46/03/24
بسم الله الرحمن الرحیم
المسألة74؛ الصورة الأولی؛ النظریة الثالثة/ارباح المكاسب /كتاب الخمس
الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة74؛ الصورة الأولی؛ النظریة الثالثة
الدلیل علیه:
قال المحقق الخوئي: ... هذا [أي جبر خسارة مال التجارة من ربح التجارة] لا ينبغي الإشكال فيه كما عرفت، و قد تعرّض له الماتن في آخر المسألة، و لكن الذي ينبغي التنبيه عليه هو أنّ خسارة السنة السابقة لا تنجبر بالربح في السنة اللاحقة و لو من جنس واحد كما نصّ عليه الأصحاب، كالبزّاز الذي يخسر في سنة و يربح في أُخرى، لأنّ كلّاً منهما موضوع مستقلّ و له حكم خاصّ.
فعلى هذا لا تنجبر الخسارة السابقة بالربح اللّاحق و لو في سنة واحدة، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ مبدأ السنة إنّما هو ظهور الربح لا الشروع في الكسب، فالخسارة قبل الظهور أيضاً لا تتدارك بالربح اللّاحق، لأنّ العبرة بصرف الربح في المؤونة و لم يصرف فيها، و واضح إنّ الخسارة السابقة لا توجب عدم صدق الربح في المتأخّر، فلا تنجبر به حتى في تجارة واحدة، كما كان كذلك في خسارة السنة السابقة، و نحوهما ما يصرف في المؤونة قبل ظهور الربح.
(و بالجملة:) يختصّ الجبر بالربح السابق و الخسارة اللاحقة، إذ حينئذٍ لا يصدق أنّه استفاد، فإنّ الربح المتعقّب بالخسران في حكم العدم، فما تسالمت عليه كلماتهم من تدارك الخسارة بالربح في التجارة الواحدة فضلًا عن المتعدّدة لا بدّ من تقييده بالخسارة المتأخّرة، و أمّا المتقدّمة فحالها حال الخسارة في السنة السابقة في عدم انجبارها بالربح اللّاحق.
و ملخّص الكلام في المقام: أنّه لا خلاف بين الأعلام في انجبار الخسارة اللّاحقة بالربح السابق في سنة واحدة، لأنّ الربح و إن صدق حدوثاً إلّا أنّه لا ربح بقاءً بعد تبدّله بالخسران، ففي الحقيقة لم يربح و إنّما هو صورة الربح.
و أمّا عكس ذلك، كما لو خسر في الشهر الأوّل و ربح في الشهر الثاني، فقد حكم الماتن بالجبر فيه أيضاً، و هو وجيه على مسلكه من جعل مبدأ السنة أوّل الشروع في الكسب.
و لكنّك عرفت فيما سبق عدم الدليل عليه، إذ لم نجد في الروايات ما يشهد له، بل الموضوع فيها الغنيمة و الإفادة و الاستفادة و نحو ذلك ممّا يكشف عن أنّ المبدأ هو ظهور الربح مشروطاً بعدم الصرف في المؤونة.
و أمّا ما تقدّم على الربح من صرف شيء في المؤونة أو الخسارة فلم يدلّ أيّ دليل على انجباره بالربح المتأخّر.
نعم، لا ريب في الانجبار بالإضافة إلى مؤونة التجارة، أي ما يصرف في سبيل تحصيل الربح، فيستثنى ما يبذل لأجل استخراج الكنز أو المعدن أو الاتّجار من ضريبة أو اجرة حمّال أو مكان أو كتابة أو برقيّة و نحو ذلك ممّا يتوقّف عليه الاستنتاج و الاسترباح، لأنّ الخمس بعد المؤونة ، بل لا ربح إلّا فيما عداها. بل لا يتقيّد ذلك بالسنة أيضاً و إن كان التقييد يظهر من بعض الكلمات، فلو اشتغل باستخراج المعدن أو نسج السجّاد سنين و بذل خلالها أموالًا فإنّ ذلك كلّه يستثني من الربح بلا خلاف و لا إشكال، إذ التقييد بالسنة إنّما ثبت في مؤونة الشخص و عائلته لا في مؤونة الربح كما لا يخفى.[1] [2] [3]
و قال المحقق الفیاض بمثل ذلك.[4]
يلاحظ عليه:
إنّ هنا مراحل أربع في تعلق الخمس بالفائدة و استثناء مؤونة السنة،
المرحلة الأولی: تعلق الخمس بالفائدة و الغنیمة و قد ورد فیها آیة الغنیمة و روایات كثیرة.
المرحلة الثانیة: استثناء المؤونة عن الفائدة، كما ورد في روایات متعددة: الخمس بعد المؤونة.
المرحلة الثالثة اعتبار السنة في المؤونة، و قد دلت علیه العرف و السیرة المتشرّعة و مكاتبة علی بن مهزیار.
المرحلة الرابعة: تحدید السنة للمؤونة، فإن مؤونة السنة استُثنِيت عن وجوب الخمس في الربح، كيف نحدّد السنة؟
فلابد من البحث في المرحلة الرابعة في مقامین؛ الأول: في أنظار الأعلام حول تحدید السنة؛ الثاني: في أنّه ما هو مقتضی أدلة تقیید المؤونة بقید السنة.
أما المقام الأول: فهنا وجهان لتحدید السنة:
أحدهما: ما عن المشهور و هو السنة الجعلیة لجمیع الفوائد و المؤن، فللمكلّف أن یجعل لنفسه سنةً قد تبتدئ قبل حصول الفائدة.
ثانیهما: ما عن المحقق الخوئي بأن لكلّ ربح و فائدة سنة تخصّه، فلكلّ فائدةٍ سنةٌ تبتدئ من حین حصولها، فتكون للشخص سنوات خمسیة متعدّدة بتعدّد الأرباح و الفوائد.
إنّ اعتبار السنة ظاهره إرفاق للمكلّف حتّی یصرف الأرباح في المؤن،
أما المقام الثاني: مقتضی أدلة تقیید المؤونة بقید السنة
إنّ الأدلّة هنا ثلاثة:
الأول: سیرة المتشرّعة، فإنّ مقتضاها وفاقاً لنظریة المشهور هو ملاحظة مجموع الأرباح و المؤن الواقعة في السنة في استثناء المؤونة، سواء حصلت الفوائد و الأرباح أول السنة أو آخرها.
الثاني: ما هو المتعارف في محاسبة أهل السوق لأرباحهم في السنة الخمسیة الجعلیة، فإنّ مقتضاها أیضاً موافق لنظریة المشهور.
الثالث: مكاتبة علي بن مهزيار: «فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام ... »[5] .
فإنّ إطلاقها یعمّ كلا الطریقین، طریق المشهور و طریق المحقق الخوئي.
بل مقتضاها علی مسلك المحقق الخوئي وجوب الخمس في كلّ سنةٍ مرّةً واحدة و استفاد المحقق الخوئي من ذلك جواز التأخیر في أداء الخمس إلی آخر السنة. فقال: دلّت على أنّ الإخراج إنّما يجب في كلّ عام مرّةً، لا في كلّ يوم، ولدى ظهور كلّ فرد فرد من الأرباح. و نتيجته: جواز التأخير إلى نهاية السنة.
و لا یخفی أن هذه المكاتبة الصحیحة أنسب مع نظریة المشهور حیث یعتقدون بوجود سنة واحدة خمسیة لكلّ مكلّف.
الصورة الثانية: جبر خسارة و تلف تجارة بربح نوع آخر منها
هنا نظريات:
النظریة الأولی: جواز جبر الخسارة و السكوت عن حكم التلف
قال الشهید الأول: و يجبر خسران التجارة و الصناعة و الزراعة بالربح في الحول الواحد.[6]
قال المحقق السبزواري في الذخيرة: و الظاهر أنّه يجبر خسران التجارة و الصناعة و الزراعة بالربح في الحول الواحد.[7] [8]
قال بمثل عبارته العلامة المجلسي.[9]
النظریة الثانیة: جبر الخسارة و التلف (مختار)
قال بها صاحب الجواهر في مجمع الرسائل خلافاً لجواهر الكلام و نجاة العباد و صاحب العروة و المحقق الحائري و المحقق النائيني و السيد أبو الحسن الإصفهاني و المحقق الحكیم و المحقق الآملي و المحقق السید محمد باقر الصدر و السید محمد سعید الحكیم[10] و السید محمود الهاشمي الشاهرودي.[11]
قال بها صاحب الجواهر في رسالته الفارسية[12] ، خلافاً لما یستظهر من عبارته في جواهر الكلام حیث یقول هنا بعدم الجبر فیهما و سنشیر إلیها إن شاء الله تعالی.
قال صاحب العروة: لو كان له رأس مال و فرقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها فالأحوط عدم جبره بربح تجارة أخرى[13] بل و كذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح أخرى لكن الجبر لا يخلو عن قوة خصوصا في الخسارة.
تبعه المحقق الحائري و المحقق النائيني و السيد أبو الحسن الإصفهاني حيث لم يعلّقوا على هذه المسألة.
قال المحقق الحكيم: ... و كذا يجبر الخسران بالربح فيما إذا وزّع رأس ماله على تجارات متعددة، كما إذا اشترى ببعضه حنطة و ببعضه سُمنا فخسر في أحدهما و ربح في الآخر، بل الظاهر الجبران مع اختلاف نوع الكسب كما إذا اتجر ببعض رأس المال و زرع بالبعض الآخر فخسر في التجارة و ربح في الزراعة.
... و كذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال أو صرفه في نفقاته كما هو الغالب في أهل مخازن التجارة فإنهم يصرفون من الدخل قبل أن يظهر الربح، و ربما يظهر الربح في أواخر السنة فيجبر التلف بالربح أيضاً في جميع الصور المذكورة.
قال المحقق الآملي: [أما جبر الخسارة] إذا فرق ماله في أنواع من التجارة فخسر في نوع منها و ربح في نوع آخر ان الجبران فيه أظهر من الأول أعني ما إذا تلف شيء من رأس المال في نوع و ربح في نوع آخر
[أما جبر التلف] لو كان له رأس مال ففرقه في أنواع من التجارة كتجارة الحنطة و تجارة الحياكة مثلا فتلف رأس ماله أو بعضه في نوع منها كتجارة الحنطة و ربح في نوع أخر كتجارة الحياكة ففي جبران تلفه في تجارة بالربح الحاصل له في تجارة اخرى بنوع آخر و عدمه وجهان ... و لا يخفى ان الأقوى هو الأخير، كما قطع به الشهيد في الدروس و قواه الشيخ الأكبر في رسالة الخمس لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.[14]
و الشهید الصدر أیضا قال بذلك حیث لم یعلّق علی كلام المحقق الحكیم.[15]
السید محمود الهاشمي الشاهرودي[16] و السید محمد سعید الحكیم.[17]
أدلة هذه النظریة
الدلیل الأول: عدم صدق الاستفادة في الربح الذي هو بإزاء الخسارة و التلف
قال المحقق الحكیم: لعدم صدق الاستفادة في مثله و كذا لو كان له مال ففرقه في أنواع من الزراعة، فإنه إذا ربح في شخص خاص من الزراعة لا يصدق عرفاً أنه استفاد، إذا كان قد خسر في شخص آخر منها.[18]
قال العلامة الآملي في الاستدلال علی الجبر في التلف: المنع عن صدق الاستفادة مع تلف شيء من أمواله و لو في غير النوع الحاصل له الربح فيه، إذ هو بعد حصول الربح مع تلف ما تلف منه مثل من لم يحصل له ربح أصلا.[19]
الدلیل الثاني: تعسر ضبط موارد الربح والخسارة مع عدم النص على الخلاف
إنّ الظاهر هو ما تقدّم في الصورة الأولی من تعسّر ضبط موارد الخسارة و التلف و ملاحظتها مع الربح جارٍ في الصورة الثانیة أیضاً فحینئذٍ لو قلنا بعدم الجبر و لزوم محاسبة النسبة بین الخسارة و التلف و بین الربح یلزم الحرج.[20]