46/07/21
بسم الله الرحمن الرحیم
أدلة المخالفین و نقدها/تخصیص الکتاب بخبر الواحد /العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/تخصیص الکتاب بخبر الواحد /أدلة المخالفین و نقدها
متن الکفایة:
«وكون العام الكتابيّ قطعياً صدوراً ، وخبر الواحد ظنيا سنداً، لا يمنع عن التصرف في دلالته الغير القطعية قطعاً ، وإلاّ لما جاز تخصيص المتواتر به أيضاً ، مع أنّه جائز جزماً. والسّر : أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر ، مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها ، بخلافها ، فإنّها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره.
ولا ينحصر الدليل على الخبر بالإِجماع ، كي يقال بأنّه فيما لا يوجد على خلافه دلالة ، ومع وجود الدلالة القرآنيّة يسقط وجوب العمل به. كيف؟ وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية.
والأخبار الدالة على أن الأخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار ، أو أنّها زخرف ، أو أنّها مما لم يقل به الامام عليهالسلام وإن كانت كثيرة جداً ، وصريحة الدلالة على طرح المخالف ، إلّا إنّه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الإخبار غير مخالفة العموم ، إن لم نقل بأنّها ليست من المخالفة عرفاً ، كيف؟ وصدور الأخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهمالسلام كثيرة جداً.»
بيان أدلة القائلين بعدم جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد ونقدها
أشار المصنّف(رحمه الله) في المقام إلى أربعة أدلة للقائلين بعدم جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد، وهو بصدد الإجابة عنها. وهذه الأدلة في الحقيقة شبهات تُطرح في سياق تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد. لذا قال المحقّق الخوئي(رحمه الله) في المحاضرات: «وإنما الكلام في عدّة من الشبهات التي تُوُهِّمَت في المقام»[1] .
بيان الدليل الأول:
قال المحقّق الخوئي(رحمه الله) في المحاضرات عند عرض الدليل والشبهة الأولى: «إنّ الكتاب قطعي السند والخبر ظني السند، فكيف يجوز رفع اليد عن القطعي بالظني؟!»[2] . أي إنّ القرآن قطعيّ الصدور من جهة السند، بينما خبر الواحد ظنّيّ الصدور، فكيف يمكن رفع اليد عن دليل قطعي استناداً إلى دليل ظنّي؟!
نقد الدليل الأول:
قال المصنّف(رحمه الله) في الجواب عن هذا الاستدلال وردّ الشبهة المذكورة: إنّ تعارض خبر الواحد مع العام الكتابي ليس في السند، حتى يُقال إنّ تخصيص عمومات الكتاب في هذا الفرض هو ترجيح المرجوح (أي دليل ظنّي الصدور) على الراجح (أي دليل قطعي الصدور)، وهو أمر غير جائز. وإلا للَزِم أن لا يجوز تخصيص الخبر المتواتر أيضاً بخبر الواحد الظني الصدور، مع أنّه جائز باتفاق العلماء. بل إنّ التعارض يقع بين دليل اعتبار أصالة الظهور الجاري في العام الكتابي ودليل حجّية خبر الواحد. وحيث إنّ دليل حجّية كلٍّ منهما يعتمد على بناء العقلاء، فالعقلاء يشترطون في العمل بالظهورات ألّا يكون هناك ما يصلح للقرينية على إرادة خلاف الظاهر. وهؤلاء العقلاء يعتبرون خبر الواحد الظنيّ الصدور من مصاديق ما يصلح للقرينية. ولذلك، إنّ دليل حجّية خبر الواحد يكون حاكماً ومقدَّماً على أصالة الظهور، فيتقدّم عليها ويؤدي إلى تخصيص العام الكتابي.
بيان الدليل الثاني:
قال المحقّق الخوئي(رحمه الله) في المحاضرات عند عرض الدليل والشبهة الثانية: «إنّه لا دليل على اعتبار خبر الواحد إلا الإجماع، وبما أنّه دليل لبّي فلا بدّ من الأخذ بالمقدار المتيقّن منه، والمقدار المتيقّن هو ما إذا لم يكن الخبر على خلاف عموم الكتاب أو إطلاقه. وإلّا، فلا يقين بتحقّق الإجماع على اعتباره في هذا الحال، ومعه كيف يجوز رفع اليد به عنه؟»[3] . وخلاصة هذا الدليل أنّ حجّية خبر الواحد مستندة إلى الإجماع، والإجماع دليل لبّي، فيُقتصر فيه على المقدار المتيقّن، وهو أخبار الآحاد التي لا تخالف الكتاب.
نقد الدليل الثاني:
قال المصنّف(رحمه الله) في الجواب: إنّ أهم دليل على اعتبار أخبار الآحاد هو السيرة القطعية للعقلاء، وليس الإجماع بما هو إجماع. وكما ذُكر سابقاً، إنّ سيرة العقلاء على العمل بالظهورات قائمة في حال عدم وجود قرينة على خلافها. وهؤلاء العقلاء يرون خبر الواحد الظنيّ الصدور - إذا كان حجّة - قرينة على خلاف الظاهر، فيقدّمونه على ظهور الدليل في العموم.
بيان الدليل الثالث:
قال المحقّق الخوئي(رحمه الله) في المحاضرات[4] عند عرض الدليل والشبهة الثالثة: إنّ لدينا روايات متعدّدة تأمر بطرح الأخبار المخالفة للقرآن أو بإلقائها على الجدار، وتصفها بأنّها لا قيمة لها، أو أنّها زخرف، أو أنّها ليست صادرة منّا. فكيف يمكن، مع وجود هذه الروايات، تخصيص العام القرآني بخبر الواحد الظنيّ الصدور؟.
نقد الدليل الثالث:
قال المصنّف(رحمه الله) في الجواب: أولاً: من المعلوم أنّ المقصود بمخالفة الأخبار للقرآن في الروايات المذكورة ليس المخالفة بنحو العام والخاص، بل المخالفة بنحو التباين الكلي أو العام والخاص من وجه.
وبعبارة أخرى، المراد من المخالفة في تلك الأخبار هو التعارض والتنافي بحيث لا يمكن الجمع العرفي. ومن الواضح أنّ المخالفة بنحو العام والخاص أو المطلق والمقيّد يمكن الجمع العرفي بينهما، فلا تُعدّ من مصاديق المخالفة المذكورة.