« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 تنبیهات الاستصحاب؛ التنبیه العاشر: الشك في تقدم الحادث و تأخره/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب / تنبیهات الاستصحاب؛ التنبیه العاشر: الشك في تقدم الحادث و تأخره

 

القسم الرابع: عندما يكون الأثر مترتبًا على العدم بمفاد ليس التامة

القسم الرابع الذي ندرسه الآن يتعلق بحالة يكون فيها كلاهما مجهولي التاريخ. على سبيل المثال، يُطرح موضوع مركب من أمرين. أمر هو موت الشخص المورث، وهو محرز بالوجدان، وأمر آخر هو إسلام الوارث، حيث يُفترض أن هذا الإسلام قد تحقق بعد موت المورث. هذا الموضوع سيكون موضوع الإرث.

يجب هنا دراسة الموضوع بدقة أكبر. في هذه المسألة، يوجد موضوعان: أحدهما موضوع الإرث والآخر موضوع عدم الإرث.

موضوع الإرث

موضوع الإرث هو أن موت المورث واقعة محرزة الوقوع بالوجدان. وإسلام الوارث أيضًا واقعة محرزة الوقوع. ولكن النقطة التي يجب الانتباه إليها هي ألا يكون موت المورث قد تحقق حين إسلام الوارث. ولإثبات هذا الأمر، يجري استصحاب عدم موت المورث. وعليه، يجري استصحاب عدم موت المورث حتى حين إسلام الوارث. وبإجراء هذا الاستصحاب، سيتحقق موضوع الإرث.

موضوع عدم الإرث

في المقابل، يوجد موضوع آخر يسمى عدم الإرث سيتم تناوله لاحقًا في البحث. موضوع عدم الإرث هو ألا يكون إسلام الوارث قد حصل حين موت المورث. وبعبارة أخرى، أن يكون عدم إسلام الوارث ثابتًا حين موت المورث. وعليه، في حال وفاة المورث وعدم تحقق إسلام الوارث، يُعتبر هذا الموضوع موضوعًا لعدم الإرث.

فيما يلي، من الضروري دراسة كيفية المضي قدمًا في الاستصحاب، لأنه يوجد كل من موضوع الإرث وموضوع الحكم بعدم الإرث.[1]

النظرية الأولى من الشيخ الأنصاري(قدس‌سره): التعارض بين استصحابين

يقول المرحوم الشيخ الأنصاري(قدس‌سره) إننا نجري الاستصحاب، إلا أن الاستصحاب في أحد الحادثين يتعارض مع الاستصحاب في الطرف الآخر. هنا، لدينا استصحاب عدم موت المورث حتى زمن إسلام الوارث. إذا جرى هذا الاستصحاب، فإن الموضوع الذي يتحقق هو عدم موت المورث حتى زمن إسلام الوارث، وهذا الموضوع سيكون موضوع الإرث. بمعنى أن إسلام الوارث قد تحقق ثم وقع موت المورث.

من ناحية أخرى، يمكن إجراء استصحاب عدم إسلام الوارث أيضًا. في هذه الحالة، سيكون عدم إسلام الوارث حتى حين موت المورث موضوعًا لعدم الإرث. وعليه، يصبح عدم إسلام الوارث موضوعًا لعدم الإرث، ويكون عدم موت المورث حين إسلام الوارث موضوعًا للإرث. وبهذه الطريقة، عندما أسلم الوارث، لم يكن المورث قد توفي بعد، وهذا الموضوع سيصبح موضوع الإرث.

يقول الشيخ الأنصاري(قدس‌سره):

«و أمّا أصالة عدم أحدهما في زمان [حدوث] الآخر فهي معارضة بالمثل و حكمه التساقط مع ترتّب الأثر على كل واحد من الأصلین»[2] .

أصالة عدم أحدهما في زمن حدوث الآخر معارضة بالمثل. بمعنى أن استصحاب عدم إسلام الوارث في زمن موت المورث يتعارض مع استصحاب عدم موت المورث في زمن إسلام الوارث.

يتحقق موضوع الإرث بواسطة الاستصحاب الأول، وموضوع عدم الإرث بواسطة الاستصحاب الثاني. وعليه، يتعارض الأصلان ويُحكم بالتساقط.

يقول الشيخ الأنصاري(قدس‌سره): هذا التعارض يكون في حالة ترتب الأثر على عدم كل من هذين الحادثين في زمن الآخر، كما أشاروا وقالوا: مع ترتب الأثر على كل واحد من الأصلين.

الفرق في نوع الحادث: الأفعال المستمرة وغير المستمرة

تقع هذه المسألة حيثما يكون الحادث من قبيل الأفعال التي يكون ملاك التلبس فيها هو الحدوث، مثل القتل. فالذي صدر منه القتل يُعتبر قاتلاً، ولو مضى على الحادثة عشرون عامًا.

ولكن خلافًا لذلك، في الحالات التي يكون فيها الحادث من قبيل ما كان التلبس بها بملاك الوجود، مثل الجود؛ فإن التلبس به يتوقف على الملكة. وخلافًا للحالات التي يكون فيها ملاك التلبس مثل القيام والقعود. ففي حالات مثل القيام والقعود، إذا كان شخص قد قام يوم الخميس، فلا يمكن إطلاق لفظ قائم عليه يوم الجمعة، لأنه قد يكون قد جلس أو نام في هذه الفترة.

أما في حالات مثل القتل أو الموت، فبتحققها مرة واحدة، يبقى ملاك التلبس إلى الأبد.

استصحاب العدم المحمولي وعدم التعارض

أما عندما يكون الأثر لعدم الحادث الأول، فلا مجال للتعارض. يجري الاستصحاب في العدم المحمولي دون أي معارض.

هذا يتعلق بالحالة التي يكون فيها الأثر لكلا الحادثين، كما أن أحدهما موضوع للإرث والآخر موضوع لعدم الإرث.

     عدم إسلام الوارث في زمن موت المورث هو موضوع لعدم الإرث.

     عدم موت المورث في زمن إسلام الوارث هو موضوع للإرث. عندما يكون لكليهما موضوع، يجري الاستصحاب في العدم المحمولي من غير معارض.[3]

النظرية الثانية: من صاحب الكفاية(قدس‌سره)

في هذه النظرية، يرى صاحب الكفاية(قدس‌سره) عدم جريان الاستصحاب لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين. كانت النظرية الأولى أن استصحابين يجريان ويتعارضان مع بعضهما، كما نُقل عن بيان الشيخ الأنصاري(قدس‌سره). أما النظرية الثانية فتقوم على أساس أن الاستصحاب لا يجري، لأن اتصال زمان الشك بزمان اليقين غير متحقق.

سبب عدم جريان الاستصحاب

يصل صاحب الكفاية(قدس‌سره) إلى هذه النتيجة بعد التزامه بعدم جريان الاستصحاب في العدم النعتي لفقدان الحالة السابقة. وقد دُرست هذه النقطة سابقًا وأُورد عليها نقض بأنه في مسألة المرأة القرشية، كان هو نفسه قائلاً بهذا الموضوع. والآن، يقول هنا إن أحد أركان الاستصحاب، وهو اليقين السابق، مفقود.[4] وقد طُرح هذا المطلب في بحث عدم الرابط الذي يطلق عليه اصطلاحًا «العدم النعتي». والآن هنا، قال أيضًا بعدم جريان الاستصحاب في «العدم المحمولي»، وهذا الأمر أيضًا بسبب اختلال أحد شروط جريان الاستصحاب. وهذا الشرط هو اتصال زمان الشك بزمان اليقين. وعليه، فكما لم يجرِ الاستصحاب في عدم الرابط، فإنه لا يجري هنا أيضًا.

بيان صاحب الكفاية(قدس‌سره) حول عدم جريان الاستصحاب

بيان صاحب الكفاية(قدس‌سره) في هذا الصدد هو كالتالي:

«و كذا [أي كما أنّ العدم النعتي لیس مورداً للاستصحاب كذلك العدم المحمولي] فیما كان مترتّباً على نفس عدمه في زمان الآخر واقعاً، و إن كان على یقین منه في آنٍ قبل زمان الیقین بحدوث أحدهما؛ لعدم إحراز اتّصال زمان شكّه و هو زمان حدوث الآخر بزمان یقینه، لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه به.

و بالجملة كان بعد ذلك الآن الذي قبل زمان الیقین بحدوث أحدهما زمانان: أحدهما زمان حدوثه، و الآخر زمان حدوث الآخر و ثبوته الذي یكون طرفاً للشك في أنّه فیه أو قبله، و حیث شك في أنّ أیّهما مقدّم و أیّهما مؤخّر لم‌یحرز اتّصال زمان الشك بزمان الیقین، و معه لا مجال للاستصحاب حیث لم‌یحرز معه كون رفع الید عن الیقین بعدم حدوثه بهذا الشك من نقض الیقین بالشك»[5] .

فكما أن العدم النعتي لم يكن موردًا للاستصحاب، كذلك العدم المحمولي ليس موردًا للاستصحاب. يستخدم سماحته هنا عبارة «كذا». في العدم النعتي، لم يكن موردًا للاستصحاب لعدم وجود يقين سابق. أما في العدم المحمولي، فيوجد يقين سابق. ومع ذلك، فإن زمان اليقين غير متصل بزمان الشك. لذا يقول: «كذا فیما کان مترتّباً علی نفس عدمه فی زمان الآخر واقعاً». عندما يكون موضوع العدم في زمن ويستمر في زمن آخر، فعلى الرغم من وجود يقين بعدم حدوث كليهما في زمن قبل اليقين بحدوث أحدهما، إلا أن اتصال زمان الشك بزمان اليقين غير متحقق.

توضيح حول المثال

على سبيل المثال، في الزمن الأول (الأربعاء)، يوجد يقين بعدم حدوث كلا الحادثين؛ أي نعلم أن أيًا من الحادثتين لم تقع. ولكن في الزمن الثاني (الخميس)، يحصل يقين بحدوث إحداهما. هنا، الاستصحاب قابل للتطبيق. ولكن في الزمن الثالث (الجمعة)، لا يجري الاستصحاب. وهذا بسبب عدم إحراز اتصال زمان الشك (وهو زمن حدوث الحادثة الثانية) بزمان اليقين (وهو زمن حدوث الحادثة الأولى). فمن المحتمل أن يكون زمن حدوث الحادثة الثانية قد انقطع عن زمن اليقين بحدوث الحادثة الأولى.

تحليل الوضع يوم الجمعة

في يوم الجمعة، حيث من المؤكد أن موت المورث قد وقع، لا يمكن إحراز أن زمان اليقين كان متصلاً بزمان الشك. وبعبارة أخرى، لا يمكن التأكد مما إذا كان زمان الشك متصلاً بزمان اليقين أم منفصلاً عنه. بشكل عام، بعد الزمن الذي يقع قبل اليقين بحدوث أحد الحادثين (الأربعاء)، يُتصور زمانان: أحدهما زمن حدوث الحادثة الأولى والآخر زمن حدوث الحادثة الثانية.

في يوم الأربعاء، لم يقع أي من الحادثين. ولكن في يوم الخميس، حدث أحدهما، وفي يوم الجمعة، وقعت الحادثة الثانية. وعليه، لدينا زمانان: أحدهما زمن حدوث الحادثة الأولى والآخر زمن حدوث الحادثة الثانية. ولكن في يوم الجمعة، حيث لدينا يقين بوقوع موت المورث، يجب أن نجري استصحاب عدم إسلام الوارث في نفس ذلك الزمن لنتمكن من الاستفادة منه. لأن اليقين بموت المورث حاصل يوم الجمعة. فعلى الرغم من أنه قد يكون موت المورث قد وقع يوم الخميس، إلا أن يوم الجمعة هو بالتأكيد زمن وقوع موت المورث. وعليه، يجب أن يجري الاستصحاب يوم الجمعة. فالموضوع مركب ويجب إجراء استصحاب عدم إسلام الوارث في نفس الزمن الذي لدينا فيه يقين بموت المورث، لا في زمن آخر. وإلا، فلن يجري الاستصحاب في ذلك الزمن.

عدم إمكانية إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين

إذا شككنا في أيهما من الحادثين متقدم وأيهما متأخر، فلا يمكن إحراز أن زمان الشك متصل بزمان اليقين. وعليه، لا يبقى مجال لجريان الاستصحاب. لأنه لا يمكن إحراز أن اليقين بعدم حدوث أحد الحادثين قد انتهى إلى الشك في حدوثه. وبعبارة أخرى، لا يُحرز اتصال زمان اليقين بزمان الشك، ونتيجة لذلك، لن يجري الاستصحاب.

تحليل صاحب الكفاية(قدس‌سره) للأزمنة الثلاثة

لتوضيح هذا الرأي أكثر، يقول صاحب الكفاية(قدس‌سره) إنه يجب تصور ثلاثة أزمنة:

     الزمن الأول (الأربعاء): يوجد فيه يقين بعدم حدوث كلا الحادثين.

     الزمن الثاني (الخميس): يحصل فيه يقين بحدوث أحد الحادثين.

     الزمن الثالث (الجمعة): يوجد فيه يقين بحدوث كلا الحادثين.

في الزمن الأول، لم يقع أي من الحادثين. في الزمن الثاني، حدث أحدهما، وفي الزمن الثالث، وقع كلا الحادثين. ولكن لا يمكن معرفة أيهما من الحادثين وقع في الزمن الثاني وأيهما في الزمن الثالث. وعليه، لا يمكن إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

تطبيق النظرية على مسألة الإرث

في مسألة الإرث، تم تطبيق هذه النظرية كالتالي: موضوع عدم الإرث هو عدم إسلام الوارث حين موت المورث. ومن ناحية أخرى، موضوع الإرث هو عدم موت المورث حين إسلام الوارث. وعليه، يوجد موضوعان مختلفان: أحدهما موضوع الإرث والآخر موضوع عدم الإرث. لهذا السبب، ينشأ تعارض بين هذين الموضوعين. يقول صاحب الكفاية(قدس‌سره) إن استصحاب عدم إسلام الوارث بمفاد «ليس تامة» يجري. ولكن هذا الاستصحاب، في الزمن الثاني (الخميس)، ليس موضوعًا لعدم الإرث. لأنه في الزمن الثاني، لا نعلم بموت المورث. فمن الممكن أن يكون موت المورث قد وقع في الزمن الثالث (الجمعة). وعليه، يكون الاستصحاب في الزمن الثاني عديم الفائدة.

ضرورة استمرار الاستصحاب حتى الزمن الثالث

إذا أجرينا استصحاب عدم إسلام الوارث حتى الزمن الثالث (الجمعة)، يتحقق موضوع عدم الإرث. لأنه في الزمن الثالث، لدينا يقين بوقوع موت المورث. أما إذا أجرينا استصحاب عدم إسلام الوارث في الزمن الثاني فقط، فلن يكون لهذا الاستصحاب فائدة، لأن موضوع عدم الإرث هو عدم إسلام الوارث حين موت المورث، وموت المورث قد يكون قد وقع في الزمن الثالث. وعليه، يجب أن يستمر الاستصحاب حتى الزمن الثالث ليتمكن من إحراز موضوع عدم الإرث.

النتيجة: إشكال صاحب الكفاية(قدس‌سره)

في النهاية، إذا كان موت المورث قد وقع في الزمن الثاني، يجري استصحاب عدم إسلام الوارث في الزمن الثاني دون إشكال، لأن أركان وشروط الاستصحاب متحققة في هذه الحالة. أما إذا كان موت المورث قد وقع في الزمن الثالث، فلا يجري استصحاب عدم إسلام الوارث في الزمن الثالث، لأن اتصال زمان الشك بزمان اليقين لم يُحرز.

يقول المرحوم الآخوند(قدس‌سره): مع عدم اتصال الشك باليقين، قد لا تكون الحالة من موارد نقض اليقين بالشك، بل من موارد نقض اليقين باليقين، وفي هذه الحالة لا تشملها أدلة الاستصحاب.

طُرح هذا الإشكال من قبل صاحب الكفاية(قدس‌سره). وفيما يلي، سنتناول مناقشات المحقق الأصفهاني(قدس‌سره) على هذه النظرية وندرس وجهة نظره.[6]


[1] و في المسألة قول ثالث قریب من قول المحقق الخراساني:المحقق الصدر في بحوث في علم الأصول، ج‌6، ص312: «إن ما اخترناه و إن كان قريباً جداً من القول الثالث الذي ذهب إليه صاحب الكفاية. غير أنه قد فسّر موقفه و استدل عليه بتعبير آخر حاصله: إن الاستصحاب لايجري في مجهولي التاريخ لعدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ...».و قال أیضاً: «لكنّنا نختلف عن القول الثالث في أنّا نرى جريان استصحاب عدم الكرية في مجهولي التاريخ مع افتراض أن فترة تردد زمان الارتفاع أوسع من فترة تردد حدوث الملاقاة في المثال المذكور، فإذا كانت الملاقاة مرددة بين الساعة الأولى و الثانية و كان تبدل عدم الكرية بالكرية مردداً بين الساعات الأولى و الثانية و الثالثة، فلا محذور في إجراء استصحاب عدم الكرية إلى واقع زمان الملاقاة لأنه على أبعد تقدير يكون هو الساعة الثانية و لا علم بالارتفاع في هذه الساعة لاحتمال حدوث الكرية في الساعة الثالثة فليس من المحتمل أن يكون جر بقاء الجزء إلى واقع زمان الجزء الآخر جراً له إلى زمان اليقين بارتفاعه أبداً فلايحتمل فيه أن يكون من نقض اليقين باليقين. و الحاصل: أن الاستصحاب في الجزء المجهول إنما يجري فيما إذا كان دائرة التردد فيه أوسع من الآخر بحيث يحتمل تأخره عنه لا ما إذا كان مساوياً أو أضيق منه و إلا كان من احتمال انتقاض اليقين باليقين. و هذا هو معيار عدم جريان الاستصحاب و ضابطه الفني حتى في معلوم التاريخ بلحاظ مجهول التاريخ لأن معلوم التاريخ هو الأضيق دائرة و مجهول التاريخ هو الأوسع فلايجري استصحاب عدم معلوم التاريخ إلى واقع زمان مجهول التاريخ».و في المباحث الأصولیة، ج13، ص479: «النقطة السادسة: أن الاستصحاب لایجری في مجهولي التاریخ إذا كانت دائرة زمان حدوث كلیهما متساویة، و أما إذا كانت دائرة زمان حدوث أحدهما أوسع من دائرة زمان حدوث الآخر فیجري الاستصحاب في الفرض الأول دون الثاني»
[2] فرائد الأصول، ج‌2، ص667.
[3] اختار القول بجریان الاستصحاب كثیر من الأعلام: و المحقق الإصفهاني (إنّ المحقّق الإصفهاني یری أنّ المراد من اتّصال زمان الشك بزمان الیقین).و المحقق النائیني في أجود التقريرات، ج4، ص149: «غایة ما یمكن أن یقال في توضیح مرامه [أي مرام صاحب الكفایة] ... و لايخفى عليك أن ذلك إنما يتمّ لو كان قضية «لاتنقض» مسوقة لبيان المنع عن انتقاض المتيقن بالمشكوك حتى يقال في أمثال المقام بعدم إحراز اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن لما عرفت، و أما إذا كان سوق القضية لبيان المنع عن نقض اليقين حيث إنه صفة مبرمة بالشك الذي لا إبرام فيه بل هو مجرد التردد و التحير، فلايعقل الشك في الاتصال و عدمه حتى يكون الشبهة مصداقية فإن اليقين و الشك لكونهما من الصفات الوجدانية فلابد إما من إحراز اتصالهما أو إحراز انفصالهما ليس إلا ... و هذا هو الضابط في الاتصال و الانفصال بمعنى أن الشك إن كان شكاً في بقاء ما هو المتيقن قبله فلامحالة يكون الشك متصلاً باليقين و إلا فلا».و المحقق البجنوردي في منتهى الأصول (ط.ج): ج‌2، ص643-649: «... و قد يقرّر هذا الإشكال [عدم اتصال الشك باليقين] بوجه آخر: و هو أنه لابد من شمول دليل «لاتنقض» للمقام من إحراز موضوعه، و هو إحراز أن المورد من نقض اليقين بالشك ... و لكن الإنصاف: عدم ورود شي‌ء من الإشكالين ...».و الشيخ الحلي في أصول الفقه، ج‌10، ص178-181: «المانع ... هو كما أشار إليه بقوله: ففي كل منهما يحتمل انفصال الشك عن اليقين ... فيكون التمسك فيه بعموم «لاتنقض» من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لكنّه أيضاً محل تأمل... و الحاصل أن العبرة في اتصال زمان الشك بزمان اليقين إنما هو بحال إجراء الاستصحاب ...».‌و كذا في دليل العروة الوثقى (تقرير بحث الشيخ حسين الحلي)، ج1، ص98 – 99.و المحقق الخوئي في مصباح الأصول (ط.ج): ج‌2، ص223: «تحصّل‌ مما ذكرناه أنه لا مانع من جريان الاستصحاب فيما إذا كان الأثر لأحدهما و يسقط للمعارضة فيما إذا كان الأثر لكلّ واحد منهما كما عليه الشيخ و جماعة من المحققين».و الشیخ المحقق التبریزي في دروس في مسائل علم الأصول، ج‌5، ص339.و بعض الأساطين في المغني في الأصول، ج2، ص226: «تحصل .. إن مقتضى التحقیق وجداناً و برهاناً تمامیة أركان الاستصحاب في جمیع موارد مجهولي التاریخ، و الحقّ مع الشیخ في تمامیة المقتضي».و السید محمد صادق الروحاني في زبدة الأصول، ج‌5، ص523: «المتحصل مما ذكرناه أنه لا محذور في جريان الأصل في مجهولي التاريخ فيجري».و السید المحقق السیستاني. في الاستصحاب، ص612: «ظهر مما ذكرنا أن ما ذهب إلیه الشیخ من جریان الاستصحاب في مجهولي التاریخ هو الصحیح و الإشكال المزبور بتقریباته الأربعة غیر وارد على جریان الاستصحاب»
[4] أول من أبدع هذا الإشكال هو الشیخ راضي النجفي أو میرزا محمد حسن الشیرازي كما في الاستصحاب (تقریر بحث السید المحقق السیستاني)، ص612: «ذهب جماعة من المتأخرین إلى إنكار إجراء الأصل في مجهول التاریخ و إن لم‌یكن هنا معارض كصاحب الكفایة و صاحب العروة الوثقى و نقل في المستمسك أن أول من أبدع هذا الإشكال من عدم اتصال زمان الیقین بالشك هو المیرزا الشیرازي في بحثه إلا أن المحقق الشیخ عبد الله المامقاني قال في مبحث المیاه في حاشیته على العروة: قد تلقی ذلك من شیخه العلامة المرحوم الشیخ راضي ... و قد قربت الشبهة بتقریبات...».مستمسك العروة، ج2، ص497 في التعلیقة على قوله «لعدم اتصال الشك بالیقین به»: «هذه شبهة ذكرها سيد المحققين الأعاظم [المیرزا الشيرازي الكبیر] في درسه الشريف على ما حكي، و اشتهرت بين من تأخر عنه، و ربما تقرب بأحد وجوه...».الكرام البررة، ج2، ص527-531: «الشیخ راضي النجفي هو الشیخ راضي بن الشیخ محمد بن الشیخ محسن بن الشیخ خضر الجناجي ... إن المرحوم الشیخ خضر قد خلف أربعة أولاد كل واحد منهم أبو أسرة جلیلة في النجف. فالشیخ حسین جدّ آل الخضري و الشیخ محمد جدّ آل العلیوي و الشیخ جعفر جدّ آل كاشف الغطاء و الشیخ محسن جدّ آل الشیخ راضي ... حضر دروس خالیه الشیخ حسن و الشیخ علي ولدي الشیخ جعفر كاشف الغطاء و الشیخ محمد حسن صاحب الجواهر ... و قال تلمیذه الشیخ میرزا محمد الهمداني الكاظمی في فصوص الیواقیت: ... انتهت إلیه الریاسة بعد وفاة شیخ الطائفة المرتضى الأنصاري في سنة 1281 و قلّده العرب و جمع من أهل إیران ... و تلامذته كثیرون منهم الشیخُ محمد كاظم الخراساني و السیدُ محمد كاظم الیزدي و الشیخُ فضل الله النوري .. و السیدُ اسماعیل الصدر .. و المیرزا محمد الهمداني .. و ولدُ المترجم الشیخُ عبد الحسن. ... توفي سنة 1290 و دفن مقابل مقبرة جدّه لأمه الشیخ الأكبر كاشف الغطاء .. و خلف عدّة أولاد أكبرهم و أشهرهم في الفضل العلامة الشیخ عبد الحسن»
[5] كفایة الأصول، ص420؛ و قال المحقق الخراساني في درر الفوائد، الحاشية الجديدة، ص362 في التعلیقة على قوله.: «و أما أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر»: «و التحقيق حسبما يساعد عليه التدقيق ... ثم إني أظنّك أن تحدس من ذلك أن الأمر في الاستصحاب فيما إذا شك في بقاء مجهولي التاريخ كذلك، أي أصالة البقاء جارية في نفسها لولا المعارضة في كل منهما لو كان الأثر ... لثبوته لا لثبوته لغيره في هذا الحال و غير جارية فيما كان الأثر لثبوته لغيره ... و أما على التقدير الثاني فلأنه لم‌يكن على يقين منهما في غير الساعة الثانية، و أما فيها فلأنه و إن كان على يقين منهما إلا أنه لم‌يعلم أنه على أي حال كان في الساعة السابقة، و أنه كان على الطهارة أو الحدث، فلا مجال لاستصحاب واحد منهما لاختلال ما يعتبر فيه من إحراز اتصال زمان الشك في تحققه فيه بزمان تحققه على اليقين، لعدم صدق نقض اليقين بالشك بدون ذلك، أي الاتصال، و إلا لصدق على ما إذا شك فيه، و قد علم به في زمان سابق و لو مع العلم بارتفاعه، و هو ضروري البطلان، و مع عدم إحرازه فليس التمسك بالخطاب إلا من باب التمسك بالدليل فيما لم‌يعلم أنه من مصاديق مدلوله، و كيف يكون للاستصحاب هاهنا مجال مع كون المكلف على حال واحد بالنسبة إلى زمان المستصحب و زمان المشكوك، فإنه فيهما على يقين من كل منهما بعد الساعة الأولى، و أما فيها فلم‌يعلم إلا بتحقق أحدهما مردداً بينهما؛ فظهر أنه لا مجال لاستصحاب الطهارة، و لاستصحاب الحدث في الحال كي يسقط بالتعارض بناء على عدم شمول الخطاب للاستصحاب في أطراف العلم بانتقاض اليقين، أو لايسقطا بناء على شموله إلا في صورة مخالفة الاستصحابين لتكليف معلوم في البين...»
[6] لكلام المحقق الخراساني عدّة تقریبات:التقریب الأول: ما ذكره المحقق النائیني ففي أجود التقريرات، ج4، ص149-150: «إن غاية ما يمكن أن يقال في توضيح مرامه هو أنه لا ريب في أن المستفاد من قولهم(: «لاتنقض اليقين بالشك» هو المنع عن ناقضية الشك لليقين المتصل به بحيث يكون أحد الزمانين هو زمان اليقين و الزمان الذي بعده هو زمان الشك فكلما أحرز فيه هذا المعنی فلابد فيه من الحكم بجريان الاستصحاب و البناء فيه على الحالة السابقة و كلما شك فيه أو قطع بعدمه فلايجري الاستصحاب أما على الثاني فواضح و أما على الأول فلأنّ الاتصال إذا كان معتبراً في جريانه فلا‌محالة يكون الشك في تحققه شكاً في تحقق موضوعه فالتمسك به حينئذ يكون تمسكاً بالعموم في الشبهة المصداقية و على ذلك لابد في جريان الاستصحاب من إحراز اتصال زماني اليقين و الشك...». و راجع مصباح الأصول، ط.ج، ج3، ص219 و ط.ق، ج3، ص183.التقریب الثاني: ما ذكره المحقق العراقي في نهاية الأفكار؛ ج‌4، قسم‌1؛ ص209: «إن في فرض العلم بحدوث الحادثين كإسلام الوارث و موت المورث و الشك في المتقدم منهما و المتأخر، لابد من فرض الأزمنة التفصيلية ثلاثة بفرض الزمان الأول زمان اليقين بعدمهما، و الزمان الثاني زمان العلم بحدوث أحدهما فيه إجمالاً، إما إسلام الوارث، و إما موت مورّثه، و الزمان الثالث زمان اليقين بتحقق الإسلام و الموت فيه ... و حينئذ فبعد احتمال كون الزمان الثاني أعني يوم الجمعة مثلاً ظرفاً لحدوث الإسلام أو الموت، لا مجال لاستصحاب عدم إسلام الوارث المعلوم يوم الخميس إلى زمان موت مورثه، لاحتمال أن يكون زمان موت المورث يوم السبت الذي هو الزمان الثالث و يكون زمان الإسلام يوم الجمعة الذي هو زمان انتقاض يقينه باليقين بالخلاف، و مع هذا الاحتمال لايمكن جرّ المستصحب من زمان يقينه إلى زمان الآخر المحتمل كونه بعد زمان اليقين بارتفاعه ... و بعد تذيّل بعض أخبار الباب بقوله: «و لكن أنقضه بيقين آخر» الذي هو من القيود المتصلة بالكلام، لابد في التمسك بعموم دليل الاستصحاب من إحراز تطبيق عنوانه بقيوده على المورد، فمع الشك في مثل هذا القيد يشك في تطبيق عنوانه، و في مثله لا مجال للتمسك بعموم لاتنقض حتى بناء على جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية للمخصصات المنفصلة» و ناقش فيه المحقق العراقي بعد ذلك.التقریب الثالث: ما ذكره المحقق الإصفهاني. في نهاية الدراية، ج5-6، ص206 في التعلیقة على قوله: «و أخرى كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر»: «لابد من التكلم في مقامين: ... ثانيهما في اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين و المراد اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن و إلا فاليقين و الشك مجتمعان في زمان واحد في باب الاستصحاب، و الوجه في اعتباره هو أن التعبد الاستصحابي تعبد بعنوان الإبقاء، و لازمه اتصال الموجود بالتعبد مع الموجود بالحقيقة، لكونه متيقناً و إلا لكان تعبداً بالوجود فقط لا بإبقاء الوجود، و لذا لو أيقن بوجود شي‌ء في زمان، ثم أيقن بعدمه في زمان آخر، ثم شك في الوجوب في زمان ثالث، لم‌يكن هذا الشك شكاً في البقاء، و لا الجري العملي على طبقه إبقاءً عملياً للوجوب ... فالتمسك بعموم لاتنقض- في كلٍّ من العدمين الخاصين- يكون تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية».و هنا تقريبان آخران فراجع المحاضرات (قسم مباحث أصول الفقه)، ج‌3، ص117؛ منتقى الأصول، ج‌6، ص242
logo