< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأدلة على وجوب الخمس في مطلق ما يفضل عن مؤونة السنة :

ذكر الفقهاء كافة الاستدلال بالاجماع والنصوص في مقام ذكر الدليل، وإن ذكر البعض الاستدلال بالكتاب وآية الخمس، لأن القول بدلالة الكتاب على وجوب الخمس في مطلق ما يفضل عن مؤونة السنة فيه خلاف.

وأما الاستدلال بالاجماع والسنة فليس فيه خلاف إلا في كيفية الاستدلال وجهة اعتباره.

فنبدأ هنا تبعا لكافة الفقهاء بالاستدلال بالاجماع أولا.

فالإجماع في ما نحن فيه كما ذكرناه آنفا ثابت وبالتالي الاستدلال به كذلك جائز، لكن النقطة المهمة تكمن في اعتبار هذا الاجماع فهل هو معتبر في مقام الاستدلال على الوجوب أو لا ؟

وإنما الإشكال من جهة مدركية الاجماع كما ذكره البعض من متأخري المتأخرين بل المعاصرين.

فلذلك لا بد من البحث في مدركية الاجماع والفرق بينه وبين الاجماع التعبدي، ومتى بدأ البحث حول تقسيم الاجماع إلى الاجماع المدركي والإجماع التعبدي؟ وهل كان البحث متداولا بين القدماء أم كان خاصًا بالمتأخرين أو متأخري المتأخرين؟

نعم إن البعض استشكل على الاجماع المدعى بأنه إجماع مدركيٍ كما استشكل عليه السيد الخوئي وغيره لأن الاجماع في ما نحن فيه محفوف بوجود الأدلة مثل النصوص المستفيضة الموجودة فيه.

وقفة في تبيين الاجماع المدركي

لا ريب في أن الاجماع الذي يعتبر من الأدلة الأربعة لاستنباط الحكم الشرعي كان ينقسم إلى القسمين: الاجماع المحصل والإجماع المنقول وكان الملاك الأساسي في اعتبار الاجماع بقسميه هو كشف رأي المعصوم × يعني لولا لم يوجد دليل من النقل والعقل لإثبات حكم ولكن الفقهاء قديما وحديثاً كانوا متفقين على فتوى من دون اختلاف فيستكشف منه قول المعصوم ورأيه.

أي إن الاجماع وإن كان في الظاهر قسيم سائر الأدلة الثلاثة من الكتاب و السنة والعقل ولكنه في الحقيقة ليس دليلا مستقلا بل هو دليل كاشف عن رأي الإمام والنصوص تحكي لنا رأي الإمام.

وفي هذا الفرض الذي نحن فيه لم نعثر على دليل ونص فنعتمد على الاجماع بشرط الكشف، وأما إذا عثرنا على دليل فلم نعتمد على الاجماع الذي أقصى ما يدل عليه هو كشف رأي الإمام، بل نعتمد على رأي الإمام الذي عثرنا عليه.

و أما بالنسبة الى اعتبار الاجماع فيختلف الأول عن الثاني حسب المبنى.

هل إشكال مدركية الاجماع خاص بالفقه؟

لا يختص البحث عن مدركية الاجماع بالفقه فقط، بل يشمل الأصول أي إن هذا البحث متداول في علم الأصول أيضاً، فالمحقق الخراساني مثلاً يقول في خصوص الاجماع المدركي في باب الاجماع على البراءة:

وأما الإجماع: فقد نقل على البراءة، إلا أنه موهون، ولو قيل باعتبار الإجماع المنقول في الجملة، فإن تحصيله في مثل هذه المسألة مما للعقل إليه سبيل، ومن واضح النقل عليه دليل، بعيد جدّا[1] .

و السيد الإمام الخميني (ره) حسب ما ذكر الشيخ السبحاني في تقريرات بحثه في كتاب تهذيب الأصول في نفس المقام: الاستدلال بالإجماع والعقل على البراءة

أمّا الإجماع : فلا يفيد في المقام أصلاً ; لكون المسألة ممّا تظافرت به الأدلّة النقلية وحكم به العقل ، فمن القريب جدّاً أن يكون المدرك لإجماعهم هو تلك الأدلّة[2] .

فظهر أن إشكالية مدركية الاجماع عام في الأصول والفقه.

ولكن بالتأمل في كلمات القدماء حتى المتأخرين منهم يظهر أنهم لم يفرّقوا بين المدركي وغير المدركي، أصولا وفقهاً، بل إنهم لم يتعرضوا للفرق ولهذا الاصطلاح أصلاً يعني أن هذا الاصطلاح لم يكن معروفاً ومعهوداً عندهم وإنما ترك الاجماع لحاله من المحصل والمنقول من دون تقسيمهما إلى المدركي وغيره؛ لأنه تعود القدماء والمتأخرون الى ما قبل عصر الشيخ الأنصاري على استعمال عنوان الاجماع والمدرك في مكان واحد من دون إشارة أو تصريح إلى اعتباره واحداً منهم و عدم اعتبار آخر لمدركتيه.

مثلا صاحب الجواهر الذي هو أستاذ الشيخ الأنصاري يقول في الجواهر: يدل عليه النصوص والاجماع.

والعلامة الحلي يقول في المنتهى: ويدل عليه النص والاجماع[3] ......

يعني إن استخدم صاحب الجواهر الاجماع مع المدرك معا في مكان و عنوان واحد، ولا يستشكل عليه أحد في زمانه لأنهم كانوا يعتقدون بآراء الفقهاء ويحترمونها حتى في مورد إذا لم يعثروا على دليل كانوا ينظرون إليها باعتبار.

وهذه النقطة نشهدها الى من زمان الشيخ الطوسي إلى زمان المحقق الحلي والعلامة الحلي لأنهم كانوا يذكرون قول الشيخ في عداد النصوص. كما نشهده يقول: يدل عليه النص وقال الشيخ.

متى بدأ البحث عن مدركية الاجماع؟

كما قلنا ويظهر من التأمل في عبارات الفقهاء والأصوليين أنه بعد تطور علم الأصول وتفصيل البحث فيه من عصر الشيخ الأنصاري بدؤوا بطرح هذا الإشكال أي مدركية الاجماع وأما قبل ذلك لم يكن موجودا ولم يذكره أحد لا في الأصول و لا في الفقه، بل لم يكن معهودا عندهم أصلا. وإنما كانوا يذكرون الاجماع من دون التفات الى وجود المدرك وعدم وجود المدرك.

فالحاصل أن أول من بدأ بطرح هذه الإشكالية هو الشيخ الأنصاري(ره) حسب التحليل الأصولي الذي كان خبيرا ومتخصصا فيه.

وسر عدم وجود أثر للبحث قبل الشيخ الأنصاري لعل هو أنهم كانوا يعتقدون بأن وجود مدرك بجانب مدرك آخر يوجب تقوية المدرك والدليل ولا يوجب ضعفه فإذا نقل الاجماع وكان في جنبه دليل من الكتاب والسنة والعقل فيوجب تقوية جانب الاجماع و لا يضره!

و أما الشيخ الأنصاري ومَن بعده فلأجل تطور علم الأصول وتحليلهم له قالوا بأننا لو وجدنا دليلا من الكتاب وقول الإمام (ع) فلا نحتاج الى الاجماع بل لعل الاجماع قد حصل لأجل الدليل الذي وصل إلينا وبأيدينا.

فلذلك فرقوا بين الاجماع المدركي وغيره من المحصل والمنقول.

الحمد لله ربّ العالمين


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo