< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناقشة إعراض القدماء عن العمل بصحيحة البزنطي:

ظهر مما قلنا في مقام الاستدلال على القول باعتبار النصاب في خمس المعدن أن مقتضىإطلاق النصوص هو عدم التقييد وعدم اعتبار النصاب ولكن صححية البزنطي المتقدم ذكرها تقيد الإطلاقات على تقدير تسليم وجود الإطلاق في النصوص فلذلك استدل القائل بالقول باعتبار النصاب بهذه الصحيحة وتقييد الإطلاقات.

لكنه نوقش أيضا بإعراض مشهور القدماء عن العمل بهذه الصحيحة وعدم الفتوى بها، لأنه كما ذكرنا أنّ قدماء الأصحاب قد أعرضوا عن العمل بمضمونه وإعراض الفقهاء لاسيما القدماء منهم يوجب ضعف الحديث ووهن مكانته وضعف الاستدلال به.

وبناء على هذا فإن صحيحة البزنطي التي تمّ الإعراض عنها ليست بصالحة للاستدلال بها في المقام، ولابد من طرحها وعدم الاستدلال بها، فالقول الثاني خال عن دليل معتبر.

أما في مقابل الاشكال والايراد على الاستدلال فنحن نقول: يمكن الدفاع عن الصحيحة وعدم قابلية الاشكال لطرح الدليل؛ لأنهم تمسكوا بإعراض مشهور القدماء عن العمل بالصحيحة ولكنه أولا يمكن الخدشة في شهرة القول الأول وهو القول بعدم اعتبار النصاب عند القدماء.

لأن الإشكال مبتن على ثبوت شهرة القول الأول وفي هذا الفرض يكون إعراض مشهور المتقدمين موجباً لوهن الدليل، وأما اذا لم يثبت عندنا شهرة القول فلا يعتنى بإعراضهم عن الصحيحة.

نعم إن عدداً من القدماء قالوا بعدم اعتبار النصاب ومقتضاه عدم العمل بهذه الصحيحة وإن كان هذا البعض أكثر عدداً من البعض الذي ذهبوا إلى اعتبار النصاب ولكن ليس مستواهم بحد يمكن إطلاق المشهور عليهم بشكل مطلق، وإن ما تحقق في ذلك هو كثرة العدد فقط.

يضاف إلى ذلك أننا أثبتنا أنه يمكن المناقشة في الإطلاق الذي تمسك به هذا العدد من القدماء كما ناقشناه من قبل،ومن هؤلاء-الذين يقال بأن عددهم أكثر من الآخرين-مَن تردد في العمل بهذه الصحيحة كالشيخ الطوسي في سائر كتبه كما ذكرناه فأصبحت عبارته مضطربة،فلذلك من الأفضل أن لا نعد الشيخ ضمن القائلين بالقول الأول بل لابد من جعله من المترددين بين القولين أو جعله ضمن الطائفتين في القول الأول و الثاني،فهو عمل بالصحيحة مرةً وأخرىلم يعمل، فإذن إن الشيخ قد خرج من زمرة المعرضين ولذلك فقد زاد في عدد العاملين بالصحيحة.

وبعبارة أخرىإن الشيخ الذي هو رئيس القدماء لم يعرض عنها بل هو بعنوان شيخ الطائفة وابن حمزة عملا بهذه الصحيحة، ومجرد عدم الإفتاء بمضمونها من بعض القدماء لا يكشف عن الإعراض عنها خصوصاً مع احتمال أن يكون عدم ذكر النصاب ليس لبنائهم على عدم اعتباره، بل لأنهم بصدد بيان أصل وجوب الخمس في المعدن.

ولذلك يكون الباقي منهم عدّة معدودة لا يتحقّق به إعراض قدماء الأصحاب بسبب مخالفتهم للتقييد.

