« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محمدعلي البهبهاني

46/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 التنبیه السابع؛ المطلب الثالث؛ مناقشة المحقق الإصفهاني(قدس سره) في الموردین الثاني و الثالث صغرویاً/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب / التنبیه السابع؛ المطلب الثالث؛ مناقشة المحقق الإصفهاني(قدس سره) في الموردین الثاني و الثالث صغرویاً

 

الملاحظة الثانية

بعد أن بيّنا في الجلسة السابقة الملاحظة الأولى على مناقشة المحقّق الأصفهاني(قدس‌سره) في باب المتضايفين بالتفصيل، ننتقل الآن إلى الملاحظة الثانية. وهذه الملاحظة ناظرة مباشرةً إلى القسم الثاني من نقده، أي تحليله لمثال «العلّة والمعلول». ونحن في هذه الملاحظة، نعتزم أن نبيّن أنّ نقد المحقّق الأصفهاني(قدس‌سره) على القسم الثاني (العلّة الناقصة) ناشئ من عدم التفكيك بين فرضين مهمّين جدّاً، ولو تمّ هذا التفكيك، لاتّضح أنّ كلام صاحب الكفاية(قدس‌سره) صحيح تماماً وأنّ نقد المحقّق الأصفهاني(قدس‌سره) ناظر إلى فرض لم يكن أساساً مورد ادّعاء صاحب الكفاية(قدس‌سره).

الخطوة الأولى: إعادة قراءة النقد ونقطة الاتّفاق في باب العلّة التامّة

للدخول في البحث، من الضروري أوّلاً أن نذكّر بنقد المرحوم الأصفهاني(قدس‌سره) في هذا القسم بشكل مختصر. فقد قال إنّه لو كان المراد من العلّة هو العلّة التامّة، لكان خارجاً عن محلّ البحث؛ لأنّك لو كنت على يقين بالعلّة التامّة، لكنت حتماً على يقين بمعلولها أيضاً. «فلماذا تستصحب العلّة ثم تقول إنّ المعلول قد ثبت لي تعبّداً؟! فاستصحب نفس المعلول». ونحن نوافق تماماً على هذا القسم من كلامه. فإنّ «اليقين بالعلّة التامّة بلا يقين بمعلولها غير ممكن» هو قول تامّ ومتين وغير قابل للمناقشة. فوجود العلّة التامّة لا ينفكّ عقلاً وواقعاً عن وجود معلولها، وتبعاً لذلك، فإنّ اليقين بأحدهما ملازم لليقين بالآخر. فلا كلام في هذا المورد، وهو نقطة اتّفاقنا معه.

الخطوة الثانية: بؤرة البحث الرئيسيّة؛ التحليل الدقيق لفرض العلّة الناقصة

كلّ البحث والنزاع هو في فرض العلّة الناقصة. فالسيناريو الذي هو محلّ بحثنا، والذي كان في نظر صاحب الكفاية(قدس‌سره)، هو أنّ العلّة التامّة لظاهرة ما تتكوّن من جزأين (أو أكثر). فنحن لدينا حالة سابقة يقينيّة بالنسبة لأحد جزئيها (الجزء “ألف”)، ولكن ليس لدينا مثل هذه الحالة بالنسبة للجزء الآخر (الجزء “باء”)، بل قد أحرزنا وجوده في زمن الشكّ بالعلم الوجداني والقطعي. والمثال الواضح جدّاً لذلك هو نفس «استصحاب عدم الحاجب» في الوضوء أو الغسل الذي قرّره المحقّق الأصفهاني(قدس‌سره) نفسه ثم ردّه:

     الجزء «ألف» (الذي له حالة سابقة ويُستصحب): «عدم وجود المانع أو الحاجب» على عضو الوضوء.

     الجزء «باء» (المُحرَز بالعلم الوجداني): «صبّ الماء» على نفس ذلك العضو.

     المعلول (الذي نريد إثباته): «وصول الماء إلى البشرة» (تحقّق الغَسل) وبالتالي، أثره الشرعي أي «رفع الحدث».

وهنا قال المحقّق الأصفهاني(قدس‌سره) إنّه ليس لدينا تعبّد بالمعلول (رفع الحدث) وهذا أصل مثبت باطل. ولكنّ جوابنا الدقيق هو: «العرف يرى التعبّد بالجزء المستصحَب من أجزاء العلّة التامّة عين التعبّد بالمعلول في تلك الحالة التي أُحرز الجزء الآخر بالوجدان». وبلغة أبسط، إنّ النظرة العرفيّة والعقلائيّة هي نظرة تركيبيّة وكلّيّة. فالعرف، عندما يرى أنّ جزءاً من العلّة قد ثبت بالاستصحاب وأنّ الجزء الآخر موجود بالوجدان وبشكل قطعيّ، يرى هذا التركيب بمنزلة التحقّق التعبّدي للعلّة التامّة. وفي الواقع، إنّ ذلك الجزء المستصحَب (عدم المانع) هو «الجزء الأخير من العلّة التامّة»؛ أي هو القطعة الأخيرة من أحجيّة العلّة التامّة التي تكتمل الأحجيّة بإحرازها (وإن كان بأصل تعبّديّ). وعندما تكتمل العلّة التامّة، بأيّ نحو (سواء وجدانيّاً أم تعبّديّاً)، لا يرى العرف بعد ذلك انفصالاً بينها وبين معلولها ويعتبر التعبّد بوجود المعلول نتيجة قطعيّة لذلك. «إذن فقد تحقّقت هذه العلّة التامّة ويتحقّق معلولها أيضاً».

الخطوة الثالثة: الجواب على الإشكال الرئيسي وتحديد محلّ النزاع

والآن نعود إلى الإشكال الرئيسي للمحقّق الأصفهاني(قدس‌سره) الذي قال: «لا ملازمة بين التعبّد بالعلّة الناقصة والتعبّد بالمعلول عرفاً». وجوابنا هو: إنّ عدم الملازمة هذا يتعلّق بالحالة التي «لم يُحرز فيها الجزء الآخر بالوجدان». نعم، لو استصحبنا عدم المانع فقط ولكن لم نعلم ما إذا كان قد صُبّ ماء أم لا، لكان هذا الاستصحاب قطعاً لا يثبت وصول الماء إلى البشرة بمفرده. فكلامكم صحيح تماماً في هذا الفرض، ولكنّ هذا الفرض «خارج عن المبحوث عنه». فمحلّ بحثنا وادّعاء صاحب الكفاية(قدس‌سره) هو تماماً في الفرض الأوّل، أي حيث يكون الجزء الآخر مُحرَزاً بالوجدان. فمناقشتكم تستهدف الفرض الثاني الذي هو خارج عن محلّ نزاعنا.

الخطوة الرابعة: لماذا لا يمكننا استصحاب نفس المعلول مباشرةً؟

قد يتكرّر نفس الإشكال السابق مرّة أخرى وهو: حسناً، لو تحقّقت العلّة التامّة تعبّداً، فلماذا لا نستصحب نفس المعلول (وصول الماء إلى البشرة) مباشرةً؟ الجواب هو أنّ المعلول هنا فاقد للحالة السابقة. فالعلّة التامّة التي تشكّلت الآن بتركيب «استصحاب عدم المانع» و«العلم الوجداني بصبّ الماء» هي أمر آنيّ وجديد وحادث. فقبل صبّ الماء، لم يكن المعلول (أي وصول الماء إلى البشرة) موجوداً أصلاً حتى نريد أن نستصحب بقاءه. «هذا الجزء من العلّة لم تكن له سابقة، لذا فالاستصحاب يجري فقط في طرف العلّة ولا يمكننا أن نجري الاستصحاب في طرف المعلول».

بناءً عليه، فالسبيل الوحيد الممكن هو جريان الاستصحاب في نفس ذلك الجزء من العلّة الناقصة (عدم المانع) الذي كانت له حالة سابقة. وعندما استصحبناه، «فلأنّه نُزِّل منزلة العلّة التامّة، فالنتيجة هي أنّه سيكون حجّة في لازمه ومعلوله أيضاً».

الاستنتاج من الملاحظة الثانية وارتباطها بموارد الاستثناء:

بناءً عليه، فقد أحرزنا العلّة التامّة تعبّداً بتركيب استصحاب جزء وإحراز وجدانيّ لجزء آخر. وبما أنّ هذه العلّة التامّة التعبّديّة هي نفسها أمر حادث، فلا يمكننا استصحاب معلولها مباشرةً. ولكن بسبب الملازمة الشديدة وغير القابلة للإنكار عرفيّاً، فإنّ التعبّد بهذه العلّة التامّة التركيبيّة هو عين التعبّد بمعلولها، وهذا هو المصداق البارز للمورد الثاني من كلام صاحب الكفاية(قدس‌سره) (الملازمة في التعبّد).

وكذلك، فإنّ هذا المورد هو مصداق للمورد الثالث له (الوحدة في الأثر) أيضاً. أي «أثر المعلول قد يُعدّ أثراً للعلّة الناقصة التي أُحرزت بالأصل». فبسبب شدّة الارتباط بين العلّة والمعلول، يرى العرف هنا أثر المعلول (كرفع الحدث مثلاً) عيناً أثر تلك العلّة التركيبيّة التي ثبت أحد جزئيها بالاستصحاب. وأحياناً تكون شدّة هذا الارتباط إلى درجة أنّ العرف ينسب الأثر إلى علّة العلّة؛ فمثلاً، في العرف العامّ، عندما يأمر الملك بإعدام شخص، يقولون «قتله الملك»، لا الجلّاد الذي باشر القتل. وهنا أيضاً ينسب العرف الأثر (رفع الحدث) إلى نفس ذلك التركيب المكوِّن للعلّة ويعتبره حجّة.

الملاحظة الثالثة

بعد أن بيّنا في الملاحظة الثانية أنّه يمكن إيجاد مصداق لكلام صاحب الكفاية(قدس‌سره) في الفرض الخاصّ للعلّة الناقصة (أي حيث يكون الجزء الآخر من العلّة مُحرَزاً بالوجدان)، نصل الآن إلى آخر وأهمّ جزء ربّما من نقد المحقّق الأصفهاني وتلميذه المحقّق الخوئي(قدس‌سرهما). وهذا القسم، الذي طُرح كإشكال بنيويّ، هو أنّه لو قبلنا بحجّيّة الأصل المثبت في باب العلّة الناقصة، لكان هذا الأمر مستلزماً لحجّيّة جميع الأصول المثبتة، وهذا يعني زوال قاعدة أصوليّة مسلَّمة ولزوم «تخصيص الأكثر» الذي هو أمر قبيح وغير عقلائيّ.

ونحن في هذه الملاحظة الثالثة، نعتزم أن نبيّن أنّ هذا الإشكال الكبير أيضاً ناشئ من خلط مفهوميّ بين «الملازمة العقليّة» و«الملازمة العرفيّة»، وبفكّ الارتباط بينهما، يتّضح أنّ مثل هذه المفسدة لن تلزم أبداً.

الخطوة الأولى: صياغة إشكال المحقّق الخوئي(قدس‌سره)

إشكاله، الذي يبدو استدلالاً منطقيّاً، يمكن تقريره على هذا النحو:

١. المقدّمة الأولى (الملازمة من المعلول إلى العلّة): أنتم تقولون إنّ التعبّد بالمعلول يستلزم التعبّد بعلّته الناقصة (لأنّ الملازمة طرفينيّة).

٢. المقدّمة الثانية (الملازمة من العلّة إلى المعاليل الأخرى): التعبّد بعلّة ناقصة واحدة يستلزم أيضاً التعبّد بجميع لوازم ومعاليل تلك العلّة الأخرى.

إذن، التعبّد بلازم واحد (معلول واحد) سيستلزم التعبّد بجميع اللوازم والمعاليل الموازية له. ولو فُتح هذا الباب، لما بقي أيّ أصل مثبت غير حجّة.

الخطوة الثانية: الجواب الأصلي والتفكيك بين نطاق العقل والعرف

جوابنا على هذا الإشكال الكبير هو جواب قاطع وواضح: «ما قاله المحقّق الخوئي(قدس‌سره)… ممنوع». فاستدلالكم هذا ممنوع؛ لأنّ بنية وأساس استدلالكم مبنيّ على فرض مسبق خاطئ. «أنتم تعتبرون جميع اللوازم لازمة عقليّة» والحال أنّ كلّ بحثنا ومبنى صاحب الكفاية(قدس‌سره) يرتكز على أساس الملازمة العرفيّة.

«والجواب عن ذلك يظهر بالتفاوت بين الملازمة العرفيّة والملازمة العقليّة». فما قاله المرحوم السيّد الخوئي تبعاً لأستاذه(قدس‌سرهما) يرتكز على نظرة عقليّة دقيقة وتحليليّة. نعم، من وجهة نظر فيلسوف أو منطقيّ جالس في غرفته ويتعامل مع البراهين العقليّة، فإنّ وجود علّة يستلزم وجود جميع معاليلها، والعلم بالعلّة يستتبع العلم بجميع المعاليل. وهذه هي «الملازمة العقليّة».

ولكنّ بحثنا هنا ليس بحثاً فلسفيّاً محضاً. فبحثنا هو في فهم العرف للأدلّة الشرعيّة. فهل عندما يقول الشارع إنّه يجب الالتزام بشيء (المستصحَب) تعبّداً، يستنتج العرف من هذا الكلام سلسلة استنتاجات عقليّة معقّدة؟ قطعاً لا. فنطاق إدراك وفهم العرف أضيق وفي الوقت نفسه ملموس أكثر بكثير.

أفق رؤية العرف محدود ومركَّز: «العرف يرى التعبّد باللازم هو التعبّد بالملزوم فقط عندما يكون اللازم والملزوم متّصلين ببعضهما». فعندما يتعبّد العرف، بالاستصحاب، بـ«عدم وجود المانع» ويرى بوجدانه «صبّ الماء»، فإنّه يدرك علاقة مباشرة وقريبة وفوريّة بين هذين الأمرين و«وصول الماء إلى البشرة». «لا يلتفت العرف إلى اللوازم الأخرى، ولا يهتمّ ببقيّة اللوازم أصلاً». فذهن العرف، بعد إثبات هذا المعلول، لا يبحث عن «حسناً، الآن بعد أن تحقّقت هذه العلّة (تركيب عدم المانع وصبّ الماء)، فما هي اللوازم العقليّة الأخرى المترتّبة عليها؟». فهذا عمل الفيلسوف، لا عمل العرف السوقي والعادي.

وبعبارة أخرى، «العرف يكتفي من التعبّد الشرعي بهذا المقدار من التعبّد»، وكلّ ما يتجاوز هذه العلاقة المباشرة هو «خارج عن حيطة درك العرف». فالعرف يستدلّ من المعلول (الأثر) على علّته القريبة والمباشرة (دليل إنّي)، ولكنّه لا يقفز من تلك العلّة إلى جميع معاليلها الأخرى. فهذه السلسلة من المراتب والشبكات العلّيّة والمعلوليّة خارجة عن أفق رؤيته.

الخطوة الثالثة: إضافة نكتة تكميليّة

يمكن حتّى أن نخطو خطوة أبعد ونقول: «بل أحياناً لا يكون التعبّد بالعلّة الناقصة تعبّداً بمعلولها حتّى في فرض إحرازنا لسائر أجزاء العلّة التامّة بالوجدان». ومتى؟ عندما تكون نفس العلّيّة بينهما أمراً معقّداً وتخصّصيّاً و«لا يدرك العرف العلّيّة بين اللازم والملزوم وتكون العلّيّة بعيدة عن أذهان العرف». وتبيّن هذه النكتة جيّداً أنّ الملاك النهائي والمحور الأصلي للبحث هو إدراك وفهم العرف، لا مجرّد وجود ملازمة عقليّة في عالم الواقع.

النتيجة النهائيّة للبحث

بالنظر إلى جميع الملاحظات الثلاث التي طُرحت، نصل إلى هذه النتيجة الواضحة:

١. المورد الأوّل (خفاء واسطة الشيخ الأنصاري(قدسسره)): نحن لا نقبل هذا المورد بنفس البيان الذي قاله المرحوم النائيني والخوئي(قدس‌سرهما). فتغيير موضوع الحكم الشرعي بحجّة خفاء الواسطة أمر غير مقبول. وطبعاً قلنا إنّ بعض أمثلة هذا المورد هي في الواقع مصداق للواسطة الجليّة ويمكن أن تندرج تحت الموردين التاليين.

٢. الموردان الثاني والثالث (مباني صاحب الكفاية(قدسسره)): نحن نعتقد أنّ هذين المبنيين، أي «التعبّد باللازم عند التعبّد بالملزوم للملازمة العرفيّة بينهما» (المورد الثاني) و«التعبّد بآثار اللازم فيما إذا عُدّت آثارها من آثار الملزوم عرفاً» (المورد الثالث)، هما «صحيحان وتامّان ولا نقاش فيهما» تماماً.

إذن، نحن لا نُورد إيرادات المحقّق الأصفهاني والمحقّق الخوئي(قدس‌سرهما) على هذين الموردين ونلتزم بحجّيّة الأصل المثبت في هذين الموردين الخاصّين.[1]

المطلب الرابع: الفروع التي تمسّك القدماء فیها بالأصل المثبت

بعد أن بحثنا بالتفصيل في المطالب الثلاثة السابقة الجوانب المختلفة لنظريّة الأصل المثبت واستثناءاتها والمناقشات الواردة عليها، ننتقل الآن إلى المطلب الرابع الذي له جانب تطبيقيّ وتاريخيّ. ففي هذا المطلب، نبحث الفروع والمسائل التي تمسّك فيها في آثار الفقهاء المتقدّمين (قدماء الأصحاب) باستصحابات هي في نظرنا مصداق بارز للأصل المثبت غير الحجّة. ويساعدنا هذا البحث على فهم لماذا وبأيّ مبنى أفتى هؤلاء الأعلام بمثل هذه الاستصحابات.

مقدّمة: تبيين الوجوه المحتملة لتمسّك القدماء بالأصل المثبت

قبل الدخول في نفس الفروع، يجب أن نجيب على هذا السؤال الأساسي: لماذا تمسّك فقهاء كبار كالشيخ الطوسي(قدس‌سره) في المبسوط باستصحابات لازمها حجّيّة الأصل المثبت؟ يمكن تصوّر ثلاثة وجوه واحتمالات رئيسيّة لهذا الأمر:

١. الالتزام بحجّيّة الأصل المثبت مطلقاً: أوّل وأبسط احتمال هو أنّ هؤلاء الأعلام لم يقبلوا أساساً بقاعدة «عدم حجّيّة الأصل المثبت» وكانوا يعتبرون أيّ نوع من الاستصحاب حجّة بشكل عامّ، سواء كان بوافطة أم بلا واسطة.

٢. اعتبار الاستصحاب أمارة: الاحتمال الثاني، الذي يبدو أدقّ وأكثر احتمالاً، هو أنّهم لم يعتبروا الاستصحاب أصلاً عمليّاً صرفاً، بل اعتبروه نوعاً من الأمارة الظنّيّة. ومبنى هذا الرأي هو أنّ دليل حجّيّة الاستصحاب (أخبار لا تنقض…) هو من باب إفادة الظنّ النوعي ببقاء الحالة السابقة، وقد جعل الشارع هذا الطريق الظنّيّ حجّة كغيره من الأمارات (مثل خبر الواحد). وكما نعلم، فإنّ مثبتات الأمارات (اللوازم العقليّة والعاديّة لخبر الواحد) حجّة. فلو اعتبرنا الاستصحاب أمارة أيضاً، لكانت مثبتاته حجّة أيضاً.

٣. الاشتباه في التطبيق: الاحتمال الثالث هو أنّ هؤلاء الأعلام قد وقعوا، في مقام تطبيق الكبرى على الصغرى، في نوع من المسامحة أو عدم الالتفات إلى الواسطة. أي إنّهم بسبب شدّة الاتّصال بين اللازم والملزوم، «تخيّلوا أنّ الحكم الشرعي هو مترتّب على المستصحَب، لا على لازمه»؛ فظنّوا أنّ الأثر الشرعي يترتّب مباشرةً على نفس المستصحَب، والحال أنّه في الواقع كان يترتّب على لازمه العقلي أو العادي، وغفلوا عن وجود الواسطة.

بحث الفروع الخمسة

والآن، مع الأخذ بالاعتبار لهذه الاحتمالات الثلاثة، ننتقل إلى الفروع التي تمسّك فيها بالأصل المثبت في كتب القدماء. والفروع الثلاثة الأولى هي تماماً نفس الأمثلة التي طرحها المرحوم الشيخ الأنصاري(قدس‌سره) في بحث الاستثناءات وقد بحثناها بالتفصيل سابقاً، لذا نمرّ عليها باختصار:

الفرع الأوّل: استصحاب رطوبة شيء فیما إذا لاقی متنجّساً

و یترتّب علیه إثبات سرایة النجاسة إلى الملاقي و كونه متنجّساً، كما تقدّم في المثال الأوّل الذي ذكره العلامة الأنصاري(قدس‌سره).

الفرع الثاني: استصحاب عدم دخول شهر شوّال

و یترتّب على ذلك إثبات أنّ یوم الغد یوم العید و تجري أحكام یوم العيد كما في المثال الثاني الذي أفاده الشیخ الأنصاري(قدس‌سره).

الفرع الثالث: استصحاب عدم الحاجب

و یترتّب علیه وصول الماء إلى البشرة و تحقّق الغسل و أثره الشرعي هو صحّة الوضوء و الغسل؛ كما في المثال الثالث الذي أفاده الشیخ الأعظم الأنصاري(قدس‌سره).

الفرع الرابع: استصحاب عدم السرایة و استصحاب الحیاة

حكی الشیخ الأعظم الأنصاري(قدس‌سره) عن الشرائع[2] و التحریر[3] [4] تبعاً للمحكي عن المبسوط[5] مثالين في باب الجنايات هما كلاهما مصداق واضح للتمسّك بالأصل المثبت:

المورد الأوّل: النزاع حول سبب الموت (استصحاب عدم السراية)

«لو ادّعی الجاني أنّ المجنيّ علیه شرب سمّاً فمات بالسمّ، و ادّعی الوليّ أنّه مات بالسرایة [أي بسرایة الجراحة، فالسبب لموته الجراحة التي أوردها الجاني علیه] فالاحتمالان فیه سواء»[6] .

شخص (جاني) جرح شخصاً آخر. وبعد مدّة، يتوفّى الشخص المجروح. فيقع نزاع بين الجاني وأولياء الدم:

     ادّعاء الجاني: يدّعي الجاني أنّ الشخص المجروح قد شرب سمّاً بنفسه ومات بسبب ذلك السمّ (أي انتحر) وأنّ جرحه لم يكن سبب موته.

     ادّعاء أولياء الدم: يدّعون أنّ ادّعاء السمّ كذب وأنّ الموت كان بسبب سراية تلك الجراحة نفسها. أي إنّ السبب الرئيسي للموت هو نفس الجناية التي ارتكبها الجاني. وقد قال الفقهاء إنّه لو لم تكن بيّنة، لكان هذان الاحتمالان متساويين.

     كيفيّة التمسّك بالأصل المثبت: هنا، لتبرئة الجاني، يمكن إجراء «استصحاب عدم سراية الجراحة». أي إنّ الأصل هو أنّ تلك الجراحة لم تؤدِّ إلى الموت. واللازم العقلي لهذا الاستصحاب هو أنّه إذن لا بدّ أنّ سبباً آخر (أي شرب السمّ) قد سبّب الموت. وبهذا الاستصحاب المثبت، يُبرَّأ الجاني من قصاص أو ديّة القتل.

المورد الثاني: النزاع حول كون المقتول حيّاً (استصحاب الحياة)

«و کذا الملفوف في الكساء إذا قدّه نصفین فادّعی الولي أنّه كان حیّاً [قبل القدّ و مات بالقدّ] و الجاني أنّه كان میتاً فالاحتمالان متساویان»[7] .

شخص ملفوف في كساء ومُلقى على الأرض. فيأتي الجاني ويقدّه نصفين بضربة سيف. ويقع النزاع مرّة أخرى:

     ادّعاء الجاني: يقول الجاني إنّ هذا الشخص كان ميّتاً قبل أن أضربه، وقد قددتُ جثّة نصفين.

     ادّعاء أولياء الدم: يدّعون أنّه كان حيّاً وقُتل بضربة سيفك هذه.

     كيفيّة التمسّك بالأصل المثبت: هنا، خلافاً للمثال السابق، يمكن إجراء «استصحاب الحياة» لصالح أولياء الدم. أي إنّ الأصل هو أنّ ذلك الشخص كان حيّاً إلى لحظة ما قبل الضربة. واللازم العقلي لهذا الاستصحاب هو أنّ سبب الموت إذن هو ضربة السيف هذه. وبهذا الاستصحاب المثبت، يثبت «تحقّق القتل بالقدّ المذكور» ويكون الجاني ضامناً لقصاص أو ديّة المقتول. ويبيّن هذان المثالان جيّداً كيف أنّ الفقهاء الأعلام المتقدّمين قد تمسّكوا، في مسائل حسّاسة ومهمّة جدّاً كالقتل والديات، باستصحابات هي من وجهة نظرنا مصداق بارز للأصل المثبت. وهذا الأمر، كما قيل في المقدّمة، ربّما ناشئ من مبناهم في اعتبار الاستصحاب أمارة أو من نوع من المسامحة في التطبيق.


[1] قال(قدس‌سره) في كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص415.: «لا‌يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا‌يمكن التفكيك عرفاً بينه و بين المستصحب تنزيلاً كما لا تفكيك بينهما واقعاً أو بوساطة ما لأجل وضوح لزومه له أو ملازمته معه بمثابة عدّ أثره أثراً لهما فإن عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضاً ليقينه بالشك أيضاً بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفاً فافهم».و قال بنظریة المحقق الخراساني(قدس‌سره) کثیر من الأعلام:تعليقة المحقق القوچاني(قدس‌سره) على كفاية الأصول، ج‌2، ص463 و 464: «يستثنى من عدم حجية الأصل المثبت موردان: أحدهما: أن تكون الواسطة خفية ... ثانيهما: ما إذا كانت الواسطة جلية».دررالفوائد (ط.ج): ص557: «استثنى شيخنا الأستاذ دام بقاه أيضاً ما إذا كانت الملازمة بين الشيئين جلية ... و هو كلام في غاية المتانة، و لا‌يجب أن يكون لكلٍّ منهما أثر حتى يصحّ بلحاظه التنزيل، بل وضوح الملازمة بينهما صار بحيث يعدّ أثر كلّ واحد منهما أثراً للآخر كما لا‌يخفى».مقالات الأصول، ج‌2، ص410: «قد يلحق بباب خفاء الواسطة صورة الملازمة بين الشيئين على نحو يلازم تنزيل أحدهما تنزيل الآخر أيضاً عرفاً و من هذا الباب تنزيل القيود من حيث [طرفية] المقيد فإنه يلازم عرفاً مع تنزيل التقييد، و يمكن إلحاقها بخفاء الواسطة أيضاً و من [هذا] البيان يجري الاستصحاب في الشرائط وجوداً و عدماً لإثبات صحة المشروط بها و عدمها مع عدم كون مثل هذا الأثر إلا للازم المستصحب عقلاً و من هذا الباب توسعة الموضوع من حيث [موضوعيته‌] المستتبع لتوسعة حكمه. و بمثل هذا البيان [يصحّح‌] الاستصحاب في شرائط المأمور به و [قيوده‌] مع البناء على عدم كون الشرطية من العقليات المنتزعة عن التكليف- كما هو المختار».هذا ما في مقالات الأصول و لکن في تقریر درس المحقق العراقي الإشکال في الصغری:قال في نهاية الأفكار، ج‌4، ص189: «إن المحقق الخراساني قدس سره ألحق جلاء الواسطة بخفائها في اعتبار المثبت ... و ما أفاده قدس سره متينٌ جداً في فرض تمامية الصغرى و إلا فلا إشكال في أصل الكبرى».و في منهاج الأصول، ج‌5، ص261: «و لأجل ما ذكرنا قال الأستاذ(قدس‌سره) بأنه لا مانع من إلحاق جلاء الواسطة بخفائها في اعتبار المثبت ...‌ و هذا الذي ذكرناه لا إشكال فيه و إنما الإشكال في صغرياتها ...».تحرير الأصول، ص241: «ينبغي أن يستثنى مما تقدم تقريبه و تحقيقه من قاعدة عدم اعتبار لسان الإثبات من الأصول العملية مطلقاً موردان فقط كما وقع استثنائهما في كلمات المحققين الأعلام من أصحابنا ... الثاني: ما إذا كان التلازم بين بقاء المستصحب و بين ما هو موضوع للأثر الشرعي بينا في نظر العرف ... و سيأتي توضيح السر في استثناء هذين الموردين في الخاتمة».و أنکر حجیة الأصل المثبت في الواسطة الجلیة کثیر من الأعلام:أجود التقريرات، ج4، ص135: «ألحق بعض المحققين صورة وضوح الواسطة و جلائها بحيث تكون الملازمة بين الواسطة و ذي الواسطة جلية عند العرف بصورة خفاء الواسطة في حجية الأصل المثبت فيها، و الحقّ عدم حجية الأصل المثبت مطلقاً و لا أثر لخفاء الواسطة فضلا عن جلائها».حواشي المحقق المشكيني(قدس‌سره) على كفاية الأصول، ج‌4، ص554: «لا وجه للاستثناء إلا في إحدى الصورتين بملاك الدلالة الالتزامية، بل لا وجه له فيها- أيضاً- لمنع وجود الملازمة العرفية».المحاضرات (مباحث أصول الفقه) ج‌3، ص104: «لا‌يخلو إما أراد ... أو أراد أن تنزيل ذي الواسطة بلحاظ ما له من الأثر بلا واسطة يلازم فى مرحلة الظاهر تنزيل الواسطة بلحاظ آثارها و لا‌ينفك عنه كما فى مرحلة الواقع، و فيه إمكان التفكيك عرفاً بينهما فى مقام التنزيل كما إذا كان النظر إلى آثار واحد من المتلازمين فقط لا كليهما. نعم قد يقطع بإرادة تنزيلهما معاً بتنزيل أحدهما و لا‌ننكر حصول هذا القطع ...».حقائق الأصول، ج‌2، ص485: «يمكن أن يخدش في الأولى بأن ذلك يتمّ لو كان الدليل دالاً على التعبد به بالخصوص كما لو قال: زيد أب لعمرو. أما لو كان التنزيل بلسان العموم كما في المقام فلا دلالة له و في الثانية بما عرفت في صورة خفاء الواسطة، بل لعلّ وروده هنا أولى إذ وضوح اللزوم مع وضوح الواسطة ليس إلا مصححاً لادّعاء نسبة الآثار إلى المستصحب بلا تطبيق حقيقي و لو كان خطئياً، فتأمل جيداً».منتهى الأصول (ط.ج): ج‌2، ص632: «إن ما ذكره صاحب الكفاية من إلحاق الواسطة الجلية بالواسطة الخفية ... فهذه دعوى يحتاج إلى فهم العرف بالدلالة الالتزامية مثل هذا التنزيل، و على فرض ثبوته فهو خارج عن مسألة أصل المثبت؛ لأن المراد من الأصل المثبت أن تنزيل المؤدى مثل المستصحب في حال الشك في بقائه منزلة كونه معلوماً من حيث ترتيب الآثار عملاً يشمل الآثار الشرعية التي تكون للمستصحب بلا واسطة و مع الواسطة العقلية أو العادية كلّ ذلك بتنزيل نفس المؤدى لا بتنزيل آخر بالدلالة الالتزامية، كما هو المستفاد من كلام صاحب الكفاية».و فصّل بعض آخر بین المورد الأول للواسطة الجلیة و المورد الثاني لها:بحوث في علم الأصول، ج‌6، ص204: «إن التقريب الأول إذا تمّت صغراه فلا إشكال في كبراه، إلا أن الشأن في أن مجرد جلاء الواسطة يكفي سبباً لذلك بحيث تتمّ ملازمة تصديقية عرفية بين التعبد بأحدهما و التعبد بالآخر».و قال أیضاً: «قد عرفت بطلان التقريب الثاني سواء جعل ملاكه خفاء الواسطة أم جلائها».دروس في مسائل علم الأصول، ج‌5، ص312: «و أما مسألة جلاء الواسطة فلو ثبت في مورد امتناع التفكيك عرفاً بين التعبد بشي‌ء و بين التعبد بلازمه العقلي بأن يترتب الأثر الشرعي لذلك الشي‌ء و لا‌يترتب الأثر الشرعي المترتب على لازمه العقلي فلا بأس بالالتزام بالتعبد الثاني المكشوف من التعبد بالأول حيث أنه المدلول الالتزامي لخطاب لا‌تنقض اليقين الشامل للملزوم و لكن في وجود الصغرى لذلك تأملاً».ثم قال: «و أما مسألة وضوح اللزوم بين الملزوم و لازمه العقلي أو العادي بحيث يعدّ الأثر الشرعي المترتب على اللازم أثراً للملزوم أيضاً فقد تقدم في بيان وجوه اعتبار الأصل المثبت وقوع المعارضة في مثل ما فرضه بين الاستصحاب الجاري في ناحية الملزوم و بين عدم حدوث لازمه العقلي و العادي».مباني الأحكام، ج‌3، ص137: «الظاهر عدم وجود ما يطمئنّ به النفس على صيرورة عدم التفكيك الخارجي بحدّ يجعل العرف التنزيل في المستصحب دليلاً على التنزيل في اللازم. نعم، لو فرض ذلك فهو حجة، لعين ما ذكر في خفاء الواسطة من كون المحاورات الشرعية إنما تكون على طبق العرف».ثم قال: «و أما الثالث فالظاهر تحققه مصداقاً و كبرىً، كما هو واضح بالنسبة إلى أخوة زيد بالنسبة إلى عمرو و بالعكس».قد اختلف الأعلام في تفسیر کلام صاحب الکفایة(قدس‌سره) في جلاء الواسطة: التفسیر الأول: أنّ المحقق الخراساني ذکر موردین لجلاء الواسطة؛و لمن ذکر هذا التفسیر أقوال:القول الأول: المورد الأول ما لا تفکیك بینهما تنزیلاً عرفاً و مصداقه ینحصر في العلة و المعلول و المورد الثاني ما یعدّ أثر الواسطة أثر ذي الواسطة و مصداقه ینحصر في المتضایفینذهب إلى هذا القول المحقق الإصفهاني) قال في بحث الأصل المثبت: إن صاحب الکفایة ذکر موردین لجلاء الواسطة المورد الأول العلة و المعلول و في هذا المورد التعبد الاستصحابي مستلزم لتعبد آخر للاستلزام و المورد الثاني المتضایفان و في هذا المورد التعبد بأحد الوجهين تعبد بالآخر للاتحاد.نهاية الدراية، ج5، ص190: «قد ألحق المصنف(قدس‌سره) بصورة خفاء الواسطة صورتين أخريين: إحداهما: ما إذا كان مورد التعبد الاستصحابي هي العلة التامة، أو الجزء الأخير منها، فإنه كما لا تفكيك بين العلة التامة و معلولها واقعاً، كذلك لا تفكيك بينهما تنزيلاً في نظر العرف، لشدّة الاستلزام في نظرهم، فيكون التعبد الاستصحابي مستتبعاً لتعبد آخر.ثانيهما: ما إذا كان مورد التعبد الاستصحابي من الأمور المتضايفة، فإنه، و إن لم‌يكن عليه بين المتضايفين من حيث التضايف، لكنّهما في نظر العرف، كواحد ذي وجهين، فأثر أحد الوجهين في نظرهم أثر الوجه الآخر، من حيث أن مورد الأثر- عندهم- ذلك الواحد الذي له وجهان رتّب على أحد وجهيه أثر شرعي، فما هو موضوع الأثر عرفاً أوسع مما هو موضوعه دليلاً، فالتعبد بأحد الوجهين تعبّد بالآخر للاتحاد، لا مستلزم لتعبد آخر للاستلزام، كما في الصورة الأولى».و تبع المحقق الإصفهاني(قدس‌سره) في هذا التفسیر المحقق الروحاني في زبدة الأصول.و للمحقق الإصفهاني في بحث الشك في التقدم و التأخر کلامٌ ظاهره أن العلة و المعلول و المتضایفان مثالان لعدم التفکیك في التنزیل و لایذکر في ذاك البحث مثالاً ثالثاً له.نهاية الدراية (ط.ق): ج‌5.6، ص202: «قد ذَكَرَ [صاحب الكفاية](قدس‌سره) لترتيب آثار المتأخر طريقين: أحدهما: دعوى خفاء الواسطة ... ثانيهما: دعوى عدم التفكيك بين التنزيل في العدم، و التنزيل في التأخر، كما لا تفكيك بينهما واقعاً، و الجواب: أن عدم التفكيك في التنزيل، إن كان لمجرد الاستلزام العقلي واقعاً فلا‌بدّ من القول به في جميع اللوازم العقلية و إن كان لخصوصية في بعض الاستلزامات كالعلة التامة و معلولها، و كالمتضايفين على ما مرّ في البحث عن الأصل المثبت‌ فشي‌ء منهما غير منطبق على ما نحن فيه؛ أما الأول فواضح ... هذا في ترتيب آثار المتأخر».و ذهب إلى القول الأول أیضاً الشیخ مرتضی الحائري(قدس‌سره) قال في مباني الأحكام، ج‌3، ص136: «قد أضاف إليه(قدس‌سره) في الكفاية أمرين آخرين: .. الأول: ما كان اللزوم و عدم التفكيك بين المستصحب و الواسطة واضحاً ضرورياً، و صار بحيث لا‌يرون التفكيك بينهما في مقام التنزيل‌، و لعلّ مبنى ذلك على أمرين: أحدهما: أن يكون أحدهما العلة التامة و الآخر هو المعلول ... و ثانيهما هو وقوع تلك العلية بين أيدي الناس و بمسمع منهم و مشهد، كعلية النار المشتعلة بالنسبة إلى الحرارة. الثاني: أن يكون وضوح اللزوم موجباً لكون أثر الواسطة أثراً لذيها و لعلّ مبنى ذلك على أمرين أيضاً: أحدهما وضوح اللزوم، و ثانيهما التشابه بين المتلازمين، و ذلك ينطبق على المتضايفين كالأبوة و البنوة ...».القول الثاني: المورد الأول ما لا تفکیك بینهما تنزیلاً عرفاً و مصداقه العلة و المعلول و المورد الثاني ما یعدّ أثر الواسطة أثر ذي الواسطة، و هو قسمان: لازم الشيء کضوء الشمس و جود الحاتم و ملازم الشيء کالمتضایفین.قال في منتهى الدراية، ج‌7، ص534 بعد ذکر عبارة حاشیة الرسائل: «إن ما أفاده(قدس‌سره) من الواسطة الجليّة ينقسم إلى قسمين: الأول ما أشار إليه بقوله: «ما لا‌يمكن التفكيك عرفاً بينه و بين المستصحب تنزيلاً» و هذا القسم يكون فيما إذا كان مورد الاستصحاب العلة التامة أو الجزء الأخير منها ... القسم الثاني من الواسطة الجلية، و هو يكون في موردين: أحدهما: لازم الشي‌ء، و الآخر ملازمه. أما الأول فكضوء الشمس ... و كالجود بالنسبة إلى الحاتم ... و كالفوت الذي هو لازم عدم الإتيان بالفريضة في الوقت ... و الفارق بين هذا القسم و القسم الأول ... هو امتناع التفكيك واقعاً في الأول، و إمكانه في الثاني ... و أما الثاني فهو على ما مثل له في حاشية الرسائل كالمتضايفين، فإن تنزيل أبوة زيد لعمرو مثلاً يلازم تنزيل بنوة عمرو له و كذا سائر المتضايفات».و للمحقق الجزائري(قدس‌سره) کلام آخر في بحث الشك في التقدم و التأخر صرّح فیه بأن مراد المحقق الخراسانی) من الواسطة الجلیة كلّ ما يأباه العرف من التفكيك بين التعبدين و التنزيلين و لا‌تختص بالعلة و المعلول و المتضايفين.قال في منتهى الدراية، ج‌7، ص598 بعد ذکر مناقشة المحقق الإصفهاني(قدس‌سره): «لا‌يبعد أن يكون المستثنى من عدم حجية الأصل المثبت بنظر المصنف هو كلّ ما يأباه العرف من التفكيك بين التعبدين و التنزيلين، فلا‌تعم هذه الكبرى المستثناة كلّ استلزام عقلي حتى إذا لم‌يكن بيناً، كما لا‌تختص بالموردين المتقدمين في الأصل المثبت من العلة و المعلول و المتضايفين، و ربما يشهد لما ندعيه كلامه في الحاشية في توجيه تمسك جمع من القدماء بالأصول المثبتة، قال(قدس‌سره): " ثم إنه لا‌يبعد أن يكون ذلك- أي كون التلازم بين الشيئين بمثابة يوجب التلازم بينهما في مقام التنزيل- منشأ عمل جماعة من القدماء و المتأخرين بالأصول المثبتة في مقام، و عدم العمل بها في مقام آخر و حمل ذلك على تفاوت المقامين في خفاء الواسطة و عدمه كما ترى يكذبه ملاحظة أن الواسطة في موارد عملهم في غاية الوضوح"، و عليه فتطبيق الكلية المستثناة على بابي العلة و المتضايفين المتقدمين في التنبيه السابع لعلّه لكونهما أظهر مصاديقها، لا لتحديد تلك الكبرى بالموردين، لوضوح أن من تلك الفروع التي عنونها شيخنا الأعظم هو استصحاب حياة الملفوف بالكساء لإثبات ضمان الجاني، مع أن موضوع الضمان هو قتل الحي، و الحياة المستصحبة ليست علة للقتل و لا مضايفة له، فيتعين إرادة الملازمة بين التعبدين كتلازمهما واقعاً، لا مطلق أنحاء الملازمة، و إلا كان النزاع في الأصل المثبت لفظياً، و لا خصوص العلة و التضايف، و على هذا فلا مانع من دعوى اقتضاء أصالة عدم الإسلام يوم الخميس للتعبد بتأخره عنه و إلا كان عدم ترتيب آثار التأخر نقضاً لنفس اليقين بعدم الإسلام يوم الخميس، فلا‌يرد على ما في المتن إشكال إلا منع المبنى بما تقدم في تعليقة التنبيه الثامن».القول الثالث: المورد الأول ما لا تفکیك بینهما تنزیلاً عرفاً و المورد الثاني ما یعدّ أثر الواسطة أثر ذي الواسطة و الفرق بین هذا القول و القول الأول أن هذا القول لا‌یحصر مصداق المورد الأول في العلة و المعلول و لا مصداق المورد الثاني في المتضایفین بل لا‌یذکر مصداقاً للموردین.الحاشية على كفاية الأصول (المحقق البروجردي(قدس‌سره))، ج‌2، ص416: «المصنف(قدس‌سره) أضاف إلى ما استثناه الشيخ) مقامين: [الأول] ما إذا كان اللازم مما لا‌يمكن التفكيك بينه و بين ملزومه المستصحب تنزيلاً كما لا تفكيك بينهما واقعاً، فإنهم في تلك المقامات ذهبوا إلى جريانه لترتيب آثار الواسطة على ذيها بدعوى أن رفع اليد عن ترتيب الآثار نقض لليقين عرفاً. [الثاني] ما إذا كان لزوم اللازم لملزومه المستصحب في غاية الوضوح بحيث يعدّ أثره أثراً لهما عند العرف. و الفرق بين المقامين أن دليل الاستصحاب يدلّ على لزوم ترتيب آثار الواسطة على ذيها و تنزيل الواسطة بالملازمة العقلية، و ذلك لأنه لما لم‌يكن بينهما تفكيك في الواقع لم‌يكن بينهما تفكيك بنظر العرف في مقام التنزيل و التعبد في الأول و يدلّ على لزوم ترتيب آثار الواسطة على ذيها بالمطابقة، لأن أثر الواسطة بنظر العرف يعدّ أثراً لذيها أو لهما في الثاني» و في عبارة الأصل تقدیم المقام الثاني على الأول فراجع.دروس في مسائل علم الأصول، ج‌5، ص311: «أضاف الماتن(قدس‌سره) إلى خفاء الواسطة جلاها بحيث لا‌يمكن عرفاً التعبد بالشي‌ء و عدم التعبد بلازمه العقلي أو العادي أو كان وضوح اللزوم بينهما بنحو يعدّ الأثر الشرعي المترتب على اللازم العقلي أو العادي من أثر الملزوم أيضاً».و السید المحقق الحکیم(قدس‌سره) اختار هذا القول و ذکر المتضایفین -لا العلة و المعلول- مثالاً للمورد الأول، قال في حقائق الأصول، ج‌2، ص485 في التعلیقة على قوله: «كما لا‌يبعد ترتيب»: «هذا إشارة إلى وجوب ترتيب آثار الواسطة غير الشرعية في صورتين أخريين: إحداهما: أن تكون الواسطة بنحو لا‌يمكن التفكيك عرفاً بين التعبد بها و التعبد بالمستصحب فإذا دلّ الدليل على التعبد بالمستصحب دلّ على التعبد بها بالالتزام فيترتب حينئذ أثرها، و مثل له في الحاشية بالمتضايفات كالأبوة و البنوة فإن التعبد بأبوة زيد لعمرو ملازم عرفاً للتعبد ببنوة عمرو لزيد، و ثانيتهما: أن تكون الواسطة لوضوح لزومها أو ملازمتها للمستصحب تعدّ آثارها عرفاً آثاراً للمستصحب فترتب على ثبوته بالاستصحاب».التفسیر الثاني: إن المحقق الخراساني ذکر مورداً واحداً لجلاء الواسطة، و له تقریبان، بحوث في علم الأصول، ج‌6، ص204.ذكر [المحقق الخراساني(قدس‌سره)] في وجه ذلك [أي عطف موارد جلاء الواسطة على خفائها من حيث حجية الأصل المثبت فيه] تقريبين: أولهما: إن العرف في موارد جلاء الملازمة و وضوحها لا‌يتعقل التفكيك بينهما حتى بحسب الظاهر لشدّة الالتصاق بينهما فالأبوة و البنوة لا‌يمكن أن يكون بينهما تفكيك حتى في مرحلة التعبد و الحكم الظاهري فيكون الدليل على أحدهما دليلاً على الآخر. ثانيهما: إن شدة الالتصاق و التلازم و وضوحه يجعل العرف يرى الأثر الشرعي للواسطة أثراً مرتبطاً بملازمه أيضاً فكأنما هما وجهان لحقيقة واحدة ينظر إليه من جانب فيقال أبوة و من جانب آخر فيقال بنوة، و بين التقريبين فرق واضح، فإن ... و يترتب على ذلك فرق عملي أيضاً حيث أنه بناء على الأول منهما لا‌بدّ من ترتب أثر عملي على استصحاب الأبوة مثلاً أولاً لكي نثبت البنوة ثانياً، أما إذا لم‌يكن الأثر مترتباً إلا على البنوة فلا‌يمكن إثباتها باستصحاب الأبوة لعدم تمامية أركان الاستصحاب في البنوة ابتداء و عدم ترتب أثر عملي على الأبوة ليثبت لازمه، و هذا بخلاف التقريب الثاني فإنه بناء عليه يكون أثر البنوة أثراً للأبوة المستصحبة نفسها».و اختار هذا التفسیر أیضا المحقق الفیروز‌آبادي(قدس‌سره) قال في عناية الأصول، ج‌5، ص172: «قوله: كما لا‌يبعد إلخ‌ هذا ما أضافه المصنف على ما استثناه الشيخ أعلى الله مقامه من الأصول المثبتة و هو ما إذا كانت الواسطة بحيث لا‌يمكن التفكيك عرفاً بينها و بين المستصحب في التنزيل فإذا نزل المستصحب نزلت الواسطة تبعاً فيجب ترتيب أثرها قهراً، و الظاهر أن ذلك مما لا‌يكون إلا في اللازم البيّن بالمعنى الأخص الذي لا‌ينفك تصوّره عن تصور الملزوم كما في الضوء للشمس أو الجواد للحاتم و نحو ذلك».«قوله: «أو بوساطة ما» إلخ‌ ظاهر العبارة أنه استثناء ثالث من الأصول المثبتة إلا أنه ظهور بدوي و قد نشأ من سوء التعبير، و التدبر التام في كلامه مما يقتضي بأنه لم‌يستثن إلا موردين: الواسطة الخفية و الواسطة الجلية أي اللازم البيّن بالمعنى الأخص، غير أنه قد أفاد لاستثناء الأخير وجهين مستقلين: الأول: ما يختص بالواسطة الجلية و هي الملازمة العرفية بين تنزيل المستصحب و بين تنزيلها فإذا نزل المستصحب نزلت الواسطة تبعاً فيجب ترتيب أثرها قهراً. الثاني: ما يشترك بينها و بين الواسطة الخفية و هو عدّ أثر الواسطة أثراً لهما أي أثراً للواسطة و المستصحب جميعاً، و سيأتي من المصنف ما هو كالصريح في استثناء موردين فقط دون غيرهما».هذا التفسیر هو ظاهر کلام المحقق الخراساني(قدس‌سره) في حاشیة الرسائل.درر الفوائد، الحاشيةالجديدة، ص355 - 356: : «قلت: و يلحق بذلك أي خفاء الواسطة، جلائها و وضوحها فيما كان وضوحه بمثابة يورث‌ الملازمة بينهما في مقام التنزيل عرفاً، بحيث كان دليل تنزيل أحدهما دليلاً على تنزيل الآخر، كما هو كذلك في المتضايفين لأن الظاهر أن تنزيل أبوة زيد لعمرو مثلاً يلازم تنزيل بنوة عمرو له، فيدلّ تنزيل أحدهما على تنزيل الآخر و لزوم ترتيب ما له من الأثر، إن قلت: هذا إنما يتمشّى في خصوص ما إذا كان للمستصحب أيضا بلا واسطة أثر، كي يعمّه الخطاب، فيدل التزاماً على ترتيب أثرها عليها، بخلاف ما إذا لم‌يكن له أثر إلا بوسائطها لعدم شمول الخطاب له، فيدلّ بالملازمة على ترتيب أثرها، كما لا‌يخفى، قلت: ... مع إمكان دعوى أن التلازم بين الشيئين إذا كان بمثابة يوجب التلازم بينهما في مقام التنزيل يورث أن يلاحظ شيئاً واحداً ذا وجهين كان له الأثر بأحد الوجهين أو اثنين موضوعين لأثر واحد، و بالجملة يرى أثر أحدهما أثر الإثنين عرفاً، و معه لا وجه لعدم شمول الخطاب للاستصحاب في مثل هذا المورد لصحة تنزيل كليهما بلحاظ هذا الأثر، أ لا‌ترى صحّة تنزيل الأبوة بلحاظ أثر البنوة و لو لم‌يكن لها أثر آخر و بالعكس ... فإنه من البعيد جداً التفكيك بحسب السيرة العقلائية فيما يعدّه العرف من أثر الشي‌ء بين ما كان أثره حقيقة و ما لم‌يكن كذلك، و لكن يعدّ من آثاره لخفاء الواسطة، أو لوضوح الملازمة بينهما، كما عرفت بترتيب الأول باستصحابه و عدم ترتيب الآخر، فتدبر جيداً».و ظاهر کلام السید المحقق الإصفهاني(قدس‌سره) أیضاً ما یستفاد من حاشیة الرسائل:منتهى الوصول إلى غوامض كفاية الأصول، ص131: «إن ما استدلّ به لحجية الأصول المثبتة أمران: الأول: إن معنى استصحاب بقاء الموضوع هو ترتيب آثاره الشرعية عليه، و جعل مثل ما له من الآثار مطلقاً سواء كان بلا‌واسطة أو معها ... الثاني: إن لازم التعبد ببقاء الموضوع هو التعبد بلازمه ... و كلاهما فاسدان، أما الأول فلأنّ أثر الواسطة ليس أثراً للمستصحب أصلاً لمنع كون أثر الأثر أثراً ... و أما الثاني فلأن إثبات أثر الواسطة بلزوم التعبد بنفس الواسطة و إن كان أمراً ممكناً فى نفسه، إلا أن دليل الاستصحاب غير متكفّل لإثباته؛ لعدم إطلاق فيه...».