعلق الاعتبار الشرعي بجهة الكشف عن الواقع إن وجدت ...و أما الأمارات فالمسالك فیها خمسة و العمدة منها ثلاثة: 1. أن المجعول في الأمارات الحجیة، 2. المجعول فیها هي الطریقیة، 3.جعل المؤدی.... إن قلنا: بأن الاستصحاب أصل، و أن المجعول في الأمارة هي الحجیة، فلا مجال للحكومة ... و النتیجة هي القول بالورود ... و إن قلنا بالطریقیة فالنتیجة القول بالحكومة بلا إشكال ... و إن قلنا بجعل المؤدی ... و الحقّ تمامیة الحكومة على هذا المسلك أیضاً ... و أما إن قلنا بأن الاستصحاب أمارة فیشكل؛ لأن كلاً من المتعارضین أمارة ... و لكن الحق عدم الإشكال في الحكومة حتی على هذا المبنی ...».ذكر للقول بأن التقديم من باب الورود وجوهاً أربعة:الوجه الأوّل على ما في في مصباح الأصول (ط.ج)، ج‌3، ص294 و (ط.ق)، ج3، ص248: «إنّ ذكر اليقين في قوله: «و لكن تنقضه بيقين آخر» ليس من باب كونه صفةً خاصةً، بل من باب كونه من مصاديق الحجة، فهو بمنزلة أن يقال: أنقضه بالحجة».الجواب الأول من المحقق الخوئي: «إنّ تصور هذا المعنى و إن كان صحيحاً في مقام الثبوت، إلّا أنّ مقام‌ الاثبات لايساعد عليه، إذ ظاهر الدليل كون خصوص اليقين موجباً لرفع اليد عن الحالة السابقة، و كون اليقين مأخوذاً من باب الطريقية مسلّم، إلّا أنّ ظاهر الدليل كون هذا الطريق الخاص ناقضاً للحالة السابقة».الجواب الثاني في أجود التقریرات، ج4، ص193: «إن ارتفاع الموضوع إن كان بلحاظ ثبوت خلاف اليقين السابق بالأمارة الّذي اصطلحنا عليه بثبوت المتعبد به و إن نفس ثبوت التعبد لايكفي في الرفع فهو الّذي ذكرنا أنه عبارة عن الحكومة في قبال الورود و إن كان بلحاظ ثبوت نفس التعبد مع قطع النّظر عن ثبوت المتعبد به فلا ريب في أن الشك في البقاء لايرتفع به وجداناً فكما يصلح التعبد بالأمارة للتقدم عليه فكذلك العكس فلا مناص عن القول بالحكومة و إن الأمارة من جهة نظرها إلى الواقع يثبت الحكم الواقعي بالتعبد فيرتفع موضوع الشك بما أنه موجب للحيرة في الواقع المأخوذ في أدلة الأصول لا بما أنه صفة خاصة حتى يقال ببقائها بعد التعبد أيضاً و من الواضح أن الاستصحاب لايصلح لرفع موضوع الأمارة فيكون التقدم بالحكومة».الوجه الثاني: «أنّ المحرّم هو نقض اليقين استناداً إلى الشك على ما هو ظاهر قوله: «لاتنقض اليقين بالشك» و مع قيام الأمارة لايكون النقض مستنداً إلى الشك، بل إلى الأمارة، فيخرج عن حرمة النقض خروجاً موضوعياً، و هو معنى الورود».الجواب الأوّل من المحقق الخوئي: «إنّ دليل الاستصحاب لايساعد على هذا المعنى، إذ ليس المراد من قوله: «لاتنقض اليقين بالشك» حرمة نقض اليقين من جهة الشك و استناداً إليه، بحيث لو كان رفع اليد عن الحالة السابقة بداعٍ آخر، كإجابة دعوة مؤمن مثلًا لم‌يحرم النقض، بل المراد حرمة نقض اليقين عند الشك بأيّ داعٍ كان».الجواب الثاني منه أيضأ: «إنّ المراد من الشك خلاف اليقين، كما ذكرناه سابقاً و اختاره صاحب الكفاية أيضاً، فيكون مفاد الرواية عدم جواز النقض بغير اليقين و وجوب النقض باليقين، و النتيجة حصر الناقض في اليقين، فيكون مورد قيام الأمارة مشمولًا لحرمة النقض لعدم كونها مفيدةً لليقين على الفرض».الوجه الثالث: «إنّ رفع اليد عن المتيقن السابق لقيام الأمارة على ارتفاعه ليس إلّا لأجل اليقين بحجية الأمارة، إذ الأمور الظنية لابدّ و أن تنتهي إلى‌ العلم، و إلّا يلزم التسلسل، و قد ذكرنا عند التعرض لحرمة العمل بالظن أنّ المراد حرمة العمل بما لايرجع بالأخرة إلى العلم، إمّا لكونه بنفسه مفيداً للعلم و إمّا للعلم بحجيته، فبعد العلم بحجية الأمارات يكون رفع اليد عن المتيقن السابق لأجل قيام الأمارة من نقض اليقين باليقين، فلايبقى موضوع للاستصحاب».جواب المحقق الخوئي: «إنّ ظاهر قوله: «و لكن تنقضه بيقين آخر» كون اليقين الثاني متعلقاً بارتفاع ما تعلق بحدوثه اليقين الأوّل، ليكون اليقين الثاني ناقضاً لليقين الأوّل، بل بعض الأخبار صريح في هذا المعنى، و هو قوله في صحيحة زرارة: «لا، حتى يستيقن أنّه قد نام» فجعل فيه الناقض لليقين بالطهارة اليقين برافعها و هو النوم. و ليس اليقين الثاني في مورد قيام الأمارة متعلقاً بارتفاع ما تعلق به اليقين الأوّل، بل بشي‌ء آخر و هو حجية الأمارات، فلايكون مصداقاً لنقض اليقين باليقين، بل من نقض اليقين بغير اليقين.»الجواب الثاني من المحقق النائیني في فوائد الأصول، ج‌4، ص598: «و هذا الوجه بمكان من الفساد، فإنّه إن أريد من الحكم الظاهري مؤدّى الأمارة، فالمؤدّى مشكوك، لاحتمال مخالفة الأمارة للواقع، و إن أريد من الحكم الظاهري اعتبار الأمارة و حجّيّتها، فهو و إن كان متيقّناً- للعلم بحجّيّة الأمارات- إلّا أنّ العلم بالحجّيّة لم‌يؤخذ غاية للتعبّد بالأصول العمليّة، بل الغاية هي العلم بخلاف مؤدّى الأصل، أي العلم بمتعلّق الشك الذي أخذ موضوعاً فيه، و متعلّق الشك هو الأحكام الواقعيّة و موضوعاتها، فلابدّ من أن يتعلّق العلم بها، و العلم بحجّيّة الأمارة أجنبيّ عن العلم بالحكم الواقعي. هذا، مع أنّ العلم بالحجّيّة لايختصّ بباب الأمارات، بل الأصول أيضاً كذلك، للعلم بحجّيّتها، فإنّ أدلّة اعتبارها لاتقصر عن أدلّة اعتبار الأمارات».الوجه الرابع على ما في فوائد الأصول، ج‌4، ص599: «دعوى: أنّ المراد من الغاية مطلق الإحراز، لا خصوص العلم الوجداني فيكون معنى قوله.: «لاتنقض اليقين بالشكّ بل تنقضه بيقين آخر» هو أنّ الإحراز لاينقض بالشكّ، بل لابدّ من نقضه بإحراز آخر يخالف الإحراز السابق».جواب المحقق النائيني عنه في الفوائد: «و هذا الوجه أحسن ما يمكن أن يقال في تقريب ورود الأمارات على الأصول و ورود الأصول المحرزة على غيرها. و لكن مع ذلك لايخلو عن مناقشة بل منع، لأنّ قيام الأمارة و الأصل المحرز مقام القطع الطريقي ليس مبنيّاً على جعل الموضوع عنواناً كليّاً يعمّ الإحراز التعبّدي بتنقيح المناط، و إن ذكرنا ذلك وجهاً لقيام الطرق و الأصول مقام القطع الطريقي، إلّا أنّه قد تقدّم: أنّه يمكن المناقشة فيه بمنع تنقيح المناط القطعي، بل عمدة الوجه في قيامها مقامه: هو أنّ المجعول في الأمارات لمّا كان الإحراز و الوسطيّة في الإثبات، فتكون حاكمة على الدليل الّذي أخذ القطع في موضوعه، بل قد تقدّم: أنّ حكومتها على الأدلّة المتكفّلة للأحكام الواقعيّة التي لم‌يؤخذ القطع في موضوعها إنّما تكون بتوسّط كونها محرزة لها، فحكومتها على نفس القطع و الإحراز الّذي أخذ في الموضوع أولى و أحرى، فراجع ما ذكرناه في مبحث القطع.»