< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/02/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة الاستدلال بالكتاب على قاعدة اشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف بالفروع:

منها: الآيات التي تبين بعثة النبي (ص) لكافة الخلق.

ووجه الاستدلال بهذه الآية أنه لا شك بأن إرسال النبي (ص) كان لتشريع الدين والتكاليف. ولفظ «الناس» يشمل الكفار كما يشمل المؤمنين، وبناء عليه فإن إرسال النبي (ص) لكافّة الناس يقتضي توجّه التكليف بالإسلام إلى جميع الناس، بلا فرق بين المسلمين والكفار. وبهذا يثبت اشتراك الكفار مع المسلمين في التكاليف الفرعية، كما أنهم مشتركون في التكليف بالأصول.

و فيه: إن معنى الآية ﴿>ما أرسلناك إلّا كافّةً للناس﴾[1] هو أن الهدف من الإرسال هداية جميع الناس وفلاحهم وسعادتهم ونجاتهم من النار وإنقاذهم من الهلاك والطغيان، وهذا لا يلزم منه تكليف الكفار بالفروع قبل أن يؤمنوا بالأصول؛ لإمكان تكليفهم بالفروع بطريق التكليف بالأصول في الرتبة السابقة، وذلك لأن رتبة تكليف الناس بالفروع متأخرة عن رتبة تكليفهم بالأصول، وهذه الآية من جملة الآيات الناظرة إلى إرشاد الناس وهدايتهم وغير ناظرة إلى التكليف بالفروع.

بعبارة أخری: إن توجّه التكليف بهذا الأمر القرآني فرع الإيمان باللَّه و برسالة خاتم النبييّن صلى الله عليه و آله، و بنزول القرآن من جانب اللَّه وكون الأمر المذكور حكم اللَّه، فما داموا لم يؤمنوا باللَّه و بنبيّه و بكتابه لا يعقل تكليفهم بأوامر القرآن ونواهيه.

ومنها: قوله تعالى: ﴿وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا<﴾[2] .

وهي من جملة الآيات التي استدل بها على هذه القاعدة، ووجه الدلالة واضح بأن الإطلاق في كلمة الناس، وفي عبارة (من استطاع إليه سبيلا) يشمل الكافر والمسلم ويقتضي تكليفهم بالحج و بالفروع الفقهية.

وكذلك ذُكر في مقام الاستدلال آيات أخر كقوله تعالى حكايةً عن حال الكفار في جهنّم: ﴿>قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ<﴾[3] ، وقوله تعالی: ﴿فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى<﴾، و قوله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ<﴾[4]

ووجه الاستدلال بهذه الآيات أن سبب دخول الكفار جهنم تركهم الفروع الدينية مثل الصلاة والزكاة و أمثالها، ويظهر أنّهم لو لم يكونوا مكلّفين بالصلاة والزكاة، فلا وجه لكون ترك هذه الأمور سبباً لدخولهم في النار.

وفيه:

أولاً: فيما يتعلق بآية الحج نقول: إن الاستدلال بهذه الآية يلزم منه أن يكون الدليل أخص من المدعى؛ لأن الآية على فرض صلاحيتها تدل على أن الكفار مكلفون بالحج فقط و لا تدل على أن الكفار مكلفون بالفروع مطلقا.

وثانياً: يمكن أن يكون المراد من كلمة "الناس" المؤمنين من باب حمل المطلق على المقيد والعام على الخاص كما ذكر صاحب الحدائق الناضرة[5] .

أي بما أنه ورد في القرآن خطابات للناس بشكل عام ومطلق وفي المقابل ورد خطابات للمؤمنين بـ "يا أيها الذين آمنوا" ومن الواضح في مقام التعارض البدوي بينهما يحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد حسب القاعدة المسلمة القطعية.

وأما بخصوص سائر الآيات المذكورة في مقام الاستدلال فنقول: يمكن القول بأن اللوم واستحقاق العقاب والسلوك في جهنم إنما هو بسبب كفرهم وعنادهم ولجاجهم المانع من العمل بالفروع، وفي الحقيقة هم أوجدوا سبب حرمانهم من بركات فعل الصلاة والزكاة بكفرهم، أي أنهم لم يصلّوا ولم يزكّوا لأجل كفرهم وامتناعهم عن قبول الإسلام، كما يشهد التصريح فی الآية بتكذيب القيامة وترك تصديق ما جاءَ به النبي (ص) كما في قوله تعالى: وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ.. وغيرها، فکأن تكذيب القيامة هو الأساس في استحقاقهم للنار.

وفي الحقيقة لو صدّق الكافر باللَّه ولم يكذّب بيوم الدين والنبي (ص) لصلّى، ولاستفاد من بركات الفروع الفقهية كالصلاة و الزكاة.

فالحاصل من البحث حول استدلال المثبتين بالكتاب عدم صلاحية الاستدلال بهذه الآيات في المقام، لأن الآيات أجنبية عن مقام الاستدلال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo