« قائمة الدروس
بحث الکفاية الأصول الأستاذ حمیدرضا آلوستاني

46/06/23

بسم الله الرحمن الرحیم

رأي المصنّف/تعقب العامّ بضمیر راجع إلی بعض مدلول العامّ /العامّ والخاصّ

 

الموضوع: العامّ والخاصّ/تعقب العامّ بضمیر راجع إلی بعض مدلول العامّ /رأي المصنّف

 

متن الکفایة:

والتحقيق أن يقال : إنّه حيث دار الأمر بين التصرف في العام ، بإرادة خصوص ما أُريد من الضمير الراجع إليه ، أو التصرف في ناحية الضمير : امّا بإرجاعه إلى بعضٍ ما هو المراد من مرجعه ، أو إلى تمامه مع التوسع في الإِسناد ، بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكلّ توسعاً وتجوزاً ؛ كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير ، وذلك لأن المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد ، لا في تعيين كيفية الاستعمال ، وأنه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الإِسناد مع القطع بما يراد ، كما هو الحال في ناحية الضمير.

وبالجملة : أصالة الظهور إنّما يكون حجة فيما إذا شك فيما أُريد ، لا فيما إذا شك في إنّه كيف أُريد ، فافهم ، لكنه إذا انعقد للكلام ظهور في العموم ، بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفاً ، وإلا فيحكم عليه بالإِجمال ، ويرجع إلى ما يقتضيه الأصول ، إلّا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبداً ، حتى فيما إذا احتفّ بالكلام ما لا يكون ظاهراً معه في معناه الحقيقي كما عن بعض الفحول.[1]

 

بيان نظرية المصنّف(رحمه الله):

فقد قال (رحمه الله) إنه لا بدّ في المسألة المذكورة من ارتكاب أحد التصرفين:

إما التصرف في الدليل العام الوارد أولاً، بأن يُقال إن المراد من العام هو بعض الأفراد التي أُريدت في الدليل الثاني، أو التصرف في الضمير الموجود في الدليل الثاني بإحدى الطريقتين التاليتين:

إما بطريق الاستخدام والمجاز في الكلمة، بحيث يكون ظاهر الكلام مقتضياً للمطابقة بين الضمير ومرجعه، إلا أنه في محلّ البحث لم تُراع هذه المطابقة، فرجع الضمير إلى بعض أفراد المرجع؛ أو بطريق المجاز في الإسناد والمجاز العقلي، بأن تُراعى قاعدة المطابقة بين الضمير ومرجعه ظاهراً، ولكن يكون المراد الجدّي للمتكلم ليس جميع الأفراد، بل إن الإسناد إلى جميع الأفراد يكون على سبيل المجاز العقلي، ويُسند الحكم الثابت لبعض الأفراد في الواقع إلى جميع الأفراد ظاهراً.

فيجري في مثل هذه الحالات أصالة الظهور في جانب الدليل العام، وتثبت عموميته؛ لأن أصالة العموم هي لأجل الشك في المراد الجدّي للمتكلم، وبإجرائها في جانب الدليل العام يُحرز مراد المتكلم الجدّي. وأما أصالة الظهور في جانب الضمير فلا تجري، إذ لا شك في المراد الجدّي للمتكلم، ونعلم أن مراد المتكلم من الضمير هو الخاص وبعض أفراد العام، مثل المطلقات الرجعية في المثال المذكور. فالنهاية أن الشك يكون في النوع وكيفية الاستعمال، وعليه فلا تجري أصالة الظهور أو الأصول اللفظية في مثل هذه الحالات وفقاً للعقلاء.

وخلاصة القول: إن أصالة العموم تجري بمنزلة الأصل اللفظي في جانب الدليل العام بلا معارض، وتبقى عمومية العام على حالها، وبالتالي يثبت حكم العدّة لجميع أقسام الطلاق في مثل الآية المذكورة.

 

قوله: «لكنه اذا انعقد...»

وقال المصنف(رحمه الله) في تتمة كلامه: إن الدليل العام والدليل المشتمل على ضمير يرجع إلى بعض أفراد العام يُستعملان بطريقتين:

في جملتين مستقلتين؛ في هذه الحالة، ينعقد الظهور للدليل العام، ولا يمنع رجوع الضمير إلى بعض أفراد العام انعقاد ظهور العام في العموم، مثل الآية المذكورة.

في جملة واحدة، نحو: ﴿والمطلقات أزواجهن أحق بردهن﴾ ؛ في هذه الحالة، لا ينعقد الظهور للدليل العام، ويمنع رجوع الضمير إلى بعض الأفراد انعقاد ظهور العام في العموم، فيصبح الكلام مجملاً بالنسبة إلى الأفراد الأخرى، ويُرجع حينئذٍ إلى الأصول العملية، إلا إذا قيل بجريان أصالة الحقيقة تعبدياً كما ذهب إليه السيد المرتضى (رحمه الله)، أي بأن يُقال إن الدليل العام له ظهور في العموم تعبداً، حتى لو كانت هناك قرينة على خلافه. ولكن من الواضح أن حجية الأصول اللفظية مستندة إلى سيرة العقلاء، وأن وجه حجيتها ليس التعبد، وعليه إن العقلاء لا يجرون الأصول اللفظية في مثل هذا الفرض حيث توجد قرينة على خلافها.

فائدة

كما تبيّن في تحرير محل النزاع، إن الحالات التي يشتمل فيها الدليل العام على ضمير يرجع إلى بعض الأفراد تكون خارجة عن محل البحث هنا؛ فلا شبهة في تخصيص العام بالخاص. فَعليه، إن نظرية المصنف(رحمه الله) ليست في قبال نظرية أمثال المحقق النائيني(رحمه الله) أو المحقق الآمدي. فافهم.

 

تكملة

وقد وردت لهذه المسألة ثمرات عديدة في الكتب الفقهية، منها ما ذكره المحقق النراقي(رحمه الله) حول مسألة اختصاص قاعدة اليد بالأعيان أو شمولها للمنافع. فقد قال: «إن قاعدة اليد تختص بالأعيان، لأن مستندها رواية حفص بن غياث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث قال له رجل: «أرأيت إذا رأيت شيئاً في يد رجل، أ يجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال: نعم. قال الرجل: أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له، فلعله لغيره؟! فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أ فيحل الشراء منه؟ قال: نعم. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فلعله لغيره، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ثم تقول بعد الملك: هو لي وتحلف عليه...» [2] ؛ فإن هذه الرواية، وإن كانت قد وردت في البداية بلفظ عام فإن كلمة "شيئاً" نكرة في سياق النفي وتفيد العموم، إلا أن رجوع الضمير في قوله: «الشراء منه» و«أن يشتريه» يوجب تخصيصها بالأعيان أو التوقف، كما بيّن في علم الأصول، إذ لا يجوز الشراء في المنافع إجماعاً[3]

 


logo