« قائمة الدروس
بحث الکفاية الأصول الأستاذ حمیدرضا آلوستاني

46/08/12

بسم الله الرحمن الرحیم

حقیقة النسخ/دوران الأمر بین النسخ والتخصیص /العامّ والخاصّ

 

الموضوع: العامّ والخاصّ/دوران الأمر بین النسخ والتخصیص /حقیقة النسخ

 

ولا بأس بصرف الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ ، فاعلم أن النسخ وإن كان رفع الحكم الثابت إثباتاً ، إلا إنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتاً ، وإنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره ، أو أصل إنشائه وإقراره ، مع أنّه بحسب الواقع ليس له قرار ، أو ليس له دوام واستمرار ، وذلك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الصادع للشرع ، ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال ، وإنّه ينسخ في الاستقبال ، أو مع عدم اطلاعه على ذلك ، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى ، ومن هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.[1]

 

المطلب الثانی: حقیقت النسخ و الفرق بینه و بین التخصیص

ومن المناسب فی ختام الفصل الثالث عشر المتعلّق بدوران الأمر بین النسخ و التخصیص، أن نُشير استطراداً إلى مسألة أُخرى ترتبط ببحث النسخ، وهی: هل یجوز نسخ الحکم قبل مجیء وقت العمل به أم لا؟ ولتوضیح ذلک لا بدّ من التعرض لحقیقة النسخ.

 

قال السید الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات: «النسخ فی اللغة بمعنی الإزالة، و منه نسخت الشمس الظلّ»؛ أی إنّ النسخ لغةً بمعنى الإزالة والإعدام، کما یقال: "نسخت الشمس الظلّ" أی أزالته و أعدمته. ثمّ قال: «و فی الاصطلاح هو رفع أمرٍ ثابتٍ فی الشریعة المقدسة بارتفاع أمره و زمانه، و لا یُفرّق فیه بین أن یکون حکماً تکلیفیاً أو وضعیاً»[2] ؛ أی إنّ النسخ فی اصطلاح المتشرّعة یعنی ارتفاع الحکم الثابت فی الشریعة بسبب انتهاء زمانه، سواء أکان حکماً تکلیفیاً کالوجوب و الحرمة أم وضعیاً کالصحّة و الفساد.

 

وقال المصنّف(رحمه الله) فی ما نحن فیه: «أن النسخ و إن کان رفع الحکم الثابت إثباتاً إلا أنّه فی الحقیقة دفع الحکم ثبوتاً، و إنما اقتضت الحکمة إظهار دوام الحکم و استمراره أو أصل إنشائه و إقراره». یعنی إنّ النسخ و إن کان فی ظاهره رفعاً لحکمٍ ثابتٍ و موضوعٍ مستمرٍّ بحسب الظهور اللفظی، إلا أنّه فی الحقیقة لیس إلا دفعاً للحکم و بیاناً لعدم ثبوته واقعاً، لأنّ الموضوع لم یکن واجداً للمصلحة أو المفسدة الموجبة لتشریع ذلک الحکم و ثبوته فی نفس الأمر.

 

قوله: «و إنما اقتضت...»

هذه العبارة استینافٌ بیانیٌّ لرفع التوهّمِ أو جوابٌ عن سؤال مقدّر، و هو أنّه: إذا کان الحکم فی الواقع غیر ثابت، و لم یکن الموضوع واجداً للمصلحة أو المفسدة الداعیة إلیه، فلماذا صدر الحکم من الشارع بصیغة تفید الدوام و الاستمرار؟

و الجواب: إنّ الحکمة الإلهیة اقتضت أن یوحی أو یُلهَم إلى النبیّ الأکرم (صلى الله علیه وآله) أن یُبلّغ الحکم بصیغة الدوام، مع أنّه فی الواقع لیس دائماً، بل له أمدٌ محدودٌ یرتبط بظروف الزمان و وجود المصلحة. و قد یعمل الناس بالحکم مدّةً ثمّ یُنسخ، أو قد یُنسخ قبل وقت العمل به أصلاً.

و هذا التشریع النبویّ قد یکون مبتنیاً على علم النبیّ (صلى الله علیه وآله) بعدم دَوام الحکم، و قد یکون غیر مبنیٍّ على ذلک، بل مجرّد امتثالٍ للوحی أو إلهامٍ إلهیّ، کما فی قضیّة ذبح إسماعیل (علیه السلام) حیث لم یکن الخلیل (علیه السلام) عالماً بنسخ الأمر لاحقاً، کما علیه کثیرٌ من الأعاظم.

 

و الحاصل أنّ النسخ لا یستلزم الجهل من الله تعالى، و لا یؤدّی إلى القول بالبداء، و لا یتنافى مع الحکمة الإلهیة بوجهٍ من الوجوه.

 


logo