46/06/06
بسم الله الرحمن الرحیم
/الخطابات الشفاهیة/العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/الخطابات الشفاهیة/
متن الکفایة:
إذا عرفت هذا ، فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلاً ، بمعنى بعثه أو زجره فعلاً ، ضرورة إنّه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة ، ولا يكاد يكون الطلب كذلك إلّا من الموجود ضرورة ، نعم هو بمعنى إنشاءً الطلب بلا بعث ولا زجر ، لا استحالة فيه أصلاً ، فإن الانشاء خفيف المؤونة ، فالحكيم تبارك وتعالى نيشىء على وفق الحكمة والمصلحة ، طلب شيء قانوناً من الموجود والمعدوم حين الخطاب ، ليصير فعلّياً بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاءً آخر ، فتدبر.
ونظيره من غير الطلب إنشاءً التمليك في الوقف على البطون ، فإن المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة ، بعد وجوده بإنشائه ، ويتلقى لها من الواقف بعقده ، فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية ، ولا يؤثر في حق المعدوم فعلاً ، إلّا استعدادها لأن تصير ملكا له بعد وجوده ، هذا إذا اُنشىء الطلب مطلقاً.[1]
تحلیل الوجوه المذكورة
قوله: «اذا عرفت هذا...»
أمّا بالنسبة إلی الوجه الأوّل يُقال: إنّ جعل التكليف يمكن أن یکون بأحد المعنيين:
المعنی الأوّل: كان المراد من جعل التكليف الطلب الحقيقي، أي البعث والزجر الفعلي للمكلَّفين؛ جعل التكليف بهذا المعنى بالنسبة إلى المعدومين والغائبين غير معقول ومحال؛ لأنّ البعث والزجر الفعلي يستلزمان أمرين: الأوّل وجود الموضوع في الخارج، والثاني الالتفات إلى التكليف. وحيث إنّ الشرط الأوّل غير متحقّق بالنسبة إلى المعدومين، والشرط الثاني غير متحقّق بالنسبة إلى الغائبين، فلا يصحّ تعلّق التكليف بهذا المعنى بهم. وعليه، إنّ هذا النوع من التكليف يختصّ بالموجودين والحاضرين في مجلس الخطاب.
المعنی الثاني: كان المراد من جعل التكليف الطلب الإنشائي، أي إنشاء الأمر الاعتباري بصيغة القضية الحقيقية؛ جعل التكليف بهذا المعنى بالنسبة إلى المعدومين والغائبين معقول وغير محال؛ لأنّ الشرطين المذكورين في الطلب الحقيقي لا يُشترطان في الطلب الإنشائي. وبالتالي، يستطيع المولى أن ينشئ دليلاً مثل قوله: "أقيموا الصلاة"، فيكون هذا التكليف فعلياً بالنسبة إلى الحاضرين والموجودين إذا كانوا ملتفتين، أمّا بالنسبة إلى المعدومين والغائبين الموجودين في الحاضر، فلا يكون فعلياً، وإنما يصبح فعلياً متى حصلت شروطه. كما أنّ المولى إذا أنشأ وقفاً على بطونه و ذريته، فالوقف يكون فعلياً بالنسبة إلى الموجودين آنذاك، ویستتبع ملكيتهم للموقوفة، بينما لا يكون فعلياً بالنسبة إلى المعدومين، ولا يتحقّق لهم الملك. غایة الأمر إنّ مقتضي حصول الملكية بالنسبة إليهم متحقق، فإذا وُلدوا، يصبح هذا الإنشاء نافذاً ویستتبع فعليّة ملكيّتهم.
قوله: «هذا إذا أنشئ الطلب مطلقا»
ذكر المصنّف(رحمه الله) عند البحث في الوجه الأوّل أنّ هذا التقسيم والاحتمالين يكونان صحيحين إذا كان التكليف قد جُعل مطلقاً، أمّا إذا كان التكليف قد جُعل مقيّداً بوجود المكلَّف، فإنّه يشمل جميع الأفراد، ويثبت لكلّ مكلَّف متى ما وجد.
وخلاصة القول: إنّ الاحتمال الأوّل لا يمكن أن يكون محلّ النزاع في المقام؛ لأنّ استحالته العقليّة في أحد الصور واضحة، وبالتالي لا مجال للنزاع فيها، وإمكانه العقلي في الصورة الأخرى أيضاً واضح، فلا يبقى مجال للنزاع.
فائدة
يبدو أنّ بيان المصنّف فيما يتعلّق بالوجه الأوّل غير كافٍ؛ لأنّه وإن كان النزاع بالكيفيّة المذكورة غير قابل للطرح، فمع فرض التكليف الفعلي والحقيقي، لا يمكن تعلّقه بالمعدومين والغائبين، ومع فرض التكليف الإنشائي، فإنّ تعلّقه بهما أمر ممكن. ولكن يمكن طرح النزاع من زاوية أخرى، وهي: هل الظاهر من الأدلّة الشرعيّة المتضمّنة أدوات الخطاب أو الهيئات الدالّة على الخطاب أنّ التكليف فعلي يختصّ بالحاضرين والموجودين زمن الخطاب، أم أنّه إنشائي ويُعمّم ليشمل المعدومين والغائبين؟
وبعبارة أخرى، القضايا التي لم تُستخدم فيها أدوات الخطاب، كقول: "الخمر حرام". ظاهرة في قاعدة أو قانون كلّي. أمّا القضايا التي تتضمّن أدوات الخطاب، مثل: "يا أيّها الذين آمنوا إنّ الخمر حرام"، فيُطرح هذا السؤال: هل هذه القضايا أيضاً ظاهرة في قاعدة وقانون كلي يشمل جميع المكلّفين في التاريخ إلى يوم القيامة، أم أنّها تختصّ بالحاضرين، وتهدف إلى بعثهم وزجرهم فقط؟