مضافاً إلى أننا قد علمنا وجه إعراضهم عن هذه الصححية وتعرفنا عليه وسنتعرف عليه أكثر،فإذا عرفنا وجه إعراضهم فلايوجد مجال لضعف الرواية وعدم قابليتها للاستدلال.

ويضاف إلى جميع ما سبق أنّ جمهور المتأخّرين بل عامتهم قد عملوا به، يعني أن الشهرة في القول الثاني عند المتأخرين ثابتة ولاريب فيها، وفي المقابل فقط نعلم أنه القول الأكثر عدداً بين القائلين، ولكنه يوجد بينهم مخالف بل مخالفون،والمعروفون منهم أصبحوا مخالفين وقد عرفنا وجه إعراضهم عن هذه الصحيحة، فالبنتيجة إعراض بعض القدماء في ما نحن فيه لايوجب الوهن بها.

ولا نريد أن ندخل في اضطراب العبارات التي تحكي لنا الشهرة بل الإجماع، لأتها ليست متفقة بل بعضها يعبر عن شهرة القول وبعضها الآخر يعبر بالأكثر وبعضها يعبر بالأكثر قائلاً من القول الآخر وغيرها.

و مع وجود هذه الخلافات والاضطرابات في تعابير الفقهاء فمخالفتهم لا توجب الإعراض عن صحيحة البزنطي ولايوجب الوهن بالصحيحة.

ونوقش أيضاً بعدم التعرض في الصحيحة للخمس لا في السؤال ولا في الجواب، فلعل الموضوع في الصحيحية يكون ناظراً لاعتبار النصاب في زكاة الذهبـ لأنه المناسب لنصاب عشرين ديناراً لا الخمس، و بما أن وجوب الزكاة إنما تتعلق بالذهب المسكوك فقط عن الخاصة وحيث لا زكاة في الذهب غير المسكوك الذي هو مورد الرواية فلابد من حملها على التقية.

فمن هنا يعلم أنّ الإمام قد راعى جانب التقيّة، حيث‌ إن اعتبار النصاب المذكور في زكاة غير المسكوك من الذهب والفضّة موافق لمذهب الشافعي.

ولكننا في مقام الدفاع نقول:

أولا: إن مجرد كون عشرين ديناراً موافقاً لنصاب الذهب لا يستوجب الحمل على نصاب الذهب بعد أن كانت الصحيحة خالية من أية إشارة الى الزكاة.

مضافاًإلى ذلك فأي مانع من أن يكون شيء آخر غير الذهب كالخمس مثلاً نصابه العشرين أيضاً.

وثانياً: من المستبعد جداً أن يكون مثل البزنطي غير عارف بأن المعدن لا زكاة فيه عند الخاصة في حين أنه عالم بالمسائل عند الخاصة.

وثالثاً: إنّ ما أخرج من المعدن لا يختصّ بالذهب والفضّة، وكذا لفظ «شي‌ء» يكون بمعنى شي‌ء من حقّ اللَّه، ولا قرينة على اختصاصه بالزكاة، بل القرينة موجودة على إرادة الخمس.

ورابعاً: مما يؤيّد أن الصححية وردت في موضوع الزكاة هو حديث صحيح آخر عن نفس الرواي وهو البزنطي، حيث إنّه سأل في الرواية عن خمس الكنز فأجابه الإمام بمثل هذا الجواب.

وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن البزنطي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: قال سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز فقال عليه السلام: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس». فإنّ السؤال في هذا الصحيح وإن كان عن الكنز وهو لا يصلح أن يكون شاهداً على المقصود من جواب السؤال عن المعدن في الصحيح المبحوث عنه، إلّا أنّ تشابه الجواب فيهما لا يخلو من تأييد لما قلنا.

ولعلّ سبق ذهن البزنطي بهذا الجواب في الكنز دعاه إلى طرح هذا السؤال في المعدن أيضاً.

فلذلك فإن الصحيحة تامة الدلالة ولا يرد عليها إشكال من هذه الناحية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo