< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاستدلال على اعتبار النصاب في المعدن ببلوغه دينارا و المناقشة فيه:

فبعد المباحث التي قدمناها حول صحيحة البزنطي، وقمنا بالدفاع عنها وعن دلالتها على المطلوب، يلزم أن نلتفت إلى قول ثانٍ في اعتبار النصاب؛ وهو القول باعتبار بلوغ المعدن ديناراً واحداً.

و هذا القول هو الذي ذهب إليه أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي في الفقه، حيث اشترط فيه بلوغ قيمته ديناراً واحداً[1] .

و لا ريب في أن هذا القول من جانب مشترك مع القول الثاني حيث يقال فيهما باعتبار النصاب في خمس المعدن، ولكن من جانب آخر يعارض القول الثاني من حيث حد النصاب المعتبر، لأنه يعتبره ديناراً بينما القول السابق اعتبره عشرين ديناراً.

وهذا القول من الأقوال النادرة ولم يقل به إلا القليل النادر والشاذ كأبي الصلاح الحلبي فقط.

والدليل على هذا القول كالقولين السابقين هو النص والحديث، فهنا يوجد حديث رواه نفس الراوي الذي قد روى الدليل على القول الثاني باعتبار النصاب، ولكنه رواه عن شخص آخر وإليكم نص الحديث:

محمد بن الحسن بإسناده عن سعد عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر عن محمد بن علي بن أبي عبد اللّٰه عن أبي الحسن (ع) قال: سألته عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَعَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، هَلْ فِيهَا زَكَاةٌ؟. فَقَالَ(ع): إِذَا بَلَغَ قِيمَتُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الخُمُسُ[2] .

ورواه الشيخ الصدوق مرسلا عن موسى بن جعفر (ع)[3] .

وهذا الحديث يحتاج إلى تأمل ودراسة من الجانبين: سنداً و دلالة.

أما من جهة السند فهو ضعيف من جهة محمد بن علي بن أبي عبد اللّٰه، لأنه مجهول عند علماء الرجال لم يرد بشأنه مدح و لا ذم.

و لكن النقطة المهمة في ذلك أن الراوي عنه هو أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الذي هو من جملة الرواة الذين لا يروون إلا عن الثقة، كما هو المعروف والمحكي عن الشيخ في العدة، وعن السيد البروجردي في بعض تقريراته[4] .

فإذا قلنا بصحة هذا القول واعتمدنا عليه فيمكن الاعتماد على الحديث فيما نحن فيه، لأن محمد بن علي بن أبي عبد الله و إن كان ضعيفاً، ولكن الراوي عنه هو أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي لا يروي إلا عن الثقة حسب ما قال ذلك الشيخ الطوسي والسيد البروجردي وغيرهما.

و لكن البعض قد شكك في هذه القاعدة الرجالية، وقال: نحن كثيراً ما التفتنا إلى روايات هؤلاء عن غير الثقات، فكيف يتم الاعتماد عليه.

مضافاً لذلك قد نوقش بأن مضمونه غير معمول به عند الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين، لأنه لم يعمل به إلا أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي، وفي الحقيقة إن العمدة في الإشكال على اعتباره ذلك الحد أنه معرَض عنه، و الفقهاء قد أعرضوا عنه فعلاً، والإعراض في مثل هذه الموارد يوجب الضعف والوهن في الخبر فليس هو بصالح للاستدلال.

وأما في فرض عدم المناقشة في الحديث سنداً فتبقى حينئذ الصحيحتان متعارضتين، فلا بد من ترجيح إحدهما على الأخرى أو الاهتمام بحل التعارض من طريق آخر.

أما من جهة الدلالة: ففيه:

أولاً: عدم تطبيق الجواب على السؤال، لأن السائل سأل عن الزكاة والإمام قد أجابه بالخمس.

و ثانيا: في الخبر سؤالان، بل موضوعان، والإمام لم يشر إلى السؤالين والموضوعين، وإنما أجاب بعبارة ولفظ يوجب الشك في حمله على السؤالين و الموضوعين.

لأن السؤال عما يخرج من البحر أولاً، ثم عن المعادن، وبلفظ يمكن حمله على المؤنث والمذكر، لأنه ذكره (هل فيها زكاة) و لكن الامام (ع) قد أجاب بلفظ مفرد، وبضمير مذكر لا يمكن حمله على جميع الجهات، بل لابد من الحمل على مورد واحد من الموارد التي ذكرت في السؤال.

لأن الضمير في جواب الإمام (قيمته) يصلح أن يرجع إلى (ما يخرج من البحر) وإن لم نقل برجوعه إليه فلابد من تأنيث الضمير.

فلذلك إن العديد من الفقهاء قاموا في مقام التوجيه والجمع بين الحديثين بحمل أحدهما على المعنى المناسب، والاهتمام بإخراجهما عن مورد التعارض.

منها: حمل المقدار الأقل على الاستحباب والأكثر على الوجوب يعني بحمل الحديث (بلوغ المعدن دينارا) على الاستحباب والعشرين دينارا على الوجوب، يعني إذا لم يبلغ ما يخرج من المعدن عشرين دينارا فالمستحب أداء الخمس.

منها: أنّ الرواية التي تجعل النصاب ديناراً واحداً إنّما وردت في خصوص الذهب والفضّة، والرواية التي تجعل النصاب عشرين ديناراً وردت في مطلق المعادن، فلابدّ من حمل المطلق على المقيّد، والنتيجة أن يكون النصاب في خصوص الذهب والفضّة ديناراً واحداً، وفي باقي المعادن عشرين ديناراً.

منها: حمل رواية (نصاب دينار) على سقوط لفظة "العشرين" منها، فإذا قبلنا ذلك تخرج المسألة من التعارض أصلاً.

ومنها: اختصاص نصاب دينار بالغوص، والعشرين بالمعدن، وهو الذي قاله السيد الخوئي في مستند العروة.

1الحمد لله ربّ العالمين


[4] - زبدة المقال في خمس الرسول والآل: 19.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo