« قائمة الدروس
بحث الکفاية الأصول الأستاذ حمیدرضا آلوستاني

46/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الشبهة المصداقیة/سرایة إجمال الخاصّ إلی العامّ /العامّ والخاصّ

 

الموضوع: العامّ والخاصّ/سرایة إجمال الخاصّ إلی العامّ /الشبهة المصداقیة

 

متن الکفایة:

«إيقاظ : لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل ، لما كان غير معنون بعنوان خاص ، بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص ، كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد ـ إلّا ما شذ ـ ممكناً ، فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإن لم يجز التمسك به بلا كلام ، ضرورة أنّه قلَّما لا يوجد عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنّه مما بقي تحته ، مثلاً إذا شك أن أمراًة تكون قرشية ، فهي وأنّ كانت وجدت امّا قرشية أو غيرها ، فلا أصل يحرز إنّها قرشية أو غيرها ، إلّا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش تجدي في تنقيح إنّها ممن لا تحيض إلّا إلى خمسين ، لأن المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش انتساب أيضاً باقية تحت ما دلّ على أن المرأة إنّما ترى الحمرة إلى خمسين ، والخارج عن تحته هي القرشية ، فتأمل تعرف»[1] .

 

النقطة الثالثة:

العنوان المذكور في الدليل الخاص لا يخرج عن حالتين: إمّا أن يكون عنواناً وجودياً، كقولنا: "أكرم كلّ عالم" ودلیل "أكرم العلماء العدول"، حيث إنّ عنوان "العادل" في الدليل الخاص هو أمر وجودي؛ أو أن يكون عنواناً عدمياً، كقولنا: "أكرم كلّ عالم إلّا الفسّاق"، حيث إنّ "غير الفاسق" هو أمر عدمي.

في الحالة الأولى، لا يمكن إحرازه بواسطة استصحاب العدم الأزلي، فيخرج عن محلّ النزاع، وتكون المسألة والنقاش في الحالة الثانية.

 

وبناءً على ما ذُكر، إنّ محلّ النزاع في ما نحن فيه هو إذا ورد دليل عام ثم جاء دليل خاص يكون من حيث المصداق مجملاً في بعض الموارد، ويكون هذا الدليل الخاص مبيِّناً لوصف لاحق للذات، وهذا الوصف أمر عدمي ولا يسبّب التنویع في موضوع الدليل العام، فهل يمكننا أن نستند إلى أصل موضوعي كاستصحاب العدم الأزلي لنفي اتصاف الفرد المشكوك به بعنوان الدليل الخاص، ونجعل هذا الفرد المشكوك من مصاديق الدليل العام، بحيث يُعتبر الحكم العام حجّة فيه، أم أنّ إجراء استصحاب العدم الأزلي في الفرض المذكور غير جائز؟

 

الأقوال في المسألة

 

يبدو أنّ هذا البحث قد طُرح منذ زمان المحقّق الخراساني (رحمه الله)، وعند مراجعة كتب علماء الأصول بعد المحقّق الخراساني(رحمه الله)، نجد ثلاث آراء:

 

الأوّل: بعض العلماء كالمحقّق الخراساني(رحمه الله) في ما نحن فيه والمحقّق الخوئي(رحمه الله) في المحاضرات[2] قالوا بجريان استصحاب العدم الأزلي في المسألة المذكورة.

الثاني: بعض العلماء كالمحقّق النائيني(رحمه الله) في أجود التقريرات[3] قالوا بعدم جريان استصحاب العدم الأزلي.

الثالث: والبعض الآخر كالمحقّق العراقي(رحمه الله) في نهاية الأفكار[4] فصّلوا وقالوا: إذا كان العنوان المأخوذ في الدليل الخاص من عوارض الذات والماهية، فلا يجري استصحاب العدم الأزلي، ولكن إذا كان من عوارض وجود الذات، فيجري استصحاب العدم الأزلي.

والتفصيل والنقد لهذا الأقوال خارج عن مجال بحثنا، لذا نكتفي ببيان المصنّف في ما نحن فيه وتوضیحه.

 

يقول المحقّق الخراساني(رحمه الله): في كلّ مورد لا يكون الدليل الخاصّ مؤسّسا للموضوع ولا يسبّب تنويع موضوع الدليل العام، يجري استصحاب العدم الأزلي. فإنّ صدق العنوان العام على الفرد المشكوك محرز، واتصافه بالعنوان الخاص مشکوک، وحینئذ بواسطة الأصل الموضوعي، وهو استصحاب العدم الأزلي، يتحقّق عدم اتصافه بالعنوان الخاص، فيخرج بذلك من مصاديق الدليل الخاص ويبقى تحت الدليل العام ويجري الحكم العام عليه.

 

مثال ذلك: إذا رأت امرأة بعد سنّ الخمسين دمًا، ونحن لا نعلم هل هي قريشية ومن السادات فتكون المعاملة مع هذا الدم كدم الحيض ويلزمها أحكامه، أم لا تكون قريشية ولا من السادات فيترتّب على ذلك عدم جريان أحكام الحيض في حقّها. في هذا المثال، في بدء النظر لا يمكننا الاستناد إلى الأصل المذكور، وهو أصل عدم كونها قريشية، لأنّ كونها قريشية أو غير قريشية من الأوصاف الأزليّة المقارنة لوجود الذات، ولكن بما أنّ الشك يعود إلى مسألة تحقق سبب الانتساب إلى السيادة والقريشية أم لا، إنّ أصل عدم الانتساب يجري، فتُعتبر هذه المرأة من غير القريشيات، فلا يكون للدم الذي تراه حكم الحيض؛ ذلك لأنّ القاعدة الكليّة تقضي بأنّ كلّ النساء يُعَامَلن بدم الحيض حتى سنّ الخمسين، وقد استُثنيت من ذلك فقط النساء القريشيات والسادات. وبناءً على الأصل المذكور، تُعَدّ هذه المرأة (أي الفرد المشكوك) من غير القريشيات، فتندرج تحت العموم وتبقى تحت الحكم الكليّ.

 

فائدة

 

يبدو إلی النظر أنّ الأقوال الواردة في ما نحن فيه، والاختلافات المطروحة فيها، مبنيّة على اختلاف في المبنی، بحيث إذا اعتبرنا القيد أو الدليل الخاص مُنَوِّعاً لموضوع الدليل العام، وقلنا بأنّ الحكم في الدليل العام قد جُعل من البداية للموضوع المقيَّد، فينبغي القول بعدم جريان استصحاب العدم الأزلي، لأنّ موضوع الدليل العام مقيّد، وإحرازه بواسطة الأصل المذكور غير ممكن. أمّا إذا لم نعتبر القيد أو الدليل الخاص مُنَوِّعاً لموضوع الدليل العام، وقلنا بأنّه يضيّق الحكم الوارد في الدليل العام، فإنّ استصحاب العدم الأزلي يجري، لأنّ موضوع الدليل العام في حدّ ذاته يشمل الفرد المشكوك، وحيث يوجد شكّ في اتصافه بعنوان الدليل الخاص، فيُنفى هذا الاتصاف بواسطة الأصل المذكور، ويبقى الفرد المشكوك تحت عموم الدليل العام ويشمله حكمه.

 


logo