46/06/13
بسم الله الرحمن الرحیم
/الخطابات الشفاهیّة /العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/الخطابات الشفاهیّة /
متن الکفایة:
وإن أبيت إلّا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي ، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأداة الخطاب ، أو بنفس توجيه الكلام بدون الاداة كغيرها بالمشافهين ، فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم.
وتوهّم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين ، فضلاً عن الغائبين ، لإِحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال ، فاسد ، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب ، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى ، كما لا يخفى ، كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجياً ومتصرم الوجود ، كان قاصراً عن أن يكون موجهاً نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة ، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل يا ( أيها الناس اتقوا ) في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلىاللهعليهوآله بلسانه.
وأما إذا قيل بأنّه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحياً أو الهاماً ، فلا محيص إلّا عن كون الاداة في مثله للخطاب الإِيقاعي ولو مجازاً ، وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين ، بل يعم المعدومين ، فضلاً عن الغائبين.[1]
قوله: «و إن أبيتَ»
إنّ المصنّف(رحمه الله) في هذا الموضع سعی حتی الآن إلى تقوية القول بوضع أدوات الخطاب للخطاب الإنشائي والإيقاعي وبیّن أنّ مدلول أدوات الخطاب لا يختصّ بالحاضرين في مجلس الخطاب، بل يشمل الغائبين والمعدومين كذلك. وفي ما نحن فيه، يقول المصنّف: إذا رفض أحدٌ هذا القول وادّعى أنّ أدوات الخطاب وُضِعت للخطاب الحقيقي، أي البعث والزجر الفعلي للمكلّف، لزمه أن يقبل بأنّ مدلول أدوات الخطاب يختصّ بالموجودين والحاضرين في مجلس الخطاب ولا يشمل الغائبين والمعدومين، كما هو الحال في الخطابات العرفيّة، حيث تكون ظاهرة في توجّه الخطاب إلى الحاضرين فقط، إلا إذا وُجدت قرينة على التعميم.
قوله: «و توهّم»
بيان التوهّم ودفعه
قد يُتوهَّم أنّه يمكن إثبات التعميم في الخطابات الإلهيّة بالقول: إنّه وإن كان الخطاب الحقيقي لا يمكن أن يتعلّق بالمعدومين والغائبين في الخطابات العرفيّة والكلام البشري من دون قرينة، إلّا إنّه في الخطابات الإلهيّة ممكن، لأنّ جميع الموجودات حاضرة عند الله تعالى وهو محيط بها جميعاً.
يردّ المصنّف(رحمه الله) هذا التوهّم بالقول: إذا كان المراد بالخطاب هو الخطاب الحقيقي، أي البعث والزجر الفعلي للمخاطبين، فتعلّق الخطاب بالغائبين والمعدومين غير ممكن، لأنّ هذا النوع من الخطاب يتطلّب وجود المخاطب والتفاتَه، وهذان الشرطان غير متحقّقين في المعدومين والغائبين؛ فالأوّل لعدم وجودهم، والثاني لعدم التفاتهم. ولا فرق في هذا بين الخطابات الإلهيّة والخطابات البشريّة.
ويضيف المصنّف(رحمه الله) أنّ هذا الاستحالة في تعلّق الخطاب الحقيقي بالغائبين والمعدومين لا ينقص من قدرة الله تعالى، لأنّ هذه الاستحالة تعود إلى عدم القابليّة، لا إلى عدم الفاعليّة. على سبيل المثال، لا يمكن للمعدومين والغائبين أن يسمعوا الخطابات اللفظيّة الصادرة من الشارع، لأنّ هذه الخطابات، هي أمور متصرّمة الوجود وغير قابلة للبقاء.
قوله: «هذا لو قلنا»
والمصنف(رحمه الله) یقول في ختام کلامه أنّ تعیین المخاطب الحقيقي في الخطابات الإلهيّة محلّ نظر، وفيه قولان:
القول الأوّل: المخاطب الحقيقي هم الناس، والنبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- مخاطب من حيث كونه واسطة لإبلاغ الأحكام والتعليمات إلى الناس؛ بناءً على هذا القول، يكون الخطاب ظاهراً في كونه خطاباً إنشائيّاً وإيقاعيّاً، ويشمل جميع المكلّفين، سواء كانوا حاضرين أو غائبين أو معدومين. والمباحث السابقة بُنيت على هذا الأساس، مع احتمال أن يكون الخطاب ظاهراً في كونه خطاباً حقيقيّاً مختصّاً بالحاضرين، كما مرّ بيانه.
القول الثاني: المخاطب الحقيقي هو النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-، وليس الناس؛ بناءا علی هذا القول، في مثل "يا أيّها الناس" و"يا أيّها الذين آمنوا"، يكون الخطاب من النوع الإنشائي قطعاً، لأنّ الخطاب الحقيقي يتطلّب قابليّة انطباق العنوان على المخاطب، وهو غير متحقّق في هذه العناوين إذا أُريد بها النبيّ وحده. وبالتالي، إنّ الخطابات الشفاهيّة تكون عامّة وشاملة للحاضرين والغائبين والمعدومين، ولا نزاع في ذلك.
الخلاصة
علی رأي المصنّف(رحمه الله) لا یختصّ الخطاب إلی الموجودین و الحاضرین في زمن الخطاب بل یشمل المعدومین و الغائبین أیضاً کما یظهر في العموم مدخول أدوات الخطاب مثل «الناس» و «الذین آمنوا» في « یا أیّها الناس» و «یا أیّها الذین آمنوا». و ذلک لأن المخاطب في تلک الخطابات کل الناس و من جهة أخری إن أدوات الخطاب قد وضعت للخطاب الإنشائي لا الحقیقي، وإن کان الظهور الإنصرافي في الخطاب الحقیقي؛ فإن تلک الظهور ممتنع بوجود المانع عن الاختصاص بالحاضرین.