< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأدلة في استثناء المؤونة من الخمس:

قلنا أن احتساب رأس المال من المؤونة واستثناؤها من الخمس قد وقع مورداً للبحث عند الفقهاء، وذكرنا أن فيه أربعة أقوال من وجوب الخمس مطلقاً وعدم وجوبه مطلقا والتفصيل بين أن يكون بمقدار المؤونة وزائداً عليه، والتفصيل بين ما يتوقف عليه إعاشته وما لا يتوقف.

وأما الأدلة على الأقوال فنقول: إن العمدة على القول الأول هو الاستدلال بظهور لفظ المؤونة، في بدء النظر في ما يصرف لإدارة الحياة من المسكن والملبس وأشباههما.

وأما رأس المال بعنوان وسيلة للتنمية والإنتاج وحتى آلات العمل ليست من المؤونة، ولفظ المؤونة ليس ظاهراً فيها بل هي ربح أو فائدة فتشمله عمومات وجوب الخمس في كلّ فائدة وربح، فيجب تخميسه أوّلًا ثمّ الاتّجار به. وهو دليل القائلين بوجوب الخمس مطلقا.

والدليل على القول الثاني هو أن رأس المال يعدّ عرفاً من المؤونة المستثناة من وجوب الخمس؛ لأن رأس المال يعتبر من آلات تأمين المؤونة وهو داخل في المؤونة.

وأما القول الثالث فالدليل عليه هو عدم الفرق بل وحدة المناط في ما يصرف في حياة الإنسان وفي آلات العمل ورأس المال، لأن المناط فيهما واحد وهو احتياج الإنسان إليه لأجل إدارة حياته وإعاشته. وأن رأس المال يعتبر من الآلات التي يحتاج إليها الإنسان في تأمين مؤونته ولكن بشرط أن يكون بقدر المؤونة وليس زائداً عليه، لأن الذي يجوز استثناؤه عن الخمس هو مقدار المؤونة وليس ما هو زائداص عليه وهو الذي ذكره السيد الخوئي في موسوعته وتعليقته على متن العروة.

وأما الدليل على القول الرابع وهو ما قاله السيد الامام رض بأن رأس المال إذا كان مما يتوقف إعاشة الإنسان على حفظه فهو من مصاديق المؤونة ولا يجب فيه الخمس وأما إذا كان مما لا يتوقف على حفطه رأس ماله فلا يصدق عليه عنوان المؤونة ويجب فيه الخمس.

ولاشك في أن هذا التفصيل هو الأقوى بأن المناط في استثناء المؤونة هو تحصيل مؤونة السنة ومعيشته حسب شأنه، ومن الواضح أن کل ما يحتاج إليه الإنسان ويتوقف عليه معيشته کرأس المال واحتياجات العمل بأن يحتاج إلى مجموعه في حفظ وجاهته ومعيشة لائقة بحاله بحيث لو أخرج خمسه يتنزّل إلى كسب لا يليق بشأنه ولا يفي بمؤونته فهو يصدق عليه المؤونة بلا شك.

و أما ما لا يتوقف على ذلك فلا يصدق، ولا شك بأننا لا بد من الأخذ بالقدر المتيقن؛ وذلك لأنه في فرض عدم توقف معيشته على حفظ رأس المال ففي الحقيقة هو بدونه أيضاً يقدر على اكتساب‌ مؤونة لائقة بشأنه، و بالتالي لا يشمله دليل استثناء المؤونة ، بل لا مانع من شمول عمومات خمس الأرباح والفوائد لها.

وبناء على ذلک لو لم يقدر الشخص على تحصيل مؤونة سنته ويقع لذلك في الضيق والحرج، فلا يجب تخميسه من دون فرق في المؤونة المتوقّف تحصيلها على رأس المال وبين المؤونة المصروفة في أكله ولبسه، وبين ما يحتاج إليه لمسكنه، كأن يكون مستأجراً واقعاً في الحرج والمشقة لأجل كثرة الأولاد والضيوف ونحو ذلك فوقع بيده مبلغ أكثر من المؤونة بأضعاف بحيث يتمكّن من أن يشتري به داراً مسكونة في حدّ شأنه فيتخلّص من مشكلة المسكن. فذلك يعدّ المبلغ الكبير في هذا الفرض من مؤونته؛ لأنّ الملاك في صدق المؤونة على المال توقّف المعاش عليه، وذلك بأن يقع الشخص بدونه في الحرج من دون فرق بين أن يكون رأس المال أقلّ من مؤونة السنة أو بمقداره أو أكثر منه.

ثمّ إنّ الكلام في أ نّه لو بقي في يده ما زاد عن مؤونة سنته من رأس المال في نهاية السنة، فهل يجب تخميسه أم لا؟ نظراً إلى كونه ربحاً وقد انتهى أمد توقّف معيشة تلك السنة عليه في انتهائها.

فالحق أ نّه لا يجب تخميسه نظراً إلى توقّف المعيشة على مجموع رأس المال، فهو بتمامه كان مؤونة سنته لا خصوص المعادل منه لمقدار المؤونة، حيث إنّه كان يحتاج إليه بتمامه لمعيشته حتى نهاية السنة، كما يحتاج إلى مجموعه لمعيشته في السنة الآتية.

إن قيل: ما الفرق بين ما قتّر على نفسه ولم يصرف مقداراً من ماله الذي كان يصرف في المؤونة ، وزاد وبقي عنده، وبين ما نحن فيه، من وجوب الخمس فيه وعدم وجوب الخمس.

فأقول: وجه الفرق أنّ ما قتّره على نفسه وعياله من الربح لم يصرفه في المؤونة مهما كان السبب، فليس من المؤونة، إذ المقصود منها ما صُرف في أمر المعاش. وهذا بخلاف المقدار الزائد عن المؤونة من رأس المال لفرض توقّف المعيشة على مجموعه.

لأنّ ملاك صدق المؤونة على المال توقّف المعيشة عليه إمّا بصرف عينه أو صرف المنفعة الحاصلة منه بالاتّجار، لعدم فرق بينهما في نظر أهل العرف.

ثمّ إنّه لو توقّفت الإعاشة على رأس مال ولكن‌ حصل ربح كثير في أثناء السنة فلم تتوقف المعيشة عليه إلى آخر السنة يشكل حينئذٍ الالتزام بصدق المؤونة عليه؛ وذلك لعدم توقّف المعيشة عليه في المنتصف الثاني من العامّ، بل لو انتفى التوقّف المزبور قبل انتهاء السنة بيوم أو يومين يخرج رأس المال عن مصداق المؤونة ويجب فيه الخمس.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo