46/04/10
بسم الله الرحمن الرحیم
بیان بعض النقاط المهمّة/حجّیة العامّ المخصّص في الباقي /العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/حجّیة العامّ المخصّص في الباقي / بیان بعض النقاط المهمّة
النقطة الثانية
إنّ الشك والشبهة في ما نحن فيه، من حيث منشؤه، لا يخرجان عن ثلاث حالات:
الأول: الشبهة الحكميّة: وهي أن يكون العامّ والخاصّ مبيَّنين من حيث المفهوم والمصداق، ولكن لا يكون شمولهما من حيث الحكم في مورد معيّن معلوماً. مثلًا إذا قال المولى: "أكرم كلّ عالم"، ثم قال: "لا تكرم مرتكب الكبائر وهو مبغوض عند الله"، وشككنا في دخول مرتكب الصغائر تحت دليل الخاصّ، حيث يحتمل أن تكون عبارة "هو مبغوض عند الله" علّة للحكم ودالة على التعميم، أو يحتمل أن تكون هذه العبارة حكمة للحكم وليست دالة على التعميم.
من الواضح أنّ عنوان العام "عالم" وعنوان الخاص "مرتكب الكبائر" مبيَّنان، ولا يوجد إجمال من حيث المفهوم أو المصداق، وبالتالي فإنّ عنوان "عالم" يشمل مرتكب الصغائر، في حين أنّ "مرتكب الكبائر" لا يشمله. والشكّ هنا ناشئ من جهة أخری.
وقد بيّن المحقّق الخوئي (رحمه الله) الشبهة الحكميّة بقوله: «ما كان الشكّ في شمول العامّ للفرد أو الصنف ناشئاً من الاشتباه في الحكم الشرعي، كما إذا افترضنا ورود عام مثل (أكرم كلّ عالم)، وورد مخصّص عليه مثل (لا تكرم مرتكب الكبائر منهم)، وشكّ في خروج مرتكب الصغائر عن حكم العامّ من جهة أخرى، لا من جهة الشكّ في دخوله تحت عنوان المخصّص للقطع بعدم دخوله فيه»[1] .
الثاني: الشبهة المفهومية: وهي أن يكون العامّ مبيَّناً من حيث المفهوم والمصداق، ولكن يكون الخاصّ مجملاً من حيث المفهوم. مثلًا إذا قال المولى: "أكرم كلّ عالم"، ثم قال: "لا تكرم الفسّاق من العلماء"، وشككنا في ما إذا كان عنوان "فسّاق" يشمل جميع العصاة، أو أنّه يقتصر على مرتكبي الكبائر ولا يشمل مرتكبي الصغائر.
وقد وضّح المحقّق الخوئي (رحمه الله) الشبهة المفهومية بقوله: «ما كان الشكّ في شمول العامّ للفرد أو الصنف ناشئاً من الاشتباه في مفهوم الخاصّ، أي دورانه بين السعة والضيق، كما إذا ورد (أكرم كلّ عالم) ثم ورد (لا تكرم الفسّاق منهم)، وكان مفهوم الفاسق مجملاً، يتردّد أمره بين السعة والضيق، هل هو خصوص مرتكب الكبائر أو الجامع بين مرتكب الكبائر ومرتكب الصغائر؟ الشكّ هنا إنّما هو في شمول حكم العامّ لمرتكب الصغائر، ومنشؤه هو إجمال مفهوم الخاصّ وشموله له، أمّا بالنسبة للعامّ فلا إجمال في مفهومه إطلاقاً»[2] .
الثالث: الشبهة المصداقية: وهي أن يكون العامّ مبيَّناً من حيث المفهوم والمصداق، ولكن يكون الخاصّ مجملاً من حيث المصداق. مثلًا إذا قال المولى: "أكرم كلّ عالم"، ثم قال: "لا تكرم الفسّاق من العلماء"، وكان عنوان "فاسق" يشمل مرتكب الكبائر ومرتكب الصغائر، ولكن لم يُعلم أن زيدا العالم هَل هو مرتكبٌ للمعصية فيدخل تحت الخاصّ، أو لم يكن مرتكباً فيبقى تحت حكم العام؟
وقد بيّن المحقّق الخوئي (رحمه الله) الشبهة المصداقية بقوله: «ما كان الشكّ في شمول العامّ للفرد أو الصنف ناشئاً من الاشتباه في الأمور الخارجية، كما إذا دلّ دليل على وجوب (إكرام كلّ هاشمي) ودلّ دليل آخر على حرمة (إكرام الفاسق منهم)، وشككنا في أنّ زيد الهاشمي هل هو فاسق أم لا، فيقع الكلام في إمكان التمسّك بالعامّ بالنسبة إليه أو عدم إمكانه»[3] .
إنّ البحث في ما نحن فيه يتعلّق بالحالة الأولى، أمّا البحث في الحالة الثانية، أي الشبهة المفهومية، والحالة الثالثة، أي الشبهة المصداقية، فسوف يتعرّض ببیانهما المصنّف (رحمه الله) في الفصل الخامس، تحت عنوان: "هل يسري إجمال الخاصّ إلى العامّ أم لا؟".
والحاصل أنّ البحث هنا في الفصل الرابع يتعلّق بالحالة التي لا يكون فيها عنوان العامّ والخاصّ مجملين من حيث المفهوم أو المصداق، ولكن يكون الإجمال من حيث الحكم في جانب دليل الخاصّ. فالسؤال هو: هل يشمل دليل العامّ ذلك الفرد أو الأفراد، ويكون حجّة بالنسبة إليهم، أم لا؟