46/07/13
بسم الله الرحمن الرحیم
تحریر محل النزاع/تخصیص الکتاب بخبر الواحد /العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/تخصیص الکتاب بخبر الواحد /تحریر محل النزاع
إن محلّ النّزاع في ما نحن فيه هو: هل يمكن تخصيص العمومات والإطلاقات القرآنيّة بالأدلّة الخاصّة المستفادة من خبر الواحد أم لا؟ ولتوضيح محلّ النّزاع بالتفصيل، ينبغي بيان بعض النقاط:
الأولى: هذا البحث لا يختصّ بعمومات القرآن وحدها، بل يشمل كلّ دليلٍ قطعيِّ الصّدور، سواء كان خبراً متواتراً أو خبراً واحداً محفوفاً بالقرائن. كما تدلّ عبارات المرحوم العلّامة في "المبادئ"، وصاحب "الفصول"، وغيرهم من العلماء على ذلك.
الثانية: هذا البحث لا يقتصر على العمومات والألفاظ الدالّة على العموم، بل يشمل كلّ موضوعٍ عامّ وشامل، ولو كان دلالة اللّفظ على الشمول من باب الإطلاق ومقدّمات الحكمة. ولذا إنّ لفظ "العموم" في عبارات العلماء يُراد به المعنى اللغوي، أي الشمول. ولذلك قلنا إنّ هذا البحث من مباحث أحوال العامّ والخاصّ، وأحوال المطلق والمقيّد.
الثالثة: كما يظهر من بعض العبارات، إنّ المناط في هذا البحث هو الدليل الظنيّ الصّدور. وعليه:
أوّلاً: هذا البحث لا يختصّ بخبر الواحد، بل يشمل كلّ دليلٍ ظنّي الصّدور.
ثانياً: خبر الواحد المحفوف بالقرائن، الذي يكون قطعيّ الصّدور، يخرج عن محلّ النزاع في ما نحن فيه. ولذلك قال المصنّف(رحمه الله) بعد قبول تخصيص العامّ الكتابيّ بخبر الواحد: "كما جاز بالكتاب أو بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعيّة من خبر الواحد".
بعبارة أخرى: البحث يدور حول إمکان أظهریة الخاص الظني الصدور بالنسبة إلی العامّ القطعي الصدور أو قرینیته لمراد المتکلم أو عدم إمکانهما؟ لذا، صرّح الشيخ الطوسي(رحمه الله) في مقام التعليل: «والذي يدلّ على ذلك أنّ عموم القرآن يوجب العلم، وخبر الواحد يوجب غلبة الظنّ، ولا يجوز أن يُترك العلم للظنّ على أيّ حال...»[1] .
الرابعة: كما صرّح بذلك بعض العلماء كالسيد المرتضى وصاحب الفصول وصاحب المعالم (رحمهم الله)، إنّ هذا البحث يُطرح على فرض قبول أصل حجيّة خبر الواحد فقط. وعليه، إنّ من أنكر حجيّة خبر الواحد الظنّيّ الصّدور، لا يُعتبر من المخالفين في هذه المسألة. ولذا إنّ عَدَّ السيدِ المرتضى(رحمه الله) من القائلين بعدم جواز التخصيص غير صحيح، لأنّه بناءً على مبناه ينكر حجيّة خبر الواحد غير المحفوف بالقرائن. ولذلك قال في عبارته السابقة: "غير أنّه ما تعبّدنا به"، أي: إنّ الشارع لم يُلزمنا بالعمل بخبر الواحد. ولهذا قال الشيخ الأنصاري(رحمه الله)-علی ما في تقریراته في مطـارح الأنظار-: «ولعلّ منع السيد مبنيّ على أصله من إنكار حجيّة خبر الواحد[2] .»
الخامسة: بعض العلماء، كصاحب العدّة والمحقّق في المعارج (رحمهما الله)، وإن كانوا قد ذهبوا في علم الأصول إلى إنكار جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد أو توقّفوا فيه، إلّا أنّهم في الفقه وفي مقام استنباط الأحكام قاموا بتخصيص وتقييد العمومات والإطلاقات القرآنيّة بخبر الواحد. ولذلك قال الشيخ الأنصاري(رحمه الله) في مطـارح الأنظار: «الشيخ مع أنّه منع من ذلك في الأصول، فقد بنى عليه في الفقه، كما يظهر من تتبّع موارد كلامه وتضاعيف الفروع. وكذلك الحال بالنسبة للمحقّق أيضاً»[3] . ولعلّ لهذا السبب قال المحقّق الخوئي(رحمه الله) في المحاضرات: «والظاهر أنّه لا خلاف بين الطائفة الإماميّة في جواز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد فيما نعلم، والمخالف في المسألة إنّما هو العامّة»[4] . ولم يعدّ هؤلاء من المخالفين في هذه المسألة.