46/04/13
بسم الله الرحمن الرحیم
/حجّیة العامّ المخصص في الباقي /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص/حجّیة العامّ المخصص في الباقي /
«والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازاً ، امّا في التخصيص بالمتصل ، فلما عرفت من إنّه لا تخصيص أصلاً ، وأنّ أدوات العموم قد استعملت فيه ، وان كان دائرته سعة وضيقاً تختلف باختلاف ذوي الأدوات ، فلفظة ( كلّ ) في مثل ( كلّ رجل ) و ( كلّ رجل عالم ) قد استعملت في العموم ، وان كان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة.
واما في المنفصل ، فلان إرادة الخصوص واقعاً لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه ، بل من الممكن قطعاً استعماله معه في العموم قاعدة ، وكون الخاص مانعاً عن حجية ظهوره تحكيما للنص ، أو الأظهر على الظاهر ، لامصادما لاصل ظهوره ، ومعه لا مجال للمصير إلى إنّه قد استعمل فيه مجازاً ، كي يلزم الإِجمال.
لا يقال : هذا مجرد احتمال ، ولا يرتفع به الإِجمال ، لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.
فإنّه يقال : مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم ، والثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجية تحكيما لما هو الأقوى ، كما أشرنا إليه آنفا.
وبالجملة : الفرق بين المتصل والمنفصل ، وأنّ كان بعدم انعقاد الظهور في الأوّل إلّا في الخصوص ، وفي الثّاني إلّا في العموم ، إلّا إنّه لا وجه لتوهم استعماله مجازاً في واحد منهما أصلاً ، وإنما اللازم الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأوّل ، وعدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثّاني ، فتفطن.» [1]
قوله: «والتحقيق في الجواب أن يقال...»
في مقام دفع هذا الإشكال، أي إجمال العام بعد التخصيص، طُرحت عدة حلول. وفي ما نحن فيه، نُشير إلى ثلاثة حلول:
حل المحقق الخراساني(رحمه الله) ؛ حل المحقق القمي(رحمه الله) ونقده؛ حل الشيخ الأنصاري(رحمه الله) ونقده.
بيان حل المصنِّف:
ما قيل عن أن استعمال العام في ما عدا الخاص استعمال مجازي غير مقبول. وذلك لأن المخصِّص إما أن يكون متصلاً أو منفصلاً. ففي حالة المخصِّص المتصل لا يمكن تصور المجاز أصلاً، لأن تسمية المخصِّص المتصل بالتخصيص إنما هو من باب التسامح، حيث إن الحكم تعلق بالمقيد والمحدود من البداية. مثلاً في قولنا: «أكرم كل رجل» أو «أكرم كل رجل عالم»، فإن حكم وجوب الإكرام تعلق بالأفراد المحدودة، وفي النهاية تكون دائرة شمول «أكرم كل رجل» أوسع من «أكرم كل رجل عالم»، ولكن هذا لا يضر بعمومية الحكم، إذ أن لفظ «كل» استُعمل لإفادة عمومية مدخوله.
أما في حالة المخصِّص المنفصل، فلا يلزم منه المجازية أيضاً؛ لأن الاستعمال المجازي والحقيقي يقعان ضمن دائرة المراد الاستعمالي، لا المراد الجدي. وفي ما نحن فيه، إن اللفظ الدال على العموم استُعمل بإرادة استعمالية في معناه العام، غایة الأمر إن التخصيص يدل على أن المراد الجدي للمتكلم ليس مطابقاً للمراد الاستعمالي. وبعبارة أخرى، اللفظ العام استُعمل في معناه العام، وبورود المخصِّص المنفصل يسقط هذا الظهور عن الحجية، ولكن الإرادة الاستعمالية وما یظهر منه أوّلاً يبقی على حاله، ویستعمل لفظ «العام» لإفادة العموم والشمول.
خلاصة القول: إن العام بعد التخصيص لا يُستعمل في معنى مجازي سواء كان المخصِّص متصلاً أو منفصلاً. والفرق الوحيد بين المخصِّص المتصل والمنفصل هو أن في حالة المخصِّص المتصل تنعقد الإرادة الاستعمالية والجديّة في معنى خاص، بحيث يمنع الخاص من انعقاد ظهور العام. أما في حالة المخصِّص المنفصل، فإن الإرادة الاستعمالية تنعقد على المعنى العام، ومع ورود الخاص، يسقط هذا الظهور عن الحجية ولا يمكننا العمل به.
وبالتالي، في ما نحن فيه، لفظ العام حجة في ما عدا الخاص، ويمكننا التمسك بعموم العام لإثبات الحكم للفرد المشكوك.
قوله: «لا يقال: هذا مجرد احتمال...»
قد يقول المستشكل، في تقوية مبناه، إنكم قلتم: "بل من الممكن قطعاً استعماله معه في العموم كقاعدة"، ومن الواضح أن مجرد الاحتمال لا يكفي لاستعمال العام في العموم، لأنّه قد يكون استُعمل في بعض أفراد ما عدا الخاص. فكيف إذن تقولون إنّ لفظ العام بعد ورود المخصِّص المنفصل قد استُعمل في العموم ولا يوجد فيه إجمال؟
قوله: «فيُقال: مجرد احتمال استعماله...»
المصنِّف (رحمه الله) يقول: كما بيّنّا سابقاً، في المخصِّص المنفصل تبقى الإرادة الاستعمالية على حالها. أي أن اللفظ الموضوع للعموم استُعمل لإفادة الشمولية والعمومية، وفي النهاية بعد ورود التخصيص لا يكون هذا الاستعمال حجة. ولذلك، مجرد احتمال أن يكون لفظ العام استُعمل في بعض أفراد ما عدا الخاص لا يمنع من استعماله في باقي الأفراد، ولا يُحدث إجمالاً.
بعبارة أخرى، في المخصِّص المنفصل، ينعقد الظهور في العموم والشمول، ومع ورود التخصيص، يسقط هذا الظهور عن الحجية في الأفراد الخاصة، لكن الحجية تبقى في الأفراد الأخرى، ويمكننا التمسك بالعموم لإثبات الحكم للفرد أو الأفراد المشكوك فيها.
فائدة:
كما ذكرنا سابقاً، في مسألة ما هو المناط أو المنشأ لتقديم الخاص على العام ورفع اليد عن ظهور العام، هناك نظريتان:
كثير من العلماء، كالشيخ الأنصاري (رحمه الله) ، يرون أن وجه التقديم هو أظهرية الخاص على العام.
والبعض الآخر، كالمحقق النائيني (رحمه الله) [2] ، يرون أن وجه التقديم هو قرينية الخاص وتفسيره أو حكومته على العام.
أما المحقق الخراساني في ما نحن فيه، فقد اتبع نظرية الشيخ الأنصاري، ولذلك قال في تعليل تقديم الخاص على العام: «تحكيماً للنص أو الأظهر على ظاهره»، أو قال: «تحكيماً لما هو الأقوى».
كما بيّنّا سابقاً، تظهر ثمرة هاتين النظريتين هنا بأنّه وفقاً للنظرية الثانية، يُقدَّم الخاص دائماً على العام. لكن وفقاً للنظرية الأولى، يُقدَّم الخاص عندما يكون أظهر وأقوى، وهو غالباً كذلك. وإذا كان العام أظهر وأقوى من حيث الدلالة، فإنه يُقدَّم على الخاص ولا يُعمل بالخاص.