« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/08/19

بسم الله الرحمن الرحیم

التنبیه الحادی عشر؛ الشبهة الحکمیة؛ الموضوع الأول/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه الحادی عشر؛ الشبهة الحکمیة؛ الموضوع الأول

 

بيان المحقق الخوئي(قدس‌سره) حول القاطع والمانع[1]

يرى المحقق الخوئي(قدس‌سره) في هذا البحث أن القاطع هو المانع نفسه ولا فرق بينهما. يقول سماحته:

«إنّ القاطع لیس إلا هو المانع بعینه، فإنّ الأمور المعتبرة في الصلاة إمّا وجودیة كالقیام و الركوع و السجود و غیرها، و إمّا عدمیة كعدم القهقهة.

و ما اعتبر عدمه یعبّر عنه بالمانع و لم‌یعتبر سوی هذه الأمور الوجودیة و العدمیة شيء في الصلاة یسمّی بالقاطع و لانضایق عن الفرق بین المانع و القاطع اصطلاحاً، فإنّ الأمور العدمیة المعتبرة في الصلاة على قسمین:

قسم منها: ما اعتبر عدمه في حال الاشتغال بالأجزاء الوجودیة فقط؛ كالحركة فإنّ عدمها المعبّر عنه بالطمأنینة معتبر في حال الاشتغال بالقراءة و الذكر مثلاً و لا بأس بها في الأكوان المتخلّلة بین الأجزاء الوجودیة و قسم منها ما اعتبر عدمه مطلقاً كالحدث و القهقهة، فیعبّرون عن الأوّل بالمانع و عن الثاني بالقاطع و هذا مجرّد اصطلاح لایوجب الفرق في جریان الاستصحاب»[2] .

يعتقد سماحته أن الأجزاء في الصلاة إما وجودية (مثل القيام والركوع والسجود) أو عدمية (مثل عدم القهقهة). والأمور التي يُعتبر عدمها شرطًا لصحة الصلاة تُعرف بالمانع. وعليه، لا يوجد شيء آخر غير هذه الأمور (الوجودية والعدمية) في الصلاة يمكن تسميته بالقاطع. لهذا السبب، لا يعتبر القاطع شيئًا منفصلاً عن المانع ويقول إن هذين في الحقيقة شيء واحد.

في الاصطلاح، لا ينبغي أن نتشدد في الفرق بين المانع والقاطع، لأن الأمور العدمية المعتبرة في الصلاة تنقسم إلى قسمين:

١. قسم: ما اعتُبر عدمه فقط في حال الانشغال بالأجزاء الوجودية؛ مثل الحركة التي يُعتبر عدمها، المعبر عنه بالطمأنينة، أثناء الانشغال بالقراءة والذكر مثلاً ولا بأس بها في الحالات المتخللة بين الأجزاء الوجودية.

٢. قسم آخر: ما اعتُبر عدمه مطلقًا، مثل الحدث والقهقهة. هنا، يُعبر عن الأول بـ “المانع” وعن الثاني بـ “القاطع”، وهذا مجرد اصطلاح لا يوجب فرقًا في جريان الاستصحاب.

ملاحظة الأستاذ على المناقشة الأولى

ما بيّنه المحقق النائيني(قدس‌سره) حول الفرق بين المانع والقاطع، على الرغم من صحته، إلا أن الفرق الأساسي يكمن في أن القاطع يوجب خروج الأجزاء السابقة عن قابلية الانضمام لبعضها البعض، وهذا يعني بطلان صحتها التأهلية بعد ورود القاطع، بينما المانع لا يسبب مثل هذا البطلان لصحة الأجزاء السابقة التأهلية. المانع لا يخل بالهيئة الاتصالية؛ بل وجوده هو المانع ولا يخل بالأجزاء السابقة. كان المحقق النائيني(قدس‌سره) ينكر الهيئة الاتصالية وقال: «مجرد تسمية القسم الثاني بالقاطع لا يكشف عن اعتبار الهيئة الاتصالية حتى لا يكون العدم معتبرًا إلا من جهة الإخلال بها».

وفي جوابه نقول: للواجبات حالات مختلفة. في بعض الواجبات، يمكن للمكلف أن يقطعها أثناء أدائها ثم يكمل ما تبقى لاحقًا؛ مثل الطواف. في هذه الحالة، يمكن للطائف أن يقطع طوافه أثناء الأشواط ثم ينهي ما تبقى قبل فوات الموالاة العرفية. مثلاً، أثناء الطواف، إذا أُقيمت صلاة الجماعة، قيل إن الانتظار لصلاة الجماعة لا إشكال فيه، وقد يحدث أحيانًا فاصل نصف ساعة أثناء الطواف. هذا يوضح أن الهيئة الاتصالية في الطواف بمعناها الدقيق غير معتبرة، والموالاة العرفية فقط هي المعتبرة. هذا الموضوع يدل على عدم اعتبار الهيئة الاتصالية في الطواف باستثناء مقدار الموالاة العرفية المعتبرة فيه.

في المقابل، بعض الواجبات الأخرى لا يمكن قطعها أثناء أدائها، وإذا قطعها المكلف، تبطل الأجزاء السابقة. بطلان الأجزاء السابقة يعني عدم صحتها التأهلية وعدم قابلية انضمام الأجزاء التالية إليها. مثال هذا النوع من الواجب هو الصلاة التي لا يجوز قطعها، وهذا يدل على اعتبار الهيئة الاتصالية فيها. يمكن أن يتم قطع الواجب بنية الإعراض، أو بأداء المبطلات المنافية له، أو حتى بدون أي من هذه؛ مثل: المكث الطويل. المكث الطويل قاطع لا يكون مانعًا بأي حال! المكث يعني أن الأجزاء اللاحقة لا تُؤدى، لا أن عملاً معينًا يُؤدى؛ لأن المكث يعني فقط عدم استمرار الأجزاء. إذا قطع المصلي الصلاة، تبطل الأجزاء السابقة، وفي هذه الحالة، لا يمكن انضمام الأجزاء التالية إلى الأجزاء السابقة، لأن قطع الهيئة الاتصالية يوجب خروج الأجزاء السابقة عن قابلية انضمام الأجزاء التالية.

يُستنبط هذا الموضوع من الروايات الدالة على أن قطع الصلاة يوجب بطلانها؛ لأن البطلان يعني عدم الصحة التأهيلية. وعليه، إذا شككنا فيما إذا كان الفعل الفلاني يوجب قطع الصلاة أم لا، فإن هذا الشك ينشأ في الصحة التأهيلية للأجزاء السابقة. في هذه الحالة، يجب الرجوع إلى الاستصحاب والقول: كانت الصحة التأهيلية للأجزاء السابقة متيقنة سابقًا والآن هي مشكوكة، والاستصحاب يقتضي بقاء الصحة التأهيلية للأجزاء السابقة.

ونتيجة لذلك، فإن ما بيّنه الشيخ الأنصاري(قدس‌سره) في تفصيل جريان الاستصحاب بين الشك في المانع والشك في القاطع، حيث لا يجري في الأول ويجري في الثاني، هو الصحيح.

المناقشة الثانية من المحقق النائيني والمحقق الخوئي(قدس‌سرهما)

«إنّ اعتبار الهیأة الاتصالیة على تقدیر تسلیمه لاینافي تعلّق الطلب الغیري بنفس الأعدام أیضاً؛ كبقیة الأجزاء و الشرائط، فاستصحاب الهیأة الاتصالیة و إن كان یحرز به وجودها إلا أنّه لایحرز بذلك انضمام بقیة القیود التي یحتمل كون عدم هذا الأمر الطاري المحتمل قاطعیته منها إلیها؛ فإنّ بقاء الهیأة الاتصالیة لایرتفع به الشك في اعتبار عدم ما یحتمل قاطعیته إلا على القول بالأصل المثبت، فلا مناص حینئذٍ عن الرجوع إلى أصل آخر من براءة أو اشتغال»[3] .

اعتبار الهيئة الاتصالية - على فرض التسليم به - لا ينافي تعلق الطلب الغيري بنفس الأعدام أيضًا؛ كبقية الأجزاء والشروط. فاستصحاب الهيئة الاتصالية، وإن كان يُحرز به وجودها، إلا أنه لا يُحرز بذلك انضمام بقية القيود التي يُحتمل أن يكون عدم هذا الأمر الطارئ المحتمل قاطعيته منها إليها؛ فإن بقاء الهيئة الاتصالية لا يرتفع به الشك في اعتبار عدم ما يُحتمل قاطعيته (أي أنه في الواقع لا يثبت أن ذلك القاطع لم يكن موجودًا)؛ إلا على القول بالأصل المثبت!

توضيح ذلك: بناءً على قول المرحوم النائيني(قدس‌سره) بتعلق الطلب الغيري بعدم القاطع، افترضنا أن أحد الأجزاء العدمية للصلاة هو عدم القاطع. الآن، بالشك في الهيئة الاتصالية، حكمنا ببقاء الهيئة الاتصالية، ولكن بهذا الأصل الاستصحاب لا يثبت وجود ذلك الجزء العدمي، إلا إذا كنا نعتقد بالأصل المثبت. وعليه، في هذه الحالة، لا مناص من الرجوع إلى أصل آخر كالبراءة أو الاشتغال.

توضيح قول المحقق النائيني(قدس‌سره)

ما بيّنه المحقق النائيني(قدس‌سره) هنا يتعلق بأمرين:

الأمر الأول: إذا افترضنا أن القاطع غير المانع وقبلنا أيضًا اعتبار الهيئة الاتصالية في المأمور به الذي ينقضه القاطع، نصل إلى نتيجة مفادها أن القاطعية لا تنافي اعتبار «عدم القاطع» كجزء من المأمور به (الأجزاء العدمية). وعليه، يمكن القول إن هذا القاطع له حيثيتان:

     الحيثية الأولى: أنه قاطع لأحد أجزاء المأمور به - أي الهيئة الاتصالية - التي افترضنا اعتبارها.

     الحيثية الثانية: أن عدمه من قبيل عدم المانع - الذي هو من الأجزاء العدمية للواجب - لا عدم القاطع.

هذا الجزء العدمي له حيثيتان: الحيثية الأولى عدم القاطع، والحيثية الثانية عدم المانع. لا يجري الاستصحاب بالنسبة لهذا العدم بناءً على الحيثية الثانية، أي عدم المانع.

التزم المحقق الخوئي(قدس‌سره) أيضًا بقول المحقق النائيني(قدس‌سره)، فيقول:

«إنّ ما سمّي بالقاطع هل اعتبر عدمه في الصلاة أو لا؟ لایمكن الالتزام بالثاني بالضرورة فإنّه بعد اعتبار الهیأة الاتصالیة في الصلاة و كون هذا الشيء قاطعاً لها، لایمكن الالتزام بأنّ عدمه غیر معتبر في الصلاة، فإنّه مساوق للالتزام بعدم اعتبار الهیأة الاتصالیة في الصلاة و هو خلف. فتعین الأوّل، فیكون القاطع ذا حیثیتین فمن حیث إنّه اعتبر عدمه في الصلاة یكون مانعاً و من حیث إنّ وجوده ناقض للهیأة الاتصالیة یكون قاطعاً»[4] .

هل اعتُبر عدم ما سُمي بالقاطع في الصلاة أم لا؟ لا يمكن الالتزام بالثاني بالضرورة؛ فإنه بعد اعتبار الهيئة الاتصالية في الصلاة وكون هذا الشيء قاطعًا لها، لا يمكن الالتزام بأن عدمه غير معتبر في الصلاة، فإنه مساوق للالتزام بعدم اعتبار الهيئة الاتصالية في الصلاة وهو خلف. فتعين الأول، فيكون القاطع ذا حيثيتين: فمن حيث إنه اعتُبر عدمه في الصلاة يكون مانعًا، ومن حيث إن وجوده ناقض للهيئة الاتصالية يكون قاطعًا.

الأمر الثاني: التزم الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس‌سره) بجريان استصحابين في مورد القاطع: الأول، استصحاب الصحة التأهيلية للأجزاء السابقة، والثاني، استصحاب الاتصال بين الأجزاء السابقة والأجزاء اللاحقة. ولكن يرى المحقق النائيني(قدس‌سره) أن استصحاب الاتصال المذكور لا يمكنه إثبات عدم القاطع المانع، إلا في حالة قبول الأصل المثبت.

الأصل المثبت يكون على هذا النحو: عندما تجري استصحاب اتصال الأجزاء والهيئة الاتصالية، يثبت عدم القاطع، ولكن إذا أردت أن تقول بهذا الاستصحاب: إن عدم هذا المانع الذي كان جزءًا عدميًا من الواجب قد أُحرز أيضًا، فإن هذا الادعاء سيكون أصلاً مثبتًا. على سبيل المثال، يمكن أن تكون القهقهة مانعًا وقاطعًا معًا. أثبتنا بعدم قاطعيتها باستصحاب الهيئة الاتصالية، ولكن لا يمكن استنتاج عدم القهقهة، إلا بقبول الأصل المثبت. بشكل عام، بينما يمكن لاستصحاب الاتصال إحراز عدم القاطعية، فإن عدم المانعية يحتاج إلى استنباط مستقل والاعتماد على الأصل المثبت.

ملاحظة الأستاذ على المناقشة الثانية

يدور البحث هنا حول جريان الاستصحاب في مورد عدم القاطع وعدم جريانه في مورد عدم المانع. أما أن تجتمع كلتا حيثيتي القاطعية والمانعية في موضوع واحد، فعلى الرغم من إمكانه، إلا أن هذا لا يخلق بحثًا حول التفصيل المطروح. بل في حال اجتمعت هاتان الحيثيتان في موضوع واحد، فهذا هو المكان الذي يجري فيه التفصيل المقصود؛ بحيث يجري استصحاب عدم القاطع من حيث احتمال القاطعية، ولا يجري استصحاب العدم من حيث احتمال المانعية. وعليه، لا يوجد بحث حول صحة هذا التفصيل.

بالإضافة إلى ذلك، نقول بخصوص المكث الطويل إن للمكث الطويل حيثية قاطعية وليس له مانعية. أنتم أنفسكم قبلتم أن الاستصحاب يجري في موارد القاطعية، ولكنكم قلتم إنه نظرًا لأن موضوعًا واحدًا قد يكون قاطعًا ومانعًا معًا، فإن استصحاب عدم المانع سيكون أصلاً مثبتًا. وفي جواب هذا المطلب، نقول إن في مورد المكث الطويل تُطرح فقط حيثية القاطعية ولا توجد حيثية مانعية. وعليه، لا يبقى شك في أن استصحاب عدم القاطعية في المكث الطويل قابل للجريان دون مشكلة ودون أصل مثبت، لأنه لا توجد مانعية في الأمر لنواجه مشكلة. بناءً على هذا، بقبول حيثية القاطعية دون الأخذ في الاعتبار حيثية المانعية في المكث الطويل، ينتفي الإشكال المتعلق بالأصل المثبت.

أما ما بيّنه المحقق الخوئي(قدس‌سره) من أن «عدم القاطع هنا يجب أن يكون عدم المانع أيضًا»، فلا يمكن الالتزام به؛ لأن هذه المسألة تابعة لبيان الدليل الدال على متعلق الأمر. فأحيانًا يدل الدليل على أن عدم هذا الأمر معتبر في المأمور به، بحيث يُعتبر جزءًا منه؛ وأحيانًا لا يدل الدليل على ذلك، بل يدل على أن وجود هذا الأمر قاطع للمأمور به وموجب لبطلانه. في هذه الحالة، يُفهم من الدليل المذكور اعتبار الهيئة الاتصالية في المأمور به، وأن هذا الأمر قاطع لتلك الهيئة الاتصالية. يوجد فرق كبير بين هاتين الحالتين!

وعليه، إذا افترضنا أن هذا الأمر قاطع، فلن يكون عدمه جزءًا من المأمور به؛ وإذا افترضنا أنه مانع، فيُعتبر عدمه جزءًا من المأمور به.

