< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل الثاني من أدلة المثبتين هو الاستدلال بالكتاب.

من الأدلة التي ذكرت في كلمات الفقهاء في مقام إثبات قاعدة اشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف بالفروع هو الاستدلال بالكتاب.

و ذكر القائلون بالاشتراك العديد من الآيات القرآنية على ذلك وأذكر هنا البعض منها:

الآيات المصدّرة بخطاب "يا أيها الناس"، مثل قول تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[1]

و الآية : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النَّاسَ سُكارى‌ وَ ما هُمْ بِسُكارى‌ وَ لكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَديد[2]

وأما كيفية الاستدلال ووجه الدلالة فهو عبارة عن:

أولا: إن الخطاب بكلمة (الناس) يشمل المؤمن والمسلم والكافر.

ثانيا: بالنسبة إلى الآية الأولى لا شك في أنّ العبادة هي العمل بالأحكام وامتثال الأوامر والإتيان بالواجبات وترك المحرّمات.

وبالنسبة إلى الآية الثانية: إن تقوى الرب إنّما هو بالاجتناب عن موجبات غضبه وعذابه. ويتوقف ذلك على طاعة أوامره و نواهيه والاجتناب عن معصيته.

وبهذا البيان والتوضيح يظهر وجه دلالة هاتين الآيتين على تكليف الكفار بالفروع.

وفيه:

أولا: إن خطاب يا أيها الناس في القرآن الكريم ليس دليلا لشمول الحكم الفرعي لجميع الخلق، بل له جهات عديدة ينبغي البحث عنها في المباحث التفسيرية مثل ما يحكي عن الآية والسورة المكية، فانحصار الخطاب لما نحن فيه هو غير صحيح، والاستدلال بها غير صحيح كذلك، فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

ثانيا: إن الأمر في الآية المباركة: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا ... ليس أمرا مولويا بل هو إرشاد إلى حكم العقل بوجوب طاعة الربّ و عبادته؛ وأداء لحق العبودية والمولوية، وشكر لنعمائه عز وجل، و يؤيد ما قلناه ما جاء في ذيل الآية: ربّكم الذي خلقكم ...

و هذا أشبه بتعليل العقل وحكمه بوجوب طاعة اللَّه و عبادته بملاك الربوبية والخالقية.

يعني أن الآية تأمرك أن تطيع حكم العقل الذي يأمر الإنسان بطاعة ربه عز وجل، فهذا إرشاد إلى العقل وحكمه، و ليس في مقام شمول الخطاب للكافر والمسلم و المؤمن.

وكذلك الآية بعدها: يا أيها الناس اتقوا ربّكم.. فالاتقاء في هذه الآية تحذير من الكفر باللَّه الموجب للخلود في النار. أي إن الآية تقول: اتقوا عذاب ربّكم والخلود في نار جهنّم وذلك بالإيمان باللَّه، والاجتناب عن الكفر الذي يكون موجباً للخلود في النار.

وبهذا البيان ظهر أنها كذلك إرشادٌ إلى حكم العقل بلزوم دفع العقاب الأليم الأخروي وتحصيل المؤمّن من خوف الضرر العظيم.

والنتيجة لا دلالة لهذه الآيات وهي غير ناظرة إلى التكليف بالفروع الفقهية، و لا ارتباط بينها وبين ما نحن فيه.

ومنها:

الآيات التي تبين بعثة النبي (ص) لكافة الخلق مثل قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ...[3]

ووجه الاستدلال بهذه الآية أنه لا شك في أن إرسال النبي (ص) كان لتشريع الدين والتكاليف. ولفظ «الناس» يشمل الكفار كما يشمل المؤمنين، وبناء على إرسال النبي للناس كافة يقتضي توجّه التكليف بالإسلام إلى جميع الناس، بلا فرق بين المسلمين والكفار. وبذلك يثبت اشتراك الكفار مع المسلمين في التكاليف الفرعية، كما أنهم مشتركون في التكليف بالأصول.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo