46/05/09
بسم الله الرحمن الرحیم
تکملة/سرایة إجمال الخاصّ إلی العامّ /العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/سرایة إجمال الخاصّ إلی العامّ /تکملة
متن الکفایة:
«بقي شيء ، وهو إنّه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص؟ في إحراز عدم كون ما شك في إنّه من مصاديق العام ، مع العلم بعدم كونه محكوماً بحكمه ، مصداقاً له؟ مثل ما إذا علم أن زيداً يحرم إكرامه ، وشك في إنّه عالم ، فيحكم عليه بأصالة عدم تخصيص ( أَكرم العلماء ) إنّه ليس بعالم ، بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الأًحكام. فيه إشكال ، لاحتمال اختصاص حجيتها بما إذا شك في كون فرد العام محكوماً بحكمه ، كما هو قضية عمومه ، والمثبت من الأصول اللفظية وأنّ كان حجة ، إلّا إنّه لابد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل ، ولا دليل هاهنا إلّا السيرة وبناء العقلاء ، ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك ، فلا تغفل.»
تکملة: دوران الأمر بين التخصيص والتخصص
قوله: «بقي شيء...»
قبل الدخول في أصل البحث وتحرير محلّ النزاع، لا بدّ من بيان مقدّمة ضرورية، وهي توضيح الفرق بين التخصيص والتخصص. فيُقال في الجواب: التخصيص هو إخراج فردٍ من تحت حكم العام مع كونه داخلاً في أفراد موضوع العام، أمّا التخصص فهو خروج فردٍ من تحت موضوع العام من الأصل. على سبيل المثال، نقول إن الجاهل يكون خارجاً عن موضوع دليلٍ عامٍّ مثل "أكرم العلماء"، فيُعدّ خروجه خروجاً تخصصياً. وأمّا العالم الفاسق، فعند ورود دليل خاصّ كـ"لا تكرم الفسّاق من العلماء"، فإنه يخرج من تحت حكم الدليل العام، مع كونه داخلاً في موضوع العام، وهذا ما يُسمّى بالخروج التخصيصي.
تحرير محلّ النزاع
محلّ النزاع في المقام هو أنّه إذا كان لدينا علم بخروج فرد من تحت حكم عام، مثل أن يقول الدليل العام "أكرم كلّ عالم"، ثم يأتي دليل خاص يقول "لا يجب إكرام زيد"، وشككنا في كون عدم وجوب إكرام زيد ناشئاً من كونه خرج تخصيصاً مع كونه عالماً داخلاً في موضوع العام، أو من كونه خرج تخصصاً لعدم كونه عالماً. فهل يجوز التمسك بعموم العام وإجراء أصل عدم التخصيص لإثبات أنّ خروج هذا الفرد إنما هو من باب التخصص؟
هذا البحث لم يكن مطروحاً في كتب علماء الأصول القدماء، ويبدو أنّ أول من طرحه هو المرحوم الشيخ الأنصاري(رحمه الله) في مطاَرح الأنظار[1] في التنبيه الثاني، وقد ذهب إلى جريان أصل عدم التخصيص، وبذلك حكم بخروج الفرد المشكوك من باب التخصص وعدم صدق عنوان العام عليه. ويبدو أنّ دليله في ذلك أنّ أصل عدم التخصيص وأصالة العموم من الأصول اللفظية، وأنّ لوازم هذه الأصول، سواء كانت عقلية أو عادية، حجّة، ولهذا، يثبت في المقام بواسطة أصل عدم التخصيص لازمُه العقلي و هو عدم کونِ زیدٍ عالماً.
ثم جاء بعده المحقّقون في علم الأصول -كالمصنّف في مقامنا هذا، والمحقق النائيني(رحمه الله) في أجود التقريرات[2] ، والمحقق الخوئي(رحمه الله) في المحاضرات[3] ، والمحقق البروجردي(رحمه الله) في نهاية الأصول[4] ، والسيد الإمام الخميني(رحمه الله) في المناهج[5] ، والمرحوم الشهيد الصدر(رحمه الله) في البحوث[6] - ولم یَقبلوا هذا الاستدلال وسَعَوا لنقده وتحليله.
وقد ذكر المصنف(رحمه الله) في نقده لكلام الشيخ(رحمه الله) أنّه وإن كانت مثبتات ولوازم الأصول اللفظية حجّة، بخلاف مثبتات ولوازم الأصول العملية، إلّا أنّ الدليل على حجية أصالة العموم وأصالة عدم التخصيص كسائر الأصول اللفظية هو سيرة العقلاء، ويبدو أنّ هذه السيرة جارية ومستقرّة في فرض الشك في مراد الجدّي للمتكلّم وكون الفرد داخلًا تحت الحكم العام أو لا، ولذا لا تجري في فرضنا هذا.
وبعبارة أخرى، إنّ في الحالات التي يُحرز فيها مصداقية الفرد لموضوع الدليل العام ويُشكّ في خروجه من تحت الحكم العام، تكون السيرة العقلائية جاريةً على أصالة العموم وأصالة عدم التخصيص، أمّا إذا کانت الحالة بالعکس، أي عندما يُحرز خروج الفرد من تحت الحكم العام، ولكن يُشكّ في كونه مصداقاً لموضوع الدليل العام، فحينئذٍ لا تكون السيرة العقلائية جارية بوضوح.
فائدة: ثمرة البحث
تظهر ثمرة هذا البحث فیما لو کان الأصل الجاری هو أصل عدم التخصیص، وثبت أن خروج زید عن تحت موضوع الدلیل العامّ خروجٌ تخصّصیّ، فإنّ جمیع الأحکام الثابتة لموضوع العامّ - أعنی عنوان العالم - سواء ما ثبت منها فی نفس ذلک الدلیل کالوجوب الإکرام، أو ما ثبت فی أدلّة أُخر، تُنفى عن هذا الفرد، وتُجرى علیه أحکام الجاهل، ما لم تکن تلک الأحکام ممّا یدور مدار الواقع، حیث إنّ الواقع لم یحرز بحسب الأُصول.
وأمّا إذا لم یُعمل بأصل عدم التخصیص، وثبت أن خروج زید عن تحت العامّ کان تخصیصاً حکمیّاً، فإنّما یُرفع الحکم المثبت فی نفس الدلیل العامّ عنه، دون سائر الأحکام الثابتة لموضوع ذلک العامّ فی سائر الأدلّة، فإنّها لا تُنفى عنه.
ومثال ذلک ما ورد فی الأدلّة الشرعیّة من أنّ «کلّ من کان مسافراً فلیقصُر»، فإنّ عموم هذه الأدلّة یشمل من لم یصل إلى حدّ الترخّص ومن جاوزه، غیر أنّ الأخبار الخاصّة دلّت على أنّ المسافر ما لم یبلغ حدّ الترخّص - أی خفاء الأذان والجدران - یجب علیه الإتمام. وبهذه الأخبار یُعلم بعدم ثبوت حکم القصر لهذا الشخص.
وهنا نشکّ: هل خروج هذا الفرد عن تحت دلیل القصر کان تخصّصاً موضوعیّاً، فیُحکم بأنّه لیس بمسافر واقعاً، فتُرفع عنه جمیع أحکام المسافر؟ أم أنّه تخصیص حکمیّ، فیبقى على عنوان المسافر، ویُرفع عنه خصوص وجوب القصر بحسب الدلیل الخاصّ؟ وعلى ما أفاده الشیخ الأنصاری(رحمه الله)، فإنّ الأصل یقتضی عدم التخصیص، فیُحمل الخروج على التخصّص، ویُنفى عن هذا الفرد جمیع أحکام المسافر، کالقصر وحرمة الصوم فی السفر. ولکن بناءً على ما قرّره المحقّق الخراسانی(رحمه الله) وغیره من المحقّقین، لا یُعمل بأصل عدم التخصیص فی مثل هذا المقام، ولا یثبت الخروج التخصّصی، بل یُرفع خصوص الحکم المثبت فی الدلیل العامّ - أعنی وجوب القصر - دون سائر الأحکام، فینبغی النظر فیها بحسب الأدلّة اللفظیّة والقواعد والأُصول العملیّة.