46/05/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الفرق بین الاصول اللفظیة والعملیة/حجیة العامّ قبل الفحص /العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/حجیة العامّ قبل الفحص /الفرق بین الاصول اللفظیة والعملیة
متن الکفایة:
إيقاظ : لا يذهب عليك الفرق بين الفحص هاهنا ، وبينه في الأصول العملية ، حيث إنه هاهنا عما يزاحم الحجة بخلافه هناك ، فإنّه بدونه لا حجة ، ضرورة أن العقل بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة ، فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان ، والنقل وإن دلّ على البراءة أو الاستصحاب في موردهما مطلقاً ، إلّا أن الاجماع بقسميه على تقييده به ، فافهم.[1]
قوله: «إیقاظ...»
الفرق بین الفحص فی الأصول اللفظیة و الأصول العملیة
کما سیأتی فی مبحث الأصول العملیة، إنّ من شروط التمسک بالأصول العملیة الجاریة فی الشبهات الحکمیة، کالبراءة عند الشک فی التکلیف، هو الفحص. لذا یطرح هذا السؤال: ما الفرق بین الفحص فی الأصول اللفظیة (کما نحن فیه) والفحص فی الأصول العملیة؟
قال المصنف(رحمه الله) تبعاً للشیخ الأنصاری(رحمه الله) فی مطارح الأنظار[2] : فی موارد جریان الأصول اللفظیة، کأصالة العموم، یکون هناک مقتضٍ وحجة مّا، ولو فی الجملة، وعملیة الفحص لدفع المانع والمزاحم. فمثلاً دلیل مثل "أکرم کل عالم" یقتضی وجوب إکرام جمیع العلماء، ولکن لا ندری هل هناک مخصص أو مقید یمنع جریان هذا الحکم علی جمیع العلماء أم لا. فإذا لم یکن هناک مخصص، یثبت الحکم للجمیع وفقاً للظهور الأول.
أما فی موارد جریان الأصول العملیة، کأصل البراءة، فلا یکون هناک مقتضٍ من الأساس، بل الفحص لإیجاد المقتضی وإثبات الحجیة. وذلک لأنّ الأصل العملی، إذا کان من الأصول العقلیة، کالبراءة العقلیة، فمناط حجیته هو قبح العقاب بلا بیان، وبهذا، لا یکون العقاب قبیحاً عقلاً قبل الفحص. وأما إذا کان الأصل العملی من الأصول النقلیة، کالاستصحاب أو البراءة النقلیة، فمع أنّ أدلتها تشمل ما قبل الفحص وما بعده، إلا أنّ الإجماع یدل علی أنّ جریانها قبل الفحص غیر جائز ولا حجیة لها.
والحاصل إنّ الفحص فی الأصول اللفظیة کأصالة العموم لدفع المانع والمزاحم، بینما الفحص فی الأصول العملیة کأصل البراءة لإیجاد المقتضی وإثبات الحجیة.
الفوائد
الفائدة الأولی
قال المصنف(رحمه الله) إنّ دلیل الأصول العملیة النقلیة، کالاستصحاب والبراءة النقلیة، مطلق ولذا یشمل ما قبل الفحص وما بعده، لکن حجیته تختص بالإجماع بما بعد الفحص.
ومع ذلک، یبدو أنّ هذا القول غیر مناسب. إذ إنّ أدلة الأصول العملیة، وإن کانت ظاهراً مطلقة، إلا أنّه بالنظر إلی مکانة الأصول العملیة فی النظام الاستنباطی، یتبیّن أنّه لا وجه لحجیتها قبل الفحص وذلک لأنّ الأصول العملیة مترتبة علی الأدلة اللفظیة، ولا یصل دورها إلا بعد فقدان الأدلة اللفظیة، ولا یمکن الحکم بالفقدان إلا بعد الفحص.
الفائدة الثانیة
هذا القول للمصنف(رحمه الله) قد تبعه کثیر من العلماء، کالمحقق النائینی(رحمه الله)، ولکن خالفه بعضهم، کالمحقق الخوئی(رحمه الله) فی المحاضرات[3] . قال المحقق الخوئی(رحمه الله) في نقد نظریة صاحب الکفایة(رحمه الله) بعد توضیحه: «ان هذه النظرية و ان كانت لها صورة ظاهرية إلا أنه لا واقع موضوعي لها، فان الفحص في كلا المقامين كان مرة عن ثبوت المقتضي و الموضوع، و مرة أخرى عن وجود المزاحم و المانع». فمثلاً: إذا کان دلیل العام في معرض التخصیص، کما فی غالب الأدلة الشرعیة، یکون الفحص لإیجاد المقتضی وإثبات الحجیة، إذ إنّ حجیة أصالة العموم تعتمد علی سیر العقلاء، والعقلاء لا یعتبرون دلیل العام حجة قبل الفحص. أما إذا لم یکن دلیل العام في معرض التخصیص، کما فی غالب الخطابات العرفیة، کان الفحص لدفع المانع والمزاحم. والامر کذلک، فی الأصول العملیة: بأنها إذا جرت فی الشبهات الحکمیة، کان الفحص لإیجاد المقتضی وإثبات الموضوع، کعدم البیان فی البراءة العقلیة. أما إذا جرت فی الشبهات الموضوعیة، کان الفحص لدفع المانع، ولا یلزم الفحص إلا إذا قوی احتمال وجود المانع، کما فی العلم الإجمالی بنجاسة أحد الإناءین. وقال المحقق الخوئی(رحمه الله) فی الختام: "إلی هنا قد استطعنا أن نصل إلی هذه النقطة، وهی أنه لا فرق بین الفحص فی موارد الأصول اللفظیة والفحص فی موارد الأصول العملیة.[4] "
مناقشة رأی السید الخوئی(رحمه الله)
مع ذلک، یبدو أنّ رأی المصنف(رحمه الله) صحیح بالدلیلن:
الأول: مع وجود دلیل العام، یعتبر العقلاء أنّ له حجیة ابتدائیة متزلزلة، إلا أن الحجیة لا تستقرّ عندهم إلا بعد الفحص . فمثلاً، دلیل "أکرم کل عالم" عند العقلاء یقتضی وجوب الإکرام لجمیع العلماء، ما لم یثبت وجود مخصص أو مزاحم.
الثاني: المقصود فی کلام المصنف هو الأصول العملیة الجاریة فی الشبهات الحکمیة، لا الأصول العملیة مطلقا. فکما ذکر فی محله، الفحص فی الأصول العملیة الجاریة فی الشبهات الموضوعیة غیر لازم وفقاً للقاعدة الأولیة، فلا یتعلق محل النقاش بها هنا.