المناقشة الثالثة: من المحقق الخوئي(قدس‌سره)

يقول سماحته:

«إنّه على فرض تسلیم كون القاطع غیر المانع، و أنّه لیس فیه إلا حیثیة واحدة یرد على جریان الاستصحاب في الهیأة الاتصالیة عین الإشكال الذي ذكره الشیخ(قدس‌سره) في جریان الاستصحاب عند الشك في المانع، فنقول:

إن كان المراد جریان الاستصحاب في الهیأة الاتصالیة لمجموع الأجزاء فهي مشكوكة الحدوث، فلا معنی لجریان الاستصحاب فیها.

و إن كان المراد جریان الاستصحاب في الهیأة الاتصالیة للأجزاء السابقة فهي غیر محتملة الارتفاع، لأنّ الشيء لاینقلب عمّا وقع علیه».[5]

على فرض التسليم بكون القاطع غير المانع، وأنه ليس فيه إلا حيثية واحدة، يرد على جريان الاستصحاب في الهيئة الاتصالية عين الإشكال الذي ذكره الشيخ(قدس‌سره) في جريان الاستصحاب عند الشك في المانع، فنقول: إن كان المراد جريان الاستصحاب في الهيئة الاتصالية لمجموع الأجزاء فهي مشكوكة الحدوث، فلا معنى لجريان الاستصحاب فيها. وإن كان المراد جريان الاستصحاب في الهيئة الاتصالية للأجزاء السابقة فهي غير محتملة الارتفاع، لأن الشيء لا ينقلب عما وقع عليه.

ملاحظة الأستاذ على المناقشة الثالثة

مما بُيّن سابقًا، اتضح بطلان هذه المناقشة. نحن نريد جريان الاستصحاب بالنسبة للهيئة الاتصالية للأجزاء السابقة، وهذه الهيئة الاتصالية ليست غير محتملة الارتفاع، بل نحتمل ارتفاعها بسبب احتمال وجود القاطع أو احتمال قاطعية الموجود. لأن القاطع يوجب بطلان الأجزاء السابقة، ومعناه انعدام صحتها التأهيلية وانقطاع الهيئة الاتصالية. وعليه، إذا احتملنا القاطعية، يجري الاستصحاب.

وبيان آخر، معنى صحة الهيئة الاتصالية هو أن تكون للأجزاء السابقة قابلية الانضمام إلى الأجزاء اللاحقة، وأن تكون للأجزاء التالية هذه القابلية أيضًا. هنا، نحن لا نستصحب الهيئة الاتصالية المجموعية ولا الهيئة الاتصالية للأجزاء السابقة بذلك المعنى. بل نقول إن القاطع يُحتمل أن يزيل قابلية الانضمام هذه، فبوجود القاطع تصبح الهيئة الاتصالية للأجزاء السابقة مشكوكة وقابلة للاستصحاب. الآن نستصحب أن هذه القابلية لا تزال موجودة، لأن الفرض هو أن الأجزاء السابقة، طالما لم ينشأ لها قاطع، قادرة على الانضمام إلى الأجزاء التالية. لهذا السبب، إذا لم نتمكن في بحث الاستصحاب من اليقين بأن القاطع مانع، فإننا نواصل باعتبار قابلية الانضمام ونقول إنه لا يزال يمكن الاستفادة من القول بانضمام هذه الأجزاء.

الموضع الثاني: صحة مجموع العمل

حتى الآن كان بحثنا في صحة الأجزاء السابقة، والآن نريد دراسة صحة مجموع العمل.

هنا لا يجري الاستصحاب، سواء قلنا إن الأمر الطارئ قاطع للمأمور به أو قلنا إنه مانع للمأمور به، إلى درجة يُعتبر عدمه جزءًا من المأمور به. وسبب ذلك هو أن الصحة بالنسبة لمجموع العمل ليس لها حالة سابقة؛ لأننا لم نحرز سابقًا صحة مجموع العمل، لأنه من المحتمل ألا يكون جزء من أجزاء المأمور به قد تحقق. هذا الجزء إما عدم المانع أو الارتباط بين الأجزاء. وعليه، فإن الصحة بهذا المعنى ليست متيقنة الوقوع، وأركان الاستصحاب (اليقين السابق) غير كاملة بالنسبة لها. بالإضافة إلى ذلك، كما أشار الشيخ(قدس‌سره) في بداية بحثه، فإن الصحة بهذا المعنى ليست محل البحث، لأن كلام القدماء ناظر إلى جريان استصحاب الصحة أثناء أداء العمل.

هذا تمام الكلام في هذا التنبيه.[6]


[1] . مصباح الأصول (ط.ق): ج3، ص211 و (ط.ج): ج3، ص251.
[2] بیان المحقق الإصفهاني(قدس‌سره) في المناقشة الأولى: «التحقيق أن الهيئة الاتصالية و الجزء الصوري للمركب غير معقولة، سواء أريد بها الجزء الصوري حقيقة أو اعتباراً و عنواناً: أما حقيقةً فلأن الصلاة مركبة من مقولات عرضية متباينة، و ليس للأعراض مادة و صورة خارجية، لأنها بسائط و جنسها و فصلها عقليان، فلايعقل أن يكون لواحد منها جزء صوري حقيقي، فضلاً من أن يكون لمجموعها جزء صوري حقيقي. و أما عنواناً و اعتباراً فلأن الحركة و الاشتداد و الوحدة الاتصالية لاتكون إلا في بعض المقولات فضلاً عن الاعتبارات، و لايوصف العناوين الاعتبارية بالاشتداد و الاتصال إلا بتبع معنوناتها، و هي مقولات متباينة، بل لو كانت أفراد مقولة واحدة لم‌يعقل جريان الاشتداد فيها، فإن شرطه الوحدة، و ليس هنا وجود واحد من مقولة حتى يتحرك من حد إلى حد، فلايعقل هيئة اتصالية حقيقية و لا اعتبارية لأجزاء الصلاة ...». نهایة الدرایة، ج4، ص363.
[3] ـ أجود التقریرات، ج4، ص166.
[4] مصباح الأصول (ط.ق): ج3، ص212 و (ط.ج): ج3، ص252.
[5] مصباح الأصول (ط.ق): ج3، ص212 و (ط.ج): ج3، ص252.
[6] بالنسبة إلى الكلام في صحة الأجزاء السابقة نقول هناك مناقشات أخر في تفصیل الشيخ الأنصاري(قدس‌سره):المناقشة الأولى من صاحب الفصول(قدس‌سره): استصحاب الصحة في احتمال المانع من الأصول المثبتةالفصول، ص50: « و أما التمسك باستصحاب بقاء صحة العمل حيث يصادف المانع الاحتمالي في الأثناء فواضح الوهن لأنه إن أريد إثبات بقاء صحة الأجزاء المأتي بها أولاً بعد طروّ المانع الاحتمالي فغير مجدٍ لأن البراءة إنما تتحقق بفعل الكل دون البعض، و إن أريد إثبات عدم مانعية الطاري بذلك أو صحة بقية الأجزاء أو الكل فساقطٌ لما عرفت من عدم التعويل على الأصول المثبتة». و راجع فرائد الأصول، ج2، ص489.الجواب عن المناقشة الأولى من الشيخ الأنصاري(قدس‌سره):فرائد الأصول، ج2، ص490: «إن كان [الشك] في قاطعية الشي‌ء و رفعه للاتصال و الاستمرار الموجود للعبادة في نظر الشارع، فاستصحاب بقاء الاتصال كافٍ؛ إذ لايقصد في المقام سوى بقاء تلك الهيئة الاتصالية، و الشك إنما هو فيه، لا في ثبوت شرط أو مانع آخر حتى يقصد بالاستصحاب دفعه، و لا في صحة بقية الأجزاء من غير جهة زوال الهيئة الاتصالية بينها و بين الأجزاء السابقة، و المفروض إحراز عدم زوالها بالاستصحاب».الإيراد على جواب الشيخ الأنصاري(قدس‌سره) من المحقق النائيني(قدس‌سره): فوائد الأصول، ج4، ص237: «و أما ثالثاً فعلى فرض تسليم تعلق الطلب بالجزء الصوري أيضاً، إلا أنه لا إشكال في تعلق الطلب بعدم وقوع القواطع و ثبوت النهي عنها، فإنه لا مجال للمنع عن ذلك بعد إطباق ظواهر الأدلة على تعلق النهي بالقواطع، و حينئذ فلابد من علاج الشبهة عند وقوع ما يشك في قاطعيته من جهة الشبهة الحكمية أو الموضوعية، و لاترتفع الشبهة في ذلك باستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية، بداهةَ أن الشك في بقاء الجزء الصوري مسبب عن الشك في قاطعية الموجود، و الأصل الجاري في الشك المسببي غير قابل لرفع الشك السببي، بل الأمر بالعكس و على فرض التنزل و المنع عن السببية و المسببية فلا أقل من كونهما متلازمين في الوجود، بحيث يكون الجزء الصوري ملازماً في الوجود لعدم تحقق القواطع و بالعكس، و من الواضح: أن استصحاب أحد المتلازمين لايثبت وجود الآخر إلا على القول باعتبار الأصل المثبت».المناقشة الثانیة من الشيخ(قدس‌سره): عدم إمكان التمسك بالهيئة الاتصالية لتصحيح استصحاب الصحةفرائد الأصول، ج2، ص490: «يمكن الخدشة فيما اخترناه من الاستصحاب بأن المراد بالاتصال و الهيئة الاتصالية إن كان ما بين الأجزاء السابقة بعضها مع بعض، فهو [الاتصال] باقٍ لاينفع [استصحابه]. و إن كان ما بينها و بين ما لحقها من الأجزاء الآتية، فالشك في وجودها لا بقائها».الجواب عن المناقشة الثانیة من الشيخ: فرائد الأصول، ج2، ص490: «... اللهم إلا أن یقال: إن‌ استصحاب الهيئة الاتصالية من الاستصحابات العرفية الغير المبنية على التدقيق، نظير استصحاب الكرية في الماء المسبوق بالكرية».درر الفوائد، الحاشية الجديدة، ص262 في التعلیقة على قوله: «اللهم إلا أن يقال: إن استصحاب الهيئة»: «بأن يكتفى عرفاً في تحقق الهيئة سابقاً بتحقق بعض أمور تدريجية تقوم بمجموعها، كما يكتفى في استصحاب نفس الأمور التدريجية كالليل و النهار بتحقق بعض أجزائها سابقاً، و من هنا ظهر أن جهة التسامح في هذا الاستصحاب غير جهته في استصحاب الكرية، فإن التسامح فيه إنما هو من جهة الموضوع، بخلاف الباب فإنه في نفس المستصحب، فافهم».و قال في موضع آخر في التعلیقة على قوله: «أو استصحاب الاتصال»: «لايذهب عليك أن الهيئة الاتصالية و إن كانت غير متحققة بتمامها بمجرد تحقق بعض ما اعتبر فيها، و لا آخذة في التحقيق بتحققه كالأمور التدريجية عند تحقق بعض أجزائها، لأنها من الكيفيات و هي من البسائط الخارجية، إلا أنها بنظر العرف يكون تابعة لما قامت به من المركب التدريجي، فكان حدوثها و بقائها بحدوثه و بقائه، و من المعلوم أن حدوثه عند العرف بحدوث بعض أجزائه و بقائه ببقاء بعضها كما لايخفى».المناقشة الثالثة من الشيخ(قدس‌سره): استصحاب بقاء الأجزاء السابقة على قابلية الإلحاق من الأصول المثبتةفرائد الأصول، ج2، ص490: «و أما أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابلية إلحاق الباقي بها، فلايبعد كونها من الأصول المثبتة».درر الفوائد في التعلیقة على قوله.: «فإذا شك في شي‌ء من ذلك وجوداً أو صفة جرى استصحاب الأجزاء»: «لايخفى أن استصحاب صحة الأجزاء بهذا المعنى، أي بقائها على قابلية الانضمام، مثبت إذ ترتب فعلية الهيئة الاتصالية على القابلية عند وجود سائر ما يعتبر في فعليتها عقلي».أجوبة عن المناقشة الثالثة:الجواب الأول من الشيخ: «اللهم إلا أن يقال: ... إنه لما كان المقصود الأصلي من القطع و عدمه هو لزوم استئناف الأجزاء السابقة و عدمه، و كان الحكم بقابليتها لإلحاق الباقي بها في قوّة الحكم بعدم وجوب استئنافها، خرج من الأصول المثبتة التي ذكر في محله عدم الاعتداد بها في الإثبات، فافهم». فرائد الأصول، ج2، ص490.بیان المحقق الخراساني(قدس‌سره): «يعني ظاهراً أن عدم وجوب الاستئناف و إن كان مترتباً على بقاء الأجزاء السابقة على قابليتها لإلحاق الباقي بواسطة ما يلزمها من تحقق الهيئة بين تلك الأجزاء و ما يلحقها من الباقي، إلا أن الواسطة خفية بحيث يتخيل أنه من آثار نفس قابلية تلك الأجزاء للإلحاق». درر الفوائد، ص263.الجواب الثاني من المحقق الخراساني(قدس‌سره): «يمكن أن يقال أيضاً أن الواسطة و إن كانت غير خفية، إلا أن تنزيل القابلية عرفاً لاينفك عن تنزيل الفعلية، في مثله يكون الاستصحاب المثبت أيضاً حجة، حسبما حققناه فيما علقناه على الاستصحاب، هذا كله لو كان القاطع بمعنى ما يرفع به ما اعتبر بين الأجزاء من الهيئة الاتصالية. و أما إذا كان بمعنى ما يرفع به قابلية الأجزاء السابقة لإلحاق الباقي، أو قابليته للحوق بها، أو قابليتهما، و لم‌يعتبر بينهما هيئة اتصالية، فلا إشكال في استصحاب بقاء ما كان على ما كان قبل حدوث ما شك في قاطعية من قابلية اللحوق، و قد فصّلنا المقام في باب الاستصحاب، فليراجع ثمة». درر الفوائد، ص263.و قال في موضع آخر: «اللهم إلا أن يدعى ... الملازمة بين التعبد بالقابلية لشي‌ء، و التعبد به عرفاً عند حصول سائر ما يعتبر في حصوله و لو كانت الواسطة جلية على ما عرفت من إلحاقها في هذه الصورة بالخفية، فيتفرّع على ذلك تمامية العبادة المأتي بها شرعاً بجميع ما يعتبر فيها، و قضية ذلك، أي تمامية العبادة و لو تعبداً، هو الإجزاء و عدم الإعادة عقلاً، كما مرّ في بعض الحواشي السابقة، فافهم».الجواب الثالث من المحقق العراقي(قدس‌سره): «قد يتوجه على هذا الاستصحاب إشكال المثبتية بلحاظ كون ترتب الصحة الفعلية للكل على بقاء القابلية المزبورة عقلياً، لا شرعياً، و يمكن دفعه بأنه من باب تطبيق الكبرى الشرعي على الصغريات فلايكون من المثبت الممنوع فتأمل».المناقشة الرابعة من المحقق النائيني(قدس‌سره): يمكن أن يدّعى أن الجزء الصوري مما لم‌يتعلّق به الطلب. نهایة الأفكار، ج4، ق1، ص242.«و أما ثانياً: فعلى فرض تسليم دلالة النهي الغيري على أن للصلاة هيئة اتصالية و جزء صوري، إلا أن دعوى تعلق الطلب به على حدّ ساير الأجزاء مما لا سبيل إليها، بل لمانع أن يمنع عن ذلك و يدعي أن الجزء الصوري المستكشف من أدلة القواطع مما لم‌يتعلق به الطلب و البعث، بل الطلب إنما تعلق بنفس عدم تخلل الالتفات و نحوه- كما هو ظاهر الأدلة- فلا مجال لاستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية، من جهة أنه لا أثر لبقائها بعد فرض عدم تعلق الطلب بها». فوائد الأصول، ج3، ص236
logo