« قائمة الدروس
بحث الکفاية الأصول الأستاذ حمیدرضا آلوستاني

46/08/03

بسم الله الرحمن الرحیم

تفصیل الحالات المتصورة/دوران الأمر بین النسخ والتخصیص /العامّ والخاصّ

 

الموضوع: العامّ والخاصّ/دوران الأمر بین النسخ والتخصیص /تفصیل الحالات المتصورة

 

وأما الکلام في الصورة الثالثة أيضًا في مقامين: الأول في إمكان وامتناع كون الدليل الخاص مخصِّصًا، والثاني - على فرض التسليم بإمكان التخصيص - في ترجيح النسخ على التخصيص أو العكس.

 

أما المقام الأول: فبمراجعة عبارات علماء الأصول، نجد ثلاث نظريات:

 

النظریة الأولی: ذهب بعض الأعلام، كالفاضل التوني(رحمه الله) في الوافية، إلى أن التخصيص في هذه الصورة غير ممكن عقلًا، وأن النسخ هو المتعيَّن. حيث قال: «كل خاصٍّ عُلِم وروده بعد وقت العمل بالعام في الكتاب والأخبار النبوية، فظاهره أنه ناسخ لحكم العام في مورد ذلك الخاص»[1] . ودليلهم على ذلك أن التخصيص في هذا الفرض يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قبيح عقلًا، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة يستلزم إما إيقاع المكلَّف في المفسدة أو تفويت المصلحة، وكلاهما محال على المولى الحكيم.

فائدة

قد أورد علی هذا الدليل بعض الأعلام، كما نقل عن المحقق الخوئي(رحمه الله) في المحاضرات[2] ، حيث قال: إن قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة إنما هو إما لمشقّة المكلّف وعسره، أو لإلقائه في المفسدة أو تفويت المصلحة عنه، وكلا الأمرين يمكن دفعهما، إذ قد يكون هناك مصلحة أقوى تقتضي تحمُّل المكلّف للمشقّة أو الوقوع في المفسدة أو تفويت المصلحة عنه، وعليه، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس قبيحًا مطلقًا، بل قد يكون أمرًا لازمًا أحيانًا.

 

النظریة الثانیة: ذهب بعضهم إلى امتناع النسخ عقلًا، فيتعيَّن التخصيص. ولم يُنسب هذا الرأي إلى قائل معيَّن، وإنما جاء كوجهٍ أو احتمال في بعض الكتب الأصولية، كـالمحاضرات[3] .

 

وقد استدلّ لهذا الوجه بدليلين:

الأول: أن النسخ هو رفع الحكم الثابت في الشيء، ولا يمكن أن يتحقق الرفع إلا ممن بيده الجعل، أي الشارع والنبي . ولما كان التشريع قد انتهى بوفاة النبي وانقطاع الوحي، فقد انتهى كلٌّ من الجعل والرفع، فلا يمكن أن يقع النسخ في زمان أهل البيت علیهم‌السلام.

فائدة

وقد أورِدَ علی هذا الدليل بأن النسخ ليس رفعًا لحكم ثابت في الشريعة، كي يُقال بعدم إمكانه بعد انقطاع الوحي، بل هو انتهاء الحكم بانتهاء أمده، والدليل الناسخ في حقيقته ليس إلا إعلانًا من المولى بذلك، وهذا الإعلان يمكن أن يصدر عن أهل البيت علیهم‌السلام أيضًا، فلا مانع من النسخ في زمانهم.

 

الثاني: أن القول بكون الأدلة الخاصة في الفرض المذكور ناسخةً، لا مخصِّصةً، يوجب كثرة النسخ في الشريعة الإسلامية، وهو أمرٌ لا يناسبُ مع خلودها.

فائدة

وقد أورِدَ علی هذا الدليل بأن خلود الشريعة الإسلامية لیس بمعنی عدم إمکان وقوع النسخ، بل معناه أنه لا شريعة أخرى ستأتي بعدها، فلا منافاة بين النسخ وخلود الشريعة، سواء كان النسخ قليلًا أو كثيرًا. هذا مضافا إلى أن البحث هنا في إمكان النسخ، لا في وقوعه، فلا يلزم من القول بإمكان النسخ کثرة وقوعه.

 


logo