« قائمة الدروس
بحث الکفاية الأصول الأستاذ حمیدرضا آلوستاني

46/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

تحریر محل النزاع/مسئلة جواز تخصیص العموم بالمفهوم /العامّ والخاصّ

 

الموضوع: العامّ والخاصّ/مسئلة جواز تخصیص العموم بالمفهوم /تحریر محل النزاع

متن الکفایة:

قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف ، مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق ، على قولين ، وقد استدل لكلّ منهما بما لا يخلو عن قصور.

 

قبل الدخول في البحث و بيان رأي المصنّف(رحمه الله)، لابدّ من التمهيد بذكر عدّة نقاط تُساعِدُ على إيضاح محلّ النزاع:

النکتة الأولی: هل البحث في المقام یختصّ بمفهوم المخالفة أم يشمل مفهوم الموافقة أیضاً؟ نجد في الكتب الأصولية رأيين مختلفين:

فعبارات بعض أعلام علم الأصول، كالمحقّق الآمدي في كتابه الإحكام، حيث قال: «لا نعرف خلافًا بين القائلين بالعموم والمفهوم أنّه يجوز تخصيص العموم بالمفهوم سواء كان من قبيل مفهوم الموافقة أو من قبيل مفهوم المخالفة»[1] تفيد شمول البحث لمفهوم الموافقة.

ومع ذلك، إنّ كثيرًا من العلماء، كصاحب المعالم والمحقّق القمّي في القوانين، وصاحب الفصول، والمصنّف (رحمهم الله) في المقام، يصرّحون بأنّ محل النزاع یختصّ بمفهوم المخالفة، بينما مفهوم الموافقة خارج عن دائرة النزاع، واتّفق العلماء على جواز تخصيص الدليل العام به. فعلى سبيل المثال، يقول صاحب القوانين(رحمه الله): «اختلفوا في جواز تخصيص العامّ بمفهوم المخالفة بعد اتفاقهم على جوازه في مفهوم الموافقة»[2] . وكذا قال صاحب الفصول: «لا كلام في جواز التخصيص بمفهوم الموافقة، وفي جوازه بمفهوم المخالفة حيثما يكون حجّة قولان: فذهب الأكثرون إلى الجواز وهو المختار، وآخرون إلى المنع»[3] .

ويظهر أنّ الرأي الثاني هو الصواب. بناءً عليه، إنّ ما سيُطرح في المستقبل من المباحث، سيكون معنيًا بمفهوم المخالفة فقط، ویخرج مفهوم الموافقة من محل النزاع. على سبيل المثال، إذا دلّ دليل عامّ على جواز ضرب الأقارب في مقام الدفاع عن النفس، وجاء دليل آخر كقوله تعالى: ﴿ولا تقل لهما أُفّ﴾ بمفهوم الموافقة من باب الأولوية دالًا على حرمة ضرب الوالدين، فحینئذ إنّ الدليل العامّ يخصّص، وعليه يكون ضرب الوالدين محرّمًا حتى في مقام الدفاع عن النفس.

 

النکتة الثانیة: كما أُشير، إنّ صاحب المعالم(رحمه الله)، مثلُ كثير من العلماء، یقول بجواز التخصيص. ولذلك قالَ في استدلال القائلین بعدم جواز التخصيص: «احتج المخالف بأنّ الخاص يقدّم على العامّ لأنّ دلالته على ما تحته أقوى من دلالة العامّ على خصوص ذلك الخاص، وأرجحية الأقوى ظاهرة، وليس الأمر كذلك هنا، فإنّ المنطوق أقوى دلالة من المفهوم وإن كان المفهوم خاصًا، فلا يصلح لمعارضته، فلا يجب حمله عليه»[4] . ومن هذا الكلام لصاحب المعالم(رحمه الله)، وكذا من عبارات بعض علماء الأصول الآخرين، يتّضح أنّ منشأ هذا البحث يعود إلى أنّه هل دلالة المفهوم من حيث القوّة والضعف تُساوي دلالة المنطوق، أم أنّها أضعف؟

 

النکتة الثالثة: كما صرّح صاحب الفصول والمصنّف (رحمهما الله) في المقام، هناك رأيان في هذه المسألة: الأوّل، أنّ العامّ يقدّم لأنّ دلالته منطوقية وليست مفهومية، ودلالة المنطوق أقوى من دلالة المفهوم. الثاني، أنّ الخاص يقدّم، إمّا من باب تقديم الأظهر على الظاهر، كما ذهب إليه المصنّف، أو من باب تقديم القرينة على ذي القرينة، كما ذهب إليه المحقّق النائيني.

وهناك أقوال أخرى، مثل القول بالتفصيل بين العمومات التي تقبل التخصيص والعمومات التي تأبى عن التخصيص فعلی الأوّل یجوز تخصیص العام بالخاص المفهومي و علی الثاني لا یجوز تخصیص العامّ بالخاصّ المفهومي. (هذه النظریة نسبت إلی المرحوم الشیخ الأنصاری(رحمه الله) من جانب المحقق النائیني(رحمه الله) في الفوائد[5] و أجود التقریرات[6] .) و مثل القول بالتفصيل بين حالة كون النسبة بين العام المنطوقي والخاص المفهومي عمومًا وخصوصًا مطلقًا، وحالة كون النسبة بینهما عمومًا وخصوصًا من وجه، فعلی الأوّل یقدّم الخاصّ علی العامّ وعلی الثاني یتعارضان و یجري قواعد باب التعارض. (هذه النظریة ذکرها المحقق النائیني(رحمه الله) في الفوائد[7] .) ولکن ذکر الأقوال و النقد و التحلیل فیها خارج عن مجال بحثنا الحالي، و لذا نکتفي بذکر نظریة المصنف هنا.

 

النکتة الرابعة: يرى المصنّف أنّ الاستدلالات لكلّ من القول بجواز تخصيص العامّ والقول بعدمه لا تخلو من قصور. فعلى سبيل المثال، استدلّ صاحب المعالم القائل بجواز التخصيص بقوله: «لنا أنّه دليل شرعي عارض مثله، وفي العمل به جمع بين الدليلين، فيجب»[8] . لكن ناقَشَهُ بعض العلماء كصاحب الفصول(رحمه الله)، حیث یقول: «وفيه أنّ الجمع كما يمكن بإلغاء العموم كذلك يمكن بإلغاء المفهوم، فيستدعي ترجيح الأوّل من مرجّح»[9] . وعليه، إنّ الجمع بين الدليل العامّ والخاصّ لا يستدعي رفع اليد عن عمومية العام فقط، بل يمكن رفع اليد عن المفهوم والعمل بمنطوق العامّ ومنطوق الخاصّ معًا.


logo