إیراد المحقق الإصفهاني على نظریة الورود. نهایة الدرایة في شرح الكفایة، ج5-6، ص237: «تحقيق الحال: أنّ الأمارة إما أن تكون حجّة من باب الموضوعيّة و السببيّة، و إما أن تكون حجة من باب الطريقيّة، فإن كانت حجة من باب الموضوعية ... و إن كانت حجة من باب الطريقيّة، فإن كانت الحجيّة بمعنى جعل الحكم المماثل المنبعث عن نفس مصلحة الواقع، كما هو مبنى الطريقيّة المحضة، فلا‌محالة يكون الحكم محصوراً على صورة الموافقة للواقع، فلا يقين بالحكم- على أي تقدير- ليرتفع احتمال الحكم.و إن كانت بمعنى منجزيّة الأمارة للواقع، فلا حكم مجعول أصلًا، ليكون اليقين به رافعاً لاحتمال الحكم مضافاً إلى ما عرفت آنفاً من أنّ اليقين به غير مناف لاحتمال الحكم الواقعي، بل لابد من انحفاظه في الأصول مطلقاً، و منه عرفت أنه لا مجال للورود الحقيقي على أي تقدير».هنا نظریتان أخریان منها:ما احتمله و هو التوفيق قال في كفایة الأصول، ج2، ص265و 266: «إنما الكلام في أنه للورود أو الحكومة أو التوفيق بين دليل اعتبارها و خطابه».و ردّ بأن «و أما التوفيق فإن كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق و إن كان بتخصيص دليله بدليلها فلا وجه له لما عرفت من أنه لايكون مع الأخذ به نقض يقين بشك لا أنه غير منهي عنه مع كونه من نقض اليقين بالشك». فرائد الأصول، ج2، ص704: «و ربما يجعل العمل بالأدلّة في مقابل الاستصحاب من باب التخصّص؛ بناء على أنّ المراد من «الشكّ» عدم الدليل و الطريق، و التحيّر في العمل، و مع قيام الدليل الاجتهاديّ لا حيرة. و إن شئت قلت: إنّ المفروض دليلاً قطعيّ الاعتبار؛ فنقض الحالة السابقة به نقض باليقين». و قيل: مقصوده من التخصص هنا هو الورود.و رده بـ «أنّه لايرتفع التحيّر و لايصير الدليل الاجتهاديّ قطعيّ الاعتبار في خصوص مورد الاستصحاب إلّا بعد إثبات كون مؤدّاه حاكماً على مؤدّى الاستصحاب، و إلّا أمكن أن يقال: إنّ مؤدّى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها، سواء كان هناك الأمارة الفلانيّة أم لا، و مؤدّى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤدّاه، خالف الحالة السابقة أم لا».و قال به بعض الأكابر في الاستصحاب، ص240: «... و أمّا لو قلنا: بأنَّ دليل حُجّية خبر الثقة ليس إلّا بناء العُقلاء و سيرتهم على العمل به، و الأدلّة اللّفظية كلّها إرشادات إليها كما هو التحقيق- فتقدّمها على الاستصحاب يكون بالتخصّص أو الورود بل هذا في الحقيقة ليس تقدّماً؛ لأنَّ الخروج الموضوعيّ ليس من التقدّم، لأنَّ العُقلاء لايرون العمل بخبر الثقة عملًا بغير الحُجّة، فلايكون العمل على طبق الأمارة نقضاً لليقين بالشكّ لديهم.و إن اشتهيت أن تُسمّي هذا النحو من التقدّم وروداً ببعض المُناسبات فلا مشاحّة فيه، و ممّا ذكرنا يظهر حال سائر الأمارات»
[20] تقدّم في عیون الأنظار، ج5، ص70 في الثمرة الثالثة إلى ص84 و أیضاً یبحث عنه في خلال مباحث الترتب، ج5، ص87-147.
logo