46/07/21
بسم الله الرحمن الرحیم
التنبیه العاشر المطلب الأول القسم الثالث ما إذا کان الأثر مترتباً علی العدم بمفاد لیس الناقصة/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /التنبیه العاشر المطلب الأول القسم الثالث ما إذا کان الأثر مترتباً علی العدم بمفاد لیس الناقصة
التنبیه العاشر: الشك في تقدّم الحادث و تأخّره
المطلب الأوّل: في تقدّم أحد الحادثين على الآخر إذا كان الموضوع مركّباً
البحث الأوّل:في مجهولي التاریخ
القسم الثالث: ما إذا كان الأثر مترتّباً علی العدم بمفاد لیس الناقصة
نظریة صاحب الكفایة[1]
قال صاحب الكفاية (قدس سره) في بحثه عن القسم الثالث من جريان الاستصحاب، نفس الرأي الذي طرحه بشأن عدم جريان الاستصحاب في مفاد لیس ناقصه.
وأوضح في هذا القسم أن الأثر هنا مترتب على العدم، ولكن هذا العدم يأتي بمفاد لیس ناقصه.
وفي هذا السياق، يرى صاحب الكفاية (قدس سره) أن الاستصحاب لا يجري، ويبيّن أن أحد أركان الاستصحاب مفقود في هذه الحالة.
وأشار إلى أن جريان الاستصحاب متوقف على وجود يقين سابق بوجود حادث كان معدوماً في زمان حدوث حادث آخر. بمعنى آخر، لا بد من وجود يقين سابق بأن الحادث في زمن حدوث الحادث الآخر لم يكن موجوداً.
وقال صاحب الكفاية (قدس سره) إن الأثر مترتب على عدم أحد الحادثين في زمان حدوث الآخر، ولكن هذا العدم يكون بمفاد لیس ناقصه. وأضاف أن هذه المسألة لا تعتبر مورداً للاستصحاب؛ لأن الأثر مترتب على شيء اتصف بالعدم في زمن حدوث حادث آخر. بمعنى آخر، إن الحادث في زمن حدوث الحادث الآخر كان معدوماً، وهذا لم يكن موجوداً في السابق.
إن عبارة صاحب الكفاية (قدس سره) في هذا الجزء قد تكون صعبة بعض الشيء، ولكن معناه بشكل مختصر هو أن الاستصحاب لا يجري في مثل هذه الحالات بسبب عدم وجود يقين سابق بعدم وجود أحد الحوادث في زمان حدوث الآخر.
لتوضيح أكثر، يتم دراسة مثالين حول هذا الموضوع:
المثال الأول: موت الوارث بعد موت المورّث
إن الإرث للوارث متوقف على مفاد "لیس ناقصه". موضوع هذه "لیس ناقصه" هو أنه رغم أن كلا من الوارث والمورث قد توفيا، يجب أن نلاحظ أن هذه الحقيقة تعتبر بمفاد "لیس ناقصه". وهذا المفاد يعني أن موت الوارث لم يكن في وقت موت المورث، بل وقع بعده. في هذه الحالة، كان موت الوارث بعد موت المورث.
في هذا المثال، يحدث موت المورث في وقت لم يكن فيه موت الوارث، أي أن موت المورث يُنسب إلى عدم بمفاد "لیس ناقصه"، وهذا يتعلق بالعلاقة بين موت المورث وموت الوارث.
إن موت الأب موجود وقد وقع، لأننا في فرض حدث فيه حدثان، ولكن كلاهما مجهول التاريخ، لذلك وقع موت الأب، ولكن هذا الموت لم يكن موجوداً في وقت موت الابن. وهذه هي المسألة التي تتعلق بإرث الابن، حيث أن الابن يرث من أبيه لأنه حدث موت الوارث بعد موت المورث.
المثال الثاني: إسلام الوارث بعد موت المورّث
في مسألة إسلام الوارث، إذا أسلم الوارث قبل موت المورث فإنه يرث، ولكن إذا أسلم بعد موت المورث فإنه لا يرث. وبالتالي، فإن "لیس ناقصه" هنا تعني أن موت المورث لم يكن قبل إسلام الوارث، بل كان بعده. بمعنى آخر، إذا أسلم الابن بعد موت الأب، فإنه لا يمكنه أن يرث، أما إذا أسلم قبل موت الأب، فإنه سيرث.
في هذا السياق، يقول صاحب الكفاية (قدس سره): "أحد ركنَي الاستصحاب مفقود"، لأن جريان الاستصحاب متوقف على وجود يقين سابق بحدوث شيء كان متصفاً بالعدم في زمن حدوث شيء آخر. في هذه الحالة، لا يوجد اليقين المذكور، لأنه عندما نريد أن نعتبر عدم موت المورث بالنسبة لإسلام الوارث بمفاد "لیس ناقصه"، يجب أن نقر بأن هذه الحالة لم تكن موجودة سابقاً. رغم أن موت المورث قد وقع، إلا أن عدمه في زمن إسلام الوارث لا يوجد له سابقة، وهذه الحالة لا يمكن إثباتها بالاستصحاب.
تقریر المحقق الخوئي[2] عن صاحب الكفایة (قدس سرهما)
يقرّر المحقق الخوئي (قدس سره) رأي صاحب الكفاية (قدس سره) ويبيّن أن الاستصحاب لا يجري وفقاً لمبنى صاحب الكفاية إذا كان الأثر مترتباً على العدم النعتي (كان ناقصه). والسبب في ذلك هو أننا لا نمتلك يقيناً بوجود هذا الحادث المتصف بالعدم في وقت حدوث حادث آخر. من أجل جريان الاستصحاب، يجب أن يكون هناك يقين سابق بحدوث هذا الحادث في وقت معين وكان متصفاً بالعدم، لكن في هذه الحالة لا يوجد مثل هذا اليقين السابق.
ويظهر أن في الحالات التي تكون فيها القضية معدولة، يجب افتراض وجود الموضوع، على عكس القضية السالبة.
1. القضة السالبة
في القضیة السالبة، مثل «زیدٌ لیس بقائمٍ»، لا يتوقف صدق القضیة على وجود الموضوع. مضمون هذا النوع من القضیة هو سلب الربط؛ أي نفي العلاقة بين الموضوع والمحمول، دون أن يكون وجود الموضوع في العالم الخارجي شرطًا. وبالتالي، في القضیة السالبة لا حاجة لافتراض وجود الموضوع، ويمكن أن تُصدق حتى في حالة عدم وجود الموضوع في الخارج.
2. القضة المعدولة المحمول
في القضیة المعدولة المحمول، مثل «زیدٌ غیر قائمٍ»، وجود الموضوع ضروري لصدق القضیة. مضمون هذا النوع من القضیة هو ربط السلب؛ أي يُنسب إلى الموضوع محمول جاء على شکل معدول. هنا، من أجل أن يكون صدق القضیة ممكنًا، من الضروري أن يكون الموضوع موجودًا في العالم الخارجي.
بعبارة أخرى، على عكس القضیة السالبة التي هي مجرد نفي للعلاقة، في القضیة المعدولة المحمول، وجود الموضوع هو شرط لازم للربط بين الموضوع والمحمول.
مناقشة المحقق الأصفهاني[3] والمحقق الخوئي[4] (قدس سرهما) في نظرية صاحب الكفاية (قدس سره)
ناقش المرحومان المحقق الإصفهاني والمحقق الخوئي (قدس سرهما) كلام صاحب الكفایة (قدس سره) وذهبا إلى جریان الاستصحاب في القسم الثالث. فصاحب الكفایة (قدس سره) يرى أنّ الاستصحاب لا يجري في هذا القسم، حیث يكون الأثر مترتبًا على العدم النعتي، وذلك لأنّ جریان الاستصحاب متوقف على الیقین السابق بوجود موضوع متصف بالعدم، وهو أمر غیر متحقق في هذه الموارد، إذ لا یمكن افتراض حالة سابقة لاتصاف الموضوع بالعدم الوصفي عند وقوع الحادث الآخر.
وقد رفض المحقق الخوئي (قدس سره) هذا الرأي تبعًا للمحقق الإصفهاني (قدس سره)، معتبراً أنّه لا مانع من جریان الاستصحاب حتى في هذه الموارد. فمع أنّ ترتیب آثار الاتصاف بالعدم الوصفي غیر ممكن عبر استصحاب عدم ذلك الوصف، باعتبار أنّ العدم المأخوذ على نحو النعتیة لا یمكن إثباته بالاستصحاب، إلا أنّه یمكن جریان الاستصحاب لإثبات آثار عدم الاتصاف بالوصف.
فعلى سبیل المثال، في فرض موتین، لا یمكن إثبات العدم النعتي لموت الوارث، كما أنّه لا یمكن إثبات العدم النعتي لموت المورّث في فرض إسلام الوارث وموت المورّث. ولكن یمكن، عبر الاستصحاب، افتراض عدم تحقق القضیة برمتها، حتى وإن كان منشأ ذلك هو عدم وجود الموضوع نفسه. فبما أنّ الاتصاف بذلك الوصف مسبوق بالعدم، یمكن جریان استصحاب عدم الاتصاف.
وعلیه، فإنّ القسم الثالث، من جهة كون الاتصاف مسبوقًا بالعدم، یشبه القسم الثاني. ومن ثم، ذهب المحقق الخوئي (قدس سره) والمحقق الإصفهاني (قدس سره) إلى عدم وجود مانع من جریان الاستصحاب في هذه الموارد، وإن لم یكن بالإمكان إثبات العدم النعتي بصورة مباشرة.
توضیح المسألة: ترتیب الحادثین وتأثیرهما على الحكم الشرعي
في هذه الموارد، هناك حادثان، لكن تاریخ وقوع كلٍّ منهما مجهول، والحكم الشرعي مترتب على عدم وقوع أحدهما في زمان وقوع الآخر.
الأمثلة
1. موت الوارث وموت المورّث:
في هذا المثال، يتوقف الحكم بالإرث على تقدم أو تأخر موت الوارث والمورّث.
فقد توفي كلٌّ من الوارث والمورّث، لكننا لا نعلم أيّهما وقع أولًا. والأثر الشرعي، أي إرث الوارث من المورّث، متوقف على عدم نعتي، أي عدم اتصاف موت الوارث بأنّه وقع في زمان موت المورّث.
بعبارة أخرى، لا يرث الأب من ابنه إلا إذا كان موته متصفًا بعدم الحدوث في زمان موت الابن.
2. إسلام الوارث وموت المورّث:
في هذا المثال، إذا أسلم الوارث قبل موت المورّث، ورث منه، ولكن إذا كان إسلامه بعد موت المورّث، لم یرث.
وعليه، فإنّ إرث الوارث مشروط بأن يكون إسلامه متصفًا بعدم الحدوث في زمان موت المورّث.
3. ملاقات الشيء المتنجّس وحدوث القلّة في ماء الحوض:
هذا مثال جديد يوضح نفس الإشكال:
افترض أنّ هناك ملاقاة بين شيء متنجّس وماء الحوض، وفي نفس الوقت وقع حادث آخر، وهو حدوث القلّة لماء الحوض. ولكننا لا نعلم أيّ الحادثين وقع أولًا.
الحكم بالطهارة (الأثر الشرعي) متوقف على عدم وقوع الملاقاة في زمان حدوث القلّة لماء الحوض.
وبالتالي، فإنّ موضوع الحكم هنا هو عدم نعتي، أي عدم اتصاف الملاقاة (الحادث الأول) بأنّها وقعت في زمان الحادث الثاني، أي حدوث القلّة لماء الحوض.
هذا المثال الثالث، الذي طرحه المحقق الخوئي (قدس سره)، يوضح أن حادثين متعاقبين قد يكون لهما دور أساسي في ترتب الأثر الشرعي. هذا التنوع في الأمثلة يساعد في فهم المسألة بشكل أعمق ويبرز الفروقات بين الحالات المختلفة.
وقد صرّح (قدس سره) بأن الحكم بالطهارة لهذا الشيء المتنجّس متوقف على أن لا تكون الملاقاة قد وقعت في زمان حدوث القلّة. فإن لم تكن الملاقاة قد حصلت في زمان حدوث القلّة، فهذا يعني أن الملاقاة وقعت حين كان الماء لا يزال كرّاً، وبالتالي يحكم بطهارة الشيء المتنجّس.
ولإثبات الحكم بالطهارة، نحتاج إلى ليس الناقصة، لأن الحادثين - أي الملاقاة وحدوث القلّة - قد وقعا، ولكن البحث في ليس الناقصة من جهة وقوع الملاقاة في زمان حدوث القلّة. أي أنه رغم تحقق الحادثين، فإن عدم وقوع الملاقاة في زمان حدوث القلّة هو العنصر المؤثر في الحكم.
وبناءً على ذلك، موضوع الحكم بالطهارة هو العدم النعتي، أي أن ليس الناقصة لملاقاة الشيء المتنجّس في زمان حدوث القلّة معتبرةٌ شرعاً. وبعبارة أخرى، هذا العدم النعتي للملاقاة في زمان حدوث القلّة هو الشرط الأساس للحكم بالطهارة.
صرّح المرحوم صاحب الكفاية (قدس سره) بهذه المسألة بصياغة القضية الموجبة المعدولة المحمول. فالطهارة التي تترتب على وجود الحادث الأول، أي طهارة الملاقاة، لا بد أن تكون متصفة بعدم حدوثها في زمان الحادث الآخر (حدوث القلّة). وقد طُرحت هذه القضية على نحو موجبة معدولة المحمول، مع التأكيد على ضرورة فرض وجود الموضوع، وهو موضوع لم يكن له تحقق سابق.
فالقضية الموجبة المعدولة المحمول مفادها ربط السلب، ولذلك لا يكون لها حالة سابقة. فالطهارة التي يكون وصفها العدم هي عدمٌ رابطٌ مرتبطٌ بحادثة قلّة الماء، ولكن لا يوجد لهذه الحالة سابقة يقينية.
الإشكال هنا يدور حول "ليس الناقصة" والربط، والمشكلة الأساسية عند المرحوم صاحب الكفاية (قدس سره) تكمن في هذا الربط بالذات، إذ لا يوجد لهذا الربط تحقق سابق يمكن استصحابه. فلا يمكن استصحاب الطهارة بمعنى أنها لم تكن متصفة بالقبلية بالنسبة إلى قلّة الماء.
صرّح المرحوم المحقق الإصفهاني (قدس سره) والمحقق الخوئي (قدس سره) بهذه المسألة بصياغة القضية السالبة المحصّلة التي مفادها سلب الربط، وليس السالبة المحصّلة التي مفادها سلب المحمول، ولا القضية الموجبة المعدولة المحمول. وعندما تُطرح القضية على نحو سلب الربط، فإنها لا تحتاج إلى موضوع. وكما ذكر المحقق الإصفهاني (قدس سره) في الجلسة السابقة وبيّنه المحقق الخوئي (قدس سره)، فإن "نفي الشيء عن الشيء لا يحتاج إلى وجود المنفي عنه"، أي أن ثبوت شيء لشيء متفرّع على ثبوت المثبت له، لكن نفي شيء عن شيء لا يتوقف على وجود المنفي عنه. وبعبارة أخرى: "إنّ القضيّة السالبة لا تحتاج إلى وجود الموضوع". وعليه، ينبغي أن نعتبر القضية على نحو سلب الربط، لأن سلب الربط لا يستلزم وجود الموضوع.
وعلى هذا الأساس، فإن موضوع الطهارة هو أن لا يكون حدوث الحادث الأول (ملاقاة الشيء المتنجّس بالماء) قد وقع في زمان حدوث الحادث الثاني (قلّة الماء)، أي عدمه في ذلك الزمان. فالملاقاة قد تحققت، لكننا نأخذ بعين الاعتبار عدمها، بحيث تكون الملاقاة متصفة بـ"لم تكن الملاقاة" في زمان حدوث القلّة، وهو الحادث الثاني.
وبعبارة أخرى، فإن الطهارة مترتبة على أن لا يكون الحادث الأول متصفاً بوقوعه في زمان الحادث الثاني. فالحادث واقعٌ، وهو أمر ثابت، لكنه غير متصفٍ بكونه قد وقع في زمان الحادث الثاني.
هذا الجمع بين النفي والإثبات يعني أن الحادث موجود في الواقع، لكنه غير موجود في زمان وقوع الحادث الثاني، أي أنّ له مفاد "ليس الناقصة"، وإلا لكان له مفاد "كان التامّة". فالحادثة لا تزال قائمة، لكنها لم تقع في زمان الحادثة الثانية.
وبناءً على ذلك، نعتمد في هذا المقام على استصحاب السلب الربطي لحل الإشكال، أي أننا نقول بأن هذا الربط لم يكن موجوداً منذ البداية. وفي هذا السياق، يمكن تصوّر أن الأثر قد يترتب على عدم الربط بالنسبة إلى أحد الحادثين، أو أن يكون الأثر مترتباً على عدم الربط بين الحادثين معاً، وهذا لا يؤدي إلى أي تناقض أو تعارض. وهذه المسألة تندرج ضمن القسم الثالث، ولا ندخل في المباحث اللاحقة، لأن هذا الموضوع في حد ذاته ينطوي على درجة عالية من الدقة والتفصيل.