ص133: «ثم إن الشیخ قد استثنی من عدم حجیة الأصل المثبت ما إذا کانت الواسطة خفیة في نظر العرف ... و زاد عليه المصنف ما إذا كانت الواسطة جلية عندهم بحيث ينسبق الذهن من المستصحب إلى لازمه، و لايمكن إيقاف النظر إليه من دون تعدٍّ إلى اللازم. و ذلك كالأبوة و البنوة ...».ص136 «قوله: «كما لا‌يبعد» إلخ‌ هذا ناظر إلى الاستثناء الثاني المتقدم و هو يتصور على نحوين: أحدهما بالنسبة إلى نفس الواسطة، بأن يكون جلاء الواسطة بحدّ لا‌يمكن التفكيك عرفاً بين تنزيل الملزوم و تنزيل لازمه، و قد عرفت أن هذا متفرع على الوجه الثاني. ثانيهما بالنسبة إلى نفس الأثر بأن يكون جلاء الواسطة بمثابة يعدّ أثرها أثر الملزوم، و هذا أيضاً يرجع إلى النحو الأول؛ لكون المنشأ فى عدّ أثرها أثر الملزوم هو عدم التفكيك بينهما عرفاً الناشئ من جلاء الواسطة ...».و ذکره في المحاضرات (مباحث أصول الفقه)، ج3، ص103و أیضاً بعض عبارات درر الفوائد.التفسیر الثالث: إن صاحب الکفایة(قدس‌سره) ذکر مورداً واحداً لجلاء الواسطة.و قال بهذا التفسیر کثیرٌ من الأعلام، و نذکر هنا عباراتهم في بیان هذا المورد:ففي تعلیقة المحقق القوچاني، ج2، ص464: «إذا كانت الواسطة جلية و لكن كانت ملازمة مع ذيها في الوجود التنزيلي عرفاً بحيث لا‌ينفك التنزيل في أحدهما عن التنزيل في الآخر كما كانا كذلك في الوجود الواقعي عقلاً أو عادةً، و ذلك كما في النور مع الشمس و الجود مع حاتم».و في حواشي المحقق المشكيني(قدس‌سره) على كفاية الأصول، ج‌4، ص551: «المستثنى من الأصل المثبت أمور ثلاثة: ... الثاني: ما كان الواسطة لازم المستصحب، و لكن يكون لزومه له في غاية الجلاء. الثالث: ما كان الواسطة ملازمة له، مع كون الملازمة كذلك و الوجه في استثنائهما ... أنه إذا كان الأمران في كمال الجلاء يتحقق الملازمة العرفية بين تنزيل المستصحب و بين الملازم و اللازم ذي الأثر ...».ص553: «يرد عليه- كما نبّه عليه في الحاشية-: أنه لا‌يتم فيما لم‌يكن لنفس المستصحب أثر شرعي بلا واسطة، إذ لا تنزيل حتى يدلّ بالملازمة العرفية على تنزيل الملازم و اللازم، و أجاب‌ عنه فيها بوجوه ثلاثة: ... الثالث: أنه يمكن دعوى الشمول بملاك آخر ثم قرّره على وجهين‌: الأول: أنه إذا تحقق الجلاء المذكور، يورث ذلك ملاحظة العرف لهما شيئاً واحداً ذا وجهين، يكون له الأثر بأحد وجهيه دون الآخر، فحينئذ يجري الاستصحاب في هذا الشي‌ء الواحد، و يترتب عليه أثره. الثاني: أن الجلاء المذكور يوجب عدّ الأثر أثراً لكلا الأمرين، و حينئذ يكون استناد الأثر إلى المستصحب بلا واسطة في نظرهم انتهى».ص554: «قوله(قدس‌سره): «أو بوساطة ما لأجل وضوح» إلخ الظاهر أن في العبارة غلطاً، لأن هذين الأمرين ليسا مغايرين مع ما لا‌يمكن التفكيك، بل عدم إمكان التفكيك ناشئ من الأمرين و يشهد له كلامه في الحاشية على ما نقلناه، و قوله في آخر العبارة: إلا فيما عد أثر الواسطة و تصريحه في أثناء الدرس و حقّ العبارة هكذا: لأجل وضوح إلى آخره، حتى يكون تعليلاً لعدم إمكان التفكيك».و في درر الفوائد: «ما إذا كانت الملازمة بين الشيئين جلية بحيث يستلزم التنزيل في أحدهما التنزيل في الآخر، كالأبوة و البنوة».و في أجود التقریرات: «وضوح الواسطة و جلاؤها بحيث تكون الملازمة بين الواسطة و ذي الواسطة جلية عند العرف».و في نهایة الأفکار: «إذا كان التلازم بينهما في الوضوح بمثابة لا‌يرى العرف التفكيك بينهما حتى في مقام التنزيل كالأبوة و البنوة».و في تحریر الأصول: «إذا كان التلازم بين بقاء المستصحب و بين ما هو موضوع للأثر الشرعي بينا في نظر العرف و في غاية الوضوح».و في منتهی الأصول: «إذا كان بين الواسطة و ذي الواسطة ملازمة حتى في مقام التنزيل».و في منتقی الأصول، ج6، ص218: «صورة وضوح الملازمة، بنحو يكون التعبد بأحدهما ملازماً للتعبد بالآخر، كما في العلة التامة و المعلول و كما في ‌المتضايفين».و في المغني في الأصول: «إذا کانت بین الطرفین ملازمة تامة» ثم ذکر تطبیقه على العلة و المعلول و على المتضایفین.و في الاستصحاب (السید المحقق السیستاني.): «هو أن الترابط بین الواسطة و ذي الواسطة واضح بحدّ یتعدی من مرحلة التکوین إلى مرحلة الاعتبار».ص279: «مراده من جلاء الواسطة ... ما إذا کان التفکیك بین الواسطة و ذي الواسطة في الاعتبار غیر معقول»
[4] و قال في إرشاد الأذهان، ج2، ص211: «و لو ادّعى الولي حياة المقطوع بنصفين في الكساء أو الموت بالسراية، و ادعى الجاني موته أو موت المجروح بشرب السم، تعارض أصل السلامة و عدم الشرب مع أصل البراءة و عدم الموت بالسراية فيرجح الجاني».و رأى الشيخ الطوسي هذا القول في الخلاف و ابن برّاج في جواهر الفقه هذا القول بالنسبة إلى لمسألة قدّ الملفوف.قال في الخلاف، ج5، ص326، مسألة 13: «إذا كان الرجل ملفوفاً في كساء أو في ثوب، فشهد شاهدان على رجل أنه ضربه فقده بإثنين، و لم‌يشهدا بجناية غير الضرب، و اختلف الولي و الجاني، فقال الولي: كان حياً حين الضرب، و قد قتله الجاني، و قال الجاني: ما كان حياً حين الضرب؛ كان القول قول الجاني مع يمينه، و به قال أبو‌حنيفة ... دليلنا: أن الأصل براءة ذمة الجاني و شغلها يحتاج إلى دليل فإن قالوا الأصل كونه حياً، و زواله يحتاج إلى دليل، قلنا: الأصل براءة الذمة و تقابلا و سقطا».جواهر الفقه، ص224: «مسألة: إذا كان الإنسان ملففاً بكساء أو إزار أو ما جرى مجرى ذلك فشهد شاهدان على آخر بأنه ضربه فقطعه نصفين ... كان القول قول الجاني مع يمينه لأن الأصل براءة الذمة».جواهر الكلام، ج42، ص419 – 420: «(و لو ادعى الجاني أنه شرب سماً) أو لدغته حية أو نحو ذلك ... (ف‌) المتّجه أن (الاحتمال فيهما سواء) إذ السراية أمر حادث، و الأصل عدم شرب السمّ مثلاً كذلك (و مثله الملفوف في كساء) مثلاً ... (الاحتمالان) فيه أيضاً (متساويان) لا ترجيح لأحدهما على الآخر بمقتضى الأصول، لأن استصحاب حياته لا‌يقتضي أنه قدّه حياً إلا بالأصل المثبت الذي هو غير حجة كما تقرّر في محله، و حينئذ موته بالقدّ أو بسبب آخر بالنسبة إلى الأصول على حد سواء (ف‌) المتجه الرجوع إلى أصل آخر غيرهما و هو يقضي أن (يرجح قول الجاني) كما عن الخلاف و الجواهر (لأن الأصل عدم الضمان) (و) لكن مع ذلك (فيه احتمال آخر ضعيف) و إن اختاره في الأول في القواعد، للأصل الذي قد عرفت البحث فيه، و لذا كان خيرة كشف اللثام و محكي التحرير فيه تقديم قول الجاني لما عرفت، و في الثاني في محكي السرائر، لأصالة الحياة التي قد عرفت عدم اقتضائها كون القد نصفين وقع عليه حالها...».
logo