46/03/19
بسم الله الرحمن الرحیم
/تعریف العامّ و أقسامه /العامّ والخاصّ
الموضوع: العامّ والخاصّ/تعریف العامّ و أقسامه /
متن الکفایة:
«ثم الظاهر أن ما ذكر له من الأقسام : من الاستغراقي والمجموعي والبدلي إنّما هو باختلاف كيفية تعلق الأحكام به ، وإلاّ فالعموم في الجميع بمعنى واحد ، وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه ، غاية الأمر أن تعلق الحكم به تارةً بنحو يكون كلّ فرد موضوعاً على حدة للحكم ، وأخرى بنحو يكون الجميع موضوعاً واحداً ، بحيث لو أخلّ بإكرام واحد في ( أَكرم كلّ فقيه ) مثلاً ، لما امتثل أصلاً ، بخلاف الصورة الأولى ، فإنّه أطاع وعصى ، وثالثة بنحو يكون كلّ واحد موضوعاً على البدل ، بحيث لو أَكرم واحداً منهم ، لقد أطاع وامتثل ، كما يظهر لمن أمعن النظر وتأمل»[1] .
أقسام العامّ
یتّضح -بالرجوع إلى كتب الأصوليّين من العامّة والإماميّة- أنّ للعامّ تقسيمات متعدّدة، منها: العامّ الحقيقي (العامّ المطلق) والعامّ الإضافي (العامّ النسبي). ومن التقسيمات التي تناولتها كتب الإماميّة والعامّة بشكل مستقلّ: تقسيم العامّ إلى استغراقي، مجموعي وبدلي. هذا التقسيم يتعلّق بطريقة الاستيعاب والشمول. بأنّه لو دلّت الجملة على إرادة جميع الأفراد والمصاديق دفعة واحدة، بحيث يكون كلّ فرد من الأفراد بنفسه وبدون واسطة موضوعًا للحكم، ويكون المكلّف مطيعًا عند الإتيان بكلّ فرد، وعاصيًا عند ترك أيّ فرد منها، فذلك هو العامّ الاستغراقي. وقد عرّف المرحوم الشهيد الصدر(رحمه الله) العامّ الاستغراقي بقوله: «هو الذي يكون الحكم فيه شاملًا لجميع الأفراد في عرض واحد»[2] .
أمّا إذا دلّت الجملة على إرادة جميع الأفراد والمصاديق بنحو مجموعي، بمعنى أنّ مجموع الأفراد هو الذي يشكّل موضوع الحكم، ويصبح المكلّف مطيعًا عند الإتيان بجميع الأفراد والمصاديق، ويعدّ عاصيًا عند ترك فرد واحد منها ولا يتحقّق الامتثال منه، فذلك هو العامّ المجموعي. وقد عرّف المرحوم الشهيد الصدر (رحمه الله) العامّ المجموعي بقوله: «هو الذي يثبت فيه الحكم على الجميع كموضوع واحد مركّب له حكم واحد»[3] .
وأمّا إذا دلّت الجملة على إرادة فرد غير معيّن من الأفراد والمصاديق، بحيث يكون كلّ فرد منها موضوعًا للحكم، لكن المكلّف يصبح مطيعًا بالإتيان بفرد واحد من الأفراد، ويُعدّ ممتثلًا ويسقط عنه التكليف، فذلك هو العامّ البدلي. وقد عرّف المرحوم الشهيد الصدر (رحمه الله) العامّ البدلي بقوله: «هو الذي يثبت فيه الحكم على جميع الأفراد بدلًا في عرض واحد»[4] .
تقسيم العامّ إلى الأقسام الثلاثة المذكورة، أي الاستغراقي والمجموعي والبدلي، قد قبلها علماء الإماميّة، ولم يكن هناك خلافٌ مُعتنی به حوله، سوى أنّ بعض العلماء مثل المحقّق النائيني (رحمه الله) لم يقبل العموم البدلي، حيث قال: «تسمية العموم البدلي بالعموم مع أنّ العموم بمعنى الشمول، والبدليّة تنافي الشمول، لا تخلو عن مسامحة»[5] .
لكنّ النقاش الذي يطرح في هذا المقام ويختلف فيه علماء الأصول هو: هل هذا التقسيم يتعلّق بمفهوم الاسم الذي یجعل موضوعا في عقد الوضع، أم أنّه يتعلّق بكيفيّة تعلّق الحكم بالاسم الذي یجعل موضوعا في عقد الوضع؟ بعبارة أخرى، هل هذا التقسيم يُنظر إليه من ناحية الأفراد بحيث يتصوّر موضوع الحكم بدون النظر إلى الحكم بتلك الكيفيّات الثلاث، أم أنّه يُنظر إليه من الناحية التركيبيّة، بحيث يُتصوّر موضوع الحكم مع الحكم في قالب قضيّة تحتوي على هذه الكيفيّات الثلاث؟
المحقّق الخراساني (رحمه الله) يرى أنّ هذا التقسيم لا يتعلّق بمفهوم الاسم العامّ الذي یجعل موضوعا، بل إنّ مفهوم الاسم في الأقسام الثلاثة واحد، ويدلّ على الشمول والاستيعاب لجميع الأفراد التي ينطبق عليها هذا المفهوم. ولكنّ المولى في مرحلة الجعل يمكنه أن يجعل الحكم للموضوع واللفظ الدالّ على العموم بثلاث طرق؛ فتارةً يجعل الحكم للموضوع باعتبار أفراده ومصاديقه على نحو مستقلّ وفي عرض واحد، وتارةً أخرى يجعل الحكم للموضوع باعتبار أفراده ومصاديقه على نحو مجموعي، وفي بعض الحالات يجعل الحكم باعتبار أفراده ومصاديقه على نحو بدلي. ففي الحالة الأولى يكون العامّ استغراقيًا، وفي الحالة الثانية يكون مجموعيًا، وفي الحالة الثالثة يكون بدليًا.
المحقّق النائيني (رحمه الله) في "فوائد الأصول"[6] يذهب إلى نفس هذا الرأي.
فائدة: في هذا المقام طُرحت نظريات أخرى، لكنّ بيانها ونقدها يخرج عن مجال بحثنا. مثلًا، الشهيد الصدر (رحمه الله) بعد أن تعرّض إلی نظريّة المحقّق الخراساني(رحمه الله)، انتقدها بقوله: «وهذه النظريّة ممّا لا يمكن المساعدة عليها لظهور الفرق الواضح بين العموم الاستغراقي مثل (كلّ عالم) والعموم البدلي في مثل (أيّ عالم) بغض النظر عن تعلّق الحكم، بل من حيث مرحلة المدلول التصوّري والإفرادي للجملة...»[7] . ثمّ یقول بعده تحت النظريّة الثالثة: «فالصحيح النظريّة الثالثة وهي النظريّة القائلة بأنّ هذه الأقسام متصوّرة للعامّ بما هو عامّ، فالبدليّة (أيّ عالمٍ) والشمولية في (كلّ عالمٍ) مستفادتان من أداة العموم لا مدخولها، فإنّه واحد فيهما»[8] .
وخلاصة القول أنّه يرى أنّ هذا التقسيم يتعلّق بمفهوم الاسم العامّ الذي یجعل موضوعاً في القضيّة، ولا علاقة له بكيفيّة تعلّق الحكم بهذا الاسم العامّ والموضوع.