46/10/10
بسم الله الرحمن الرحیم
خاتمة في شروط جریان الاستصحاب/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /خاتمة في شروط جریان الاستصحاب
خاتمة في شروط جریان الاستصحاب
(و يبحث فيها عن شروط ثلاثة)
الشرط الأوّل: بقاء الموضوع
الشرط الثاني: أن یكون متیقّناً حالَ الشك بوجود المستصحب سابقاً
الشرط الثالث: الفحص عن الدلیل و عن المعارض
الخاتمة
إنّ الشیخ الأعظم الأنصاري ذكر في آخر البحث عن التنبیهات خاتمة في شرائط جریان الاستصحاب و قال بأنّ الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما شك في بقائه و الشك على هذا الوجه لایتحقّق إلا بأمور:
الأوّل: بقاء الموضوع في الزمان اللاحق و هذا ما نسمّیه بوحدة القضیة المتیقّنة و المشكوكة موضوعاً و محمولاً.
الثاني: أن یكون في حال الشك متیقّناً بوجود المستصحب سابقاً و هنا تعرّض لقاعدة المقتضي و المانع و قاعدة الیقین، و لكن الصحیح هو أن یتعرّض لقاعدة المقتضي و المانع ذیل الشرط الأوّل.
الثالث: عدم العلم ببقاء ما أحرز حدوثه سابقاً و عدم العلم بارتفاعه. ([1] )
و قد تقدّم البحث عن الأمر الثالث في التنبیه الثالث عشر، كما أنّ صاحب الكفایة أیضاً جعله في التنبیه الرابع عشر.
نعم هناك شرط آخر و هو وجوب الفحص عن الدلیل و عن الأصل المعارض.
ذكر لجريان الاستصحاب شروط ثلاثة:
الشرط الأوّل: بقاء الموضوع ([2] [3] )
و التعبیر الأصحّ الجامع بدل «بقاء الموضوع» هو أن یقال: «یعتبر في جریان الاستصحاب اتّحاد القضیة المتیقّنة و القضیة المشكوكة»([4] [5] ) و الوجه في ذلك هو أنّ التعبیر ببقاء الموضوع في كلام العلامة الأنصاري أخصّ ممّا هو شرط لجریان الاستصحاب، لأنّ اتّحاد القضیة المتیقّنة و القضیة المشكوكة یقتضي بقاء الموضوع و المحمول معاً، مثلاً إنّ القضیة المتیقّنة هي "الماء كرّ" و القضیة المشكوكة أیضاً هي نفس قضیة "الماء كرّ" إلا أنّ القضیة كانت متیقّنة سابقاً، و صارت مشكوكة لاحقاً، من غیر أن تتغيّر القضیة موضوعاً و محمولاً فالموضوع في القضیتین هو الماء، و المحمول فیهما هو الكرّية.
و الدلیل على ذلك هو أخبار الاستصحاب فإنّ الأمر بعدم نقض الیقین بالشك كما ورد في صحاح زرارة و هكذا الأمر بالمضي على الیقین كما في روایة الخصال «فَلْيَمْضِ عَلَى يَقِينِه»([6] [7] ) تدلّ على اتّحاد القضیتین و إلا لمیصدق النقض و لا المضي على الیقین.
استدلال الشیخ الأعظم الأنصاري علی لزوم الشرط الأول
«الدلیل على اعتبار هذا الشرط في جریان الاستصحاب واضح لأنّه لو لمیعلم تحقّقه لاحقاً، فإذا أرید إبقاء المستصحب العارض له المتقوّم به، فإمّا أن یبقی في غیر محلّ و موضوع، و هو محال، و إمّا أن یبقی في موضوع غیر الموضوع السابق.
و من المعلوم أنّ هذا لیس إبقاءً لنفس ذلك العارض و إنّما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جدید، فیخرج عن الاستصحاب بل حدوثه للموضوع الجدید كان مسبوقاً بالعدم فهو المستصحب دون وجوده.
و بعبارة أخری: بقاء المستصحب لا في موضوع محالٌ، و كذا في موضوع آخر، إمّا لاستحالة انتقال العرض، و إمّا لأنّ المتیقّن سابقاً وجوده في الموضوع السابق، و الحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجدید لیس نقضاً للمتیقّن السابق»([8] ).
إشكال الأستاذ على كلام الشيخ الأنصاري:
الشيخ هنا قد ذكر مثالًا عن كريّة الماء، وهي كمية اعتبرها الشار وفي هذه الحالة يمكن القول إن الكريّة عارضة على الموضوع (الماء) ومقوم له، بحيث تكون عارضة عليه، ويمكن أيضًا أن تُعتبر عرضًا فلسفيًا.
لكن لو أن الشيخ بدلًا من الكريّة ضرب المثال بالحكم الشرعي، فإن هذا الاستدلال لم يكن ليكون مقبولًا. وذلك لأن في حالة كون المستصحب هو الكريّة، فإن الكريّة أمر تكويني؛ بمعنى أنها مقدار معين اعتبره الشارع ويوجد في الخارج. ولهذا يمكن القول إن الكريّة تُعتبر عرضًا فلسفيًا أيضًا.
أما إذا كان المستصحب هو الحكم الشرعي (مثل الطهارة)، فرغم أن هذا الحكم قد عُرض على الموضوع، إلا أنه لا يمكن اعتباره عرضًا فلسفيًا؛ لأن الحكم أمر اعتباري لا وجود له في الخارج، وإنما هو مجرد اعتبار شرعي من قبل الشار
والفرق بين العرض والعارض هو أن العرض مصطلح فلسفي يُقابل الجوهر، أما العارض فهو المحمول الذي قد يكون نفسه جوهرًا فلسفيًا في بعض القضايا.
على سبيل المثال: إذا كان المستصحب هو “الماء طاهر”، فإن الطهارة أمر اعتباري ولا يمكن اعتبارها عرضًا فلسفيًا. وعليه، فإن استدلال الشيخ في هذه الحالات غير صحيح، لأن بقاء الموضوع بالنسبة للأمور التي هي مجرد اعتباريات لا يُطرح بمعنى فلسفي.
إیراد المحقّق الخوئي علی استدلال الشیخ
«أوّلاً: إنّ المستصحب لایكون من الأعراض القائمة بالموضوعات الخارجیة دائماً بل قد یكون من الجواهر و قد یكون من الأمور الاعتباریة كالملكیة و الزوجیة و قد یكون من الأمور العدمیة، فالدلیل المذكور أخصّ من المدّعی.([9] [10] [11] )
و ثانیاً: إنّ استحالة وجود العرض بلا موضوع إنّما هو في الوجود التكویني لا الوجود التشریعي التعبّدي، فإنّ الوجود التعبّدي لیس إلا التعبد بالوجود بترتیب آثاره بأمر الشارع، فلا استحالة في التعبد بانتقال عرض من موضوع إلى موضوع آخر، فإذا أمر المولى بأنّه إن كنت على یقین من عدالة زید فتعبد بعدالة أبیه بترتیب آثارها، فلا استحالة فیه أصلاً.([12] [13] [14] [15] )
ملاحظتنا علی الإیراد الثانی للمحقق الخوئی علی الشیخ:
إن التعبیر بعدم الاستحالة فی التعبد بانتقال عرض من موضوع إلى موضوع آخر فی الأمور التشریعیة غیر صحیح، لأن الحکم فی الأمور التشریعیة أمر اعتباری ولیس عرضاً حتى نتصور فیه الانتقال من موضوع إلى موضوع آخر، بل الحکم یعتبر تعبداً فی موضوع آخر، دون أن یستلزم وجوده سابقاً فی الموضوع الأول.
فلا معنى للانتقال فی الأمور الاعتباریة.
و ثالثاً: إنّ هذا الاستدلال على تقدیر تمامیته تبعید للمسافة، إذ نفس أدلّة الاستصحاب وافیة باعتبار اتّحاد القضیتین موضوعاً و محمولاً على ما تقدّم.» ([16] )