< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: رجوع إلى مرسلة الورّاق للاستدلال على اشتراط إذن الإمام:

بعد أن بحثنا في كيفية الاستدلال بصحيحة معاوية بن وهب، وانتهينا إلى عدم اعتبارها وعدم صلاحيتها للاستدلال على المدعى، يظهر لنا أن الدليل المهمّ في المقام هو مرسلة العباس الورّاق المتقدم ذكرها، و بعبارة أخرى: إنّ الدليل انحصر في هذه المرسلة.

و كما قلنا أن مشكلة ضعف سندها مرتفعة بالشهرة الفتوائية وعمل المشهور، وبعض المؤيدات التي سنتعرض لها إن شاء الله.

سؤال و جواب:

إذا كان الدليل منحصراً في مرسلة الوراق، فأين توجيه الإجماع الذي ادعاه الشيخ في الخلاف بصراحة، كما قدمنا نص كلامه: اذا دخل قوم دار الحرب و قاتلوا بغير إذن الإمام فغنموا، كان ذلك للإمام خاصة، وخالف جميع الفقهاء ذلك. دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأين توجيه الإجماع المنسوب إلى ابن إدريس الحلي في المسألة (حسب ما قاله المحقق الحلي في المعتبر في شرح المختصر، ج2، ص635).

هذا بعد ملاحظة أن الإجماع مع فرض وجود النص يصير إجماعاً مدركياً.

أما الإجابة عن ذلك:

أولاً: إنّ الإجماع المدّعى من الشيخ الطوسي في الخلاف غير محقق، بل من المحتمل القريب أن ادّعاء هذا الإجماع ناشىءٌ عن حدس من الشيخ في المسألة، كما هي عادته في الخلاف وفي بعض كتبه؛ حيث أنه حين يرى المسألة خالية عن الروايات المخالفة والمتناقضة، يدّعي الإجماع حدساً، إذ يعتبر أنه طالما لا اختلاف في الروايات فلا مجال أصلاً للاختلاف في المسألة، لأنْ لا داعي له عند الفقهاء. فبناء على ذلك إنّ إجماع الخلاف إجماعٌ حدسيٌّ، وقد ذكر صاحب الجواهر هذا الإجماع دليلاً على ذلك؛ لأنه يقول باعتبار الإجماع المنقول، وأما الآخرون فلم يذكروا الإحماع دليلاً.

و أما إجماع ابن ادريس فمنسوب فقط؛ ولم نجده في مظانِّ كتبه، بل من البعيد صحة هذه النسبة إليه؛ فهو لا يقول بحجية خبر الواحد، ولا يعمل بخبر واحد صحيح، فضلاً عن مرسلةٍ كمثل مرسلة الوراق، فكيف يدّعى بأنه اعتمد على قول البعض وقال بالإجماع في المسألة؟ هذا بعيد جداً .

نعم، قد ذكر ابن ادريس المسألة في موضعين من السرائر في كتاب الخمس وكتاب الجهاد، ولم يذكر الإجماع. مضافاً إلى ذلك لم نجد الإجماع في كتبه، حتى أنّ المحقق لم يصرح باسمه، بل ذكرهُ بعنوان "المتأخر"، فلعل هذه الانتساب كذلك عن حدس من المحقق في المعتبر، لا عن حسٍّ ونقل.

سؤال وجواب

هل اعتمد مشهور فقهاء الإمامية في قولهم باشتراط إذن الامام في القتال في وجوب خمس الغنائم على هذه المرسلة وحدها واستندوا إليها فقط؟ ولم يكن عندهم دليل آخر؟ أم كانت عندهم أدلة أو مؤيدات سواها؟

حسب الظاهر من عبارات الفقهاء أنهم استندوا في المسألة على هذه المرسلة، ولكن البعض ذكروا وجوهاً عقلية للاستدلال على ذلك وسنتعرض لها إن شاء الله.

 

الوجوه العقلية التي ذكرت في مقام الاستدلال على القول المشهور:

الوجه الأول:

لا شك في أن الحرب من دون إذن الإمام حرامٌ، ولا تجوز المبادرة بها، فمن بدأ بالحرب بدون الإذن فلا حقَّ له في الغنائم التي يأخذها وهي حرام عليه، كالقاتل الذي يحرم من الإرث بسبب قتلهِ المورث.

من يتأمل في هذا الوجه يعلم أن تحريم الغنائم على المقاتلين الذين قاتلوا بغير إذن الإمام هو في الحقيقة مجازاة لهم في هذه الدنيا، كي لا يبادر الآخرون للقتال بغير إذن.

الوجه الثاني:

درسنا في علمي الكلام و الأصول بأن التكاليف والقوانين في الشرع لطف من الله تعالى بعباده، لأن القوانين تمنع الانسان من الدخول في المفاسد وتبعده عنها، و تقربه من المصالح، وسواء في ذلك المفاسد والمصالح الفردية والاجتماعية.

فإرسال الرسل وإنزال الكتب وجعل القوانين كلها لطف من الله تعالى بالعباد؛ لأنها تبعد الإنسان عن ارتكاب المنكر عقلاً وبالتالي شرعاً. ففيما نحن فيه إنّ الحرب بدون إذن الإمام توجب المفاسد وتُدخل الانسان والمجتمع فيها، فحرمان المقاتل من الغنيمة في دار الحرب بما أنه مجازاة للمقاتل، فهو لطف من الله تعالى بالعبد المقاتل بدون إذن الإمام.

وبهذا يمكن القول بأن المشهور لم يستند في فتواه إلى مرسلة الوراق فقط؛ بل قال باشتراط إذن الإمام لالتفاته إلى هذه الوجوه العقلية. وهذا يعني أن ابن ادريس الحلي الذي لا يقول بحجية خبر الواحد الصحيح، يُحتمل أنه التفت إلى هذه الوجوه فأفتى وفقاً لمرسلة الوراق. ومن المحتمل كذلك أن يكون إجماع الشيخ الطوسي في المسألة مستنداً إلى هذه الوجوه.

فاعتماداً على ذلك لا إشكال على ابن ادريس بأنّ كلامه متناقض في موارد حجية الدليل؛ من حيث أنه مرة لا يعتمد على الخبر الواحد الصحيح، وأخرى يعتمد على الخبر المرسل؛ ففي الحقيقة قد اعتمد على المرسلة لا لأجل المرسلة نفسها فقط، بل لأجل إمكان موافقة المرسلة لهذه الوجوه العقلية التي لا تحتاج إلى الاستدلال.

 

يمكن لأحد أن يستشكل على الوجوه العقلية:

بأن دليلية هذه الوجوه العقلية غير تامة بلا شك؛ فمن مشى من الأرض المملوكة للغير أو المغصوبة إلى نقطة أخرى فحازها، هل نستطيع أن نمنعه من منافع هذه الأرض التي حاز ها أو لا؟ قطعاً لا؛ لأن الحرام لا يحرّم الحلال، وأما بالنسبة إلى مثال حرمان القاتل من إرث المقتول المورِّث فموضوع خاص وله دليل خاص في مورده. هذا بالنسبة للوجه الأول.

و أما الوجه الثاني فلازمهُ القول بتعيين مجازاة دنيوية لكل مورد من موارد المخالفة، فمثلاً لا بد من القول بأخذ مالٍ من تارك الصلاة مجازاة له في هذه الدنيا الدنية، بمقتضى قاعدة اللطف، وهذا قول لا قائل به.

والنتيجة:

لا نقول بدليلية هذه الوجوه؛

بل نقول بأنها حكمةُ الحُكْمِ، ولا شكّ في أنّ الأحكام مشتملة على حكم عديدة. والدليل على المسألة التي نحن بصددها يبقى مرسلة الوراق فقط، وكما قلنا فإنّ ضعف سندها منجبرٌ بعمل المشهور، وهذا هو القول الحق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo